(1)
...
ياقته الملونة بالعرق تفوح منها رائحة العطب , والسنون القابعة خلف معطف السيد البدوي تراكمت .. تراكمت , ونداء إبراهيم الدسوقي مازال ناشطاً بين الأفنية .. !!
ـ خذني معك يا إبراهيم .. أتعبتني الدار .. و الأخبار !
الأولاد يلعبون في ساحة "المحفر" .. والكراكات تفرم كل ما يعترض سكتها .. القرار وزاري ولن يمنع تنفيذه إنس ولا جن .. حتى العفاريت الزرق لن تقدر على التصدي لأذرعها الفتاكة .. آلة غريبة وطيّعة .. صنعتها اليابان وجلبتها الحكومة لعمل السدود كي تتمكن من التجفيف .. تحفر فخاخاً في البركة الشرقية وتسد عن الصيادين الماء و الهواء في البركة الغربية .. جلبٌ أسودٌ وبداية لكارثة وترمل للنساء.
ـ إنا لله وإنا إليه راجعون .. أين تذهب الناس من أراضيكم ؟ الله ينتقم منكم يا مفتريين .. منكم لله .. منكم لله .
ابعد يا سعد .. تجنب المشاكل ولا تلق بنفسك في الهلاك .. خذ جنبا أنت وأبوك واعرف أنها قرارات عليا لابد من تنفيذها .. يعني حياتك في كفة و التنفيذ في كفة !!
كنز البرلس على آخر الزمان ينتهي بتلك الصورة المبكية .. والمعتقل يغلي بالمعترضين .. كل من يرفض نصيبه طلقة أو عيار طائش بين فخذيه .. عادت أيام الوسية والملكية من جديد .. الكراكات تعمل بجدية وعمال الوزارة يقسمون ويخططون على الورق نصيب ضباط الشرطة والقرى السياحية المزمع إنشاؤها .
هنا قرية السيد البدوي لمالكها اللواء فلان , وهنا قرية إبراهيم الدسوقي لصاحبها الأمير علان , وهناك في هذه المنطقة سيتم وضع اللافتة "محمية بحيرة البرلس الطبيعية" لِما تبقى من المياة المنحسرة , وفي الجانب البحري ستكون أراضي الخريجين .. لكل خريج فدان أرض وغرفة على قده وجاموسة وشيكارة دقيق مطلع كل شهر ..
ـ يا حلاوة يا ولاد .. البحيرة هتطلع قمح وغلة بدلاً من البوري و القاروس .. !
أدركت الوزارة مؤامرة الصيادين فأرسلت قوة عسكرية تحمي البلدوزارات و الحفارات تحت تهديد السلاح .. وقف مرشح الحزب ينشد فيهم ويحثهم على مساعدة الدولة في أداء مهمتها :
ـ الخير للجميع والمصلحة مشتركة .. وبدلاً من مقاومة العمال واعتراضهم يجب أن يشمر كل واحدٍ عن ساعده .. ضعوا أيديكم في يد الحكومة حتى نوفر لكل فرد العيشة الكريمة ونرحمكم من الشقى وقرفه .. سيصبح الخريج مالكاً .. عنده الأرض و الحبوب ويعوض أهله عن القرف .. سنوفر له كل مستلزمات الزراعة إن كان مزارعاً أو الصناعة إن كان مشروعه صناعياً .. شدوا حيلكم يا رجالة والله الموفق .. والسلام عليكم ورحمة الله .
ـ صحيح البعيد كالح .. يا رجل اختش على دمك .. عاوزنا نساعدكم في خراب بيوتنا .. نعيش مشردين .. إن كان المتكلم أهبل فيجب أن يكون المستمع عاقل .. أرض البحيرة مالحة .. شرش .. كيف تزرع وتقلع وهي أرض ميتة ؟؟ ولو حصل .. بعد كم سنة هتكون خضراء ؟ نشتري سمك في مية أم بالمجان ؟
ـ ستـُوزع قيمة المصروفات الحكومية التي أنفقتها الدولة على التجفيف .. ويسدد كل فرد الرسوم حسب مكان ومساحة الأرض .. من حقكم تفرحوا حينما تجدون أبناءكم يجاورون ضباط الجيش ويشتغلون معهم . .. !
حقنة البنج التي زجها مرشح الحزب لم تؤثر في الأبدان , والولد القريب من الحديث غير مقتنع بالمرة .. كلام مرير وحسرة اجتاحت مآقيه .. نط الشرر الأحمر من مقلتيه .. مسخرة يتحدث عنها أخطبوط بمليون ذراع , لا فرق بينه وبين هذا الجلب الياباني المعدني الحرّيف .. الدولة تنفق وتصرف على تجفيف مورد رزقنا , وعلينا أن ندفع ونسدد ثمن هذا الخراب .. مهزلة جديدة من صنع رجال الحزب ومسانديه .. وكله من تحت رأس هذا العقرب .. يريد أن يضرب ألف عصفور بحجر .. نتعلم وندرس عشرين سنة والنهاية حفنة تراب مالحة لا تنفع ولا تشفع .. !
