وصل الجنرال إلى مكتبه وبوادر القلق الشديد ترتدي ملامحه، صرخ طالبا قهوته، وأشار بعصبية لموظفي مكتبه من أجل المغادرة. باشر بدراسة الملف الأحمر!.. بعد فترة وجيزة، دعى لاجتماع عاجل مع مساعديه..
دخل إلى قاعة خاصة.. ألقى التحية وبانفعال مرتبك: إجلسوا أيها القادة.. إجلسوا.. أرجو أن تصغوا إلى كلامي جيدا.. نريد أن ننفذ كل خطوة في ملف (الحرباء).. إن كل ثانية تمر ترسم تفاصيل مختلفة على خارطة عالمنا الجديد، العمل بدقة ضروري؛ نريد الاستفادة من هذه النكبة.. الكارثة.. كذبة نحولها إلى حقيقة.. نظر إلى الوجوه المشدودة إليه وإلى حركات يديه، ثم أردف بهدوء صارم: نحتاج كثيرا لحملة إشاعات دقيقة نشنها وأقلامنا الصديقة المتعاونة ضد هؤلاء الجرب.. الفرصة الآن أمامنا باتت قوية لإلصاق كلمة إرهابي بالهمج..
انتهز مستشاره فرصة صمته قائلا بلا تلعثم: الحربـ اء أهم من يشكل ويلون التاريخ..
بخبث سرق أحد الضباط الانتباه: سيدي لقد نطقت الحق، اعتبارا من اليوم التاريخ يكتب، الآن طائراتنا وصواريخنا تدك حصون الظلام في تلك الجبال الحقيرة..
سوف ننجح ونرفع نخب دمارهم الذي لابد من تحققه.. وأشار إلى مساعده الأيسر ليقول ما عنده
- سيدي! لقد قمت بجمع ما هو مطلوب بالتنسيق مع الحلفاء عبر الاتصالات السرية، كي يقدموا التبرعات اللازمة لدعم اللاجئين بالخيام والغذاء.. حلفاؤنا دائما كرماء؛ دعمونا كما يجب، الميزانية عامرة وجاهزة، جزء يسير منها مخصص لدعم طائرات قذف الطعام من الجو لهؤلاء النعاج، الذين ليس لهم ناطح ولا خابط..
انفجر الجميع بقهقهات سكنت بنظرة من الجنرال، إذ علت نبرة صوته بحدة وقسوة: لا بد من فرض الحصار وصولا إلى العزلة، على قواتنا أن تكثف القصف ليتم تكثيف الدعم!..
مسئول آخر في الجيش: سيدي.. لا ضير حين يضحك البحر على موج لا يملك غير الغرق بجهله في الشاطئ.. لقد استطعت أن أجمع رجالا ونساء في بلادنا وأشكل منهم قوات شيطانية؛ من أتباع الخمر ولقطاء الشوارع، تجار مخدرات من القتلة المحكومين بالمؤبدات، وكل المصابين بالأمراض المزمنة!.. سيتم تدريبهم خلال فترة وجيزة، ثم نزجهم..
قاطع المنسق الإعلامي بطريقة لبقة: لقد أعددت برامج مع أبرز مثقفينا ونسقت فترات ظهور الرئيس على الشاشه، مع شيء من ألم ودمع ليرسم السلام لشعوب العاطفة، سأبذل جهدا لترسيخ شعار: نحمل الشعلة لنضيء للآخرين.. بالحرية نقضي على الظلم.. نستأصل الإرهاب؛ العدو القبيح الذي شرع وأباح القتل بالمجان!..
