في هذا الشهر ولدت .. وفيه أيضا
في هذا الشهر ( يوليو ) وفي يوم السابع منه تحديدا ولدت ، وفيه أيضا مات أبي بمدينة الرياض بالسعودية ، ودفن بها ، لذا لم نزرقبره منذ موته لأننا لا نعرف قبره ، ولم نكن نستطيع السفر إلى هناك ، مات وأنا لم أزل بعد أخط أولى خطواتي في عالم المحاماة ، وكان قبلها بسنين طويلة قد إعتاد السفر والترحال والتنقل بين بلاد الخليج ، بحثا عن عيش كريم له ولزوجته ولأولاده الستة ، بعد أن ضاق به هذا العيش الكريم في أرض نهب أمراءها والمترفين فيها خيراتها ، ولم يتركوا لرعايها ومواطنيها إلا ما يقتاتون به ويقيم أودهم ، لذا لم تدم رؤيتنا له والجلوس معه إلا مرات قليلة ، عندما كان يستطيع أن يتحصل على أجازة لمدة أسابيع قليلة يعود فيها منهكا ، خائر القوى ، زائع البصر ، كثير الصمت ، مشتت التفكير والتركيز معا .
وإن أنسى فلست أنسى يوم أن جاءته فرصة السفر إلى أبو ظبي ، كنت وقتها في الرابعة عشر من عمري تقريبا ، إحتضنني وسقطت دموعه على وجهي فابتمست ، فقال لي لما تبتسم ؟، قلت له ألم تقل لي يا أبي أن الرجال لا يبكون ؟ فقال لي نعم بني ، هذه دموع الفرح !! .
ساعتها أوصاني بإخوتي البنات الأربعة ، اللائي يصغرني ثلاثة منهن في السن ، والأخرى تكبرني بعامين فقط بالإضافة إلى أخي الأصغر، وأوصاني أيضا برعاية أمي .
ومضت الأيام والشهور والسنوات ( بمرها ومرها ) ، حتى رن هاتف الجيران ذات يوم يخبرني بأن أبي يريد أن يتكلم معي من السعودية ، فأسرعت إليه وكلمته ، فأخبرني أنه يعد العدة للرجوع إلى مصر ، وخلال أقل من إسبوع سيكون بالقاهرة لأنه تعب كثيرا ويريد أن يرتاح ، فقلت له كلنا ننتظرك يا أبي ، لقد آن الاوان لأن تعود إلى بيتك وزوجتك وأولادك لترتاح وأتكفل أنا بك ، أنسيت انني الآن أصبحت محاميا وقيدت منذ أيام بنقابة المحامين ، فضحك أبي وبدا من ضحكته سعادة غامرة ثم قال سأعود فانتظرني بالمطار ، وأغلقت سماعة التليفون ، ليعاود رنينه بعد حوال ثماني ساعات على ما أذكر ، ليعود إلي ابن الجيران يخبرني أن شخصا ما يريد أن يحادثك من السعودية أيضا ، فهرعت إلى سماعة التليفون .
فأذا بهذا الشخص يخبرني بعد مقدمات وسكوت وصمت طويل أنه كفيل أبي ، وأن أبي مات بعد أن كلمني بلحظات قليلة - وربي هذا ما حدث - فظننته يمزح ، فقال لي كلا ليس في هذا مزاح ، لقد كان مجهدا منذ يومين ، وفي اليوم الثالث أصرعلى العودة إلى مصر ، لأنه يشعر بدنو أجله ويريد أن يموت بينكم ، فكلمك بالهاتف وبشرك بالعودة ، ولكن شاءت أرادة الله أن يموت بعد أن سمع صوتك وتخبره أنك صرت محاميا ، إذ قال لي لحظتها ( خلاص ابني بقى محامي وتعبي جه بفايدة ) .
أغلقت السماعة وعدت إلى أمي واخوتي شارد الذهن ، تلجمني مفاجأة لا أستطيع تصديقها ، وكأني في أضغاث حلم مفكك وغيرمنتظم فضلا عن كآبته ، فاخبرتهم ... وإلى هنا أكتفي شأن أبي حتى لا أستعيد ذكريات أقسمت ألا أستعيدها لمرارتها .
- وفي هذا الشهر أيضا ماتت أمي بعد أبي بسنوات قليلة ، وقد غلف الحزن والهم والمرض جسدها وروحها واحتواها كلية ، فلم ترى إلا وهي تسمع إذاعة القرآن الكريم . ولم تبرح بيتها إلا التنقل في أرجائه بين المطبخ وغرفة نومها ، وفي ذكراها يطيب لي أن أتذكر هذه الواقعة ليعرف من يقرأ من هي أمي ، ومن هي الأم جميعا .
