ضغط بيديه النحيلتين على بطنه، و بالكاد استطاع استرجاع أنفاسه ، فقد كان منذ دقائق يصرخ وينتحب بصوت عالي، ولكن لا يبدو أنّ شريكه بالغرفة يبالي بمعاناته ، لقد مضي أكثر من شهرين وهو على هذه الحال ، ولاشك بأنّ رفيقه سأم مساعدته ..!!
الألم بدأ أكثر ضراوة هذه المرة ، لم يفلح في إيقافه ، رغم كمية المياه التي شربها ، ينبطح على بطنه مرة أخرى ، و بلاط الأرضية البارد يسمح ببعض الراحة تتسلل إليه ، رغم الغبار الذي يستنشقه .. ظلّ يحتضن الأرض حتى ساعات الصباح الأولي ، ورفيقه لم يتحرك أو يحتج على صراخه أو يهرع إلى مساعدته .. نهض إلى حيث فراشه ، في أقصى الغرفة المغلقة ، تمدد ، لم يستطيع إغلاق عينيه .. النور المنبعث من مصباح في الممر الخارجي عبر الكوة الصغيرة فوق الباب الحديدي الأسود، و لا زال ضوءا شاحبا .. إنّه ينتظر تغيّّره .. وأخيرا لاح نور الصبح ..!!
ينهض إلى صاحبه ليوقظه ، يكتشف أنّ عينيه مفتوحتان ، يبتسم له ، ولكن رفيقه تسمرتا عيناه على الكوة ، أنهما لا تتحركان .. يدنو منه .. لا يسمع أنفاسه .. فيضع يده على جبهة الرجل ، إنها باردة .. يكلمه .. يناديه باسمه ، يهزّه .. يصرخ طالبا النجدة .. بعد لحظات يأتي الحارس معنفا .. " هل عاودك الألم أيها الشقي ..؟ " .. فتح الباب ، عينا السجين المتورمتين تملئهما الدموع ، وبشفاه ترتعد يخبر الحارس .. لاحظ الحارس أنّ السجين الأخر لا بد أن يكون ميتا فقد صفعه وهزه من شعره .. قبل أن يتحسس حرارة جسده ..!!
قام بمساعدة رجال النظافة في إخراج الفراش وباقي الحاجيات الاخري للسجين الميت .. لم يشعر بالحزن لفراقه .. ولكن شيء ما في داخله يثير أشجانه .. فغرفة العزل هذه ، لا يدخلها إلاّ المصابين بالسل أو الامراض المعدية ألأخرى .. وقليلا ما يخرجون منها أحياء ..
في ذلك المساء لم تعاوده الآم بطنه ، فقد أعطأه طبيب السجن مسكنا جديدا .. ومع أنّه لم ينم الليلة الماضية وبعد ظهر اليوم كعادته دائما .. إلاّ أنّ النوم هذه المرة جافي عينيه المتقرحتان ، الغرفة تبدو أكبر حجما ، والهدوء والظلام وبعض الخوف من الموت يدفعانه لقراءة بعض القرآن بصوت خافت .. خيل إليه إنّه يسمع أنفاس رفيقه ، يعلم أنّ الغرفة خالية ، يقوم من فراشه ، يقترب من الباب ، يسند ظهره إليه ، يضع أذنه علي الباب ، الهدوء في الخارج أيضا ، ثمّ أصوات صرير لأبواب تقفل وصراخ سجين يتألم ، إنهم يضربونه ، تبا ..! يعود مسرعا إلى فراشه ، يضع اللحاف فوق رأسه ، ولكنه يكاد يختنق ، فيزيحه عنه و يرمى به في وسط الغرفة ..
أخيرا ، نفحة من الهوا تقتحم الغرفة ، يملاء رئتيه منها .. ولكن المكان تفوح منه الرطوبة المصحوبة برائحة المواد المعقمة مما يزيد من توتره ، فينهض إلى حيث كان فراش رفيقه .. يجلس ، يغلق عينيه يظم ركبتيه إلى صدره بعد أن وضع اللحاف فوق راسه ، ثم أسند برفق راسه على ذراعيه ، وترك الدموع الذليلة تبللهما في صمت علي غير عادته .. ركلة الحارس له ،رغم قسوتها لم تكن تؤلمه ،بل أيقظت هواجسه ، فقد ظنّ أنّ رفيقه بالغرفة قد عاد إلى ركنه ..!! " هيا أيها الأحمق" لقد تقرر نقلك لغرفة إنفرادية فهذه الغرفة موبؤة ..