استمر الاجتماع لساعات، انزوى بعدها الجنرال يتابع الأحداث.. يدون ما حققه بطريقة خاصة عبر أجهزة المتابعة السرية.. تلتمع عيناه.. ينظر بنشوة إلى صور الأشلاء والقتلى التي خلفتها آخر الغارات الجوية، ابتسم وتمتم بكلمات النصر وهو يشاهد مدنين تحت الأنقاض.. في غياب فرق الإنقاذ، ارتشف بزهو شيئا من نبيذ فاخر، عندما رأى القرى وقد سويت بالأرض، لم يعد يسكنها الهواء!.. يواصل التقرير: هنا لا يمكن أن تنصب خيام حتى من ورق الشجر.. الجبال حجارتها حولت لرماد، لم يبق سوى الصقيع ليقضي على ما تبقى من هؤلاء المخربين.. حتى الصقيع لن يقيهم من لهيب القصف..
قطع خلوته اتصال من الرئيس..
- عمت مساء أيها القائد.. لا بد أنك تعلم أننا نتعرض لحملة من منظمات حقوق الإنسان وقد صنفت أنت كمجرم حرب، وعليه .. يؤسفني أن أخبرك أنه تم إعفاؤك من مهام منصبك!..
ارتبك.. أخذ يتصبب عرقاً وتسارعت أنفاسه: ســـــــ يدي الر....
- أعلم أنك حققت بعض الأهداف وأن قواتنا قتلت في أولى أسابيع الحرب ما يقرب من خمسة آلاف من الغوغاء لكن.. الصورة العالمية تتطلب بعض تضحية، لدينا الآلاف منك.. وليس لدينا غير إسراريكا واحدة!.. تعلمت أن اخسر الجمال لأربح الأجمل!..
-: هل نسيت أنك ما كنت لتصل كرسي الرئاسة بغير جهودي، وأنك لم تكن لتدخل ذلك البيت بدوني وأعواني!.. كنت أعلم أن الفجيعة حطام ينفي لخارج الزمن!.. لكنني لم أكن أحسبك خلفي!..
حسبتك تعلم أيها الجنرال أنني رجل الرصاص فهل سمعت رصاصا يتحدث بغير لغة النار!.. تنفس بالأنف الآخر.. إن الحياة لا تحتضن الشرفاء!..
وقف الجنرال مشدوها، تلفت حوله ثم هوى بقبضة يده على المنضدة صارخا: يا للخسة والنكران! هذا الحثالة اللاشيئ، يقيلني.. يعفيني من منصبي؟!.. لقد بذلت وقدمت الولاء والمكر الحركي بإخلاص، سخرت مؤهلاتي المكتسبة من بعض الجواسيس والقتلة.. كنت باشارة من سيجارة أخنق بسموم دخانها الأنفاس، أعدمت كل فكرة حية حاولت أن تتطاول عليك أيها الوغد.. قدمت لك كل شيء.. وأي شيء مع جهاز عمل تحت سلطتي.. الآن لابد لي من إيقاظ كل خلية نائمة.. مازلت أقبض على بذور الفتنة.. لدي المحرك السري للألسن المزدوجة، لسوف أجعلها تنفث السموم، كالأفاعى وتلتف حول عنقك.. تعصرك كفأر.. تهيئك كي أبصق عليك..قبل أن تصل إلي ايها المعتوه، هه.. لم تعرف بعد أن الوقوف في وجه العاصفة باهظ ثمنه.. سأقطع رأس الــ ..
قطع صدى صوته الممزق صوت بابه يغلق.. ساد هدوء..
آه .. من!.. كيف دخلت إلى هنا؟!.. اضطرب الجنرال اضطراباً شديداً وكأنما فرغ المكان إلا من لحظات انتصبت واقفة..
لا يمكن.. كيف! آ....... ما هذا... لا تفعل.. لا...................
بعد دقائق تصدر الإعلام خبر تعرض الجنرال لنزف دماغي حاد، دخل على إثره العناية الفائقة...
الرئيس يعرب عن أسفه، اجتماع عاجل.. تحديد موعد الإحتفال بالرجل المناسب، وغدا.........................
جنرال آخر!..
تعليق