نحو أمن لغوي عربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فريد محمد المقداد
    أديب وكاتب
    • 02-08-2010
    • 69

    نحو أمن لغوي عربي

    [align=center]لـو لم تكُنْ أمُّ اللغـاتِ هيَ المُنى لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مــــــــــِدادي
    لغـةٌ إذا وقعـتْ عـلى أسماعِـــناكانتْ لنا برداً على الأكبــــــــــــــــاد
    ستظل رابطةً تؤلف بينــــــــــنا فهيَ الرجـاءُ لناطـقٍ بالضّـــــــــــادِ
    حليم دمّوس (1888-1957)م[/align]
    ( نحو أمن لغوي عربي )
    [align=left]فريد محمد سليمان المقداد[/align]
    [align=justify]تقديم المقدمات:
    وقبل...، يأتي هذا الموضوع الأول لي هنا في ملتقى اللغة العربية الغراء منسجماً مع توجهاته،ومواءماً لما نريده للغة عظيمة عظيمة تنطق بها الأمةالأمة العربية ،وذلك ضمن أنشطة ثقافية كثيرة سوف ننهض بها ،حفاظاً على اللغة العربية ودرءاً للمخاطر عنها ،وبحثاً عن السبل التي تشيع استعمالها وتسهل استخدامها في مجالات الحياة المختلفة ،لتواكب لغات عالم اليوم وتصبح لغة منتجة للمعارف ،والحقيقة أن المخاطر والتحديات التي تواجه اللغة العربية في هذه المرحلة من الزمن ليست جديدة فقد واجهت لغتنا مخاطر متعددة منذ تمزق الوطن إلى دويلات تئن تحت وطأة المستعمر الأعجمي الغاصب ،وتصبح المخاطر هذه الأيام أشد شراسة وفتكاً إزاء ما تعانيه العربية من عقوق أبناءها وما حمله النظام العالمي الجديد من متغيرات كالعولمة وسيطرة وسائل الاتصالات الغربية على العالم والثورة الرقمية حتى أصبح العالم بمثابة قرية كونية صغيرة، وتسارع إنتاج المعارف بلغات العالم المتقدم حتى أصبح بإمكاننا القول أن اللغة العربية اليوم مستقبلة ليس لها في إنتاج المعرفة نصيب ،لقد أصبحت قديمةً جداً ومتخلفةً تلك النظرة إلى اللغة على أنها أداة للقول أو وسيلة للتعبير ،بل إن البحث العلمي اليوم أثبت بما لايقبل شكاً أن اللغة هي أداة تلقي المعرفة وأداة التفكير ورمزه وتجسيده،(اللغة هي الفكر عندما يعمل) أي ليس هناك فكر مجرد عن حامله الموضوعي :الرموز اللغوية ،بمقدار ما تكون اللغة دقيقة وحية ومبرأة عن الفوضى يكون الفكر كذلك أي أنها علاقة عكسية ،ندرك ذلك من الترابط الوثيق بين اللغة وعلم النفس اليوم،كما أن هناك بعداً اجتماعياً للغة لم ينل نصيبه من البحث إلى يومنا هذا،فمشكلة اللغة العربية اليوم هي مشكلة (فكرية-نفسية-اجتماعية)ولم ولن تكون في يوم من الأيام مجرد مشكلة تعبيرية كما يتوهم الكثير من الناس.
    في واقعنا اللغوي:
    حقيقةً أن الحديث حول واقع اللغة العربية اليوم يتخذ أبعاداً شديدة التعقيد والتداخل،نظراً لأبعاد التجربة القومية والحضارية التي تخوضها أمتنا العربية اليوم، فالعرب اليوم أمة مجزأة متخلفة تبحث عن مكان لها على مائدة الحضارة العالمية المعاصرة.. ،لذلك فإن المشكلة اللغوية اليوم وثيقة الصلة بالمسألتين القومية والحضارية ،بكل ما تحملان من سمات وأبعاد مميزة أهمها:
    ــــ البعد القومي الوحدوي:
    يدرك كل عاقلٍ أن أي تطورٍ في قطرٍ من الأقطار العربية لابد من أن يكون منسجماً ومتجاوباً و ومتناغماً مع التطور في الأقطار العربية الأخرى ،وهذا الكلام أقوله فيما لو أنني أرفض القول بأن التطور لا يمكن أن يحدث إلا تحت غطاء الدولة العربية الواحدة ،وهو رأي أغلب المفكرين و القوميين العرب ،لذلك فإن العمل على إيجاد الحل لأي معاناة لغوية لابد وأن يتم في محيط عربي ،وهنا لاينبغي أن نعتبر التجزئة عائقاً أو قيداً لايستهان به موجهين اهتمامنا إلى تفاوت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين أقطار وطننا على هذا النحو الذي نعرف، إذن حالة التجزئة يجب أن تكون نقطة انطلاق نوحد من خلالها العمل اللغوي القومي لتكون اللغة العربية خادماً لهدف الوحدة العربية المنشودة الذي نسعى إليه نحن وأجيالنا القادمة.
    ــــ البعد الاجتماعي :
    تعتبر الوظيفة الاجتماعية للغة أهم وظائفها على الإطلاق فهي وسيلة التفاهم والتواصل الاجتماعي بين جميع أبناء الأمة الواحدة ،وهنا لابد وأن ينتبه الدارس إلى تفاوت التركيب الطبقي للمجتمع العربي بين صغير وكبير ومثقف وأمي وابن البادية وابن الحاضرة وهذا كله يشكل مسؤولية كبرى يقع على عاتق اللغة تحملها ذاك أنها مطالبة بخدمة الحاجات اليومية لكل هذه الشرائح على ما بينها من تفاوت طبقي وهي مهمة صعبة لكنها ممكنة وغير مستحيلة على لغة مبدعة خلاقة كالعربية.
    ــــ البعد الثقافي :
