السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدعوكم جميعا للمساهمة في بناء قصة عربية مشتركة بأقلام ملتقى الأدباء والمبدعين العرب، على أن تكون الردود بمثابة تكملة للبداية التي سأنشرها.. على أن تنتهي بتساؤل (كل رد بتساؤل) وبارك الله فيكم.
هذه البداية:
تحت ضوء البدر أشعرُ أنه يرقبني.. يرصد الحركاتِ هنا وهناك..
أنادي من هناك؟ هل من مجيب؟!
........
........
بقلم الشاعر الروائي أبي بدر حركات - أولاد جلال - الجزائر
وستتوّج هذه القصة في آخر المطاف بنشرها كاملة في قسم القصة القصيرة والرواية..
في انتظار ردودكم المكملة لهذه الافتتاحية البسيطة..
تقديري لكم وشكرا على هذا التعاون..
________________________________________
________________________________________
الأمـــــل
مراد حركات
تحت ضوء البدر أشعرُ أنه يرقبني.. يرصد الحركاتِ هنا وهناك..
أنادي من هناك؟ هل من مجيب؟!
بنت الشهباء
وفجأة سمع صوتا يهمس بحنو ورقة
-إلى أين !؟ أما رأيت بهاء القمر وهو يرسل لك نور الأمل من جديد !؟
أما سمعت شدو الطيور تغرد سيمفونية الحلم الجميل !؟
د.جمال مرسي
كانت الوحشة تملأ قلبه, و الدنيا قد أغلقت أبوابها في وجهه, فكانت الخطوات تأخذه إلى حيث لا يدري. يتعثر في خطواته و تخيفه أنفاسه. الصمت كئيب و لا سمير له إلا هذا البدر و ما يبعثه في نفسه من أمل بضوئه الفضي الجميل و ذلك الصوت الخفيّ الذي كان يأتيه من بعيد و لا يدري مصدره .
و إذا بالصوت يقترب منه أكثر فأكثر, فإذا به أمام شيخ وقور ذي لحية بيضاء و ثوب ملائكي يكسو جسده النحيل, و عمامة زادها نور القمر ألقا و بهاءً .
قال له : اذهب يا ولدي إلى هذه القرية التي ترى أضواءها الخافتة على البعد, و اسأل عن عمك (صالح) نجار القرية, فإذا وجدته أقرئه السلام و قل له يقول لك الشيخ (رافع) : ماذا صار للطفل ؟
مراد حركات
ذهب الولد إلى القرية، والأضواء مع خفوتها تزيده ألقا على ألق قلبه المزهر بالأمل البدري، واتجه صوب ورشة عمه صالح، فسلّم عليه وقال له: عمّاه!! إن الشيخ (رافع) يقرؤك السلام، ويسألك ماذا حدث للطفل؟
صالح: أي طفل؟ عمّا تتحدّث يا بنيّ؟
الولد -وكان اسمه (وحيد)-: ابن أخ الشيخ (رافع)..
صالح: إنه مع ابن عمّك الصغير (أحمد) يتلقى درس العروض والشعر في كتّاب هذه القرية، إنه ليس بعيدا من هنا..
وحيد :ما اسم الشيخ الذي يدرّسه؟..
مراد حركات
صالح: إنه شيخنا (جمال)!!
وحيد: ..إني أعرفه..
وانطلق مسرعا إلى الكتّاب، ومن شدة فرحته لم ينتبه إلى أفقه، فارتطم برجُل تبدو على ملامحه القوة والحزم على شيء من اللطف والسماحة، فاعتذر على تهوره، تركه الرجل قائلا: لا بأس بنيَّ..
لمح (وحيد) ورقة سقطت من جيب الرجل عندما اصطدما ببعض.. حاول (وحيد)اللحاق بالرجل ليسلّمه وديعتَه، لكنه غاب في رحاب الأفق بسيارته..
تساءل: من يكون هذا الرجل؟
بنت الشهباء
أما تعرف يا (وحيد) هذا الشيخ الجليل الذي نذر نفسه لخدمة الأدب والعلم !!!؟؟..
