قراءة في نموذجين ادبيين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نور عامر
    أديب وناقد ومفكر
    • 19-03-2009
    • 36

    قراءة في نموذجين ادبيين





    1) سيمون عيلوطي الشاعر الملهم

    من أين نبدأ مع سيمون عيلوطي ، وكل أشعاره العامية رشيقة معتقة كبنت الحان . لذلك لا غرابة أن تستحوذ علينا لذة تتداخل فيها عناصر الحس والذهن حين نقرأ :
    " انْتي المَرا اللي بْشوفها / بكل الصّور / بْهبّ الهوا يقطر الندى / يْموج البحر / انْتي الصبح وشروقو / حبّات المطر / لمْنعْنفه هيك بْهداوي / عالشجر / انتي اللي جوا القلب / وَرْدات القمر / قنديل مَحبّي ضاوْيي / ليل السّهر " .
    انه يمنح المرأة قيمة معنوية ، خصبا وبعدا ، عبر قالب جميل من الألفاظ المعبرة عن الفكرة ، إذ ليست الفكرة هي المقياس ، إنما التعبير عنها ؛ والتعبير الأفضل والأكثر ثراء هو ما يتقن عملية كيمياء الشعر المتمثلة باللفظة والموسيقى والعاطفة والحدث والخيال . وهذا جلّي عند سيمون ، كما في هذين المقطعين من قصيدته الموسومة تطاير الدّروب :
    " بوّابة الأحلام فِ وجّو سَكّرَت / وتطايرت من دون دَعْساتو الدّروب / عم يركّضوا عَ الشمس / يمكن أشرقت ؟ !! / يا شقشقت في وَعد أنّات القلوب " .
    المقطع الثاني :

    " فِ فُنونو هآلأشعار ياما يْصدحو / وْينسو أسى وَيلات / ما إلها حدود / عاطريق الألم ياما تْجرّحو / حَفْر قَنا دمْعاتْهن فوق الخدود / رَغْم السّحق .. / قِِِِِِِِدْرو معانا يفرحو / بْوجه العواصف صارو وَردات الورود / حِصَارو تَزْيف العواصم / يْفضحو / تْحِلّ العداله عَ الأرض / كِذْب وْوعود / وتطايرت من دون دعساتو الدّروب " .
    نلحظ ان العاطفة تمتزج بالعنصر الأخلاقي والفكري ، تتمخض عن موقف وطني وإنساني تجاه قضية أو أزمة ، وتحديدا أزمة القائد عرفات عندما حوصر . والعاطفة عند سيمون تختلف باختلاف الظرف والحدث ، فتارة تتولّد بفعل الواقع المؤلم كما في حصار عرفات ، وطورا هي نزوع فطري أكثر من ميل ورغبة ، كما سنرى في هذه الطفرة من قصيدة خمرة معتقة :
    " يا رايحه بمنديل أويا مبشنقة / لا تبعدي روحي معاكي معلقه / بتتذكري لما التقينا عَ الندى / بكرم الهوى قديش طال الملتقى / مشينا سوا وما كان شايفنا حدا / غير الشجر والطير بَلش زقزقه / لما لقانا نموج مثلو عا هدى " .
    يستمرئ الشاعر عبق الزمان والمكان ، يستعير من الطبيعة حركتها وصوتها . وهو مولع بالمفردات المميزة يضعها بدقة في أماكنها الصحيحة ، لم أجد في العربية مفردة أكثر جمالا وأفضل ملاءمة في موقعها من كلمة " نموج " المقطع الأخير من خمرة معتقة . لا أعرف إن كانت هذه المفردة وغيرها من المفردات المتألقة تأتيه طيعة مشرقة كعشيقة ابن زيدون ، أو يجد الطلب خلفها كالأمير " هان " في الأسطورة الصينية . بيد أن الموسيقى لها وقع أكثر جاذبية بانسجامها ونعومتها المغذية بمخيلة شاعرنا الملهم :
    " شايف جَفْرا / رَغم البعد ، الغيم ، الصحرا / تِمْسك ناي وغِنْوَه وْزهره / تِحْمِلْ جَرّه / تِسْقي ناري الظهر الحمرا / شايف جَفْرا / عْيون السّودا / خْدود البيضا / وْقَمْطَا الخَضْرا / ترجَعْ مِنْ هالغّربه / الحَسْره / تصبْ القَهْوه الحلوه .. المُرَّه / تغَنّي جَفْرا " .
    " جفرا " في الأساس هي أغنية فلسطينية كانت تصدح فرحا وبهجة يوم أن كانت فلسطين في عزها . والآن جفرا بزيها المتطور الجديد هي في وجدان الشاعر أمنية تنداح الى الشتات ، ومن ثمة ترتد مفعمة بأمل العودة وانتهاء الإغتراب .

