هل الحقيقة معطى أم بناء؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزيز نجمي
    أديب وكاتب
    • 22-02-2010
    • 383

    #16
    *أطروحة غاستون باشلار(1962-1884م)

    -ثانيا:الموقف الفلسفي النقدي الذي يقول بتعدد الحقيقة ونسبيتها واختلاطها مع أضدادها(الخطأ،الوهم..)
    -على خلاف الموقف الفلسفي الدوغمائي الذي يزعم بأن ما تمت البرهنة عليه هو حقيقة يقينية ثابتة،فإن باشلار- رائد العقلانية المعاصرة- يدعو إلى مراجعة الفكر العلمي من خلال إعادة النظر في قيمه ومبادئه ومناهجه وأهدافه.وإذا ما أردنا الإحتفاظ بمفهوم الحقيقة بوصفها مطابقة الفكر(الحكم)للواقع،فإن ثمة أحكاما ونظريات خاطئة(غير مطابقة للواقع)بقيت لأمد طويل، تعد حقائق ثابتة،قبل اكتشاف خطئها والتخلي عنها،من ذلك مثلا نظرية أو فكرة مركزية الأرض.وهذا ما دفع غاستون باشلار إلى اعتبار أن كل معرفة،وخصوصا المعرفة العلمية تحمل في طياتها عوائق إبيستمولوجية تؤدي إلى أخطاء لا يتم التخلص منها بسهولة.وأول العوائق الإبيستمولوجية هو بادئ الرأي أو الظن.كما دعا إلى إعادة النظر في العلاقة بين الحقيقة والخطأ،وأن أهم ما سيتوصل إليه في هذا الباب هو أن المعرفة العلمية لا تنطلق من درجة الصفر،وهذا يعني أن العالم لا يأتي إلى المعرفة وهو فارغ الذهن حول الظواهر التي سيدرسها،بل إنه سيأتي إلى المعرفة العلمية وهو مشحون بالتمثلات والتصورات اللاعلمية والخاطئة والتي تلقاها من المجتمع عبر التربية،مما يعني أن الحقيقة ليست شيئا جاهزا وإنما هي بالأساس تحرر من الخطأ،لأن هناك معارف لا علمية وعامية تلعب دور العوائق بالنسبة للفكر العلمي،وهذا يدل على أن الحقيقة تخرج من صلب الخطأ.وعليه فالعلاقة بين الخطأ والحقيقة علاقة ديالكتيكية،وهو ما يطلق عليه باشلار(ديالكتيك الخطأ والحقيقة)يقول:{قلنا مرارا بأن الفرضية العلمية التي لا تصطدم بأي تناقض ليست بعيدة عن أن تكون فرضية لا جدوى منها.كذلك فإن التجربة التي لا تصحح أي خطأ وتقدم نفسها كحقيقة لا نقاش فيها تجربة لا تصلح لأي شيء.إن التجربة العلمية إذن تجربة تناقض التجربة المشتركة.ومن ناحية أخرى فإن التجربة المباشرة والجاري بها العمل تحتفظ دوما بسمة تكرارية كما أنها تتطور تحت ظل سلطة الكلمات والتعريفات،إن ما ينقصها بالضبط هو منظور الأخطاء المصححة الذي يسم،في نظرنا،الفكر العلمي}9
    هكذا يظهر لنا مع باشلار بأنه إذا جاز لنا الحديث عن حقيقة علمية،فهي ليست مطلقة ولا توجد بمعزل عن الخطأ،وهذا ما جعلنا في تاريخ العلم نتحدث عن معركة دائمة ضد الأخطاء.كما أن للحقيقة ضد آخر أقوى من الخطأ،إنه الوهم،لأن الخطأ الناتج عن التسرع في الحكم ،يمكن اكتشافه لاحقا وتصحيحه وتجاوزه..أما الوهم فيصعب التخلص منه لأنه موضوع رغبة أكثر مما هو نتيجة لسوء استخدام العقل،كذلك الأمر بالنسبة للرأي،فهو خاطئ من حيث المبدأ،لأنه نتيجة لتجربة متراكمة،مختلطة يمكن أن تحتوي بدون وعي أخطاء وأوهاما وتناقضات وأحكاما مسبقة تشوه الواقع وتحول دون معرفته على حقيقته بشكل موضوعي،يقول:{يتعارض العلم،من حيث حاجته إلى الإكتمال ومن حيث المبدأ،تماما مع الرأي،وإذا حصل له أن منح الشرعية للرأي بصدد نقطة خاصة،فذلك لأسباب غير الأسباب التي يتأسس عليها الرأي.إن الرأي من الناحية النظرية،دائما على خطأ.
    والرأي تفكير سيء،بل إن الرأي لا يفكر البتة.فهو يترجم الحاجات إلى معارف.وبتعيين الأشياء،حسب فائدتها،يمتنع عن معرفتها.لا يمكن تأسيس أي شيء على الرأي،بل ينبغي هدمه.فالرأي هو أول عائق يلزمنا تخطيه}.10
    إذن باشلار يربط تكون المعرفة العلمية بمدى القدرة على تجاوز العوائق المطروحة أمامها،وبصفة خاصة بإحداث قطيعة مع الرأي.
    -تصبحون على خير-