    وهو أشد الأبعاد تعقيداً حيث يتداخل فيه الاجتماعي والتاريخي لأمة تتمايز الطبقات الاجتماعية لأبنائها وهي إلى ذلك من أشد الأمم فخراً بماضيها وتاريخها وتراثها في الوقت الذي تتطلع شوقاً فيه إلى المشاركة والاندماج في الحضارة العالمية المعاصرة ،وهنا يقع أبناء العربية في حيرة من أمرهم بين الولاء لماضيهم والالتزام بمتطلبات حاضرٍ لايرحم ،وهنا أبين لكم وبكل صدق أنه لاتوجد لغة تصلح ببقائها على حالها لكل زمان ومكان ،وكل من يصر على ذلك فهو يمارس فن تعذيب النفس والضمير،والمطلوب فقط إزاء هذه المشكلة هو تحقيق التوازن بين الماضي والحاضر هذا فيما يخص مشكلة الأصالة والمعاصرة ،لكن تطفو على السطح مشكلة أخرى هي التعددية الثقافية في الوطن العربي،الذي خضعت أقطاره لقوىً استعمارية متعددة ،خلقت تبايناً ثقافياً بين أبناء الشعب العربي الواحد،واللغة العربية اليوم مطالبة أن ترضي جميع الأذواق وتتفاعل معها حتى لاتتحول إلى جسد ميت غير قادرٍ على الخلق والإبداع والتوليد،ولربما أن المسألة كانت أشد بساطة لو كانت هناك ثقافة عربية واحدة،تكون لغتنا العربية لسانها المعبر لكن المشكلة اليوم أن اللغة العربية مطالبة أن تنشئ هذه الثقافة كما هي مطالبة أن تبني نفسها من الداخل وهي إلى ذلك مطالبة بأن تكون حاضنةً للتفاعل الثقافي المنشود بين أبناء العربية.
    ملامح المشكلة اللغوية:
    الحقيقة أن المشكلة اللغوية موجودة وقائمة ،لكن الكثير من الباحثين يرفض رؤيتها ،ويرجع ذلك في نظري إلى سببين الأول أن البعض ليس على صلة بهذه المشكلة ربما لظروف وطبيعة عمله ،والثاني أن حب أبناء هذه اللغة لها يجعلهم يضعونها فوق مستوى أي شبهة،سواءً أكانوا لغويين أو هواة ومهتمين ،المشكلة أيها الأحبة موجودة لكنها كما أقول دائماً قابلة للحل، والإقرار بها لايعني بحال من الأحوال الدعوة إلى التخلي عن اللغة العربية أو إبدالها بالعامية أو الأجنبية فهذه أفكار مسمومة لامكان لها بين عرب اليوم،فقد أثبتت العربية أنها لغة علم وحضارة قادرة على الصمود أمام عاديات الزمن والتصدي لأي خطر حقيقي يواجهها،لقد كان أساتيذنا الأجلاء يرفضون الحديث عن المشكلة اللغوية في زمن كنا فيه تحت السيطرة الاستعمارية وكانت أي دعوة للإصلاح في ذلك الوقت تحمل تشكيكاً في اللغة وقيمتها إثارة الشكوك حولها لاستبدالها بلهجة عامية أو لغة أجنبية..المهم أن كل هذه الدعوات أصبحت عارية اليوم لاقيمة لها...وبما أن أمتنا قد تجاوزت مرحلة الحفاظ على اللغة إلى مرحلة الإصلاح اللغوي، فإن من واجب سدنة اللغة تقديمها إلى أبناءها هينةً لينةً سهلةً مستساغةً ....
    أول معلم يطالع الدارس للمشكلة اللغوية هو عدم القدرة على تحديد المقصود باللغة العربية الفصحى اليوم،فهل هي لغة الجرائد والإذاعات والسياسيين؟ ،وما أبعد هذه عن النموذج اللغوي الذي نتطلع إليه ،أم أنها لغة خطباء وأئمة المساجد ومحققي كتب التراث العربي وأساتذة اللغة العربية في جامعاتنا؟وما أبعدها عن النموذج العملي الذي نصبو إليه ،أم هي لغة الترجمات التي يقرؤها شبابنا المتطلع إلى معرفة ثقافة الآخر وكيف يفكر؟
    وهنا يبرز سؤالٌ منهجي في إطار البحث:ماهو المرجع في كل هذا؟هل هو مجامع اللغة العربية ؟ أم الباحثون والمفكرون؟ أم المترجمون؟
    إننا لاننكر وجود اللغة العربية الحديثة،حتى منتصف القرن الماضي كانت لغة الأديبين العظيمين طه حسين وعباس محمود العقاد هي المرجع والمقياس المتعارف عليه لكننا في هذه الأيام نفتقد البوصلة التي تحدد الهدف أو سمت هذا الهدف،فليس بيننا اليوم من يقبل أن تكون لغة أيٍ من الأدباء المعاصرين هي المقياس ،ناهيك عن تلك الفروق بين لغة السياسة ولغة الثقافة ولغة الحياة اليومية،لذلك فالحاجة ملحة إلى مقياس لغوي لاسيما في مجال التركيب والصرف واستخدام المفردات، ولم أذكر النحو لأن مقياس النحو شديد الوضوح ومع ذلك فما أكثر ما يكون عرضة للنقاش في كثير من الأحيان.
    بعض جوانب المشكلة اللغوية :
    إن أي لغة في العالم تحمل ثلاثة وجوه(عملي- علمي – تربوي)ولو قارنا حال هذه الوجوه في اللغة العربية الفصحى مع غيرها من لغات العالم لرأينا العجب العجاب ،وتفصيل ذلك على النحو التالي:
    1-الوجـــه العمــــــلي:
    على الرغم من أن اللغة العربية قد قطعت مراحلاً من التطور لتصبح لغة الحياة اليومية،لكن من الصعوبة بمكان القول بأن الفصحى هي لغة الحياة العملية ،وأنا لاأقصد هنا أن تكون العربية الفصحى لغة الحديث اليومي فذلك أمرٌ من الصعوبة بمكان،لأننا لانستطيع الوصول إليه إلا بعد رفع مستوى التعليم في البلاد العربية كماً وكيفاً ،لكن المقصود بالجانب العملي هو تعاملاتنا التجارية والاقتصادية والقانونية والسياسية والتعاقدية وهنا تكمن الازدواجية فنحن نفكر في كل هذه المسائل بالعامية ومن ثم نترجم ما فكرنا حين يحتاج الأمر إلى توثيق،أي أن اللغة السماعية عندنا تحظى بمصداقية وقوة لاتملكها اللغة المكتوبة،ومرجع ذلك كما بينت أننا نفكر بالعامية..وهذه المسألة تدعونا إلى البحث عن السبل التي تمكننا من الاطمئنان فعلاً إلى أن اللغة الفصحى هي لغتنا التي نفكر ونتعامل بها،لااللغة التي نحترمها ونترجم إليها،فمثلاً من مظاهر الازدواجية التي ألفت النظر إليها:
