الوقت ليلا ، وجميلة وسعدى تسهران على ضوء القنديل ، تتبادلان الحديث ، وسعدى تبدو عليها علامات الخوف ، وكثيرا ما فتحت يديها متوجهة بالدعاء الى الله أن تمر الليلة على خير ، فهذه الليلة ليلة تنفيذ حبيبها مهمته التي أخبرها عنها ، وتمضي الدقائق ثقيلة على قلب سعدى ، وجميلة تحاول تهدئتها ، وتخفيف همها ، لكن خبر المهمة وصل الى سامي منذ الصباح ، بتفاصيلة الدقيقة ، وبينما هما في الحديث ، دوى صوت انفجار قوي وصل صداه كافة أرجاء البلد ، رغم أنه على الطريق خارج البلد ، وسُمع صوت اطلاق رصاص كثيف ، ثم خيم الصمت من جديد ، وطال زمن الصمت كأنه دهر ، وقارب الوقت منتصف الليل ، وقد مضت ساعات على دوي الانفجار ، أحست سعدى على إثره بانقباض شديد في صدرها ، وعبثا حاولت جميلة طمأنتها وتخفيف همها ، لكن دون جدوى ، فكما يقال : قلب المحب دليله ، وما هي الا لحظات حتى علا صراخ في القرية ، فهبت سعدى راكضة خارج البيت على غير هدى ، فقد أحست أن حبيبها أصيب هذه الليلة ، ومرت في طريقها بدار حبيبها ، فرأت سيارة عسكرية تقف في المكان ، والصراخ ينبعث من داخل البيت ، وصوت أم حبيبها يخرج منتحبا مناديا على ابنها فلذة كبدها الذي سقط شهيدا ، ووقفت سعدى مكانها تبكي ، ثم سقطت أرضا لا تقوى على المتابعة ، وارتفع صوتها بالبكاء حتى انتبه لها كل من توافد على دار حبيبها تلك اللحظة ، واقتادت الشرطة والد حبيبها ومضت به للتعرف على جثث القتلى الذين كانت جثة ابنه احداها ، وخرج شبان القرية ركضا إلى مكان الانفجار ، واصطدموا مع الجيش الذي كان هناك قبلهم ، واستمر الصدام إلى قريب الفجر ، وكانت النتيجة عددا من الجرحى بين المتظاهرين ، وفي الغد شيعت القرية من سقط منها شهيدا ، في جنازة مهيبة ، شارك فيها إضافة لأهل القرية وفود من القرى المجاورة ، وتحولت الجنازة إلى مظاهرة ، رددت خلالها الهتافات الوطنية ، وبعد الجنازة طافت المظاهرة في القرية ، واستمر الطواف والهتاف حتى المساء ، وغضت الشرطة الطرف عما جرى خلال تشييع الجنازة والمظاهرة التي أعقبت ، وتركت الناس ينفسون قليلا من غضبهم الذي ملأ صدورهم .
كانت جميلة خلال النهار تنظر إلى الناس من أمام بيتها ، وكتمت صرختها ، وظلت فترة طويلة على حالها ، ثم دخلت البيت بهدوء والدموع تغمر وجهها ، وأحست أنها شريكة في الجريمة ، وفكرت في زوجها وحاله في السجن ، وخشيت عليه أن يلقى نفس المصير الذي لقيه حبيب أختها ، وفي لقائها مع سامي ، أخبرته بمخاوفها ، ولكن سامي طمأنها أن زوجها بخير ، ويحصل على ما يريد في السجن ، وتعهد لها بعدم المساس به ، وأخذ يقسم لها بحبه الأبدي ، ثم تقدم ليتحسس بطنها الذي أخذ يكبر أكثر فأكثر ، وقد اقترب ميعاد الولادة ، فهذا شهرها السابع ، ، فهي رغم كل ما تقوم به ، ترفض فكرة أن يكون جنينها ابنا لسامي ، على الأقل حتى هذه اللحظة ، وترفض مهمتها التي أصبحت عملا شبه عادي ، وسألها سامي :
ـ ما لك تنْزعجين ؟؟؟
ـ اكسر يدك .. ابتعد عنه .