    [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

    تعليق

    • عزيز نجمي
      أديب وكاتب
      • 22-02-2010
      • 383

      #17
      *أطروحة فريدريك نيتشه(1844-1900م)

      في إطار موضوعنا الذي يندرج ضمن إشكالية الحقيقة،و هل هي في متناول الإنسان أم أنه لا يدرك منها سوى الأخطاء والأوهام؟.قدم نيتشه أطروحة مهمة مفادها أن الحقائق ما هي إلا مجرد أوهام نسي الإنسان أنها كذلك.وقد بين أن الوهم الذي يقدم نفسه في ثوب الحقيقة له مصدرين أساسيين:-الأول سببه مستوى الصراع الإجتماعي،حيث يرغب الفرد في السلم والمسالمة من أجل حفظ بقائه وتجنب حالة الحرب الدائمة(حرب الجميع ضد الجميع)التي تحدث عنها هوبز.وتزداد الحاجة إلى استخدام العقل للتزوير وتضليل الخصوم وإخفاء الحقيقة عنهم،خصوصا حين يكون المرء في موقف ضعف وقول الحقيقة يشكل خطرا على حياته...والمصدر الثاني للوهم هو اللغة التي لا تطابق الواقع،وقد تضللنا أساليبها الإستعارية* الخطابية وتخفي عنا الحقيقة...
      هكذا نستطيع أن نستنتج مع نيتشه أن الحقيقة لا توجد بمعزل عن الوهم،وما نسميه حقيقة قد يكون إخفاء لها وتبريرا لضدها،والضعفاء هم الذين يصنعون القيم والمعتقدات الوهمية يتجنبون بها شر و ظلم الأقوياء،ويصوغون هذه القيم والمعتقدات الوهمية في لغة سحرية أو خطابية ساحرة وجذابة..وبذلك فالحقائق أوهام،لأنها أوهام نافعة في معركة الصراع من أجل البقاء،يقول:{ما هي الحقيقة إذن؟إنها مجموعة حية من الإستعارات والتشبيهات والمجازات،و هي بإيجاز حاصل علاقات إنسانية تم تحويرها وتجميلها شعريا وبلاغيا حتى غدت مع طول الإستعمال تبدو لشعب من الشعوب دقيقة وذات مشروعية وسلطة مكرهة.إلا أن الحقائق هي عبارة عن أوهام نسينا أنها كذلك،واستعارات استخدمت كثيرا حتى فقدت قوتها ،إنها قطع نقدية تلاشت آثار الصورة أو الرسم المطبوع عليها،وصارت تتداول ،ليس بوصفها قطعا نقدية ،بل بوصفها قطعا معدنية(...)و بلغة الأخلاق(...)فإن كل ما هو طيب وخير،وكل ما هو جميل مصدره الوهم.إن الحقيقة تقتل،بل أكثر من ذلك،إنها تقتل ذاتها عندما تكتشف أن أساسها هو الخطأ}11
