ما هي الفلسفة؟
كلا يا سارتر،أيها الفيلسوف الوجودي الرائع،الإنسان لم يقذف به في هذا العالم دون عناية إلهية...
حتى وإن كان الواحد منا يشبه ملايين البشر،وهو عبارة عن تطور حيوان منوي واحد من بين آلاف تدفقت في رحم أمه التي اختارها أبوه من بين كل النساء أو العكس.في لحظة ما ضاجع أبوك أمك،حملت بك،ولدتك لتكون إما سعيدا أو شقيا..
رحلة حياة لا توجد إلا على سطح هذا الكوكب الأرضي المتميز عن باقي الكواكب الأخرى..
كذلك أنت أيها الإنسان،تستطيع خلق تميزك وتفردك من خلال اختياراتك الحرة والأصيلة..والتي ستحاسب عليها لأن هناك عناية إلهية.
وإذا كنت لا تستطيع اختيار والديك،و لا زمان ومكان ميلادك، ولا اسمك،فأنت مسؤول عن اختيارك لنمط معين من أنماط الوجود،وهذا دليل على حريتك،فلا يمكن للعاقل أن يختار الشر،بل ما نختاره ينبغي أن يكون خيرا لنا ولجميع الناس.
تخلص من جبنك واختر مواقفك قبل فوات الأوان، فالتاريخ لا يعيد نفسه،ولكل وقت آذان.
اللقاء الأول
تحت ظل دوحة وارفة الظلال،موجودة بحديقة المدينة، جلس محروس يقرأ الجريدة في انتظارها..كان فرحا ولطالما فكر في الكلمات التي سيقولها عند الموعد.
أخيرا جاءت محروسة مشرقة متلهفة وخجولة..
تبادلا التحية..
قاطعت الصمت الذي خيم على الجلسة قائلة:
محروسة:
- يبدو أننا بلغنا سن الرشد،هذه السنة سندرس مادة الفلسفة وهي مادة جديدة بالنسبة لنا،هل تعرف عنها شيئا؟
محروس:
- حسب علمي المتواضع أنها ظهرت عند اليونان،أعرف بعض الفلاسفة منهم كسقراط وأفلاطون وزينون.
محروسة:
- وما هي الفلسفة بالضبط، أقصد المواضيع التي تهتم بدراستها؟
محروس:
-على ما يظهر الفلسفة تهتم بدراسة القضايا الإنسانية النبيلة،كالعدالة والسعادة والفن،كما تدرس ملكة التفكير عند الإنسان وقيمة عقله الذي استخدمه لإنتاج مجموعة من العلوم،كالرياضيات والفيزياء والبيولوجيا و..ولولا العلوم لما تقدم الإنسان،ولما استطاع الوصول إلى سطح القمر بواسطة التكنولوجيا التي أصبح فيها استعمال الآلة يشمل جميع مجالات حياتنا،من معرفة التوقيت إلى الإتصال بالآخرين.ولا يمكن لأي نشاط اقتصادي أو عسكري أو سياسي الإستغناء عنها.
محروسة:
-إذن ظهور الفلسفة كان مهما في تاريخ الإنسان،وخصوصا تطور العلوم.
محروس:
-بالطبع لأنها حثته على الإهتمام أكثر بالعلوم،وقد قال عنها الفيلسوف الفرنسي ديكارت بأنها أم العلوم ،حيث شبه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها العلوم الطبيعية وأغصانها المتفرعة عن هذا الجذع هي باقي العلوم الأخرى.
محروسة:
-ما هي هذه الميتافيزيقا؟
محروس:
-يقصد بها علم ما وراء الطبيعة.وسأعمق بحثي في الموضوع مستقبلا.
محروسة:
-وهل الفلسفة كلمة عربية؟
محروس:
-في الحقيقة كلمة فلسفة تسمى في معظم اللغات (فلسفة)فهي في اللغة العربية فلسفة،وفي اللغة الفرنسيةPhilosophie،وفي اللغة الأنجليزية Philosophy ،وفي الألمانية Philosophie،وفي الإسبانية Filosofia .وترجع كلمة فلسفة في أصلها إلى اللغة اليونانية:فيلوصوفيا philosophia أي محبة الحكمة.
إن كلمة صوفيا Sophia تعني أولا طريقة في تنظيم السلوك الإنساني أخلاقيا بكيفية معقولة،وتعني ثانيا معرفة شمولية بكل المبادئ التي بإمكان الإنسان أن يعرفها.
محروسة:
إذن الفلسفة من حيث الإشتقاق اللغوي هي نوع من السلوك ونوع من المعرفة.
محروس:
-أما كلمة فيليا Philia أي محبة وعشق تعني أن الفلسفة ليست هي الحكمة،وإنما فقط محبة الحكمة وعشقها.ويعتبر فيتاغورس(عاش في القرن 6ق.م) أول من أطلق على نفسه محبا للحكمة وصديقا لها بدل امتلاكها،لأن امتلاك الحكمة في نظره من اختصاص الآلهة،أما الفيلسوف فهو ذلك الشخص الراغب في الحكمة والباحث عن الحقيقة.
