رحلة حب
لم تستوقفك الفيلات الضخمة يوماً ولا السيارات الكبيرة ,كنتَ تحب تلك الحياة التي تحتضنكَ بدفئها وناسها,إلى أن رماك القدر أمام إحدى القصور الجميلة ,لتأخذ من راحة بالك وتحقنك بجرعة من الفرح تروي مساحة عطشك لأنوثة متوقدة ,لتبني قصوراً وتهدم أخرى .
ذهبت إلى هناك بعد أن توقفتْ أفكارك مطولاً عند إعلان التقطته عيناك في مربع صغير في الزاوية اليمنى لجريدة إعلانية أملاً في زيادة مردودك المادي .
ذهبتَ بحبور ,وعندما وقفَت أمام ذلك القصر الملكي تهافتتْ عليك الأسئلة :ما الذي جاء بك إلى هنا.
عندما د خلتَ عبر الممر الفردوسي فاحتْ رائحةُ الياسمين المتناثر على سجادة ربيعيةٍ خضراء ,وعاندتها رائحةُ الزنبق وعند الباب البني المزخرف رفرفَ الفل مرحباً ,تساءلت :هل أنت في الفردوس؟!.
طرقتَ الباب بتلك القبضة الذهبية وألفُ سؤال يضرب باب رأسك. فتحتْ لك خادمةٌ في الثلاثينيات من عمرها بصدارة بيضاء كالثلج أخبرتها أنك مدرس للغة الألمانية ولقد قرأت الإعلان الذي في الجريدة, طلبتْ منك الجلوس ريثما تأتي الآنسة.
كنتَ ما تزال مفتوناً ببراعة ودقة بناء هذا القصر حين لمحت عيناك غزالةٌ سمراء بقدمين طويلتين عاريتين وشعر غجري تقفز على الدرج من الطابق العلوي وكأنها لا تلامس الأرض بقدميها فيما تتراكض خصلات شعرها خلفها كشالٍ حريري ,وقفتْ أمامك كطفلةٍ مغناجٍ مدتْ يُمناها مغردة :أهلا بك أستاذ؟؟.
أجبتها:أستاذ تيم .
كانت عيناك الجائعتان تكادان تلتهمان تفاصيل جسدها الأنثوي .
همستْ وهي ترفعُ خصلة من شعرها عن جبينها المدور :أهلا بك أستاذ تفضل..
جلستْ غير إن قلبك رفض الجلوس, شرب من خمر وجنتيها فترنح ثملا .
حاولتَ صرفَ عينيك عن بطتي قدميها العاريتين حين وضعت قدماً فوق الأخرى فبدت كملكة على كرسيها العاجي قائلة :أريد تعلم الألمانية بطلاقة ,فلقد حصلتُ على بعثةٍ وأريدُ متابعة دراستي في الخارج .
كدتَ تناديها وأنت تحبس ابتسامةً شقية :تسافرين ......وأنا لقد وجدتك لتو؟!.
سألتكَ متى نبدأ؟.
أجبتها وأنت تحاول استغلال كل لحظة لتنقيب بين ثلج قدميها المغري علك تروي مساحة العطش في عينيك ثم تتشبث بصدرها الرخامي وكأن الأنوثة تتجسد أمامك في هذا الجسد :غداً هل يناسبك!.
غادرتَ وقلبكَ يلوحُ لها مودعاً ,جفاكَ النوم في تلك الليلة فلقد حط طيفها رحاله عندك ,تمايل أمامك كغصن اللوز المورق بالحياة ,أجج السعير في قلبك .
في اليوم التالي لبستِ بدلتك البنية, حلقت ذقنك وكأنك تعدها بقبلة من عسل شفتيها, رزاز العطر تناثر حول جسدك
انتابك نشاطُ مراهقٍ عاشق ,فأخذتَ تقفزُ فوق منصةِ السعادة جيئةً وذهاباً ريثما يأتي الوقت المنتظر.