      هكذا ساهم نيتشه في توسيع مفهوم نسبية الحقيقة إذ اعتبر الخطأ شرطا ملازما لها،كما أنها عبارة عن أوهام أو أخطاء مفيدة في خدمة تيار الحياة.وربطها بالصراع الأساسي بين رؤيتين للحياة:رؤية وأخلاق السادة ورؤية وأخلاق المستضعفين،وبذلك تحولت الحقيقة إلى قيمة أخلاقية في خدمة الحياة وأصبح ينظر إليها من خلال الفائدة وبهذا فقد مفهوم الحقيقة قدسيته وبراءته وأصبح مندرجا في لعبة القوى والمنظورات وإرادات القوة،يقول:{مذاق الحقيقة هو التالي:ما لا يفيد الكائنات في المحافظة على الذات ليس مهما في شيء}.الإنسان حسب نيتشه لا يسعى إلى الحقيقة إلا في الحدود التي تضمن حفاظه على الحياة اتجاه الآخرين ،ويستخدم عقله مضطرا للإخفاء وذلك لتحقيق تلك الحياة السلمية داخل مجتمع قطيعي يقتنع بالأوهام والكذب مقابل السلم والإنتفاع.في نفس السياق يرى نيتشه أن الإنسان منذ زمن طويل لم يفكر إلا من أجل إرجاع الحياة إلى عالم الفكر ومثله،وأنه لم يعمل سوى على اتخاذ الفكر ومقولاته مقياسا لمحاكمة الحياة ولجمها أو إعدامها كلية،بهذا المعنى نجده يتحدث عن العدمية التي يعتبرها الهدف الذي شكل مبدأ حرك التاريخ الإنساني،هذا المبدأ الذي حط من قيمة الحياة الفعلية للبشر باسم عالم آخر ما فوق حسي.وبذلك حدث انشطار في الوجود بين الحياة والفكر،وظهر من يحط من قيمة الجسد وغرائزه ويعلي من قيمة الفكر ومثله معتبرا إياه أصل الإبداع والحقيقة.يقول نيتشه:{منذ زمن بعيد،أصدر كبار الحكماء نفس الحكم على الحياة،إذ اعتبروها فاقدة لكل قيمة...وسقراط نفسه صرح،لحظة احتضاره(ليست الحياة سوى مرضا عضالا.)}12
      من خلال هذا الحكم السقراطي الذي يزدري ويحط من قيمة الحياة،يستغرب نيتشه من سقراط ويخاطبه:{أواه يا سقراط ،هل يحتمل أن يكون هذا سرك؟أيها المتهكم الغامض هل يحتمل أن يكون هذا تهكمك أنت؟}13.وهذا ما يرفضه الفيلسوف الألماني نيتشه لأن فيه تعليما لاحتقار غرائز الحياة الأولية وإقامة (النفس)،(الروح)بشكل احتيالي بطرد الجسد.وبالمقابل يدعو نيتشه إلى تحقيق مشروع الإنسان الأعلى القائم على الهدم والبناء،هدم القيم المسيحية المسيطرة،وبناء عالم من القيم من جديد يكون ضد الظلمة الأخلاقية،وتسود قيم الإنسان الأعلى التي تجعله سيد إرادته التي تمكنه من السيطرة على الأرض والتشريع لها،وهذا ما جعل فكر نيتشه يقوم على نزعة إنسانية.
      هل فهمتموني؟(عبارة تكررت مرات عديدة في كتاب نيتشه:هذا الإنسان.)
      -تصبحون على خير-
      [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

      تعليق

      • عزيز نجمي
        أديب وكاتب
        • 22-02-2010
        • 383

        #18
        *أطروحة ميشيل فوكو(1926-1984م)

