في هذا الشهر ولدت ، وفيه أيضا ....

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد العزيز عيد
    أديب وكاتب
    • 07-05-2010
    • 1005

    في هذا الشهر ولدت ، وفيه أيضا ....

    في هذا الشهر ولدت .. وفيه أيضا
    في هذا الشهر ( يوليو ) وفي يوم السابع منه تحديدا ولدت ، وفيه أيضا مات أبي بمدينة الرياض بالسعودية ، ودفن بها ، لذا لم نزرقبره منذ موته لأننا لا نعرف قبره ، ولم نكن نستطيع السفر إلى هناك ، مات وأنا لم أزل بعد أخط أولى خطواتي في عالم المحاماة ، وكان قبلها بسنين طويلة قد إعتاد السفر والترحال والتنقل بين بلاد الخليج ، بحثا عن عيش كريم له ولزوجته ولأولاده الستة ، بعد أن ضاق به هذا العيش الكريم في أرض نهب أمراءها والمترفين فيها خيراتها ، ولم يتركوا لرعايها ومواطنيها إلا ما يقتاتون به ويقيم أودهم ، لذا لم تدم رؤيتنا له والجلوس معه إلا مرات قليلة ، عندما كان يستطيع أن يتحصل على أجازة لمدة أسابيع قليلة يعود فيها منهكا ، خائر القوى ، زائع البصر ، كثير الصمت ، مشتت التفكير والتركيز معا .
    وإن أنسى فلست أنسى يوم أن جاءته فرصة السفر إلى أبو ظبي ، كنت وقتها في الرابعة عشر من عمري تقريبا ، إحتضنني وسقطت دموعه على وجهي فابتمست ، فقال لي لما تبتسم ؟، قلت له ألم تقل لي يا أبي أن الرجال لا يبكون ؟ فقال لي نعم بني ، هذه دموع الفرح !! .
    ساعتها أوصاني بإخوتي البنات الأربعة ، اللائي يصغرني ثلاثة منهن في السن ، والأخرى تكبرني بعامين فقط بالإضافة إلى أخي الأصغر، وأوصاني أيضا برعاية أمي .
    ومضت الأيام والشهور والسنوات ( بمرها ومرها ) ، حتى رن هاتف الجيران ذات يوم يخبرني بأن أبي يريد أن يتكلم معي من السعودية ، فأسرعت إليه وكلمته ، فأخبرني أنه يعد العدة للرجوع إلى مصر ، وخلال أقل من إسبوع سيكون بالقاهرة لأنه تعب كثيرا ويريد أن يرتاح ، فقلت له كلنا ننتظرك يا أبي ، لقد آن الاوان لأن تعود إلى بيتك وزوجتك وأولادك لترتاح وأتكفل أنا بك ، أنسيت انني الآن أصبحت محاميا وقيدت منذ أيام بنقابة المحامين ، فضحك أبي وبدا من ضحكته سعادة غامرة ثم قال سأعود فانتظرني بالمطار ، وأغلقت سماعة التليفون ، ليعاود رنينه بعد حوال ثماني ساعات على ما أذكر ، ليعود إلي ابن الجيران يخبرني أن شخصا ما يريد أن يحادثك من السعودية أيضا ، فهرعت إلى سماعة التليفون .
    فأذا بهذا الشخص يخبرني بعد مقدمات وسكوت وصمت طويل أنه كفيل أبي ، وأن أبي مات بعد أن كلمني بلحظات قليلة - وربي هذا ما حدث - فظننته يمزح ، فقال لي كلا ليس في هذا مزاح ، لقد كان مجهدا منذ يومين ، وفي اليوم الثالث أصرعلى العودة إلى مصر ، لأنه يشعر بدنو أجله ويريد أن يموت بينكم ، فكلمك بالهاتف وبشرك بالعودة ، ولكن شاءت أرادة الله أن يموت بعد أن سمع صوتك وتخبره أنك صرت محاميا ، إذ قال لي لحظتها ( خلاص ابني بقى محامي وتعبي جه بفايدة ) .