فقد اتخذ من داره التي تجاور بيت العمدة غرفة واسعة ليؤم إليها كل طفل عاشقاً للشعر.
وليتك ترى هذا الشيخ الجليل (عبد الحكيم) متربعا في جلسته , وبين يديه قصائد من روائع الشعر العربي.
يا بنيّ أسلوبه المميّز في قراءة بحور الشعر والعروض تنساب إلى القلوب دون إذن ولا حاجب .. تحيا وتعيش مع شدو لحنها , وروعة جلالها , وتتمنى لو أن الحصة تطول معه ولا تنتهي. فجأة كأن (وحيد) قد وجد ضالته المنشودة ..
وإذ به يقول لوالده :
أرجوك يا أبي هل تستطيع الآن أن تذهب معي للشيخ (عبد الحكيم)!؟
سميرة
لم يجد جوابا على سؤاله فلم يعد للرجل تواجد بالمكان. وقف مشدوها بين رقّة الرجل وبين الورقة التي بين يديه.
فجأة تذكر ما جاء من أجله فدسّ الورقة في جيبه على أن يرى شأنها لاحقاً, وانطلق مجدداً إلى الشيخ (جمال).
مراد حركات
وفي طريقه إلى كتّاب القرية لمح رجُلين يمشيان بمحاذاة عدد كبير من السيارات السوداء كتلك التي تقل الوزراء والرؤساء، وإذ به يلتقي الرجل الذي قابله منذ برهة..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا بنيّ؟
- بخير والحمد لله، أستاذي الكريم .
قالها وكأنما قرأ فيه ملامح أستاذ جامعي كبير
- لقد احتفظت بورقة لك، فها هي ذي بين يديك..
لكن الرجل أبى أن يستلمها من (وحيد) وعقـّّب قائلا:
- إن هذه الورقة لك وليست لي، فهي وديعة من أحد أصدقائي لك فقط..
وسأله عن اسمه فأبى أن يفصح وغاب في الزحام..
مالذي وجده (وحيد) في الورقة؟
مراد حركات
استنطقت الورقة وجدان (وحيد) وسألته عمّا إذا كان يودّ مغادرة البلاد متّجها إلى عاصمة الروح (دمشق)، وهي تحاوره.. وقعت عيناه على توقيع وختم أزرق، كان يبدو برائحة الفل الدمشقيّ..
فتساءل:
- من أرسل لي هذه الرسالة العطرية؟
أحمد السقال
في الورقة وجد ما يلي: :
هذا كلام لك , لم يكتبه الأولون ولا الآخرون , قم الى ذلك التلّ الذي يراك ولا تراه بالعين المجردة, وصلّ ركعتين قبل الإقبال , واسأل أين أكون حين تصل أنت المسكون بسؤال الفرحة التي لا تأتي.
مراد حركات
حينما قرأها انبجس النور في وجهه، وأشرقَ بالبشْر أفقه..
أحلى ما سمع من السطور في هذه الورقة، وهي تختزل مسافاتٍ وأبعاداً واعدة..
قام (وحيد) لتوّه -بعد قراءته المتأنية- كي يعانقَ أمله الذي كان يراوده..
تساءل الأمل: أين أنت يا (وحيد)؟ أين كنت عندما بدَا منّي منك الألق؟
محمود أبو أسعد
تكاثرت الأسئلة في ذهنة وأخذت تتزايد هواجسه , حاصرته المسافات بين السطور وبين الأمل المعقود , وتمنّى أن يرى النور يلوح, ولو على مسافة امتداد سراب الحلم.
مراد حركات
(وحيد)- في تصاعد الحلم-
-: كيف يمكن لهذا الأمل أن يكون لي رفيقا؟
مراد حركات
مع الأمل سأكون دائما.. قال (وحيد) وهو يلتفت إلى نملة صغيرة تشبثت بعود صغير في مجرى صغير!!
حينها سمع الشيخ (رافع) ينادي: (وحيد).. يا بنيّ، تأمّل هذه النملة جيّدا كيف قاومت الغرق بأبسط عود، وها هي كما ترى تسعى إلى رزقها كأنّ شيئا لم يكن..