        بالنسبة لفوكو الحقيقة مؤسساتية،ولكل مجتمع نظام خاص لإنتاج الحقيقة،إنها لعبة وسلطة.وكما أشار إلى ذلك صديقنا العربي الثابت في المقدمة بأن فوكو يؤكد بأن الحقيقة نتاج اجتماعي،وأن المجتمع هو الذي ينتج الخطاب الذي يعتبره حقيقة.
        حاول فوكو الكشف عن الأساس الذي تستمد منه الحقيقة نفوذها وسلطتها وتساءل عن السبب الذي يجعل من الحقيقة سلطة.هل يعود ذلك إلى قوة الحجة و البرهان باعتبارهما اللذان يجعلان من فكرة ما ممثلة للحقيقة بحيث أنها تفرض نفسها على الجميع؟
        جوابا عن ذلك يرى فوكو بأن الأمر مغاير تماما،وأن النفوذ الذي تتمتع به الحقيقة له طابع مؤسساتي،ففي كل مجتمع نظام كامل لإنتاج الحقيقة وفرضها ورسم حدودها...وأن(الإقتصاد السياسي للحقيقة)في المجتمعات المعاصرة يتميز بخمس سمات:
        -الأولى:هيمنة الخطاب العلمي والمؤسسات المنتجة له.
        -الثانية:تأثير العوامل السياسية والإقتصادية في عملية إنتاج وتداول خطابات الحقيقة،أو كما يقول:{الحقيقة خاضعة لنوع من التحريض الإقتصادي والسياسي}14
        -الثالثة:دور الأجهزة التربوية والإعلامية في نشر واستهلاك الحقيقة على نطاق واسع.
        -الرابعة: خضوع عملية إنتاج وتداول الحقيقة للمراقبة من طرف الأجهزة السياسية والإقتصادية الكبرى(الجامعة،الجيش،وسائل الإتصال الجماهيري..)
        -الخامسة:الحقيقة هي مدار كل نقاش سياسي وصراع اجتماعي..
        نستنتج مع فوكو أن{الحقيقة لا توجد خارج السلطة ولا تخلو من السلطة...}15
        وأن خطابات الحقيقة لا تأخذ سلطتها الرمزية من داخلها،أي من قوة حججها وبراهينها وإنما تستمدها من الخارج أي من االمؤسسات والجماعات التي تتبنى هذه الخطابات وتعمل على ترويجها في المجتمع نظرا لأنها تناسب مصالحها وأهدافها...
        هكذا يظهر بأن لكل مجتمع نظام خاص به لإنتاج الحقيقة وفرضها،كما يمكن أن تختلف أشكال تلك الخطابات التي تنسجم مع تلك المجتمعات (الخطاب الديني ،الخطاب الفلسفي،الخطاب العلمي)،مما يِؤدي إلى القول بأن لكل مجتمع ولكل مرحلة تاريخية شكلا معينا من أشكال الخطاب،وبالتالي نمطا معينا من الحقيقة،وهذا يدل على تعدد الحقيقة وتنوعها واختلافها ونسبيتها.نستنتج مما سبق بأن ما يسمى حقيقة لا يعدو أن يكون إلا شكلا من أشكال الخطاب المرتبط بقوة اجتماعية،ومن هنا يصبح التأريخ للحقيقة أو الجينيالوجياGénéalogie*مفتاح لمعرفة الحقيقة،بحيث سيمكننا من فهم لماذا تم الرفع من مكانة نوع معين من أنواع الحقيقة مقابل إقصاء وتهميش أنواع أخرى.إن التمييز بين ما حقيقي وما هو خاطئ حسب هذا التحليل الذي يربط الحقيقة بالسلطة والمؤسسة قائم على الوهم لأنه صادر عن المجتمع وبالتحديد عن قوى اجتماعية معينة.
        نستطيع الآن أن نقول بأن الحقيقة واحدة ومتعددة في نفس الوقت،هي متعددة تبعا لاختلاف المراحل التاريخية التي ظهرت فيها،وفي ارتباط مع القوى الإجتماعية المسيطرة والسلطة التي أنتجتها،لكنها واحدة على مستوى كل مرحلة تاريخية بحيث أن لكل مرحلة تاريخية نمطا خاصا بها من الحقيقة.
        -يتبع-





