هاهي ليلة الميلاد تبدأ .. أغلق بابي عليّ ... أتخيلها تارةً معي .. وتارة أتخيل ظلها الراحل ...
وطوراً أتصور ابتسامتها البديعة لي .. ترى كيف تقضي ليلتها ...؟؟؟
وهل تتذكرني ... لقد فتح حدث المطعم الأخير آفاقاً جديدة في سماء قلبي ...
أنها تكن لي مشاعر مشابهة ... هكذا كان يقول لي قلبي وكانت تعبر ابتسامتها ...
وهذا ما كان ينطقه ظلها الراحل ... إنها تبادلني الحب ... لا شك في ذلك ...
لكنه حب صامت خالٍ من تقاليد حب في هذه الأيام ...
انتهت عطلة رأس السنة الميلادية ... كانت بالنسبة لي هم ثقيل لمجرد إنها لم تكن قريبة مني ..
وارتديت ثياباً جديدة على عادتي كل عام وكانت هذا العام أنيقة أكثر من كل عام ...
لم يكن في بالي رؤيتها فهي على وشك الوصول بعد ساعة أو أكثر ...
لكني فوجئت بها خارجة من المطعم وهي ترتدي ثوباً أبيضاً تاركة شعرها
مسترسلاً على كتفيها فبادرتها بالسلام وردت عليّ برقة وعذوبة,
وتبادلنا التهنئة وقالت بشيء من الخجل ...
_ هل تقبل مني هذه ...
مدت يدها إلي بظرفٍ أبيض , فاندهشتُ ثم زادت دهشتي حين رمقتني بنظرة وانطلقت بعيداً عني ...
فتحت المظروف لأجد فيه باقة رقيقة ... شمس تغيب في أحضان بحر
وفي البعيد مركب فيه على ما يبدو إثنان ... وقد كتبت على ظهر البطاقة
كل عام وحبيبي بألف خير ...
وحين تأكد لي السطر المكتوب عدوت في الجهة التي انطلقت إليها وصرت أبحث عنها ...
هنا وهناك حتى وجدتها واقفة تستند إلى شجرة وشعرها المسترسل يغطي نصف وجهها ...
اقتربت منها ... ابتسمت ابتسامة رائعة أروع بكثير من ابتسامة المطعم ...
تلك الابتسامة التي تمنحها المرأة للرجل حين تريده أن
يسافر خلال شرايينها إلى ذلك الجزء الحي في جسدها ....!
رددتُ عليها الابتسامة ... وأمسكت خديها بكلتا يديّ بينما
أزلتُ شعرها المغطي لنصف وجهها ، ثم .....
دوى صوت أمي عالياً ... وانتبهت لأجدني في غرفتي
والساعة قد تأخرت عن موعد دوامي ...
وهناك تحت السرير سقط غطائي الصوفي الذي كنت أستنجد به من البرد ...
إذن فقد كان حلماً ... حلما لذيذا , لكنه على العموم حلم لم يلبث حتى أنتهى وتلاشى ..
ارتديت ثيابي على عجل وغادرت البيت وسعادة غريبة تشع من عينيّ ...
وصلتُ المستشفى ... حييتُ البستاني وعامل النظافة وكل من وجدتهم في طريقي ...
كنت أشعر أنني أطير في سماء ممتعة الألوان ,
والناس حولي فراشات تحلق على زهور صفراء وحمراء تمنح الصفاء والحب والأمان ...
نشوة تسري في كل أوردتي وشراييني , تقودني دون علامة سؤال أو تعجب إلى المطعم ...
إلى حيث يتحقق الحلم ... وقفت في المدخل ورنوت بنظري إلى كل الطاولات ...
كانت فارغة جميعها ... إلا من العمال ...!!!
لم تصل ياسمين لحد الآن ... ولكني لست حزيناً ...
لأن الحب كما أراه لذيذ بكل تفاصيله ...
مرّ الوقت سريعاً وأنا وزملائي نتبادل التحايا
ونتمنى لبعضنا البعض حياة سعيدة في العام الجديد ...
ولم تأتِ ياسمين ربما لأنها قد قضت ليلة صاخبة في المدينة ...؟؟؟
وراح العاشق المسكين يتصورها في ليلة الميلاد بأجمل صورها لكنها ليست معه ...