ـ لماذا حبيبتي ؟؟ ما الذي جرى لك اليوم ؟؟ .. أو ليس ابني ؟؟؟ .. أو لستُ أباه ؟؟ .. مالكِ حبيبتي ؟؟ .
ـ كلا ليس ابنك .. إنه .. ابن زوجي عدنان .
ـ ههه .. بل إنه ابني يا حبيبتي .
ـ كلا .. إنه ليس ابنك .. بل ابن عدنان .
ـ من أين لك معرفة ذلك ؟؟ .. إنه ابني شئت أم أبيت .. وحتى لو كان ما تقولينه صحيحا .. فأنا شريك فيه .. وسيكون ابني .
تصمت جميلة ، وابتسامة تعلو وجهها ، ويستمر سامي في حديثه وقد تهلل وجهه فرحا :
ـ إنني أريده ابنا ، وأرجو أن يكون كذلك .. وإن كانت بنتا فهي لعدنان .. ه .. ما رأيك حبيبتي ؟؟ .. موافقة أليس كذلك ؟؟ .
ينتظر قليلا ليسمع رد فعلها ، ولكن جميلة تستمر في صمتها ، ويتابع سامي حديثه :
ـ ترى هل هو عربي أم يهودي ؟؟ .
ـ إنه عربي .. ابن عربي .
ـ كلا إنه يهودي .
ـ ولكنكم تقولون إن الابن يتبع الأم .. أليس كذلك ؟؟ .. أم أنه في حالتنا سيتبع الأب ؟؟ .
وهنا يبتسم سامي بسمة المنتصر :
ـ لقد أفحمتِني .. جواب مفحم حقا .. ولكن لا بأس .. تعالي لنتفق على أنه مزيج .. يعني نصفه عربي ونصفه يهودي .
ـ ماذا تعني ؟؟ .
ـ أعني أن يكون نصفه الأعلى يهوديا ونصفه الأسفل عربيا ..
يضحك ثم يستمر :
ـ هكذا يخرج متكاملا من كلا الجانبين .
تصمت وعلامات الحرج بارزة على وجهها ، ويستمر سامي في حديثه :
ـ ثم هل تعلمين أنه إذا جاء من نقيضين يصبح ذكيا ؟؟
تبتسم جميلة ، لكن تظل صامتة ، فيكمل سامي :
ـ هكذا أريدك يا حبيبتي ، دائمة الابتسامة . لأن الابتسامة تأسر ما لا يستطيع السلاح أسره .. إنها تشبه القذيفة .. تنطلق من شفتيك وتصيب هدفها مباشرة .. أعني قلبي .. آآآآه من قلبي وضعفه .. لا أعلم لولاك يا حبيبتي ماذا كان بإمكاني فعله .. أنت أعدتِ بهجة الحياة إلى نفسي .
فتجيبه وبقايا ابتسامة على شفتيها :
ـ ما لك تتحدث عن الابتسامة بمصطلحات الحرب والمعارك ؟؟ .. كانت لغتك عذبة .. ما الذي غيرها ؟؟ .. أريد أن تتكلم برقتك التي أعرفها .. والتي أوقعتني في شباكك .. هل نسيتها ؟؟ .. ما هذه اللغة الحربية ؟؟ ..
ـ إن الدنيا كلها تستعمل هذه المصطلحات في حديثها العادي .. ليس فقط في الحروب والمعارك .. لماذا يفاجئكِ الأمر ؟؟ .. ثم أنا رجل عسكري بالأساس .. ومن الطبيعي أن تختلط عندي المصطلحات ..
ـ لكن أنا أفضل أن تحدثني بمصطلحات السلم والحب .. ثم لم تكن من قبل تكلمني بهذه اللغة .. وهذه المصطلحات .. لا شك أن هناك طارئا جعلك تبدل لغتك التي تعودتها منك .. أرجو أن لا تتحدث بهذه اللغة الحربية .. فلغة الحب والسلم أجمل وأحلى .