كان تواتر النبض يزدادُ ضراوةً كلما اقتربت من مملكتها ,وعندما تصل وتقفز أمامك بثوبها الأزرق تهبُ رائحةُ العطرِ مغتالةً قلبك وترفرفُ روحك علها تستطيع احتضان عطرها المهيمن في قوارير زجاجية تستنشق أريجها ليلاً عندما يباغتك الوجد إليها.
جلستما على الشرفة وراء طاولة خشبية مستديرة تحمل أنيةً فضية من النرجس البري تأخذ تفاصيل جسد أنثى شبه عارية ,بين اللحظات والأخرى كان سيلٌ من الاعتذار يقفُ عند باب الكلمات ويرتدُ خجولا ,أردتَ الاعتذار عن الدروس منذ اللحظة الأولى التي طارت فيها ضفيرتها ولامست شفتيك , قصف رعد الحب في أعماقك فاضطربت خوفاً من أن تسمع وجيب النبض الذي صم أذنيك , خوفاً من أن تحس بتغير مسار الدم في أروقة جسدك المحموم بها.
طلبتَ منها فنجاناً من القهوة كي تُهدهد لقلبك كطفلٍ صغير :اهدأ أرجوك ستفضحني .
لكنها سرعان ما عادت :ستكون القهوة جاهزة بعد قليل ,سكنتك لوعة طفل يعشق التحديق إليها.
في تلك الليلة لفظكَ النوم ,رقصتْ الحياة في عينيك ,انتابتك سعادةٌ خفية تدفقتْ من مشاعرك المكبوتة ,فأخذتَ ترشُ بذور الحب في بيدر القلب فتتحول إلى سنابل وفي كل سنبلة مئات الحبات ولكل حبة قصة وذكرى.
لم تستطع قطع جسر العبور إلى مملكتها رغم إدراكك أنك تمتطي قارب اليأس .
في أحد الأيام وعندما جرك حبل الشوق عنوةً إليها قبل الساعة المحددة ,استقبلك عودها الرنان ,طوق الحزن قلبك واجتاحتك رغبة في احتضان جسدها والبكاء على صدرها كطفل يتيم يطلب الحب.
أكانت تعزف على أوتار القلب ,القلب الذي لملم أحزانه المندثرة ونثرها من جديد ,طلبت منها أن تعلمك وعندما أعطتك العود ووضعتْ يدها ببراءةٍ على أصابعك فضجَ الجوى في قلبك,واشتعلت النيران وأزهرت الرياض.
حسدتَ العود حسدتَ أصابعك وتمنيت لو أن جسدك يتجسد بأصابعك ,كنت بحاجة للزجاجات كثيرة من الماء تخفيها بين ثيابك كي تطفئ تلك الحرائق التي كانت تشتعل كلما تلاقت عيناكما ..كلما صافحت ابتسامتها وجهك .
بعد شهور جاءت تستقبلك كفراشة صغيرة قائلة :أستاذي العزيز سأسافر في الشهر القادم .
دارت زوبعة الصور في ذاكرتك ,كنت تود الصراخ :وهل ستتركينني ؟.
طارت عصافير الحنين إليها سألتها:ألن أراكِ ..سأشتاق لطالبتي الحسناء.
حارت البراءة في سواد عينيها وخجلت الملائكة في وجهها قالت بخجل وقد أزهر الرمان في وجنتيها :سأزورك أستاذ ..أنا وخطيبي ... دارت ذوبعة الأفكار في رأسك كل ما كنت بحاجة إليه هو هزة خفيفة ..كلمة صغيرة ..كي تعود وفي قلبك مساحة من الجمال والسعادة من رحلة الحب تلك .
عدت إلى منزلك والصقيع يلفك بعدما أنزلق عنك رداء الحب وغادرك الفرح الذي كان يجن كلما ذكر أسمها.
انزلقت في سريرك ,نظرتَ إلى زوجتك التي تنام بوداعة ,أيقظتها وأخذت تنتحب كطفل صغير على صدرها الأبيض
تعليق