الألم بدأ أكثر ضراوة هذه المرة ، لم يفلح في إيقافه ، رغم كمية المياه التي شربها ، ينبطح على بطنه مرة أخرى ، و بلاط الأرضية البارد يسمح ببعض الراحة تتسلل إليه ، رغم الغبار الذي يستنشقه .. ظلّ يحتضن الأرض حتى ساعات الصباح الأولي ، ورفيقه لم يتحرك أو يحتج على صراخه أو يهرع إلى مساعدته .. نهض إلى حيث فراشه ، في أقصى الغرفة المغلقة ، تمدد ، لم يستطيع إغلاق عينيه .. النور المنبعث من مصباح في الممر الخارجي عبر الكوة الصغيرة فوق الباب الحديدي الأسود، و لا زال ضوءا شاحبا .. إنّه ينتظر تغيّّره .. وأخيرا لاح نور الصبح ..!!
ينهض إلى صاحبه ليوقظه ، يكتشف أنّ عينيه مفتوحتان ، يبتسم له ، ولكن رفيقه تسمرتا عيناه على الكوة ، أنهما لا تتحركان .. يدنو منه .. لا يسمع أنفاسه .. فيضع يده على جبهة الرجل ، إنها باردة .. يكلمه .. يناديه باسمه ، يهزّه .. يصرخ طالبا النجدة .. بعد لحظات يأتي الحارس معنفا .. " هل عاودك الألم أيها الشقي ..؟ " .. فتح الباب ، عينا السجين المتورمتين تملئهما الدموع ، وبشفاه ترتعد يخبر الحارس .. لاحظ الحارس أنّ السجين الأخر لا بد أن يكون ميتا فقد صفعه وهزه من شعره .. قبل أن يتحسس حرارة جسده ..!!
قام بمساعدة رجال النظافة في إخراج الفراش وباقي الحاجيات الاخري للسجين الميت .. لم يشعر بالحزن لفراقه .. ولكن شيء ما في داخله يثير أشجانه .. فغرفة العزل هذه ، لا يدخلها إلاّ المصابين بالسل أو الامراض المعدية ألأخرى .. وقليلا ما يخرجون منها أحياء ..
في ذلك المساء لم تعاوده الآم بطنه ، فقد أعطأه طبيب السجن مسكنا جديدا .. ومع أنّه لم ينم الليلة الماضية وبعد ظهر اليوم كعادته دائما .. إلاّ أنّ النوم هذه المرة جافي عينيه المتقرحتان ، الغرفة تبدو أكبر حجما ، والهدوء والظلام وبعض الخوف من الموت يدفعانه لقراءة بعض القرآن بصوت خافت .. خيل إليه إنّه يسمع أنفاس رفيقه ، يعلم أنّ الغرفة خالية ، يقوم من فراشه ، يقترب من الباب ، يسند ظهره إليه ، يضع أذنه علي الباب ، الهدوء في الخارج أيضا ، ثمّ أصوات صرير لأبواب تقفل وصراخ سجين يتألم ، إنهم يضربونه ، تبا ..! يعود مسرعا إلى فراشه ، يضع اللحاف فوق رأسه ، ولكنه يكاد يختنق ، فيزيحه عنه و يرمى به في وسط الغرفة ..
أخيرا ، نفحة من الهوا تقتحم الغرفة ، يملاء رئتيه منها .. ولكن المكان تفوح منه الرطوبة المصحوبة برائحة المواد المعقمة مما يزيد من توتره ، فينهض إلى حيث كان فراش رفيقه .. يجلس ، يغلق عينيه يظم ركبتيه إلى صدره بعد أن وضع اللحاف فوق راسه ، ثم أسند برفق راسه على ذراعيه ، وترك الدموع الذليلة تبللهما في صمت علي غير عادته .. ركلة الحارس له ،رغم قسوتها لم تكن تؤلمه ،بل أيقظت هواجسه ، فقد ظنّ أنّ رفيقه بالغرفة قد عاد إلى ركنه ..!! " هيا أيها الأحمق" لقد تقرر نقلك لغرفة إنفرادية فهذه الغرفة موبؤة ..
تعليق