هذا هو اليوم الأول لي بعد الهرب من العراق , أتجول في أسواق دمشق ما بين الفرحة و الذهول و الخوف أحاول أن أحدد الخطوة القادمة. في تلك الشوارع الضيقة المزدحمة بالمارة و الكثيرة الحركة كما في الأفلام الأولى لشارلي شابلن تتسارع خطاي لكنها نحو المجهول.
إلى أين؟
كيف؟
و ماذا بعد؟
أسئلة لا أجد لها جواب , علي الذهاب الآن لتناول بعض الطعام
- إذا امتلأت البطن كف الدماغ عن التفكير
إذن الخطوة التالية سيكون موعدها غدا أو ربما بعده
في سوق المرجة ابحث عن مطعم شعبي يقدم الأكلات العراقية المعروفة كالكباب , أتناول نصف كيلو كباب و هي المرة الأولى التي أتناول فيها الكباب بهذه الطريقة , حيث تعودنا على نفر أو نصف نفر في العراق, ربما علي من الآن فصاعدا أن أعود نفسي على أشياء جديدة و أن أتوقع حدوث كل شيء.
في تلك الأيام كانت تجري مباحثات الوحدة بين العراق و سوريا و كانت في مراحلها النهائية و إذا وقعت اتفاقية الوحدة فإن ذلك سيعني من ضمن ما يعني أن العراق و سوريا يصبحان بلدا واحدا و ما يسري على العراقيين داخل العراق سيسري عليهم أوتوماتيكيا في سوريا و ربما سيكون هنالك تعاون أمني و سياسي و مخابراتي بين البلدين من أجل تصيد المعارضين.
لأرحل إذن و على عجل , ليس أمامي إلا صوفيا عاصمة بلغاريا ربما أستطيع هناك الأنصال بالرفاق الذين هربوا قبلي , ربما أتعرف على أحدهم
- الحزب هو ابونة و هو امنة و هو بيتنة
كانت علاقتي بالحزب الشيوعي العراقي و أنا في تلك السن , تشبه علاقة الأب بإبنه و انتابني شعور حقيقي باليتم بعد أن انهارت الجبهة بين حزب البعث الحاكم و الحزب و أغلقت مقرات الحزب و تعرض رفاقنا إلى هجمة بربرية شرسة من قبل الأجهزة الأمنية و منظمات حزب البعث.
- عرس واوية لأن البعث لا يؤتمن و هو الذي ارتكب المجازر بحق رفاقنا عام 1963 , و حتى عندما عاد مرة أخرى إلى السلطة عام 1968 كان رفاقنا هدفا للقتل و الاعتقالات التعسفية و التعذيب الوحشي و كان قصر النهاية الكابوس الذي يلاحق كافة المعارضين لحكومة البعث
توجهت إلى أحد شوارع دمشق الذي تكثر فيه مكاتب السفر , كان قريبا ربما من ساحة المرجة أو منطقة الصالحية على ما أذكر و الفندق الذي اسكن فيه.
- أريد بطاقة سفر إلى صوفيا
- ذهاب و إياب
- لا فقط ذهاب
من تحت نظاراته رمقني بنظرات غريبة , كان في الأربعين أو يزيد ربما دار هذا الحوار في رأسه
- ماذا يفعل هذا الشاب ببطاقة ذهاب فقط , هل هو هارب أو باحث عن عمل
لا أعتقد بأن صاحب مكتب السفر كان لديه علم بما يحدث في العراق من قمع و إرهاب و ملاحقات , ربما اعتقد بأنني باحث عن عمل
- لكن العراق يستورد العمال
- هل لديك جواز سفر؟
- نعم , استطعت استصدار جواز سفر بعد إن قمت بتزوير منطقة سكني و إعطاء الأمر الوزاري الخاص بمنحي إجازة خارج القطر إلى دائرة السفر بدل الذهاب به إلى دائرة صحة كربلاء.
حدق طويلا في جواز سفري ثم قال
- إذهب إلى المحل المجاور و أستنسخه كي أصدر لك بطاقة شباب لأنها أرخص من بطاقة السفرالعادية
هذه معلومة جديدة بالنسبة لي و هي أنني لم ابلغ السادسة و العشرين بعد, هارب لأنني أعمل في السياسة و من حقي شراء بطاقة شباب.
أدفع مبلغ البطاقة حيث كنت أحمل في حينها مبلغ 4 آلاف دولار , و الطيران سيكون يوم الغد.
أحزم حقائبي و في اليوم التالي صباحا أتوجه إلى مطار دمشق , حيث استقل الطائرة المتوجهة إلى العاصمة البلغارية صوفيا, كان ينتابني بعض القلق , لكنه كان يزول تدريجيا مع كل دقيقة نبتعد فيها عن الشرق المليء بالدماء.
في مقعد الطائرة المجاور لشباك الطائرة , كنت أحدق في الأفق البعيد , و كانت تراودني أحلام كثيرة , لم أدقق في وجوه المسافرين , ربما كان على الطائرة أصدقاء أو رفاق التقيتهم سابقا , في سفرة , احتفال , حلقة حزبية , نشاط اجتماعي.