بعد برهة..
-إلى أين عزمتَ الرحيلَ يا ولدي؟!
- إلى (سوريا) الحبيبة..
-وهل علمت ما عليك عمله فور وصولك إلى (دمشق)؟!
مراد حركات
-(وحيد): نعم يا عمّاه..
- الشيخ (رافع): إذن ماذا تنتظر يا بنيّ؟ هيّا توكّل على الله تعالى وسافر إلى (دمشق) حيث تجد أملَك هناك ليرعاك!!
وانطلق وحيد بعدما عانق الشيخ (رافع)..
حزَم أمتعته واتّجه إلى المطار أين التقى صديقَه (عمر) في مقهى المطار، دعاه لتناول مشروب ساخن.. وقال له:
- يا صديقي (وحيد)..سأفتقدك كثيرا..لكن لا تنسى أن تراسلني..
-(وحيد): بحول الله وقدرته..
-(عمر): وأنت ماذا ستعمل الآن؟
سلوى فريمان
"وسرح نظر (وحيد) في ماضٍ لم يتركه لحظة .. في عينه شوق و لؤلؤة أمل ..
تلك الطفولة التي تركها باكية على رأس الحارة.. شعرها المسكون بأجنحة الولدنة ، يلتصق بهلع على خدّ تبلل بنقاط الملح الطافرة من زرقة حدقتها
و براءة فيها استيقظت فجأة لتتساءل بصمت
-: و أنا ، ماذا أفعل بدونك" ؟؟؟
رفع (وحيد) فنجان قهوة ،أطاحت بحرارته زفرة حنين، عن شفته ،
نظر إلى (عمر) مبتسماً و قال : سأغوص في الدنيا و الأزرق في عينيها .
مراد حركات
هي الطفولة التي عاشها (وحيد) في غمرة الأزرق البحريّ..
تساءل حينها: هل أجد (دمشقَ) زرقاءَ مثل طفولتي؟
سلوى فريمان
ثم تحوّل إلى صديقه المتسائل و حبّ آخر يتأرجح في رمشه
و قال ضاحكاً :
- انها (الغوطة) يا صديقي ، جنّة (دمشق) و فاكهتها ..
إنه "بـردى" يا صديقي ، بحّة الدفء في صوت فيروز و أغنيتها..
و قبل ان يتكلم (عم)ر ، نظر وحيد إلى ساعته
-(عمر) : حان الوقت ؟؟؟
-(وحيد) : نعم ، لا أريد أن تفوتني الطائرة.
أحمد السقال
مكبرات الصوت في المطار تنبه إلى اقتراب موعد إقلاع الطائرة, رحلة رقم 444 المتجهة إلى (دمشق) والقادمة من عبق الشرق. لحظات الوداع بين الصديقين لم تنل كل حميميتها بسبب الضوضاء في المطار وترجّل المسافرين نحو باب الإقلاع..ليجد (وحيد) نفسه داخل هذا الكثلة الحديدية , أنه يعانق السماء أول مرة .
يحيى الحباشنة
جثم الصمت كخيمة سوداء, ولبرهة أحسّ بظلمة شديدة, وبرودة نفذت إلى أطراف أصابعه, وشعر برجفة امتدت حتى أخمص قدميه، واحتبست أنفاسه وشعر بالضيق إلى درجة لا تحتمل، وتحشرجت الصرخة في حلقه الذي بدى جافاً وأسبل جفنيه وأخذ نفساً عميقاً, أعاد له قليلاً من الهدوء، حتّى كاد يسلم نفسه لنوم عميق، لولا أن جاء صوتها هادئاً دافئاً, أعاد السكينة إلى قلبه والتفت إليها مندهشاً، فكانت كملاك هبط للتوّ من السماء، بثوبها الأزرق السماوي الذي يعكس ضوء القمر على وجنتيها الورديتين.