محروسة:
-إذن (الفلسفة هي دراسة الحكمة) حسب قول ديكارت،والحكمة هي (الخير الأسمى) وفق تعريف سقراط.فكيف ذلك؟
محروس:
-ليس المقصود بالخير هنا المنفعة الذاتية المادية العاجلة،بل هو الكمال والسمو الروحي،وبهذا تكون الفلسفة أو الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة البشرية كما يرى ذلك الطبيب الفيلسوف والعالم ابن سينا حيث يقول:(الحكمة صناعة نظرية يستفيد الإنسان منها تحصيل ما عليه الوجود كله في نفسه،وما الواجب عليه فعله،مما ينبغي أن يكتسبه فعله،لتشرف بذلك نفسه وتستكمل وتصير عالما معقولا مضاهيا للعالم الموجود،وتستعد للسعادة القصوى بالآخرة،وذلك حسب طاقة الإنسان)1.
على غفلة منهما باغتهما رجلان من رجال الأمن،فبادر أحدهما قائلا:
-ماذا تفعلان هنا؟هل لديكما عقد زواج؟
تلعثم محروس بالرد،وحرك رأسه قائلا نحن مجرد زملاء.
-زملاء هههه قل ذلك في المخفر.
في الطريق،قال محروس للبوليسي:
-لماذا قصدتنا نحن بالذات،ألا تنظر للآخرين،انظر إلى تلك الجماعة من الشباب بينهم فتيات ووسطهم قنينات،ويصدرون ضجيجا بموسيقاهم؟
-وهل قدمتها لي ورقة خضراء مثلهم؟
أظهر له فراغ جيوبه،وأخبره بأن هذا المعطف الذي يرتديه هو معطف أبيه.
سبهما الرجل ذو القبعة وأمرهما بالرحيل.
-قالت محروسة لصديقها:إنه إدمان العنف يا محروس،لا تغضب،وضربت على كتفه برفق.
أشعل سيجارة..وغابت الشمس ..أرادت الرحيل.
قبل ذهابها صاحت قائلة:وهل التدخين من علامات الرشد يا أحمق؟،لا تنس أن نتمم نقاشنا حول الفلسفة في اللقاء القادم،وسأبحث..
-يتبع-
كلا يا سارتر،أيها الفيلسوف الوجودي الرائع،الإنسان لم يقذف به في هذا العالم دون عناية إلهية...
حتى وإن كان الواحد منا يشبه ملايين البشر،وهو عبارة عن تطور حيوان منوي واحد من بين آلاف تدفقت في رحم أمه التي اختارها أبوه من بين كل النساء أو العكس.في لحظة ما ضاجع أبوك أمك،حملت بك،ولدتك لتكون إما سعيدا أو شقيا..
رحلة حياة لا توجد إلا على سطح هذا الكوكب الأرضي المتميز عن باقي الكواكب الأخرى..
كذلك أنت أيها الإنسان،تستطيع خلق تميزك وتفردك من خلال اختياراتك الحرة والأصيلة..والتي ستحاسب عليها لأن هناك عناية إلهية.
وإذا كنت لا تستطيع اختيار والديك،و لا زمان ومكان ميلادك، ولا اسمك،فأنت مسؤول عن اختيارك لنمط معين من أنماط الوجود،وهذا دليل على حريتك،فلا يمكن للعاقل أن يختار الشر،بل ما نختاره ينبغي أن يكون خيرا لنا ولجميع الناس.
تخلص من جبنك واختر مواقفك قبل فوات الأوان، فالتاريخ لا يعيد نفسه،ولكل وقت آذان.
اللقاء الأول
تحت ظل دوحة وارفة الظلال،موجودة بحديقة المدينة، جلس محروس يقرأ الجريدة في انتظارها..كان فرحا ولطالما فكر في الكلمات التي سيقولها عند الموعد.
أخيرا جاءت محروسة مشرقة متلهفة وخجولة..
تبادلا التحية..
قاطعت الصمت الذي خيم على الجلسة قائلة:
محروسة:
- يبدو أننا بلغنا سن الرشد،هذه السنة سندرس مادة الفلسفة وهي مادة جديدة بالنسبة لنا،هل تعرف عنها شيئا؟
محروس:
- حسب علمي المتواضع أنها ظهرت عند اليونان،أعرف بعض الفلاسفة منهم كسقراط وأفلاطون وزينون.