لكنني كنت غارقا في التفكير و في التجربة الجديدة التي سأخوضها و أنا الذي لا يمتلك أية تجربة حياتية.
إلى أين؟
كيف؟
و ماذا بعد؟
أسئلة لا أجد لها جواب , علي الذهاب الآن لتناول بعض الطعام
- إذا امتلأت البطن كف الدماغ عن التفكير
إذن الخطوة التالية سيكون موعدها غدا أو ربما بعده
في سوق المرجة ابحث عن مطعم شعبي يقدم الأكلات العراقية المعروفة كالكباب , أتناول نصف كيلو كباب و هي المرة الأولى التي أتناول فيها الكباب بهذه الطريقة , حيث تعودنا على نفر أو نصف نفر في العراق, ربما علي من الآن فصاعدا أن أعود نفسي على أشياء جديدة و أن أتوقع حدوث كل شيء.
في تلك الأيام كانت تجري مباحثات الوحدة بين العراق و سوريا و كانت في مراحلها النهائية و إذا وقعت اتفاقية الوحدة فإن ذلك سيعني من ضمن ما يعني أن العراق و سوريا يصبحان بلدا واحدا و ما يسري على العراقيين داخل العراق سيسري عليهم أوتوماتيكيا في سوريا و ربما سيكون هنالك تعاون أمني و سياسي و مخابراتي بين البلدين من أجل تصيد المعارضين.
لأرحل إذن و على عجل , ليس أمامي إلا صوفيا عاصمة بلغاريا ربما أستطيع هناك الأنصال بالرفاق الذين هربوا قبلي , ربما أتعرف على أحدهم
- الحزب هو ابونة و هو امنة و هو بيتنة
كانت علاقتي بالحزب الشيوعي العراقي و أنا في تلك السن , تشبه علاقة الأب بإبنه و انتابني شعور حقيقي باليتم بعد أن انهارت الجبهة بين حزب البعث الحاكم و الحزب و أغلقت مقرات الحزب و تعرض رفاقنا إلى هجمة بربرية شرسة من قبل الأجهزة الأمنية و منظمات حزب البعث.
- عرس واوية لأن البعث لا يؤتمن و هو الذي ارتكب المجازر بحق رفاقنا عام 1963 , و حتى عندما عاد مرة أخرى إلى السلطة عام 1968 كان رفاقنا هدفا للقتل و الاعتقالات التعسفية و التعذيب الوحشي و كان قصر النهاية الكابوس الذي يلاحق كافة المعارضين لحكومة البعث
توجهت إلى أحد شوارع دمشق الذي تكثر فيه مكاتب السفر , كان قريبا ربما من ساحة المرجة أو منطقة الصالحية على ما أذكر و الفندق الذي اسكن فيه.
- أريد بطاقة سفر إلى صوفيا
- ذهاب و إياب
- لا فقط ذهاب
من تحت نظاراته رمقني بنظرات غريبة , كان في الأربعين أو يزيد ربما دار هذا الحوار في رأسه
- ماذا يفعل هذا الشاب ببطاقة ذهاب فقط , هل هو هارب أو باحث عن عمل
لا أعتقد بأن صاحب مكتب السفر كان لديه علم بما يحدث في العراق من قمع و إرهاب و ملاحقات , ربما اعتقد بأنني باحث عن عمل
- لكن العراق يستورد العمال
- هل لديك جواز سفر؟
- نعم , استطعت استصدار جواز سفر بعد إن قمت بتزوير منطقة سكني و إعطاء الأمر الوزاري الخاص بمنحي إجازة خارج القطر إلى دائرة السفر بدل الذهاب به إلى دائرة صحة كربلاء.
حدق طويلا في جواز سفري ثم قال
- إذهب إلى المحل المجاور و أستنسخه كي أصدر لك بطاقة شباب لأنها أرخص من بطاقة السفرالعادية
هذه معلومة جديدة بالنسبة لي و هي أنني لم ابلغ السادسة و العشرين بعد, هارب لأنني أعمل في السياسة و من حقي شراء بطاقة شباب.
أدفع مبلغ البطاقة حيث كنت أحمل في حينها مبلغ 4 آلاف دولار , و الطيران سيكون يوم الغد.
أحزم حقائبي و في اليوم التالي صباحا أتوجه إلى مطار دمشق , حيث استقل الطائرة المتوجهة إلى العاصمة البلغارية صوفيا, كان ينتابني بعض القلق , لكنه كان يزول تدريجيا مع كل دقيقة نبتعد فيها عن الشرق المليء بالدماء.
في مقعد الطائرة المجاور لشباك الطائرة , كنت أحدق في الأفق البعيد , و كانت تراودني أحلام كثيرة , لم أدقق في وجوه المسافرين , ربما كان على الطائرة أصدقاء أو رفاق التقيتهم سابقا , في سفرة , احتفال , حلقة حزبية , نشاط اجتماعي.
لكنني كنت غارقا في التفكير و في التجربة الجديدة التي سأخوضها و أنا الذي لا يمتلك أية تجربة حياتية.
تعليق