:- الهي كيف وصلت إلى هنا؟ وكيف عرفت أنني ألقي خطاياي على أعتاب هذا المكان الموحش؟ أجيبيني بحقّ الربّ.
جاء صوت المضيفة بنفس درجة الدفء, ووسط ابتسامة رقيقة من شفتيها التي كشفت عن أسنان كالؤلؤ :
- لا شك أنّك تحلم، سوف أحضر لك شراباً يريح الأعصاب.. إنّك تبدو صغيراً على الهموم .
بقي صامتاً ساهماً يتلذّذ ببقايا رائحتها التي تركتها وراءها عبر الممر الذي يفصله عن الصفّ الآخر من المقاعد.
وأعاد شريط الأحداث في ذاكرته, لكنه كان يشعر بلذائذ رائحة المضيفة التي علقت في جيوبه الأنفية ، واسترخى مستسلما لأفكار لم يعهدها من قبل.
رشيدة فقري
وحين اتخذ مجلسه في المقعد المخصص له في الطائرة..اخذ يتلو آيات بينات من سورة (التوبة), ووجيب قلبه يكاد يطغى على صوت المحركات.
وحين بدات المضيفة الحسناء تشرح طريقة التعامل مع المعدات, وكيفية الخروج في حالة الخطر و...و...
بدات رهبته تتلاشى أمام سحر حركاتها الانيقة.
بلقاسم عفيصة
راح يفتش داخل ذاكرته, عن كلمات قد تشفي الغليل واللوعة، كلمات تطفئ لهباً أتى على جدران قلبه العطوف، التائه بين ربوع الطائرة, كأنها القصر، والأميرة تقترب من عرشه الملكي، تدنو باستحياء، فيلطم نسيمها وجهه ... يستفيق على صوت أحد كان يجلس بالقرب منه قائلا له:
- عذرا سيدي هل أنت من مدينة (سيدي خالد) ..والله اختلطت الملامح لديّ بينك وبين أحد الأصدقاء تعرفت عليه في شركة كانت لي فيها حاجة، ولم أره منذ ذلك الزمن .فهل أنت(عاصم)؟.
أدعوكم جميعا للمساهمة في بناء قصة عربية مشتركة بأقلام ملتقى الأدباء والمبدعين العرب، على أن تكون الردود بمثابة تكملة للبداية التي سأنشرها.. على أن تنتهي بتساؤل (كل رد بتساؤل) وبارك الله فيكم.
هذه البداية:
تحت ضوء البدر أشعرُ أنه يرقبني.. يرصد الحركاتِ هنا وهناك..
أنادي من هناك؟ هل من مجيب؟!
........
........
بقلم الشاعر الروائي أبي بدر حركات - أولاد جلال - الجزائر
وستتوّج هذه القصة في آخر المطاف بنشرها كاملة في قسم القصة القصيرة والرواية..
في انتظار ردودكم المكملة لهذه الافتتاحية البسيطة..
تقديري لكم وشكرا على هذا التعاون..
________________________________________
________________________________________
الأمـــــل
مراد حركات
تحت ضوء البدر أشعرُ أنه يرقبني.. يرصد الحركاتِ هنا وهناك..
أنادي من هناك؟ هل من مجيب؟!
بنت الشهباء
وفجأة سمع صوتا يهمس بحنو ورقة
-إلى أين !؟ أما رأيت بهاء القمر وهو يرسل لك نور الأمل من جديد !؟
أما سمعت شدو الطيور تغرد سيمفونية الحلم الجميل !؟
د.جمال مرسي
كانت الوحشة تملأ قلبه, و الدنيا قد أغلقت أبوابها في وجهه, فكانت الخطوات تأخذه إلى حيث لا يدري. يتعثر في خطواته و تخيفه أنفاسه. الصمت كئيب و لا سمير له إلا هذا البدر و ما يبعثه في نفسه من أمل بضوئه الفضي الجميل و ذلك الصوت الخفيّ الذي كان يأتيه من بعيد و لا يدري مصدره .
و إذا بالصوت يقترب منه أكثر فأكثر, فإذا به أمام شيخ وقور ذي لحية بيضاء و ثوب ملائكي يكسو جسده النحيل, و عمامة زادها نور القمر ألقا و بهاءً .