استيقظت يوما ذات صباح فوجدتها بالمطبخ كعادتها تعد لي ولإخوتي مشروب الشاي بالحليب الذي كنا نداوم عليه جميعا ، فألقيت عليها تحية الصباح ، ثم أخذت عود ثقاب خشبي من علبة كبريت ، لأنبش به اذني كعادتي الكريهة التي تعودت عليها كثيرا ، فاذا بالعود ينكسر في اذني ويصبح جزئين ، جزء منه هو الأكبر داخل اذني وجزء منه هو الأقل وقع على الأرض ، ومن الجزء الذي داخل اذني تدلى خيط رفيع جدا جدا ، فاحنيت رأسي إلى الأسفل جهة اليسار، واناملي تكاد تمسك بهذا الخيط الرفيع ، ولا أستطيع أن أتحرك أو أتكلم حتى لا يندفع الكبريت داخل اذني فتكون المصيبة الكبرى ، عندئذ همت امي بالتدخل فاشرت إليها ان اصمت فصمتت ، فاذا بها تركع تحت قدمي - على ثقل جسدها - وتمسكها بكل خوف وهلع وترفع وجهها إلى وجهي ، والدموع تتساقط من عينيها والعرق ينحدر زخات زخات من جبينها ، واسمع اهات مكتومة وحشرجة موت في حنجرتها ، وعرقي يتساقط بدوره من وجهي فوق وجهها ، ولا أستطيع أنا أو هي حراكا ، ومرت لحظات رهيبة بدت كأنها عمر بأكمله ، فأغمضت عيني وممدت يدي إلى الخيط الرفيع من عود الثقاب وجذبته رويدا رويدا حتى خرج العود بأكمله ، عندئذ سجدت امي لله شكرا وهي تبكي بحرقة ، تشكر الله تعالى على فضله .
- وفي هذا الشهر أيضا ........... ولا كفاية كده لحسن المسئولين يطردوني من الملتقى ويقولولي مش ناقصين نكد يا خويا ، روح نكد على حد تاني
ههههههه
في هذا الشهر ( يوليو ) وفي يوم السابع منه تحديدا ولدت ، وفيه أيضا مات أبي بمدينة الرياض بالسعودية ، ودفن بها ، لذا لم نزرقبره منذ موته لأننا لا نعرف قبره ، ولم نكن نستطيع السفر إلى هناك ، مات وأنا لم أزل بعد أخط أولى خطواتي في عالم المحاماة ، وكان قبلها بسنين طويلة قد إعتاد السفر والترحال والتنقل بين بلاد الخليج ، بحثا عن عيش كريم له ولزوجته ولأولاده الستة ، بعد أن ضاق به هذا العيش الكريم في أرض نهب أمراءها والمترفين فيها خيراتها ، ولم يتركوا لرعايها ومواطنيها إلا ما يقتاتون به ويقيم أودهم ، لذا لم تدم رؤيتنا له والجلوس معه إلا مرات قليلة ، عندما كان يستطيع أن يتحصل على أجازة لمدة أسابيع قليلة يعود فيها منهكا ، خائر القوى ، زائع البصر ، كثير الصمت ، مشتت التفكير والتركيز معا .
وإن أنسى فلست أنسى يوم أن جاءته فرصة السفر إلى أبو ظبي ، كنت وقتها في الرابعة عشر من عمري تقريبا ، إحتضنني وسقطت دموعه على وجهي فابتمست ، فقال لي لما تبتسم ؟، قلت له ألم تقل لي يا أبي أن الرجال لا يبكون ؟ فقال لي نعم بني ، هذه دموع الفرح !! .
ساعتها أوصاني بإخوتي البنات الأربعة ، اللائي يصغرني ثلاثة منهن في السن ، والأخرى تكبرني بعامين فقط بالإضافة إلى أخي الأصغر، وأوصاني أيضا برعاية أمي .