    ا – إن اللغة متفاوتة في البلاد العربية وتحمل تفسيرات وتأويلات متعددة لا يمكن قبولها في لغة تستخدم للتداولات المالية والتجارية ،وكذلك لغة التعاقدات التي تختلف مصطلحاتها وتراكيبها من دولة عربية إلى دولة أخرى،فصيغة الوكالة التي يصدرها كاتب العدل في دولة عربية لايمكن استخدامها في دولة عربية أخرى مثلاً ،ناهيك عن اختلاف لغة المشرق العربي عن لغة المغرب العربي،ومشاكل التعريب الذي أرى أنه وثيق الصلة بمشكلتنا اللغوية.
    ب- هذه اللغة غير سليمة بدرجة كافية تجعلنا نطمئن إليها حيث يعتورها الخطأ الذي من الممكن أن يقلب مضمونها رأساً على عقب ،لولا أن الناس قد تعارفوا على معانيها وهم إلى ذلك يستنتجون المعنى في كثير من الأحيان استنتاجاً ،ومثال ذلك أننا لو أخذنا وثيقة رسمية عربية وقمنا بتفسيرها فإننا قد نجد الكلام قد يقود إلى غير المقصود منها،ومثال ذلك كتابة الأعداد بلغة عربية صحيحة وما أكثر المتلاعبين بها.
    ج- إن لغة الحياة الاقتصادية في المعامل والمصانع تجعلنا نعيش في حالة قلق شديد ،نتيجة استخدام المفردات والمصطلحات التي تعوزها في كثير من الأحيان الدقة والضبط ،أو قد تكون ترجمة حرفية للغة أجنبية ،وهذه ليست القاعدة لكن تتفاوت المسألة من قطر عربي إلى آخر حسب تجربة التعريب فيه،بل إن هناك بلداناً ما زالت تستخدم اللغة الأجنبية جزئياً أو كلياً ،وبالتالي فتعاملات مؤسساتها الحكومية تعتمد هذه اللغة ،وهو خطر حقيقي قائم وموجود في كثير من البلدان العربية.
    2ــــ الـــوجـــــه العـلمـــــــــــــي:
    يسعى العرب إلى أن تكون لغتهم لغة علم وحضارة كما كانت طيلة عشرة قرون خلت من الزمن...، وقد دخل العرب العصر الحديث من الصفر،فحين بدأت النهضة في القرن التاسع عشر لم تكن الكتابة العلمية العربية شيئاً مذكوراً،لكن سرعان ما استنفر العرب تراثهم اللغوي العلمي محيين إياه ليكون موضع التطبيق:
    أــــ تتفاوت تجربة الأقطار العربية في هذه المسألة حتى إنه ليصعب إعطاء صورة دقيقة لها،فقد تمكنت أقطار عربية من جعل اللغة العربية لغة العلم فيها بنسبة تقارب المائة من مائة ،وبالمقابل هناك أقطار عربية لاتزال لغة جامعاتها أجنبية مائة بالمائة ،كما أن هناك أقطاراً عربية تخلط بين اللغة العربية والأجنبية.. وخطورة هذه المسألة تكمن في كثيراً من الصعوبات سوف تقف حجر عثرة في طريق تفاعل الطاقات العربية لتسهم في تقدم العلم الحديث.
    ب- هناك مشكلة ازدواجية بين ممارسة التفكير العلمي والبحث بلغة أجنبية ومن ثم التعليم العلمي والكتابة باللغة العربية، حيث أن معظم الأكاديميين العرب تلقوا تعليمهم في جامعات أجنبية ،فيطلب منهم أن يدرسوا بلغة ويعمقوا اختصاصهم العلمي بهذه اللغة ومن ثم التعليم باللغة العربية ،وهي مشكلة تعاني منها معظم دول العالم المتخلف ،لكنها في وطننا تأخذ طابعاً أكثر حدة يعوق تطور اللغة العربية العلمية نحو ما نطمح إليه.
    ج – لايمكن أن يغفل الباحث عن مشكلة المصطلحات التي تعتبر الحاجة إليها يوميةً وملحةً وماسةً لاسيما مع اتساع الاستعمالات العلمية للغة العربية ومن الواضح أننا قطعنا أشواطاً سليمة في هذا الاتجاه حيث تتقبل لغتنا المصطلحات العالمية المتعارف عليها دون أي إشكال وهي قادرة على توليد كلمات مناسبة للمصطلحات الأقل شيوعاً ، وذلك بفضل جهود مجامع اللغة العربية في دمشق والقاهرة وبغداد والجامعات وغيرها ،وعلى الرغم من أن ذخيرتنا من المصطلحات جيدة فلا يزال هنالك خلاف حول عدد كبير من المصطلحات الأساسية ،وما نلحظه اليوم من عمليات استبدال لمصطلحات بمصطلحات أدق، الحقيقة أنه ينبغي علينا:
    -توحيد المصطلحات بين جميع أقطار وطننا العربي ،ليتمكن أبناء الأمة العربية من تفادي أي إشكال قد ينشب نتيجة تضارب هذه المصطلحات .
    -الوقوف في وجه المصطلحات التعسفية التي تصدر عن أشخاص لايملكون أي خبرة لغوية ،ولتتولى جهات علمية مختصة مسألة تغطية الاحتياجات الجديدة مع الاهتمام بالنواحي العلمية0
    3 ــــ الوجــــــــــــه التـــــربــــــــوي:
    وهنا بيت القصيد ،حيث أن أي لغة في العالم –مهما كانت معقدة وصعبةً – يمكن للإنسان تعلمها وإتقانها واكتسابها إذا توفرت الطريقة التربوية المناسبة ،ومن أخطر ما تعانيه اللغة العربية اليوم عدم خدمتها تربوياً ،ناهيك عن تخلف طرائق تعليمها،حيث أنها في هذا المجال أتعس لغات العالم وأقلها حظاً ،ولا أظنني في حاجةٍ لأن أثبت لكم أن تعليم اللغة العربية في انحدار مستمر ،وأن نسبة الأمية اللغوية تزيد عاماً بعد عام ،وليت المسألة تبقى منحصرة في الطلاب أو في نواحٍ شائكةٍ كالندبة والاختصاص والنداء ،لكنها تتجاوز ذلك إلى التراكيب والقدرة على التعبير والكتابة والإلقاء والمناقشة ،وهي مشكلة يتفرد بها أبناء العربية إذ لانراها في أغلب لغات العالم الحية ،ولكم أتمنى أن يكون حديثي هذا من قبيل المبالغة لكنني موقنٌ أن الواقع أشد مرارة ،وللأمانة العلمية أقول أننا نعاني من فشل ذريع في تعليم اللغة العربية وهو فشلٌ تربوي اجتماعي، جعل اللغة العربية بالنسبة للناطقين بها وكأنها(لغةٌ أجنبية) يدرسها الطالب ليحصل على علامة في الامتحان وليست سلاحاً نحمله معنا في معارك الحياة المختلفة.