قال له : اذهب يا ولدي إلى هذه القرية التي ترى أضواءها الخافتة على البعد, و اسأل عن عمك (صالح) نجار القرية, فإذا وجدته أقرئه السلام و قل له يقول لك الشيخ (رافع) : ماذا صار للطفل ؟
مراد حركات
ذهب الولد إلى القرية، والأضواء مع خفوتها تزيده ألقا على ألق قلبه المزهر بالأمل البدري، واتجه صوب ورشة عمه صالح، فسلّم عليه وقال له: عمّاه!! إن الشيخ (رافع) يقرؤك السلام، ويسألك ماذا حدث للطفل؟
صالح: أي طفل؟ عمّا تتحدّث يا بنيّ؟
الولد -وكان اسمه (وحيد)-: ابن أخ الشيخ (رافع)..
صالح: إنه مع ابن عمّك الصغير (أحمد) يتلقى درس العروض والشعر في كتّاب هذه القرية، إنه ليس بعيدا من هنا..
وحيد :ما اسم الشيخ الذي يدرّسه؟..
مراد حركات
صالح: إنه شيخنا (جمال)!!
وحيد: ..إني أعرفه..
وانطلق مسرعا إلى الكتّاب، ومن شدة فرحته لم ينتبه إلى أفقه، فارتطم برجُل تبدو على ملامحه القوة والحزم على شيء من اللطف والسماحة، فاعتذر على تهوره، تركه الرجل قائلا: لا بأس بنيَّ..
لمح (وحيد) ورقة سقطت من جيب الرجل عندما اصطدما ببعض.. حاول (وحيد)اللحاق بالرجل ليسلّمه وديعتَه، لكنه غاب في رحاب الأفق بسيارته..
تساءل: من يكون هذا الرجل؟
بنت الشهباء
أما تعرف يا (وحيد) هذا الشيخ الجليل الذي نذر نفسه لخدمة الأدب والعلم !!!؟؟..
فقد اتخذ من داره التي تجاور بيت العمدة غرفة واسعة ليؤم إليها كل طفل عاشقاً للشعر.
وليتك ترى هذا الشيخ الجليل (عبد الحكيم) متربعا في جلسته , وبين يديه قصائد من روائع الشعر العربي.
يا بنيّ أسلوبه المميّز في قراءة بحور الشعر والعروض تنساب إلى القلوب دون إذن ولا حاجب .. تحيا وتعيش مع شدو لحنها , وروعة جلالها , وتتمنى لو أن الحصة تطول معه ولا تنتهي. فجأة كأن (وحيد) قد وجد ضالته المنشودة ..
وإذ به يقول لوالده :
أرجوك يا أبي هل تستطيع الآن أن تذهب معي للشيخ (عبد الحكيم)!؟
سميرة
لم يجد جوابا على سؤاله فلم يعد للرجل تواجد بالمكان. وقف مشدوها بين رقّة الرجل وبين الورقة التي بين يديه.
فجأة تذكر ما جاء من أجله فدسّ الورقة في جيبه على أن يرى شأنها لاحقاً, وانطلق مجدداً إلى الشيخ (جمال).
مراد حركات
وفي طريقه إلى كتّاب القرية لمح رجُلين يمشيان بمحاذاة عدد كبير من السيارات السوداء كتلك التي تقل الوزراء والرؤساء، وإذ به يلتقي الرجل الذي قابله منذ برهة..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا بنيّ؟
- بخير والحمد لله، أستاذي الكريم .
قالها وكأنما قرأ فيه ملامح أستاذ جامعي كبير
- لقد احتفظت بورقة لك، فها هي ذي بين يديك..
لكن الرجل أبى أن يستلمها من (وحيد) وعقـّّب قائلا:
- إن هذه الورقة لك وليست لي، فهي وديعة من أحد أصدقائي لك فقط..
وسأله عن اسمه فأبى أن يفصح وغاب في الزحام..