ثم طردت كل تلك الأفكار اللعينة عن خيالي وأبديت تحدياً للحزن هذا اليوم ...
وأنا أطرد الأفكار اللعينة من رأسي واذا بياسمينتي
تطل من بعيد ترتدي ثوباً أبيضا , فهتف قلبي ,
واتضح لي حين اقتربت أنه لون أشبه بلون الحليب ..
ولكن شعرها كان معصوقاً بطريقة عادية ..
وابتسامتها كانت روتينية .. تمتمت بخيبة أمل ...
_ كل عام و..... أنتِ بخير ...
ردت باللغة الإنجليزية ( thanks )
وتركتني بعد ان قصت جناحي فهويت على الأرض بعدما كنت أطير ...
وذهبت في اتجاه زميلتي حنان وربما تبادلا التهاني ...
لماذا لم تهنئني ...؟؟؟
لماذا لم تنطق بحرف يدل على احترام لا حب ...؟؟؟
لأي شيء يقال لزميل لا حبيب ... وترنحت في الممر وأنا العن صدفة يوم الثلاثاء ...؟؟؟
وشعرت بالذل وأني أصبحت صغيراً قدر رأس دبوس
وأن مشاعري أضحت طوقاً من نار يلتف على عنقي ...
اااااااااااه قد كنت أعيش بمعزل عن مخلوق اسمه امرأة
وحين دخلت حياتي حولتها إلى مجموعة من المتناقضات في لحظات
الحزن والفرح ... التشاؤم والتفاؤل ... حولتني إلى قشة تزجها الريح في بحرٍ عارم ...
تتلاعب بها الريح والموج ... لكن الشاطىء أصبح بعيداً ولا أستطيع بقوة قشة أن أبلغ المرفأ ...
وأكملت يومي صامتاً مثل ثكلى حين تجد بأن كلامها وبكاؤها لا يعبران عما فقدته ...!!!
عدت إلى البيت واستلقيت في فراشي ... ااه لم أذنب بحق إنسان في حياتي
وهنا أنا أذنب بحق نفسي ...!!!
لقد أقحمتها في عالمٍ تجهل ماهيته ... مثل فلاح زجه القدر في صفوف أبناء المدينة ...
فحار بين تقاليده وتقاليدهم.. بساطته وتعقيدهم ...
لماذا لايعود الفلاح إلى قريته ... ولماذا لا أعود الى نفسي ثانيةً
أغمضت عيني ورحت أغط بنوم عميق ومعدتي فارغة منذ الصباح ...
لم أرَ ياسمين في منامي ولم أكن أتمنى ذلك ...!!!
كنت أريد أن أنم دهراً طويلاً . ..
استيقظتُ على طرقات أمي على باب غرفتي ,
وحين نهضت فَزعت لمنظري ما زلت بملابس الصباح وقالت :-
ـ غير ملابسك الطعام جاهز ..
وفعلت مثلما قالت ... وحين جلسنا على المائدة لم تفارق عيون أمي تصرفاتي وسلوكي ...
فاستغربت أني كنت آكل وكأنما أنفذ حكماً ..
_ ما بك يا محمد ...؟؟؟
_ لا شيء ... متعباً فقط ... والتعب يفقدني شهيتي .
ونفضت يدي من لقمة كادت تمضغها أسناني ..
لا .. لا اريد الأكل ... أريد النوم ... واضطجعت وحيداً ثانيةً على سريري ...
وكلمتها الفاترة ما تزال معلقة في ذهني توقد ناراً في صدري ...
سحبت دفتر مذكراتي وكتبت ...
- كنت خالياً من العذاب ... حينما لم تكن حواء في دنياي ... وحين سكنت حواء قلبي ... فقدت حبل النجاة ...؟؟؟!!!
محمد
لا أدري كم الساعة الآن حين أغمضت عيني للنوم ,
لكني استيقظت بعد فترة قصيرة من نومي لأرى الشمس تنثر خيوطها على الكون ...
كانت ليلة مضنية ملأت رأسي بأفكار مجنونة وآلام لا مبرر لها ...
وصلت المستشفى متأخراً وأكتشفت أيضاً أني نسيت أن أضع
ساعتي في معصم يدي الأيسر .. وأن أناقتي ليست ككل يوم ...
لم نكن أنا ومحمد الأمس سوى كائنان يتشابهان بالأسماء فقط ...!!!