ـ ارجع يا بني لا تورط نفسك معهم .. ارجع .. البلد كلها واقفة لهم .. المهم التفت لدروسك ومستقبلك ..لا تجعل الجنازة حارة و الميت كــلب ....!
ـ عشرون سنة تعليم وحرقة دم و الآخر كذبة جديدة .. يُلبسون لهذا طاقية ذاك .. من ذقنه وافتل له .. اتركني أخلص منه .. رصاصة بربع جنيه وكلب وراح !!
ـ عااااااود يازفت لا تضع روحك كلنا واقفون تحت العجلات .. يا تفرمنا يا نفرمها .. لكن أنت لاء .. لاء .. بلاش يا سعد .. هذا ما يريدونه .. يقفون للخريجين بالمرصاد .. ينتظرون منهم غلطة .. لا تغلط يا ولدي .. أخواتك البنات مالهم غيرك .. أنا خلاص قفة عضم ما في منها فائدة .. أنا وألف واحد غيري سماد لأراضي الضباط يا بني , والمستقبل كله قدامك يا سعد .. مستقبلك كبير يا بو السعود .
تقدم أحد العساكر بإشارة من أمين الشرطة الذي تلقى الأمر فوراً من قائده .. و "بدبشك" قناصته نزل عليه وبسنبكها خرم رأسه..
اختل توازن الولد ، وقع تحت أحذيتهم ، تلقفوه كصيد ثمين .. اشتعلت النار بين الأهالي و الضباط .. كانت الضربة بمثابة شد فتيل الانفجار .. أحس المرشح بفشل تكتيكه .. لم يكن يعمل حسابا لما حدث .. كيف تسرع الضابط وأصدر مثل هذا الأمر سراً : غبي .. غبي ..! لم يكن وقته على الإطلاق .
ـ هاعلمكم التربية يا غجر .. هاربيكم .. والرجل منكم يقف قدام الحفارات .
ـ لو سمحت يا ممدوح بيه أرجع قوتك .. بهذا الشكل ستفشل المهمة .. وهم كما قلت أوباش وغجر لئام .. اتركني أتفاهم معهم ..
ـ شاكرين أفضالك .. تقدر ترجع لبيتك ونصيبك يوصلك لحد عندك لما ننتهي من التقسيم .. مع السلامة .. مهمتك خلصت لحد هنا ..!!
ـ إذن لا تلم إلا نفسك إن حصل ما تكره !!
ـ وضح كلامك يا حضرة المستشار .
ـ ............................. (نظرة قرف وازدراء) .
ـ خسيس .. اتفوووووووووووووووو .
في غرفة التلفيقات كل وسائل التعذيب متاحة .. لكي يتمكنوا من عزله عن البشر ويضمنوا عجزه عن تحديد منطقة اعتقاله ألبسوه غمامة منعته من الرؤية ، رموه في حبسٍ انفرادي معتم ، جدرانه من الخرسان المسلح ، ومثلما تحجب الضوء تمنع أيضاً الأصوات بالخارج .
ما أن وصلوا به ، وفكوا عنه غمامته حتى تقيّأ من فرط الركلات في جانبيه ورائحة البول الحارقة المنبعثة من كل جدار .. الحوائط الأربعة نسخة طبق الأصل من حائط واحد خالٍ من الأبواب و النوافذ .. تحسسها جميعاً فلم يجد ثقب إبرةٍ يفسر له كيف أدخلوه .. كاد أن يموت من الهذيان .
وسيلة مبتكرة ليـعذب المذنب نفسه بنفسه دون أن يمسه سلك كهربائي أو يحشروا دبوساً بين أظافره . مقبرة موحشة فيها الظلام أكحل بهيمي , والموت الحقيقي بها هو فقد التمييز بين الليل والنهار , والطريقة الأدق لاحتساب الوقت هي شحنة الكهرباء .
غرفة التحقيق لا تختلف عن غرفة التلفيق , ولا تفريق بين موت وموت ، والموت الأكبر حينما تشخص صورة والده التي لا تغيب أبداً عن باله بين سين وجيم . للمرة الأولى يكره التعليم والشهادات .. مسخ يتصدر ملفه الأسود في أمن الدولة .. ذنب اقترفه عشرين عاماً ولن يغتفر :
" بعد البحث والتحقيق أثبتت مباحث أمن الدولة أن فلان الفلاني .. خريج جامعات البلاد خطر على الأمن القومي و العام ومعترف بتورطه في القضايا التالية ...... " .