مالذي وجده (وحيد) في الورقة؟
مراد حركات
استنطقت الورقة وجدان (وحيد) وسألته عمّا إذا كان يودّ مغادرة البلاد متّجها إلى عاصمة الروح (دمشق)، وهي تحاوره.. وقعت عيناه على توقيع وختم أزرق، كان يبدو برائحة الفل الدمشقيّ..
فتساءل:
- من أرسل لي هذه الرسالة العطرية؟
أحمد السقال
في الورقة وجد ما يلي: :
هذا كلام لك , لم يكتبه الأولون ولا الآخرون , قم الى ذلك التلّ الذي يراك ولا تراه بالعين المجردة, وصلّ ركعتين قبل الإقبال , واسأل أين أكون حين تصل أنت المسكون بسؤال الفرحة التي لا تأتي.
مراد حركات
حينما قرأها انبجس النور في وجهه، وأشرقَ بالبشْر أفقه..
أحلى ما سمع من السطور في هذه الورقة، وهي تختزل مسافاتٍ وأبعاداً واعدة..
قام (وحيد) لتوّه -بعد قراءته المتأنية- كي يعانقَ أمله الذي كان يراوده..
تساءل الأمل: أين أنت يا (وحيد)؟ أين كنت عندما بدَا منّي منك الألق؟
محمود أبو أسعد
تكاثرت الأسئلة في ذهنة وأخذت تتزايد هواجسه , حاصرته المسافات بين السطور وبين الأمل المعقود , وتمنّى أن يرى النور يلوح, ولو على مسافة امتداد سراب الحلم.
مراد حركات
(وحيد)- في تصاعد الحلم-
-: كيف يمكن لهذا الأمل أن يكون لي رفيقا؟
مراد حركات
مع الأمل سأكون دائما.. قال (وحيد) وهو يلتفت إلى نملة صغيرة تشبثت بعود صغير في مجرى صغير!!
حينها سمع الشيخ (رافع) ينادي: (وحيد).. يا بنيّ، تأمّل هذه النملة جيّدا كيف قاومت الغرق بأبسط عود، وها هي كما ترى تسعى إلى رزقها كأنّ شيئا لم يكن..
بعد برهة..
-إلى أين عزمتَ الرحيلَ يا ولدي؟!
- إلى (سوريا) الحبيبة..
-وهل علمت ما عليك عمله فور وصولك إلى (دمشق)؟!
مراد حركات
-(وحيد): نعم يا عمّاه..
- الشيخ (رافع): إذن ماذا تنتظر يا بنيّ؟ هيّا توكّل على الله تعالى وسافر إلى (دمشق) حيث تجد أملَك هناك ليرعاك!!
وانطلق وحيد بعدما عانق الشيخ (رافع)..
حزَم أمتعته واتّجه إلى المطار أين التقى صديقَه (عمر) في مقهى المطار، دعاه لتناول مشروب ساخن.. وقال له:
- يا صديقي (وحيد)..سأفتقدك كثيرا..لكن لا تنسى أن تراسلني..
-(وحيد): بحول الله وقدرته..
-(عمر): وأنت ماذا ستعمل الآن؟
سلوى فريمان
"وسرح نظر (وحيد) في ماضٍ لم يتركه لحظة .. في عينه شوق و لؤلؤة أمل ..
تلك الطفولة التي تركها باكية على رأس الحارة.. شعرها المسكون بأجنحة الولدنة ، يلتصق بهلع على خدّ تبلل بنقاط الملح الطافرة من زرقة حدقتها
و براءة فيها استيقظت فجأة لتتساءل بصمت
-: و أنا ، ماذا أفعل بدونك" ؟؟؟
رفع (وحيد) فنجان قهوة ،أطاحت بحرارته زفرة حنين، عن شفته ،
نظر إلى (عمر) مبتسماً و قال : سأغوص في الدنيا و الأزرق في عينيها .
مراد حركات
هي الطفولة التي عاشها (وحيد) في غمرة الأزرق البحريّ..