        [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

        تعليق

        • عزيز نجمي
          أديب وكاتب
          • 22-02-2010
          • 383

          #19
          المحور الثالث:الحقيقة بما هي قيمة
          إذا اعتبارنا الحقيقة قيمة،فإن ذلك يعني أن لها بعدا معياريا ،وبما أن القيم بوجه عام هي قواعد ومبادئ توجه سلوك الإنسان وتحدد ما ينبغي أن يكون...فالحقيقة في بعدها القيمي المعياري أي الحقيقة بوصفها قيمة فكرية وقيمة عملية وقيمة أخلاقية...قد تجعلنا في مواجهة التساؤل الآتي:هل ينبغي أن ننظر إلى الحقيقة نظرة أخلاقية مثالية ونجعل منها قيمة عليا مطلوبة لذاتها وفوق كل منفعة أو مصلحة شخصية ظرفية عابرة،أم ننظر إليها نظرة عملية ونفعية ونعتبرها مجرد وسيلة لتحقيق المنفعة والنجاح العملي؟
          للإجابة عن هذا الإشكال يمكن التمييز بين موقفين متعارضين:
          موقف الفيلسوف التقليدي الذي كان يجعل من الحقيقة هدفا أسمى فوق كل منفعة أو مصلحة شخصية..وفي هذا السياق يمكن أن نذكر مثلا موقف الفيلسوف اليوناني العظيم سقراط الذي كان يجوب شوارع أثينا حافي القدمين،محاورا الناس ومقاوما أخطاء وأوهام الرأي العام ومغالطات السوفسطائيين *بالخصوص،وساعيا وراء الحقيقة بكل شجاعة فكرية وتضحية،ومعلوم أنه سينفذ فيه حكم بالإعدام نظرا لمواقفه...وأيضا:
          *موقف كانط
          نجد كانط(ق18) في الفلسفة الحديثة يعتبر قول الحقيقة واجبا أخلاقيا يفرض على الإنسان أن يكون صادقا في جميع أقواله وتصريحاته،والكذب في نظره ولو على إنسان واحد يضر بالإنسانية جمعاء،فيجب على الإنسان حسب كانط أن يعمل دائما بحيث يعامل الإنسانية في شخصه وفي شخص الآخرين غاية لا كوسيلة،فالإنسان يكون فاضلا عندما ينشد بمحض إرادته الحرة قيمة عليا يراها خيرا أعظم لكونه عاقلا يحقق ذاته كإنسان أولا.والخير الأعظم يكون في عمل الواجب بصرف النظر عن أي اعتبار شخصي أو اجتماعي أو غيره.كما أن الأفعال الإنسانية لا تكون خيرا بدافع من ميل ذاتي،بل تكون خيرا لأنها صدرت من أجل الواجب.وعليه فالحقيقة عند كانط ينبغي أن تبقى في منأى عن الكذب وأن تتحول إلى واجب غير مشروط وذي بعد إنساني...
          في مقابل هذا الموقف الأخلاقي الرفيع عند كانط نجد أصحاب النزعة البراغماتية في الفلسفة المعاصرة،قد أفرغوا قيمة الحقيقة من كل محتوى أخلاقي مثالي وجعلوا منها مجرد قيمة عملية ووسيلة لتحقيق المنفعة.
          *موقف وليام جيمس(1842-1910م)
          الحقيقة بالنسبة للفيلسوف الأمريكي زعيم النزعة البراغماتية في القرن العشرين وليام جيمس ترتبط بالمصلحة أو المنفعة الإنسانية مهما اختلفت ميادينها،سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو فنية... لأن تفكير الإنسان لا يهتم إلا بالمشاكل الواقعية المختلفة التي تواجهه،وهو لا يبحث عن حلول لها إلا لكي يحقق أهدافا عملية محددة،ومعيار الصدق هنا هو ما تجلبه من نفع ومصلحة،يقول:{علي،أولا،أن أذكركم بأن امتلاك أفكار صادقة،يعني،على وجه الدقة،امتلاك أدوات ثمينة للعمل.}16 معيار الصدق هنا هو ما تجلبه الحقيقة من نفع ومصلحة بالنسبة للإنسان،وتصبح القضية الصادقة هي القضية الناجحة،وما يحدد الفكرة الحقيقية ليس مقوماتها بل ما تستطيع أن تفعله في دنيا الأشياء،تماما كمفتاح الباب ليس المهم أن يكون مصنوعا من حديد أو من خشب بل المهم هو أن يفتح الباب المغلق،أما إذا لم يفتح الباب فليس بمفتاح مهما اتخذ من صور. هذا الموقف وهو يجعل من المنفعة معيارا للحقيقة قد يِؤدي إلى النسبية والإختلاف في تحديد الحقيقة،لأن ما هو نافع بالنسبة لي قد يكون ضارا بالنسبة لغيري،وهذا من شأنه أن يسوغ ارتكاب الشرور والمظالم ضد الآخرين ما دام في ذلك نفع وفائدة.

          -يتبع-




          [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

          تعليق

          يعمل...
          X