ـ خذني معك يا إبراهيم .. أتعبتني الدار .. و الأخبار !
الأولاد يلعبون في ساحة "المحفر" .. والكراكات تفرم كل ما يعترض سكتها .. القرار وزاري ولن يمنع تنفيذه إنس ولا جن .. حتى العفاريت الزرق لن تقدر على التصدي لأذرعها الفتاكة .. آلة غريبة وطيّعة .. صنعتها اليابان وجلبتها الحكومة لعمل السدود كي تتمكن من التجفيف .. تحفر فخاخاً في البركة الشرقية وتسد عن الصيادين الماء و الهواء في البركة الغربية .. جلبٌ أسودٌ وبداية لكارثة وترمل للنساء.
ـ إنا لله وإنا إليه راجعون .. أين تذهب الناس من أراضيكم ؟ الله ينتقم منكم يا مفتريين .. منكم لله .. منكم لله .
ابعد يا سعد .. تجنب المشاكل ولا تلق بنفسك في الهلاك .. خذ جنبا أنت وأبوك واعرف أنها قرارات عليا لابد من تنفيذها .. يعني حياتك في كفة و التنفيذ في كفة !!
كنز البرلس على آخر الزمان ينتهي بتلك الصورة المبكية .. والمعتقل يغلي بالمعترضين .. كل من يرفض نصيبه طلقة أو عيار طائش بين فخذيه .. عادت أيام الوسية والملكية من جديد .. الكراكات تعمل بجدية وعمال الوزارة يقسمون ويخططون على الورق نصيب ضباط الشرطة والقرى السياحية المزمع إنشاؤها .
هنا قرية السيد البدوي لمالكها اللواء فلان , وهنا قرية إبراهيم الدسوقي لصاحبها الأمير علان , وهناك في هذه المنطقة سيتم وضع اللافتة "محمية بحيرة البرلس الطبيعية" لِما تبقى من المياة المنحسرة , وفي الجانب البحري ستكون أراضي الخريجين .. لكل خريج فدان أرض وغرفة على قده وجاموسة وشيكارة دقيق مطلع كل شهر ..
ـ يا حلاوة يا ولاد .. البحيرة هتطلع قمح وغلة بدلاً من البوري و القاروس .. !
أدركت الوزارة مؤامرة الصيادين فأرسلت قوة عسكرية تحمي البلدوزارات و الحفارات تحت تهديد السلاح .. وقف مرشح الحزب ينشد فيهم ويحثهم على مساعدة الدولة في أداء مهمتها :
ـ الخير للجميع والمصلحة مشتركة .. وبدلاً من مقاومة العمال واعتراضهم يجب أن يشمر كل واحدٍ عن ساعده .. ضعوا أيديكم في يد الحكومة حتى نوفر لكل فرد العيشة الكريمة ونرحمكم من الشقى وقرفه .. سيصبح الخريج مالكاً .. عنده الأرض و الحبوب ويعوض أهله عن القرف .. سنوفر له كل مستلزمات الزراعة إن كان مزارعاً أو الصناعة إن كان مشروعه صناعياً .. شدوا حيلكم يا رجالة والله الموفق .. والسلام عليكم ورحمة الله .
ـ صحيح البعيد كالح .. يا رجل اختش على دمك .. عاوزنا نساعدكم في خراب بيوتنا .. نعيش مشردين .. إن كان المتكلم أهبل فيجب أن يكون المستمع عاقل .. أرض البحيرة مالحة .. شرش .. كيف تزرع وتقلع وهي أرض ميتة ؟؟ ولو حصل .. بعد كم سنة هتكون خضراء ؟ نشتري سمك في مية أم بالمجان ؟
ـ ستـُوزع قيمة المصروفات الحكومية التي أنفقتها الدولة على التجفيف .. ويسدد كل فرد الرسوم حسب مكان ومساحة الأرض .. من حقكم تفرحوا حينما تجدون أبناءكم يجاورون ضباط الجيش ويشتغلون معهم . .. !
حقنة البنج التي زجها مرشح الحزب لم تؤثر في الأبدان , والولد القريب من الحديث غير مقتنع بالمرة .. كلام مرير وحسرة اجتاحت مآقيه .. نط الشرر الأحمر من مقلتيه .. مسخرة يتحدث عنها أخطبوط بمليون ذراع , لا فرق بينه وبين هذا الجلب الياباني المعدني الحرّيف .. الدولة تنفق وتصرف على تجفيف مورد رزقنا , وعلينا أن ندفع ونسدد ثمن هذا الخراب .. مهزلة جديدة من صنع رجال الحزب ومسانديه .. وكله من تحت رأس هذا العقرب .. يريد أن يضرب ألف عصفور بحجر .. نتعلم وندرس عشرين سنة والنهاية حفنة تراب مالحة لا تنفع ولا تشفع .. !