ـ سأحاول يا حبيبتي .. سأحاول .. ولكن حتى يعم السلام أولا ونحس به .. أليس كذلك ؟؟ .. ألا ترين ما حولنا ؟؟ .. كلهم يريدون ابتلاعنا .. وعلينا أن نكون أقوياء .. حتى نظل متغلبين عليهم .. وكما يقول مثلكم العربي .. إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .
ـ ولكن أنتم من شن الحرب .. أنتم من أخذ البلاد .. وأنتم المطالبون باحلال السلم .. أليس هذا صحيحا ؟؟ .. وأهل البلاد الذين غادروا .. أليست هذه بلادهم ؟؟ .. ألم تطردوهم من قراهم وبيوتهم ؟؟ .. ترى هل تظن أنهم سيبقون إلى الأبد بعيدين عن بيوتهم ؟؟ .
ـ لا .. نحن لم نطردهم من بيوتهم وقراهم .. بل هم من هربوا .. لأنهم جبناء .. خافوا وهربوا ..ومع ذلك ربما يتم حل يرضي الجميع مستقبلا ..
ـ أي حل تتكلم عنه ؟؟ .. ثم أنتم من طرد الناس وهجَّرهم من قراهم .. وقتلتم من قتلتم .. أنا اعرف فلست صغيرة .. هل تريد أن أسمي لك القرى التي طردتم أهلها ؟؟ .. أم القرى التي ذبحتم الناس فيها .. فخاف من ظل حيا وهرب .. هل نسيت كيف ذبحتم الناس في الجامع في اللد .. بعد أن تنكرتم بزي الجيش العربي .. أم نسيت في الشمال من ذبحتم في السهل أو الحرش أو غيره وغيره .. هل هذا هو الهرب الذي تعنيه ؟؟ .. ثم كيف تريد ممن قُتِل أبوه وأمه وأخوته أمام عينيه أن يفعل ؟؟ .. وهل يحسن من يوجه السلاح إلى رأسه سوى الخضوع للأوامر ؟؟ .. هل تظنني طفلة لتمرر عليَّ حكاياتك ؟؟ .. أنا لست طفلة يا سامي .. بل أعرف القصة كلها .. من أولها لآخرها .
تظهر علامات الضيق على وجه سامي من كلام جميلة ، ويحاول الرد بطريقة ملتوية :
ـ لكن حبيبتي هذه بلادنا .. هذه أرض الميعاد .. أرض آبائنا وأجدادنا .. عدنا إليها بعد غياب عنها .. ثم أنت الآن منا .. والواجب أن تدافعي عن وجهة نظرنا نحن وليس وجهة نظرهم .. لقد عشنا زمنا طويلا في أوروبا .. حتى جاء ذلك الشيطان المجرم .. الذي قتل منا ستة ملايين .. هل تعرفين أنه كان يضع شبابنا ونساءنا في أفران الغاز ؟؟ .. هذا عدا عن القتل الجماعي .. لم يتحمل شعب على وجه الأرض ما تحملنا نحن .. ولم يذق شعب ما ذقناه من التعذيب والدمار والموت .. وعدنا في النهاية إلى ارضنا .. أرض الميعاد .
ـ ماذا تعني أرض الميعاد التي تتحدث عنها ؟؟ .. وأين تقع ؟؟ .
ـ أرض الميعاد يا حبيبتي هي هذه الأرض .. وهذه البلاد .. نحن شعب الله المختار .. والرب وعدنا بهذه الأرض .. فهي لنا .. لقد كان أسلافنا يعيشون فيها .. طُردنا منها .. والآن عدنا إليها كما يقول وعد الرب .