تساءل حينها: هل أجد (دمشقَ) زرقاءَ مثل طفولتي؟
سلوى فريمان
ثم تحوّل إلى صديقه المتسائل و حبّ آخر يتأرجح في رمشه
و قال ضاحكاً :
- انها (الغوطة) يا صديقي ، جنّة (دمشق) و فاكهتها ..
إنه "بـردى" يا صديقي ، بحّة الدفء في صوت فيروز و أغنيتها..
و قبل ان يتكلم (عم)ر ، نظر وحيد إلى ساعته
-(عمر) : حان الوقت ؟؟؟
-(وحيد) : نعم ، لا أريد أن تفوتني الطائرة.
أحمد السقال
مكبرات الصوت في المطار تنبه إلى اقتراب موعد إقلاع الطائرة, رحلة رقم 444 المتجهة إلى (دمشق) والقادمة من عبق الشرق. لحظات الوداع بين الصديقين لم تنل كل حميميتها بسبب الضوضاء في المطار وترجّل المسافرين نحو باب الإقلاع..ليجد (وحيد) نفسه داخل هذا الكثلة الحديدية , أنه يعانق السماء أول مرة .
يحيى الحباشنة
جثم الصمت كخيمة سوداء, ولبرهة أحسّ بظلمة شديدة, وبرودة نفذت إلى أطراف أصابعه, وشعر برجفة امتدت حتى أخمص قدميه، واحتبست أنفاسه وشعر بالضيق إلى درجة لا تحتمل، وتحشرجت الصرخة في حلقه الذي بدى جافاً وأسبل جفنيه وأخذ نفساً عميقاً, أعاد له قليلاً من الهدوء، حتّى كاد يسلم نفسه لنوم عميق، لولا أن جاء صوتها هادئاً دافئاً, أعاد السكينة إلى قلبه والتفت إليها مندهشاً، فكانت كملاك هبط للتوّ من السماء، بثوبها الأزرق السماوي الذي يعكس ضوء القمر على وجنتيها الورديتين.
:- الهي كيف وصلت إلى هنا؟ وكيف عرفت أنني ألقي خطاياي على أعتاب هذا المكان الموحش؟ أجيبيني بحقّ الربّ.
جاء صوت المضيفة بنفس درجة الدفء, ووسط ابتسامة رقيقة من شفتيها التي كشفت عن أسنان كالؤلؤ :
- لا شك أنّك تحلم، سوف أحضر لك شراباً يريح الأعصاب.. إنّك تبدو صغيراً على الهموم .
بقي صامتاً ساهماً يتلذّذ ببقايا رائحتها التي تركتها وراءها عبر الممر الذي يفصله عن الصفّ الآخر من المقاعد.
وأعاد شريط الأحداث في ذاكرته, لكنه كان يشعر بلذائذ رائحة المضيفة التي علقت في جيوبه الأنفية ، واسترخى مستسلما لأفكار لم يعهدها من قبل.
رشيدة فقري
وحين اتخذ مجلسه في المقعد المخصص له في الطائرة..اخذ يتلو آيات بينات من سورة (التوبة), ووجيب قلبه يكاد يطغى على صوت المحركات.
وحين بدات المضيفة الحسناء تشرح طريقة التعامل مع المعدات, وكيفية الخروج في حالة الخطر و...و...
بدات رهبته تتلاشى أمام سحر حركاتها الانيقة.
بلقاسم عفيصة
راح يفتش داخل ذاكرته, عن كلمات قد تشفي الغليل واللوعة، كلمات تطفئ لهباً أتى على جدران قلبه العطوف، التائه بين ربوع الطائرة, كأنها القصر، والأميرة تقترب من عرشه الملكي، تدنو باستحياء، فيلطم نسيمها وجهه ... يستفيق على صوت أحد كان يجلس بالقرب منه قائلا له:
- عذرا سيدي هل أنت من مدينة (سيدي خالد) ..والله اختلطت الملامح لديّ بينك وبين أحد الأصدقاء تعرفت عليه في شركة كانت لي فيها حاجة، ولم أره منذ ذلك الزمن .فهل أنت(عاصم)؟.
تعليق