ـ ارجع يا بني لا تورط نفسك معهم .. ارجع .. البلد كلها واقفة لهم .. المهم التفت لدروسك ومستقبلك ..لا تجعل الجنازة حارة و الميت كــلب ....!
ـ عشرون سنة تعليم وحرقة دم و الآخر كذبة جديدة .. يُلبسون لهذا طاقية ذاك .. من ذقنه وافتل له .. اتركني أخلص منه .. رصاصة بربع جنيه وكلب وراح !!
ـ عااااااود يازفت لا تضع روحك كلنا واقفون تحت العجلات .. يا تفرمنا يا نفرمها .. لكن أنت لاء .. لاء .. بلاش يا سعد .. هذا ما يريدونه .. يقفون للخريجين بالمرصاد .. ينتظرون منهم غلطة .. لا تغلط يا ولدي .. أخواتك البنات مالهم غيرك .. أنا خلاص قفة عضم ما في منها فائدة .. أنا وألف واحد غيري سماد لأراضي الضباط يا بني , والمستقبل كله قدامك يا سعد .. مستقبلك كبير يا بو السعود .
تقدم أحد العساكر بإشارة من أمين الشرطة الذي تلقى الأمر فوراً من قائده .. و "بدبشك" قناصته نزل عليه وبسنبكها خرم رأسه..
اختل توازن الولد ، وقع تحت أحذيتهم ، تلقفوه كصيد ثمين .. اشتعلت النار بين الأهالي و الضباط .. كانت الضربة بمثابة شد فتيل الانفجار .. أحس المرشح بفشل تكتيكه .. لم يكن يعمل حسابا لما حدث .. كيف تسرع الضابط وأصدر مثل هذا الأمر سراً : غبي .. غبي ..! لم يكن وقته على الإطلاق .
ـ هاعلمكم التربية يا غجر .. هاربيكم .. والرجل منكم يقف قدام الحفارات .
ـ لو سمحت يا ممدوح بيه أرجع قوتك .. بهذا الشكل ستفشل المهمة .. وهم كما قلت أوباش وغجر لئام .. اتركني أتفاهم معهم ..
ـ شاكرين أفضالك .. تقدر ترجع لبيتك ونصيبك يوصلك لحد عندك لما ننتهي من التقسيم .. مع السلامة .. مهمتك خلصت لحد هنا ..!!
ـ إذن لا تلم إلا نفسك إن حصل ما تكره !!
ـ وضح كلامك يا حضرة المستشار .
ـ ............................. (نظرة قرف وازدراء) .
ـ خسيس .. اتفوووووووووووووووو .
في غرفة التلفيقات كل وسائل التعذيب متاحة .. لكي يتمكنوا من عزله عن البشر ويضمنوا عجزه عن تحديد منطقة اعتقاله ألبسوه غمامة منعته من الرؤية ، رموه في حبسٍ انفرادي معتم ، جدرانه من الخرسان المسلح ، ومثلما تحجب الضوء تمنع أيضاً الأصوات بالخارج .
ما أن وصلوا به ، وفكوا عنه غمامته حتى تقيّأ من فرط الركلات في جانبيه ورائحة البول الحارقة المنبعثة من كل جدار .. الحوائط الأربعة نسخة طبق الأصل من حائط واحد خالٍ من الأبواب و النوافذ .. تحسسها جميعاً فلم يجد ثقب إبرةٍ يفسر له كيف أدخلوه .. كاد أن يموت من الهذيان .
وسيلة مبتكرة ليـعذب المذنب نفسه بنفسه دون أن يمسه سلك كهربائي أو يحشروا دبوساً بين أظافره . مقبرة موحشة فيها الظلام أكحل بهيمي , والموت الحقيقي بها هو فقد التمييز بين الليل والنهار , والطريقة الأدق لاحتساب الوقت هي شحنة الكهرباء .
غرفة التحقيق لا تختلف عن غرفة التلفيق , ولا تفريق بين موت وموت ، والموت الأكبر حينما تشخص صورة والده التي لا تغيب أبداً عن باله بين سين وجيم . للمرة الأولى يكره التعليم والشهادات .. مسخ يتصدر ملفه الأسود في أمن الدولة .. ذنب اقترفه عشرين عاماً ولن يغتفر :
" بعد البحث والتحقيق أثبتت مباحث أمن الدولة أن فلان الفلاني .. خريج جامعات البلاد خطر على الأمن القومي و العام ومعترف بتورطه في القضايا التالية ...... " .
ـ اتفضل وقع هنا يا حيلة أمك ..
البرلس : بحيرة في شمال مصر تابعة لمحافظة كفر الشيخ
تعليق