    أغلقت السماعة وعدت إلى أمي واخوتي شارد الذهن ، تلجمني مفاجأة لا أستطيع تصديقها ، وكأني في أضغاث حلم مفكك وغيرمنتظم فضلا عن كآبته ، فاخبرتهم ... وإلى هنا أكتفي شأن أبي حتى لا أستعيد ذكريات أقسمت ألا أستعيدها لمرارتها .
    - وفي هذا الشهر أيضا ماتت أمي بعد أبي بسنوات قليلة ، وقد غلف الحزن والهم والمرض جسدها وروحها واحتواها كلية ، فلم ترى إلا وهي تسمع إذاعة القرآن الكريم . ولم تبرح بيتها إلا التنقل في أرجائه بين المطبخ وغرفة نومها ، وفي ذكراها يطيب لي أن أتذكر هذه الواقعة ليعرف من يقرأ من هي أمي ، ومن هي الأم جميعا .
    استيقظت يوما ذات صباح فوجدتها بالمطبخ كعادتها تعد لي ولإخوتي مشروب الشاي بالحليب الذي كنا نداوم عليه جميعا ، فألقيت عليها تحية الصباح ، ثم أخذت عود ثقاب خشبي من علبة كبريت ، لأنبش به اذني كعادتي الكريهة التي تعودت عليها كثيرا ، فاذا بالعود ينكسر في اذني ويصبح جزئين ، جزء منه هو الأكبر داخل اذني وجزء منه هو الأقل وقع على الأرض ، ومن الجزء الذي داخل اذني تدلى خيط رفيع جدا جدا ، فاحنيت رأسي إلى الأسفل جهة اليسار، واناملي تكاد تمسك بهذا الخيط الرفيع ، ولا أستطيع أن أتحرك أو أتكلم حتى لا يندفع الكبريت داخل اذني فتكون المصيبة الكبرى ، عندئذ همت امي بالتدخل فاشرت إليها ان اصمت فصمتت ، فاذا بها تركع تحت قدمي - على ثقل جسدها - وتمسكها بكل خوف وهلع وترفع وجهها إلى وجهي ، والدموع تتساقط من عينيها والعرق ينحدر زخات زخات من جبينها ، واسمع اهات مكتومة وحشرجة موت في حنجرتها ، وعرقي يتساقط بدوره من وجهي فوق وجهها ، ولا أستطيع أنا أو هي حراكا ، ومرت لحظات رهيبة بدت كأنها عمر بأكمله ، فأغمضت عيني وممدت يدي إلى الخيط الرفيع من عود الثقاب وجذبته رويدا رويدا حتى خرج العود بأكمله ، عندئذ سجدت امي لله شكرا وهي تبكي بحرقة ، تشكر الله تعالى على فضله .
    - وفي هذا الشهر أيضا ........... ولا كفاية كده لحسن المسئولين يطردوني من الملتقى ويقولولي مش ناقصين نكد يا خويا ، روح نكد على حد تاني
    ههههههه
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد العزيز عيد; الساعة 29-05-2011, 17:59.
    الأحرار يبكون حريتهم ، والعبيد يبكون جلاديهم
  • دكتور مشاوير
    Prince of love and suffering
    • 22-02-2008
    • 5323

    #2
    [align=center]
    والله والله حرام عليك....
    لا أستطيع قول شيء غير البكاء.....!!
    اسمح لي بالخروج من هنا ودعائي للوالد ولست الحبايب أن يرحمهما الله
    ليه كده يا أخي بس.....!
    [/align]

    تعليق

    • عبد العزيز عيد
      أديب وكاتب
      • 07-05-2010
      • 1005

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة دكتور مشاوير مشاهدة المشاركة
      [align=center]
      والله والله حرام عليك....
      لا أستطيع قول شيء غير البكاء.....!!
      اسمح لي بالخروج من هنا ودعائي للوالد ولست الحبايب أن يرحمهما الله
      ليه كده يا أخي بس.....!
      [/align]
      يعزعليك بكائك يا أخي العزيز ، فكم أنت انسان مرهف الحس ، رقيق المشاعر ، طيب القلب والوجدان ، ولقد هممت والله لأجلك بمحو موضوعي ، ولكني تراجعت عن هذا الهم ، اكراما لذكرى أبي وأمي .
      شكرا لمرورك أخي ، وتقبل الله دعائك
      الأحرار يبكون حريتهم ، والعبيد يبكون جلاديهم

      تعليق

      يعمل...
      X