    اللغة العربية غير مخدومة لغوياً :
    ما أكثر ما نتحدث ملء أشداقنا عن جمال لغتنا وسحرها ،وكم نتغنى بجمالها وسحرها ،وما أكثر ما نطلق عليها من الألقاب والصفات ،فهي العربية الشريفة لغة القرآن الكريم ،لغة أهل الجنة ،أم اللغات وأقدرها على توليد الألفاظ عن طريق الاشتقاق ،وهي أحلى لغات العالم جرساً وأجلاها بياناً...وهي إلى ذلك رمز الوحدة القومية وحامية الحضارة والتراث العربي،وبها نقرأ نثرنا وشعرنا ومديحنا وهجائنا وغزلنا أيضاً ،كل ذلك وغيره صحيح...بل الحق أكثر من ذلك لكن اسمحوا لي بسؤال:
    -ماذا فعلنا لهذه اللغة لكي نصونها ونطورها ونمكنها من مجابهة التحديات والأخطار التي تفد عليها من كل حدب وصوب ؟
    -ماذا فعلنا لجعل لغتنا قادرة على الصمود أمام منافسة لغات العالم الحية في عالم تحكمه شريعة الغاب فلا يرحم إلا القوي ؟
    أيها الأحبة ليس أبناء العربية من يعقون لغتهم لكننا نحن من يفعل باحثين وكتاباً ومفكرين ،أبناؤنا كغيرهم من أبناء الأمم الأخرى يتعلمون ما يحبون ،لكننا نحن الذين لم نغرس فيهم حب العربية... أين هي قصائدكم؟؟ ......التي تجذر في أبنائكم حب اللغة العربية وتدفعهم إلى حمايتها والذود عن حياضها هيا أضيفوها إلى الملتقى ، أسمعونا وأطربونا جزاكم الله عن الإحسان إحسانا وعن السيئات عفواً وغفراناً،
    وبما أننا وصلنا إلى هذه النقطة فلنوضح ما قصدنا بخدمة اللغة وتطويرها، الحقيقة أن أمتنا وبجهود المخلصين من أبنائها تمكنت من الحفاظ على اللغة العربية ضد كل محاولات التتريك والفرنسة... ،وإذا كنا قد تمكنا من تجاوز مرحلة المحافظة على اللغة فواجبنا اليوم العمل على خدمتها وتطويرها وإصلاحها وألفت النظر إلى وجود اتجاهين واضحين في هذا المجال لهما حججهما السليمة وأفكارهما القويمة:
    ــــــــــــــــ يرفض الاتجاه الأول أي تطوير أو تعديل أو تحوير أو تبديل بشأن اللغة التي وصلتنا عن طريق الأجداد ،فالسلف لم يترك للخلف شيئاً ،ويرى أنصار هذا الاتجاه أن العيب فينا فمتى أصلحنا نفوسنا صلح حال لغتنا،كما أنهم يرون أن القيام بأي عملٍ إصلاحي لغوي من شأنه أن يجهز على هذا الصرح الخالد اللغة العربية،مهما اختلفت الذرائع التي يقدمها أنصار الاتجاه الآخر.
    ـــــــــــــــــ أما الاتجاه الثاني فهو تيار الأغلبية الصامتة وهم لايمانعون في إدخال الإصلاحات اللغوية والتطويرية في اتجاه جعلها أكثر مرونة وليونة ويسراً أسوة بجميع اللغات الحية في العالم ، وبين أنصار هذا الاتجاه من الاختلافات ما لايمكن حصره ،فمنهم من يرى ضرورة الإصلاح البسيط فقط،ومنهم من يغالي في إدخال تعديلات على القواعد العربية كتوحيد جموع التكسير وإيجاد حل لمشكلة الممنوع من الصرف الذي لم يعد أحدٌ يتقن منعه إلا من رحم ربي.
    والمتأمل في كلٍ من الاتجاهين يرى أن كل طرفٍ يرمي الطرف الآخر بعشرات الاتهامات أبسطها التحجر العقلي والجمود والخيانة القومية وعداء الإسلام والعروبة...
    نحن في الجمعية الدولية الحرة للمترجمين واللغويين العرب ندعو إلى نبذ هذه الاتهامات وتجنب جميع الخلافات الشائكة والمعقدة ونرفع صوتنا مطالبين بخدمة اللغة العربية وصيانتها وإننا لنطالب وبشدة:
    1-وضع معجم عربي عصري حديث،يكون معترفاً به ومقبولاً من الجميع أسوةً ببقية لغات العالم الحية مثل (أوكسفورد) في بريطانيا ومثل (لاروس)في فرنسا،وكانا يدرك صعوبة التعامل مع المعاجم العربية وما يتطلب ذلك من وقت وجهد لايقدر عليه حتى المختصون.
    2-وضع معجم تاريخي للمفردات العربية يمكننا من معرفة عمر المفردات وتطور استخدامها ودلالتها ،ليتمكن متذوق اللغة وقارئ نصوصها من معرفة معاني المفردات المستخدمة في النصوص القديمة أو العكس.
    3-وضع مرجع عربي موحد في الدراسات الصوتية واللسانية فقد أصبحت الأمة العربية آخر الأمم في هذا المجال.
    4-وضع مرجع عربي حول تركيب الجملة العربية وأساليب التعبير بعيداً عن الدراسات النحوية التقليدية التي ينفر منها أغلب طلاب العلم اللغوي.
    5-وضع مرجع عربي حول شيوع المفردات ونسبة هذا الشيوع والاستخدام،لتكون مرجعاً موحداً لدارسي العربية على اختلاف أمصارهم وبلدانهم.
    أقول هذا مدركاً أشد الإدراك أن المسألة ليست بهذه البساطة كما أنها بحاجة إلى ندوات ومؤتمرات وبحوث عميقة،كما أنها بحاجة إلى تظافر جهود مؤسسات وجهات متنوعة تدعم مثل هذه البحوث ،وإني لعلى يقين من أننا إن لم نبدأ في مسيرة التطوير والخدمة للغتنا الآن فإننا سوف نصل إلى مرحلة لاينفعنا الإصلاح فيها حين نريده ..
    لكم ودي ووردي
    فريد
    [/align]