ـ أنا لا أفهم في هذه الأمور .. كل ما أعرفه أنكم جئتم وأخذتم البلاد منا .. وطردتم كثيرا من الناس إلى خارج الحدود .. لا تنكر هذا .. لا تنكر .. حتى من بلدنا هناك أناس طردتموهم إلى خارج الحدود .. هل نسيت عائلة الشامي ؟؟ .. إنها طردت قبل زمن ليس بعيدا .. منذ سنوات قليلة .. كانت تملك أرض كبيرة .. كبيرة جدا .. وطردتموها خارج الحدود .. وأقمتم مستوطنة على أرضها .. هل تنكر هذا ؟؟ .. والأخبار التي كانت تنتقل بين القرى عمن يقتلون ليلا في السهول وبين القرى .. من كان يقتلهم ؟؟ .. لا تقل لي إن من قتلهم هم العرب ؟؟ .. فالعربي هنا لا يقتل العربي .
يتجاهل سامي الملاحظة ويستمر حديثه متسائلا :
ـ دعينا من هذا الكلام الآن .. ولنفكر فيما يهمنا نحن فقط .. أنا وأنت فقط .. ماذا سنسمي ابننا ؟؟ .. أي اسم سنطلق عليه ؟؟
تنظر جميلة باستغراب شديد ، فيكمل سامي :
ـ أنا الأب ومن حقي المشاركة في اختيار الاسم .. وحتى أنتم .. فعندكم التسمية من حق الأب .. لن أحتكر التسمية .. بل أريد المشاركة فقط .
وهنا ترد جميلة منْزعجة :
ـ ماذا ؟؟ .. لم يبق إلا أن تسمي ابني .. .. عجيب أمرك .
ـ لا تنْزعجي يا حبيبتي .. إن الاسم يجب ألا يوحي لأي شعب ينتمي المولود .. بل سنجعله يوحي إلى الأصل الأول .. إلى جدنا سام بن نوح .. الذي هو أبو السامية .. فكلانا نحن اليهود وأنتم العرب أبناء سام بن نوح .. وقد سمينا بالشعوب السامية .. وأريد لابننا انتماء كهذا .. دون تحديد لعرب أو يهود .. مثلي تماما .. فاسمي أنا مثلا يستعمله العرب واليهود على السواء .. ولا يمكن أن يدعي أحد أن اسمي يخص اليهود وحدهم أو العرب وحدهم .. بل كلاهما يسمي هذا الاسم .
ـ كيف ؟؟
ـ ما رأيك باسم سامي ؟؟ .. فكلانا من الأصل السامي كما قلت .
تسأل باستغراب :
ـ سامي !!
ـ نعم سامي ابن سامي .
ـ أناني .. إنك أناني وطماع .. إنك مرآة تعكس صورة المحيطين بك ..أنتم اليهود هكذا .. لا تتغيرون ولا تتبدلون .. طباعكم مُسخرة لمصالحكم .
ـ إنك فيلسوفة تجيدين عملية التحليل النفسي .
ـ إن الوعي ليس ملكا لأحد .. والحياة مدرسة ..ولا يحتاج الأمر إلى ما تقوله من مصطلحات لا أعرفها .. فكلامك يوضح حقيقتك .. ببساطة ودون تحليل .
ـ صحيح ، ولكن دعينا نعد إلى موضوعنا .. ما رأيك بالاسم .. جميل أليس كذلك ؟ .. إنه جميل يا حبيبتي .
ـ ما دامت الحكاية هكذا .. فلماذا نختلف حول الاسم ؟؟ .. لماذا لا نطلق عليه اسم جميل ..
ـ جميل !!
ـ أي نعم .. جميل ابن جميلة .
ـ إن الاسم يجب أن يكون تجاريا .. لتسويقه في العالم أيضا .. وليس للاستهلاك المحلي فقط .. يجب تسويقه عالميا .
ترد جميلة بصوت عال ، وقد ضاقت بمراوغة سامي :
ـ لماذا ؟؟ .. نحن نعيش هنا .. فما دخل العالم بنا ؟؟ .. وماذا يعني لنا العالم طالما أنه ابننا وسيعيش معنا ؟؟ .. وما هذه المصطلحات التي ترددها .