    إن ما يميّز اشعار سيمون عيلوطي بالمجمل ، أنها متحررة من حالات التكلف والمبالغة ، خاضعة لمعايير وشروط الشعر العامي ، والتي منها السلاسة وجمال الصورة ، عدم الإبتذال وعدم فصحنة اللغة . وهذا يحفزنا لقراءة هذه النماذج بغبطة ، رافعين تحية كبيرة الى هذا الشاعر المبدع والأصيل .



    ----------------------------------------------------------------



    2) تركي عامر بين الآلة والإبداع

    لا أحد من الأدباء إلا ويطمح أن يكون مقروؤه ملفتا ، وفي هذه المسألة استطاع الشاعر المبدع تركي عامر أن يحصد نجاحا جيدا ، فقد قدّم من فنه وعصارة فكره المئات من النماذج الشعرية ، وعلى مدار سنوات طوال . حقيقة قلّما حظيتُ بندوة أدبية شارك فيها تركي إلا وكان محط إهتمام الجمهور ، بحداثة أشعاره ، وطريقة إلقائه المميزة تحث على الإصغاء والإعجاب . وهذه إحدى المقومات اللازمة للقصيدة المسموعة والمقروءة ، أن تشد الإنتباه وتحرك الشعور ، وإلا ما معنى أن نصاب بالضجر ؛ فتسقط القصيدة تلقائيا بدون نقد وبدون تفاصيل .
    ليست كل أشعار تركي تنسحب عليها صفة الإبداع ، وهذا حال الشعراء على مر الزمن ليسوا دائما بمنأى عن الأرض اليباب . ومع ذلك لا أزعم أنني التقيت بقصيدة لتركي قد سقطت ، إنما هو شيطان الشعر يترنح هنا أو هناك ، كما في قصيدة " فسد الصيام " كمثال ، يقصد صيام العرب عن التوحد والنضال . وقد امتلأت أوراقنا بمثل هذا الطرح ؛ إذا لا جديد ! .
    بينما ـــ كمثال أيضا ـــ وثب شيطان الشعر وثبة رائعة في قصيدة " رأيت الروح " ألفاظ حرة طليقة نتفاعل معها ذهنا وحسا ،القاها في مناسبة ثقافية في الجليل .
    أمّا النقطة التي تشغلني في هذا السياق ، إحساس يراودني في بعض أشعار تركي ، وكأنني أسمع رجلا آليا يتحدث إليّ ، وليس كيانا تحركه العاطفة والروح ، وقد أطل عليّ هذا " الرجل " آخر مرّة من كوّة " أبالسة السماء " ، وهي قصيدة طويلة لتركي ، أطول من معلقة زهير ، أربعة وسبعون بيتا من البحر الوافر ، وهي مكرسة للغة العربية ، وما في اللغة من ثراء وجوهر. وإن كان من صفات المعلقة طول الأبيات وتعدد الأغراض ، فقصيدة تركي تتمتع بالطول والوحدة العضوية ، لذلك يجوز أن نسمّيها نصف معلقة ، ويمكن أن نخرج عن القانون ــ راغبين ــ ونعتبرها معلقة .
    هذه المعلقة من ناحية لغوية وعروض سليمة بامتياز ، وهذا هو الجزء الإبداعي فيها ، باعتبار أن من شروط الإبداع إجادة اللغة ، أمّا باقي الأجزاء باستثناء بعض الأبيات فهي شبه جافة خالية من الإحساس ؛ حتى لتخال وكأن آلة معدنية ترن في دماغك وتأمرك بالقبول ! . ولا تجد سبيلا للرفض لأننا بحاجة لمن يهتم باللغة ، في مناخ تفشي الأخطاء أدبا وإعلاما . بيد أنني تمنيت لو أجد في هذه القصيدة طفرة تغني عن جيوش الكلام ، كما فعل حافظ إبراهيم في رائعته عن اللغة .
    " أنا البحر في أحشائه الدّر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاته "

    فاروق شوشة كان يستخدم هذا البيت في مستهل برنامجه الإذاعي " لغتنا الجميلة " .
    هذا البيت لوحده يختزل ربما كل ما قيل في اللغة ، وهو لجماله وعمقه وتأثيره في النفس ، يحفز على الحفظ ، ويتلذذ به سماعا حتى من لا يعرف اللغة . لي صديق في العقبه " عمر بدير " يملك قاربا بسيطا للصيد ، وقد كتب هذا البيت على قاربه بيد خطّاط ، علما أن ذلك الصديق ثقافته محدودة ولا يعرف ما يعنيه البيت .
    هذا هو السر الذي يكمن في الشعر ؛ لذلك نرى شعرا يعيش ويفرّخ ، وشعرا يعتمد في بقائه على الحظ !
    ومع ذلك ليست ملاحظاتي انتقاصا لقصيدة تركي عامر ، إنما هي الموضوعية في النقد تستدعي توضيح ما للشاعر وما عليه . وانني أقدر الجهد الذي بذله في هذه القصيدة التي تحقق ولا شك فائدة في إطار تعاملنا مع اللغة .
  • محمد ثلجي
    أديب وكاتب
    • 01-04-2008
    • 1607

    #2
    [align=right]
    الأستاذ القدير نور عامر مساء الخير

    قراءة واعية ومتزنة وفعلاً بما يخص الشعر المحكي أو الشعر القروي كما دأب على تسميته بعض النقاد ومن أهم شعرائه جبران خليل جبران الذي تغنى كثيراً بالطبيعة على العموم وطبيعة لبنان خاصة جبالها الخضراء وربوعها الشاسعة..

    ما أود قوله أن الشعر المحكي شعر مرن نسبياً وأكثر مرونة من الشعر الفصيح بحيث يمكن للشاعر التواضع أمام تواضع الطبيعة.. وأقصد التواضع اللغوي بحيث يحضر اللغة السهلة الممتنعة .. لغة الحقل والشاعر .. والعمل.. اللغة الهادئة المشجرة كذلك اللغة المقفاة جيداً ويعجبك صدى صوت الروي فيها لما تحسه من قرب وود لقلبك ووجدانك.

    الشق الثاني الذي تناولت فيه بعضاً من تجربة الشاعر تركي عامر فإعدك بعودة قريبة والتعقيب عليها هذا إضافة أنه بودي أن تطلع على تجارب بعض الشعراء الموجودين بيننا حتى يأخذوا نصيبهم بما أننا وهم في مكان واحد ومجتمع يمكننا تداول الأدب والنقد بشفافية ومرونة.

    تحياتي وتقديري والموضوع للتثبيت للجهد والفائدة منه.
    [/align]
    ***
    إنه الغيبُ يا ضيّق الصدرِِ
    يا أيها الراسخ اليومَ في الوهمِ والجهلِ
    كم يلزمُ الأمرَ حتى يعلّمك الطينُ أنك منهُ
    أتيت وحيدًا , هبطت غريبًا
    وأنت كذلك أثقلت كاهلك الغضّ بالأمنياتِ
    قتلت أخاك وأسلمته للغرابِ
    يساوى قتيلاً بقابرهِ

    تعليق

    • نور عامر
      أديب وناقد ومفكر
      • 19-03-2009
      • 36

      #3
      الاستاذ المحترم محمد ثلجي . تحية طيبة .
      اشكر جدا لفتتكم الكريمة الى مقالي المتواضع .
      مع أطيب التمنيات .
      نور عامر .

      تعليق

      يعمل...
      X