    [poem=font=",6,red,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    سوف تظل فريد زمانك =تشرق وتنير الأكوان
    عش وتهنى واسكن قلبي=واهنأ بجمان التيجان
    بدرك يسطع من عليائك=يابن المقداد سليمان

    [/poem][align=center]
    عميد الشعر المقاوم
    الأستاذ ياسر طويش
    رئيس الجمعية الدولية الحرة للمترجمين واللغويين العرب
    [/align]
  • فايزشناني
    عضو الملتقى
    • 29-09-2010
    • 4795

    #2
    مع أنني لت ضليعاً في اللغة العربية
    إلا أنني غيوراً عليها وأتمنى تحظى باهتمام الجميع
    أشكرك أستاذ فريد على موضوعك القيم
    وأنا معك في كل التوصيات من إنشاء معجم عربي موحد
    وانشاء كل المراجع التي ذكرتها
    مع محبتي
    هيهات منا الهزيمة
    قررنا ألا نخاف
    تعيش وتسلم يا وطني​

    تعليق

    • عبدالرحمن السليمان
      مستشار أدبي
      • 23-05-2007
      • 5434

      #3
      [align=justify]هذا حديث ذو شجون.

      النظام العربي الرسمي - حلق الله ساقيه! ـ غسل يده من العربية كليا. ويبدو ذلك جليا من كشف عوراتها بدءا من تدريس العلوم والمعارف باللغات الأجنبية، ومرورا بحديث مسؤولينا في الخارج باللغات الأجنبية، وانتهاء بانتشار المدارس الأجنبية في البلاد العربية.

      ولولا العناية الإلهية لانقرضت العربية بانقراض العرب!

      أخي الأستاذ فريد محمد المقداد،

      العربية بحاجة إلى رسائل توعية كثيرة، وهذه واحدة جيدة، أكثر من مثيلاتها!

      وتحية طيبة.[/align]
      عبدالرحمن السليمان
      الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      www.atinternational.org

      تعليق

      • عارف عاصي
        مدير قسم
        شاعر
        • 17-05-2007
        • 2757

        #4
        [align=center]
        أخي الكريم
        الأستاذ / فريد محمد المقداد

        مقال رائع
        أتمنى أن يكون قريبا من الواقع التطبيقي
        وأقف مع
        الوجه التربوي
        وهنا نقطة مهمة جدا
        ألا وهو تبني اللغة العربية كلغة أساسية وهذا ليس بالصعب
        والأمثلة على هذا كثيرة
        **أفلام الكرتون المدبلجة باللغة العربية الفصحى يحفظها أطفال الأربع والخمس سنوات دون صعوبة
        **أناشيد القنوات الفضائية للأطفال مثل سنا أو غيرها من القنوات التي تتبنى الفصحى يحفظها الأطفال دون صعوبة أيضا
        ** القرآن الكريم يحفظه الأطفال في سن ( أربع سنوات إلى خمسة عشر سنة ) ودون صعوبة

        الفكرة في صدق التبني

        من الطرائف
        أنني كنت أستمع للأخبار بقناة الجزيرة أمس
        وجاء مسئول بوزارة الإسكان من دولتين عربيتين
        أحدهما تحدث بلغة عامية ركيكة تمجها الأذن وهو وكيل وزارة حتى أن الأولاد الصغار انتقدوا حديثة
        والأخر تحدث بلغة عربية فصيحة مقبولة
        إذن هي قضية التبني

        أشكر لك طرح هذا الموضوع
        وفقكم الله


        بورك القلب والقلم
        تحاياي
        عارف عاصي
        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة عارف عاصي; الساعة 02-10-2010, 17:19.

        تعليق

        • فريد محمد المقداد
          أديب وكاتب
          • 02-08-2010
          • 69

          #5
          [align=center]
          بسم الله الرحمن الرحيم

          خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة


          لفضيلة الشيخ : صالح بن حميد
          بتاريخ : 22- 4-1422هـ
          والتي تحدث فيها فضيلته عن : الأمن اللغوي
          [/align]

          [align=justify]الحمد لله، الحمد لله وهو الأحق أن يحمد، سبحانه وبحمده هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، أستغفره وأتوب إليه، وأشكره وأثني عليه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، عطاءه جزيل وفضله عميم، وخزائنه لا تنفد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، نبيٌ لا يكذَّب ورسولٌ لا يعبد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ساروا على هدي محمد، فكانوا بالخير أسعد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وأخلص لربه وتعبَّد، أما بعد:


          فأوصيكم -أيها الناس ونفسي- بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فتقوى الله هي الوصية الجامعة، والذخيرة النافعة، واستعدوا للمنايا فهي لا بدّ واقعة، واحذروا زخارف الدنيا المضلة، فمن استكثر منها فما ازداد إلا قلة، وليكن استكثاركم وازديادكم من التقوى، فهي خير زاد يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
          أيها المسلمون:
          من أحب الله أحب رسوله محمدًا أحب لغة القرآن الكريم، لغةٌ كريمة، نزل بها أفضل كتاب، ونطق بها أفضل مخلوق، هي وعاء علوم الدين، وذخائر التراث، لا تكون معرفة القرآن والسنة إلا بها، ولا يتم فهم علومهما ومقاصدهما بدونها، تعلُّمُها وإتقانها من الديانة، فهي أداة علم الشريعة ومفتاح الفقه في الدين.
          أيها الإخوة المسلمون:
          لغة الأمة ميزان دقيق، ومعيار أساس في حفظ الهوية وتحديد الذات، فهي شريان الأمة، وأقنوم الحضارة، ومصدر عظيم من مصادر القوة، وإذا أضاعت أمة لسانها أضاعت تأريخها وحضارتها كما تُضيِّع حاضرها ومستقبلها.
          اللغة من أهم ملامح الشخصية الإنسانية، إن لم تكن أهمها، اللغة هي التي تربط المرء بأهله وأمته ودينه وثقافته، فهي التأريخ، وهي الجغرافيا، اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار في الأمة، فإذا ضعفت قوة الابتكار توقفت اللغة، وإذا توقفت اللغة تقهقرت الأمة، وإذا تقهقرت الأمة فذلكم هو الموت والاضمحلال والاندثار.
          إن شواهد التأريخ قديمها وحديثها تُظهر بجلاء أنه لم تتقدم دولة، ولم تُشَد حضارة ما لم تكن العلوم والتعليم بلغة الأمة نفسها، لا بلغة أجنبية عنها.
          أيها المسلمون:
          وفي شواهد التأريخ أيضًا: لقد استطاعت لغة القرآن الكريم أن تحقق متطلبات المجتمع التاريخية عبر الأحقاب المختلفة، بكل المستويات، الدينية والعلمية، والاقتصادية والاجتماعية، والسياسية والعسكرية، في عصر النبوة، ثم الخلافة الراشدة، ثم في حكم بني أمية، وما رافقه من تعريب الدواوين، ونظم الإدارة للمجتمعات المختلفة، والأقاليم، والجيوش، والحياة العامة، كما استجابت اللغة لحاجات الحضارة أيام بني العباس، وما واكبها من حركة الترجمة، بل هي لا غيرها كانت لغة العلم والبحث العلمي، في الطب، والعلوم، والرياضيات، والفلك، والهندسة، وغيرها.
          الدولة الإسلامية على مرّ عصورها لم تأخذ من الأمم في احتكاكها معها إلا بمقدار الحاجة الماسة للتعبير عن بعض المعاني التي لم تكن موجودة في لغتها، ولم تفتنهم لغات هذه الأمم رغم حضارتها العريقة، كفارس والروم واليونان، بل زادهم ذلك تمسكًا وحرصًا.
          والعجيب في هذا التأريخ الإسلامي العظيم، وهذا الدين الأخَّاذ أن أبناء الأمم الأخرى هم الذين كانوا يتسابقون إلى تعلم لغة القرآن، لغة الدين والعلم، بل هم الذين نبغوا فيها، وشاركوا على نحو مُدهش في وضع قواعدها، وجمع معاجمها، انطلاقًا من الشعور الإسلامي الرائع، الذي أحلّ لغة القرآن أرفع المنازل؛ لأنها لغة الدين والتنزيل.
          وفي كل أرجاء الأمة وأصقاعها تتردد أصداء هذا الحديث النبوي فيما يروى عنه أنه قال: ((إن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم، إنما هي اللسان، فمن تلكم العربية فهو عربي)) والحديث ضعيف في إسناده، ولكنه صحيح في معناه، كما يقرّر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
          أيها الإخوة في الله:
          وإذا كانت لغة القرآن، ولغة الإسلام بهذه القوة، وبهذه المقدرة، وبهذه المنزلة، فلا غرابة أن تكون مستهدفة من أعدائها، فلقد عَلِمَ المشتغلون بدراسات التاريخ المعاصر، والمتابعون لمسيرة الاستعمار، وسياساته أن التهجم على اللغة، والتهوين من شأنها، والسخرية من المشتغلين بها، والتهكم بها في وسائل الإعلام، والقصص، والروايات، والمسرحيات، في سياسات مرسومة، وحملات مكثفة، ثم تلقّف ذلك مِن بعدهم وعلى طريقهم أذناب وأجراء وعملاء.
          نعم، ليس من المستغرب أن تتعرض لغة شعب من الشعوب في مرحلة الغزو والاحتلال إلى الإذابة والمحو؛ لأن اللغة معلم بارز في تحديد الهوية وإثبات الذات، فكيف إذا كانت اللغة هي لغة القرآن، ولسان الإسلام؟!
          وقد يكون من غير الحصيف -أيها الإخوة- أن نلوم أعداءنا فيما يقومون من أجل مصالحهم، وتحقيق أهدافهم، وسعيهم في تحطيم غيرهم، ولكنَّ الأسف والأسى أن يصدر ذلك ويتبناه فئات من بني قومنا، تعلقوا بالأجنبي، وولّوا وجوههم شطره، ثقافيًا وفكريًا، وأصبحوا ينظرون إلى ثقافة الإسلام بازدراء، وإلى لغة القرآن باحتقار، والأجنبي لم يضمن ولاءهم اللغوي فحسب، ولكنه ضمن ولاءهم الفكري والسياسي.
          لماذا هانت علينا أنفسنا؟ وهانت علينا بلادنا؟ وهانت علينا لغتنا، لغة ديننا ولغة قرآننا؟
          إن ما أصاب الأمة من ظروف سياسية واقتصادية وضعف في الديانة أدى إلى ركود الفكر، وضعف الثقافة حتى آل الأمر إلى هذه التبعية المشينة.
          إن الأزمة أزمة عزّة لا أزمة لغة، وأزمة ناطقين لا أزمة كلمات، لم تضعف اللغة ولم تعجز، ولكن ضعف أبناؤها، وقصَّر حُماتها، إن من الظلم والحيف أن يتَّهم هؤلاء الأبناء العاقون الكسالى لغتهم من غير حجة ولا برهان، ضعافٌ في أنفسهم، مهازيل في طموحاتهم، يُرهبون أنفسهم بثورة المعلومات، وترتجف قلوبهم لتقدم التقنيات.
          مسكين هذا المثقف الذي ضعف وتخاذل، فشرَّق وغرَّب، يفتِّش لعله يجد له ملجأ أو مدَّخلا.
          ما الذي يريده هؤلاء المساكين؟ هل يريدون أن ينسلخوا من هويتهم فيهاجروا بألسنتهم وعقولهم إلى أعدائهم ويتحولوا إلى مخلوقات تفكر بعقول غير عقولها، ورطانة بلسان غير لسانها؟! هل يتخلون عن هويتهم ودينهم وعزهم بسبب نظرة ضيقة ومنفعة آنية هي في مآلها ومصيرها ضرر ماحق، وخطر داهم، وبلاء محدق؟!
          أيها المسلمون:
          ويزداد الضعف ويتجلى الهوان عند هؤلاء المشككين حين يتفوّهون بقولهم: إن استخدام لغة الأمة قد يسبب عزوف الطلاب عن إتقان اللغة الأجنبية، مما يؤدي إلى ابتعادهم عن الأبحاث الجديدة، والتطور السريع.
          ويحدثك آخرون عن سوق العمل، فترى مخذولين مبهورين، يفاخرون في بعض كلياتهم وأقسامهم بأنهم يدرسون جميع العلوم لديهم بلغة الأجنبي، بحجة أن سوق العمل يتطلب ذلك.
          وهي حجج يعلم الله، ويعلم المؤمنون، ويعلم العقلاء أنها واهية، بل هي –والله- أوهى من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
          ولكنها أحوال تذكِّر بعهود التسلط والاستعمار، في بعض البلدان في الماضي، وما أشبه الأجواء الثقافية لعهد العولمة الحاضر بالأجواء الثقافية بعهد الاستعمار الغابر، من حيث تسويغ الاستلاب الثقافي والديني عن طريق الهجوم الشرس على اللغة وزعزعتها في حياة الأمة، وإحلال اللغة الأجنبية بمسوّغات بالية.
          وحين يحدثونك عن اللغة وسوق العمل ليتهم يحدثونك عن مصطلحات علمية، وتقنيات متقدمة، واتصال بالجديد من العلم والتقنية، ولكنه مع الأسف ليس سوى إتاحة لعمالة وافدة متوسطة التأهيل، ومتدنية الكفاءة، تتربّع على مواقع العمل في المؤسسات والشركات، والأسواق والتجارة، مهمتهم عرض البضائع وترويج السلع، وترتيب المستودعات، وقيد السجلات، وضبط المراسلات.
          سوق عمل مخزي، تحولت فيه المستشفيات والفنادق وبعض أقسام الجامعات وبعض الأسواق ومعارض البضائع والتجارات واللوحات الإعلانية والتجارية، تحول كل ذلك إلى بيئات أجنبية، يتبادل فيها أبناء الأمة لغة أو لغات أجنبية، حتى تحولت قوائم الأطعمة والسلع والأسعار إلى اللغة الأجنبية، وفَرضت وجودها وأَنماطها على شرائح واسعة من أجيال الأمة، فاضطربت لغة التخاطب، وفسدت الألسن، وزادوا تخلفًا إلى تخلفهم، وضعفًا إلى ضعفهم، وامتلأت سوق العمل بالوافدين من غير حاجة حقيقية، ويريدون من أبناء الأمة أن يتحدثوا اللغة الأجنبية من أجل هؤلاء، زاعمين أنهم بهذا يهيئون لأبنائهم فرص العمل.
          أيها المسلمون، أيها المخلصون:
          إن وجود وافدين مهما كان عددهم، ومهما كانت الحاجة إليهم، بل مهما كان مستواهم العلمي والفني، لا يجوز أن يكون سبيلاً للتفريط في السيادة على أرضنا، وقد علم العقلاء والاجتماعيون، فضلاً عن العلماء والمربين أن اللغة من أهم مظاهر السيادة، وكم تمزقت بلاد حين تعددت لغاتها، بل لقد ظهرت مبادئ انشقاق وطني في بعض الشعوب، وتصدعت صفوفها، وتسببت في إثارة الفتن والنعرات من أبناء البلد الواحد مما تُشَاهَد آثاره المدمرة ماثلة أمام العيان، والأعداء لنارها يوقدون.
          إن من الغفلة الشنيعة الزعم بأن مصلحة السوق، ودواعي الاستثمار تتطلب لغة أجنبية، فكل بلاد العالم ولا سيما المتصدرة منها قائمة التقديمة لا يمكن أن تُؤْثِر شيئًا على لغتها مهما كانت الأسباب والدواعي والدوافع.
          أما كان الأجدر بهؤلاء إن كانوا وطنيين مخلصين أن يجعلوا تحدث لغتنا شرطًا في العمالة الوافدة، بدلاً من إجبار أبنائنا أن يتحدثوا لغة أجنبية من أجل هؤلاء الوافدين؟! إنها -لوالله- لانتكاسة عجيبة.
          وبعد أيها الأخوة:
          وفي محاسبة جادة، ومساءلة صادقة، إن كثيرًا من الشعوب الموصوفة بالنامية قد انزلقت في تعليم أو تعميم اللغة الأجنبية في أبنائها، فماذا أفادت وماذا استفادت؟ هل خرجت من طوق النامية هذا؟!
          إن أعداءكم اليهود قد أحيوا لهم لغة مندثرة، لا حضارة لها ولا تأريخ، فأصبحت هي لغة العلم والأدب والحياة.
          إن أي أمة تروم التقدم والقوة والعزة والاعتماد بعد الله على نفسها لا يمكن أن تمتلك زمام العلم والتقنية إلا حين تُعلّم ذلك كلَّه بلغتها.
          أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ [الشعراء: 192ـ 197].

          نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

          الخطبة الثانية:
          الحمد لله على توفيقه وهدايته، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه لا منتهى لغايته، وأستغفر الله وأستهديه، وأسأله الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته.
          وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وربوبيته ووحدانيته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اجتباه من خلقه واصطفاه لرسالته، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
          أما بعد:
          فاتقوا الله عباد الله في كل حال، وأخلصوا له في الأقوال والأعمال، والزموا الطاعات والامتثال.
          أيها الإخوة المسلمون:
          لقد ظهرت دعوات تطالب بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال الصغار، من الصفوف الأولى، وعلت نداءات تدعو إلى تدريس لغة الأجنبي في جميع العلوم، وتعالت أصوات تريد جعل اللغة الأجنبية شرطًا لتحصيل الوظيفة أو العمل.
          أيها الإخوة المخلصون:
          لا بد في الأمة من شموخ لا يحني هامتَه لإغراءات وضع اقتصادي طارئ، أو آليات سوق عابر، أو مكاسب وقتية، عاقبتها الهلاك والدمار، والذوبان والاندثار.
          إن من التناقض الصارخ، والغفلة القاتلة أن يتحدث رواد الفكر والمثقفون عن توطين التقنيات، واستنبات العلوم في أرض الوطن، وهم في الوقت نفسه يُصرّون على الدعوة إلى تدريس العلوم والتقنيات باللغة الأجنبية، والتي لن يتقنها المتعلمون من غير أهلها، ولو أتقنوها -عياذًا بالله- كما يتقنها أهلها، فقل: على الأمة وعلى لغتها، بل على وجودها السلام.
          أيها المسلمون:
          إن الحل والسلامة، والحصانة والمشاركة الحقيقية في البناء، وسلوك مسالك التقدم الصحيح والنظيف هو بالتصدي لخطر الإذابة بالعمل المنظم الجادّ، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، والكتابات الخرساء، عملٌ جاد يُكسب المناعة ضد محاولات الإذابة، وطمس الهوية، ومن ثمَّ المشاركة في البناء، ومعطيات الحضارة الصالحة النافعة.
          إن كان في الأمة غيرة، وإن كان ثمة صدق وجدّ في خدمة الدين، والأمة واللغة، فالطريق واضح والمحجّة بينة.
          الأمة تحتاج إلى سياسة لغوية، فليست المشكلة ولا القضية في المعرفة النظرية لقواعد اللغة وأصولها، بل الذي يحتاجه عموم الناس والمتكلمون هو الكفاءة اللغوية في النطق والكتابة والتعبير، نحتاج إلى سياسة لغوية تنسق عمل المؤسسات المعنية باللغة، وخطاب الناس، ولا سيما الإعلام بوسائله، والتعليم بمناهجه وطرائقه فتكون الفصحى الميسرة هي الهدف المنشود التحقيق، وحينئذ لا تكون اللغة مادة دراسية مجردة مفردة معزولة، محصورة بين حيطان قاعات الدراسة في ساعات محدودة، بل يجب أن تكون هي لغة الحياة في كل ميادينها. مطلوبٌ الاهتمام الخاص باللغة في التعليم العالي، في الأقسام العلمية والنظرية، وإلزام الالتزام بها تدريسًا وتحدثًا وكتابة. مطلوبٌ الغيرة الصادقة على اللغة في الوقفة الصارمة أمام هذه الأسماء التجارية والصناعية الوافدة، التي لا تعكس سوى الانهزام والتبعية، والشعور بالذلة والدونية.
          وبعد أيها الأحبة في الله:
          فإن قوة اللغة واستمرارها -بإذن الله- يعتمد بالدرجة الأولى على وعي الأمة وحرصها على رعايتها وحمايتها وانتشارها، واليقين الجازم بأنها صالحة لمقتضيات الحال، قادرة على متطلبات الوقت، ومعطيات التحضر، ومستجدات التطور.
          وتلك أهداف كبرى تخطط لها الدولة المحترمة والأمة العظيمة فتقيم المؤسسات المتخصصة، وتبني مراكز البحوث المتقدمة، وتؤسس الهيئات الفنية لتعليم اللغة، وتطوير أساليب تدريسها، وترجمة المصطلحات الأجنبية.
          لا بد أن يبقى للغتنا شموخها، ولا بد من تقوية المناعة الذاتية في جسم أبناء الأمة، والاعتزاز بالدين والدار، والتعامل مع اللغات الأجنبية ببصيرة، وحسن استفادة من غير ذوبان.
          يجب أن نُعلن ونُلقن ونرسم أننا بحاجة إلى الأمن اللغوي، كما أننا بحاجة إلى الأمن الفكري، والغذائي، والمائي، فكل أولئك من ضروريات الحياة، والعيش الكريم.
          هذا هو الطريق، وذلكم هم المسار، وعلى الله قصد السبيل، وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً[الفرقان:31].
          هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا فقال عز قائلاً عليمًا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً: [الأحزاب: 56].
          اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، نبي الرحمة والملحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

          اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعز به دينك وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
          اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير. اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين. اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم إن اليهود المحتلين قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وقتلوا وشردوا وهدموا وخربوا اليهود، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم واجعل بأسهم بينهم، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
          ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
          عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.[/align]
          [poem=font=",6,red,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
          سوف تظل فريد زمانك =تشرق وتنير الأكوان
          عش وتهنى واسكن قلبي=واهنأ بجمان التيجان
          بدرك يسطع من عليائك=يابن المقداد سليمان

          [/poem][align=center]
          عميد الشعر المقاوم
          الأستاذ ياسر طويش
          رئيس الجمعية الدولية الحرة للمترجمين واللغويين العرب
          [/align]

          تعليق

          • منجية بن صالح
            عضو الملتقى
            • 03-11-2009
            • 2119

            #6
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            بل إن البحث العلمي اليوم أثبت بما لايقبل شكاً أن اللغة هي أداة تلقي المعرفة وأداة التفكير ورمزه وتجسيده،(اللغة هي الفكر عندما يعمل) أي ليس هناك فكر مجرد عن حامله الموضوعي :الرموز اللغوية ،بمقدار ما تكون اللغة دقيقة وحية ومبرأة عن الفوضى يكون الفكر كذلك أي أنها علاقة عكسية ،ندرك ذلك من الترابط الوثيق بين اللغة وعلم النفس اليوم،كما أن هناك بعداً اجتماعياً للغة لم ينل نصيبه من البحث إلى يومنا هذا،فمشكلة اللغة العربية اليوم هي مشكلة (فكرية-نفسية-اجتماعية)ولم ولن تكون في يوم من الأيام مجرد مشكلة تعبيرية كما يتوهم الكثير من الناس.


            أخي الكريم فريد محمد المقداد

            اللغة هي أساس الإنسانية لأن الإنسان خليفة على الأرض فهو المبلغ لرسالة سماوية سامية و بدون اللغة لا يستطيع القيام بمهمته و هذا ما أدركه أعدائنا قبلنا فاللغة تتعرض لحرب شرسة فمن خلالها يقع تشويه الدين و المنطق المبلغ للرسالة كيف ذلك ؟

            اللغة العربية ليست فقط حروف و كلمات و مبني يبلغ معنى بل لها منطق متكامل فلا تستقيم و تكون بليغة معبرة و فاعلة إلا عندما نحذق هذا المنطق و نتعامل معه و به و القرآن نزل على الأرض بلسان عربي مبين فيه البيان و الحكمة التي أفحمت ألد أعداء الإسلام فنسف مقومات اللغة و تجاهلها و البحث عن بدائل لها في لغات أخرى هو نسف للمنطق القرآني البليغ المبلغ لرسالة

            لا يخفى على احد أن اللغة تحمل في طياتها ثقافة و موروث الشعوب و تبني أي لغة أجنبية و التعامل معها و بها على أساس أنها لغة العلم و الحضارة هو تبني عن قصد أو غير قصد لفكر متكامل و للمنطق و الرسالة التي يراد التسويق لها من الشعوب الأخرى فلا يمكن فصل السياسة عن اللغة و المنطق
            بمعنى أن المنطق المزدوج الذي يظهر ما لا يبطن يخترع مصطلحات حمالة أوجه ككلمة ديمقراطية مثلا دمر العراق بإسم الديمقراطية و حقوق الإنسان تقصف غزة بإسم الدفاع عن النفس

            حقوق الإنسان عندنا مرتبطة بالقرآن الكريم فلا يمكن أن يصيبها الزيغ و التحريف كذلك الدفاع عن النفس في الإسلام له شروطه فبما أن الشعوب الأخرى ليس لها مرجعية ترجع إليها المصطلحات فهم يحملونها ما يريدون من معاني تتقلب و توضع في القوالب الذي يريدون فترانا نتبع خطاهم و ننخرط في جمعيات حقوق الإنسان و التي تشارك سياسيا في قصف أطفال غزة ثم تبعث المعونات و تندد و تستنكر تماما كما يفعل الساسة عندنا
            فعندما تنفصل اللغة عن المنطق القرآني يضيع المبنى و المعنى و تصبح صماء خرساء فيهجرها أهلها لعدم فاعليتها و قدرتها على أداء وظيفتها الإنسانية
            فالمنطق الذي يتعامل به القرآن مع الحرف و الكلمة و الجملة هو نفسه الذي يتعامل به مع سرد القصص القرآني حتى تبدو لنا الحكمة جلية لكل ذي بصر و بصيرة فأبتعادنا عن هذا المنطق و تجاهله هو فقد لهويتنا الإنسانية مسخ للفكر و طمس للفطرة السليمة

            فاللغة هي منطق , معنى و مبنى كل لا يتجزء فعندما يغيب المنطق عند بناء المعنى يتداعى المبنى و هذا ما عبرت عنه حضرتك عندما قلت أن اللغة هي الفكر عندما يعمل و الفكر حتى يعمل له أدواة و مرجعية لا بد أن تكون سليمة المنبت حتى تكون فاعلة و غير منبتة الأصل
            (يتبع)

            تعليق

            • جمعه الشريف
              عضو الملتقى
              • 12-08-2010
              • 11

              #7
              أخي الكريم فريد محمد المقداد....بارك الله فيك علي هذه اللفتة الرائعه..
              وسوف أقص عليكم ما قرأت...
              قرأت في بعض الصحف أن هناك جامعه من الجامعات العبرية أجرت دراسة علي عدة أدمغة بشريه وهذه الادمغة مقسمة الي قسمين
              قسم ينطق ويتكلم العبرية
              وقسم ينطق ويتكلم العربية
              فكانت النتائج أن من يتكلم العبريه وغيرها من اللغات الاخري غير العربية يستخدم دماغة كاملاً في ذلك
              ومن يستخدم العربيه سبحان الله العظيم يستخدم نصف دماغة..فحريٌ بنا نحن أبناء الضاد أن نفخر
              بذلك وأن نحافظ علي لغتنا العربية ونسعي للدفع بها في كافة المحافل الدولية والعالمية

              تعليق

              يعمل...
              X