أبصرت حنان قادمة نحوي ووجهها يتهلل كالعادة بالبشر والسرور
فبادرتني بالكلام بعد السلام .. وقالت أنها جاءت مبكرة هذا اليوم لوداع ياسمين ...
_ وداع ياسمين ... وإلى أين ستذهب ...؟؟؟
_ ستُنقل لمستشفى قريبة من محل سكنها ...
_ ولكن هل سيُقبل طلبها هذا ...؟؟؟
_ طبعاً في حالة واحدة فقط ...
_ ماهي ...؟؟؟ قلت متلهفاً ...
_ اذا اقترن طلب النقل بخاتم الخطوبة ...!
وهنا اهتز كل عصب يحمل السمع إلى مخي ...
ولم أعد أرى شيئاً أمامي ... فقد أثارت كلمات حنان جنوني ...
اندفع وحش في داخلي تهيج فجأة ...
_ وهل خُطبت ...؟؟؟
_ نعم ...
استدرتُ وانطلقت راكضا مثل معتوه ... أبحث عنها ...
وستة حروف شعلن في رأسي مثل قنديل الزيت
يـ . ا . س . م . يـ . ن
قادني قلبي للباب الخارجي لأراها تضع الحقائب أمام السيارة ...
انطلقت نحوها .. وحين شاهدتني ظلت واقفة صامتة فبادرتُ بقولي ...
_ حقاً سترحلين ...؟!
_ نعم ...
تجمعت العبرات في صدري وأرسلن دموعاً تترقرق في عيوني ...
وأين أذهب بأحلامي ... وسعادتي ... ماذا أكتب في دفتر الذكريات ... ومن أحبُّ بعدكِ
جحظت عيناها وهي تسمع هذه الكلمات ... فصارحتها بمشاعري كاملة ...
_ لقد أصبحتِ كل حياتي ... الأمل والحلم ... الحاضر والمستقبل ...
أصبحتِ كل شيء بالنسبة لي يا ياسمين ...
وانسالت دموعي كالمطر ... فسحق الحب رجولتي وعزة نفسي وكبريائي ...
وعقدت المفاجأة لسانها وأنا اتوسل إليه أن ينطق
أن يقول أى شيء وبعد أن أعيتني الثواني قالت ..
_ ولكن ألا تعلم ... ؟!
وأشارت إليّ بخاتمها الذهبي في يدها اليمنى ...
وسقط الزيت على النار فاندلع الحريق ...
حريقٌ هشم أضلاعي وسلخ جلدي وحرق كبدي ...
وتركني رماداً فصرخت أمام هذا الخاتم ...
_ لكني أحبكِ ... كثيراً ... بما لاتتصورين ... لأول مرة أنا أحب ... ولأول مرة أنا أبكي ...
_ أرجوك يا محمد كنْ عاقلاً وأمسح دموعك ... وأبحث عن ثانية غيري ...
الحياة مليئة بالنساء وأن رحلت إحداهن ...؟؟؟
فأدركت من كلامها بان الوقت قد انتهى ... وأنها راحلة إلى الرجل الذي تحبّ ...
فهمست لها بصعوبة ...
_ كوني سعيدة ... كي أنال السعادة ..
ثم أردفت :
_ وداعاً يا ياسمين .. لن أنساكِ أبداً ... سأزرع الياسمين في حديقتي وغرفتي وقلبي ...
وسأشم عطره الذي هو عطركِ كل لحظة وستبقى صورتكِ في بالي ...
حواء الجميلة ... الحب الأول .. والمرأة الأولى ... وداعاً حبيبتي ...
ثم انطلقت بها السيارة ... وتركتني مثل عصفورة تركت أولادها في العش ولم ينبت لهم الريش بعد ...
تركت محمد وحيداً مع نفسه ... ذكريات بسيطة ... ابتسامة فريدة ...
تركت الرجل الذي هجر عالم النساء فألفى نفسه فجأة في منتصفه
وألفى نفسه غارقاً ...
استدار ليعود الى بيته وهو يتمتم :
لولا عملي هنا ... لولا عقد البيت ... لولا ليلة الميلاد ... لولا ...
آآآه لولا ذلك الثغر المدور ...؟؟؟!!!
تمت
خالص التحايا
ر
ووو
ووو
ح
تعليق