محروسة:
- وما هي الفلسفة بالضبط، أقصد المواضيع التي تهتم بدراستها؟
محروس:
-على ما يظهر الفلسفة تهتم بدراسة القضايا الإنسانية النبيلة،كالعدالة والسعادة والفن،كما تدرس ملكة التفكير عند الإنسان وقيمة عقله الذي استخدمه لإنتاج مجموعة من العلوم،كالرياضيات والفيزياء والبيولوجيا و..ولولا العلوم لما تقدم الإنسان،ولما استطاع الوصول إلى سطح القمر بواسطة التكنولوجيا التي أصبح فيها استعمال الآلة يشمل جميع مجالات حياتنا،من معرفة التوقيت إلى الإتصال بالآخرين.ولا يمكن لأي نشاط اقتصادي أو عسكري أو سياسي الإستغناء عنها.
محروسة:
-إذن ظهور الفلسفة كان مهما في تاريخ الإنسان،وخصوصا تطور العلوم.
محروس:
-بالطبع لأنها حثته على الإهتمام أكثر بالعلوم،وقد قال عنها الفيلسوف الفرنسي ديكارت بأنها أم العلوم ،حيث شبه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها العلوم الطبيعية وأغصانها المتفرعة عن هذا الجذع هي باقي العلوم الأخرى.
محروسة:
-ما هي هذه الميتافيزيقا؟
محروس:
-يقصد بها علم ما وراء الطبيعة.وسأعمق بحثي في الموضوع مستقبلا.
محروسة:
-وهل الفلسفة كلمة عربية؟
محروس:
-في الحقيقة كلمة فلسفة تسمى في معظم اللغات (فلسفة)فهي في اللغة العربية فلسفة،وفي اللغة الفرنسيةPhilosophie،وفي اللغة الأنجليزية Philosophy ،وفي الألمانية Philosophie،وفي الإسبانية Filosofia .وترجع كلمة فلسفة في أصلها إلى اللغة اليونانية:فيلوصوفيا philosophia أي محبة الحكمة.
إن كلمة صوفيا Sophia تعني أولا طريقة في تنظيم السلوك الإنساني أخلاقيا بكيفية معقولة،وتعني ثانيا معرفة شمولية بكل المبادئ التي بإمكان الإنسان أن يعرفها.
محروسة:
إذن الفلسفة من حيث الإشتقاق اللغوي هي نوع من السلوك ونوع من المعرفة.
محروس:
-أما كلمة فيليا Philia أي محبة وعشق تعني أن الفلسفة ليست هي الحكمة،وإنما فقط محبة الحكمة وعشقها.ويعتبر فيتاغورس(عاش في القرن 6ق.م) أول من أطلق على نفسه محبا للحكمة وصديقا لها بدل امتلاكها،لأن امتلاك الحكمة في نظره من اختصاص الآلهة،أما الفيلسوف فهو ذلك الشخص الراغب في الحكمة والباحث عن الحقيقة.
محروسة:
-إذن (الفلسفة هي دراسة الحكمة) حسب قول ديكارت،والحكمة هي (الخير الأسمى) وفق تعريف سقراط.فكيف ذلك؟
محروس:
-ليس المقصود بالخير هنا المنفعة الذاتية المادية العاجلة،بل هو الكمال والسمو الروحي،وبهذا تكون الفلسفة أو الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة البشرية كما يرى ذلك الطبيب الفيلسوف والعالم ابن سينا حيث يقول:(الحكمة صناعة نظرية يستفيد الإنسان منها تحصيل ما عليه الوجود كله في نفسه،وما الواجب عليه فعله،مما ينبغي أن يكتسبه فعله،لتشرف بذلك نفسه وتستكمل وتصير عالما معقولا مضاهيا للعالم الموجود،وتستعد للسعادة القصوى بالآخرة،وذلك حسب طاقة الإنسان)1.
على غفلة منهما باغتهما رجلان من رجال الأمن،فبادر أحدهما قائلا:
-ماذا تفعلان هنا؟هل لديكما عقد زواج؟
تلعثم محروس بالرد،وحرك رأسه قائلا نحن مجرد زملاء.
-زملاء هههه قل ذلك في المخفر.
في الطريق،قال محروس للبوليسي:
-لماذا قصدتنا نحن بالذات،ألا تنظر للآخرين،انظر إلى تلك الجماعة من الشباب بينهم فتيات ووسطهم قنينات،ويصدرون ضجيجا بموسيقاهم؟
-وهل قدمتها لي ورقة خضراء مثلهم؟
أظهر له فراغ جيوبه،وأخبره بأن هذا المعطف الذي يرتديه هو معطف أبيه.
سبهما الرجل ذو القبعة وأمرهما بالرحيل.
-قالت محروسة لصديقها:إنه إدمان العنف يا محروس،لا تغضب،وضربت على كتفه برفق.
أشعل سيجارة..وغابت الشمس ..أرادت الرحيل.
قبل ذهابها صاحت قائلة:وهل التدخين من علامات الرشد يا أحمق؟،لا تنس أن نتمم نقاشنا حول الفلسفة في اللقاء القادم،وسأبحث..
-يتبع-
تعليق