ومضت الأيام والشهور والسنوات ( بمرها ومرها ) ، حتى رن هاتف الجيران ذات يوم يخبرني بأن أبي يريد أن يتكلم معي من السعودية ، فأسرعت إليه وكلمته ، فأخبرني أنه يعد العدة للرجوع إلى مصر ، وخلال أقل من إسبوع سيكون بالقاهرة لأنه تعب كثيرا ويريد أن يرتاح ، فقلت له كلنا ننتظرك يا أبي ، لقد آن الاوان لأن تعود إلى بيتك وزوجتك وأولادك لترتاح وأتكفل أنا بك ، أنسيت انني الآن أصبحت محاميا وقيدت منذ أيام بنقابة المحامين ، فضحك أبي وبدا من ضحكته سعادة غامرة ثم قال سأعود فانتظرني بالمطار ، وأغلقت سماعة التليفون ، ليعاود رنينه بعد حوال ثماني ساعات على ما أذكر ، ليعود إلي ابن الجيران يخبرني أن شخصا ما يريد أن يحادثك من السعودية أيضا ، فهرعت إلى سماعة التليفون .
فأذا بهذا الشخص يخبرني بعد مقدمات وسكوت وصمت طويل أنه كفيل أبي ، وأن أبي مات بعد أن كلمني بلحظات قليلة - وربي هذا ما حدث - فظننته يمزح ، فقال لي كلا ليس في هذا مزاح ، لقد كان مجهدا منذ يومين ، وفي اليوم الثالث أصرعلى العودة إلى مصر ، لأنه يشعر بدنو أجله ويريد أن يموت بينكم ، فكلمك بالهاتف وبشرك بالعودة ، ولكن شاءت أرادة الله أن يموت بعد أن سمع صوتك وتخبره أنك صرت محاميا ، إذ قال لي لحظتها ( خلاص ابني بقى محامي وتعبي جه بفايدة ) .
أغلقت السماعة وعدت إلى أمي واخوتي شارد الذهن ، تلجمني مفاجأة لا أستطيع تصديقها ، وكأني في أضغاث حلم مفكك وغيرمنتظم فضلا عن كآبته ، فاخبرتهم ... وإلى هنا أكتفي شأن أبي حتى لا أستعيد ذكريات أقسمت ألا أستعيدها لمرارتها .
- وفي هذا الشهر أيضا ماتت أمي بعد أبي بسنوات قليلة ، وقد غلف الحزن والهم والمرض جسدها وروحها واحتواها كلية ، فلم ترى إلا وهي تسمع إذاعة القرآن الكريم . ولم تبرح بيتها إلا التنقل في أرجائه بين المطبخ وغرفة نومها ، وفي ذكراها يطيب لي أن أتذكر هذه الواقعة ليعرف من يقرأ من هي أمي ، ومن هي الأم جميعا .
استيقظت يوما ذات صباح فوجدتها بالمطبخ كعادتها تعد لي ولإخوتي مشروب الشاي بالحليب الذي كنا نداوم عليه جميعا ، فألقيت عليها تحية الصباح ، ثم أخذت عود ثقاب خشبي من علبة كبريت ، لأنبش به اذني كعادتي الكريهة التي تعودت عليها كثيرا ، فاذا بالعود ينكسر في اذني ويصبح جزئين ، جزء منه هو الأكبر داخل اذني وجزء منه هو الأقل وقع على الأرض ، ومن الجزء الذي داخل اذني تدلى خيط رفيع جدا جدا ، فاحنيت رأسي إلى الأسفل جهة اليسار، واناملي تكاد تمسك بهذا الخيط الرفيع ، ولا أستطيع أن أتحرك أو أتكلم حتى لا يندفع الكبريت داخل اذني فتكون المصيبة الكبرى ، عندئذ همت امي بالتدخل فاشرت إليها ان اصمت فصمتت ، فاذا بها تركع تحت قدمي - على ثقل جسدها - وتمسكها بكل خوف وهلع وترفع وجهها إلى وجهي ، والدموع تتساقط من عينيها والعرق ينحدر زخات زخات من جبينها ، واسمع اهات مكتومة وحشرجة موت في حنجرتها ، وعرقي يتساقط بدوره من وجهي فوق وجهها ، ولا أستطيع أنا أو هي حراكا ، ومرت لحظات رهيبة بدت كأنها عمر بأكمله ، فأغمضت عيني وممدت يدي إلى الخيط الرفيع من عود الثقاب وجذبته رويدا رويدا حتى خرج العود بأكمله ، عندئذ سجدت امي لله شكرا وهي تبكي بحرقة ، تشكر الله تعالى على فضله .
- وفي هذا الشهر أيضا ........... ولا كفاية كده لحسن المسئولين يطردوني من الملتقى ويقولولي مش ناقصين نكد يا خويا ، روح نكد على حد تاني
ههههههه
تعليق