ـ أقصد أنه يجب ألا يوحي بانتماء بصورة مباشرة ، فهكذا يكون أسهل له في التكيف مع الجميع .. هنا وفي العالم .
ـ يا لك من ملعون .. خبيث .. حتى في هذا تخطط لمصالحك فقط .
ـ اتفقنا ؟؟ أظنك موافقة .. قولي حبيبتي إنك موافقة .. هيا .
ـ اتفقنا .
ـ هكذا بسرعة !!
ـ ولم لا ، إذا توفرت النية الحسنة ، فمن الممكن لكلا الطرفين الاتفاق بسرعة حول كل المواضيع .. أنا موافقة .
ـ إنك دبلوماسية على ما يبدو .. وربما وراء موافقتك ما يخفى علي الان فهمه وتفسيره .. لكن سأفهمه لاحقا .. فلا بأس .
ـ ليس وراء موافقتي شيء .. لكن المشكلة .. أقصد مشكلتكم .. أنكم تريدون كل شيء .. كل شيء مهما صغر حجمه وقيمته .. والطمع والجشع يسيطر على عقولكم وقلوبكم .. حتى في تسمية المولود .
ـ دعكِ من هذه الأمور ودعينا نفكر بالمولود .
ـ ولكني قد أنجب انثى .. وليس شرط الحمل أن يكون ذكرا .. فربما جاء المولود بنتا .
ـ أعرف ذلك .. ولكني أرجو ان يكون المولود ذكرا .
ـ يبدو أنكم مثلنا تحبون الذكور .. ولا تحبون الاناث .. لماذا ؟؟ .
ـ إن النفس البشرية واحدة .
ـ لقد اعتقدت أنكم تختلفون عنا .. وعندكم البنت أفضل من الولد .. لكن الظاهر أنكم تختلفون عنا في أمر الطمع وحب التملك فقط .
ـ إن الانسان في جوهره لا يختلف عن أخيه الإنسان .. فلا تقولي نختلف عنكم .. فنحن مثلكم تماما .. إن كل ما في الأمر ، هو أن الظروف والتربية تقود الانسان للسير في مسار معين .. ولكن في النهاية نجد أن الرغبات .. والطموح .. والهواجس .. وكل المركبات النفسية للبشر لا تختلف عن بعضها البعض في شيء .. ولولا هذا الصراع بيننا على البلاد .. لكنا بألف خير .. وَلَما عانينا نحن ولا أنتم .. ولا قامت الحروب بيننا .
ـ ولماذا تغير الحديث إلى اتجاه آخر ؟؟ .. وما علاقة وضعنا أنا وأنت بكل هذا ؟؟ .. وهل هذا ينطبق على موضوع حوارنا ؟؟
ـ إن العالم ذكوري وكل قول آخر هو مجرد رياء .. والحوار كله دروب وطرق تؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة .
ـ لكن ذلك ليس دقيقا .
ـ بطبيعة الحال هناك استثناءات خفيفة .
ـ ولكن كما قلت لك : قد أنجب انثى .
ـ ما رأيك في أن نطلق عليها إذا كان الأمر كما تقولين اسم راحيل ؟؟
وهنا تسأل جميلة باستغراب :
ـ ماذا ؟؟ .. حتى البنت تريد أن تسميها بأسمائكم أنتم ؟؟ .
ـ إنه اسم له أكثر من دلالة .. إنه اسم ينتمي إلى بيت النبوة فينا ، منذ القدم .. وأنتم أيضا تؤمنون بأنبيائنا .
ـ ماذا تقصد ؟؟ .. انه اسم يخصكم أنتم.. ولا علاقة للاسم بالنبوة .
ـ إنني واثق من ذكائك .. إنها أرضنا .. لذا يجب أن تكون الاسماء من اختيارنا .. وفقط من اختيارنا .
ـ يا لك من خبيث .. حتى الاسم أوجدت له علاقة بالأرض .. ومن قال انها أرضكم .. إنكم تحلمون .. لقد ورثنا الارض أبا عن جد .. ثم لماذا لا تتكيفون مع الواقع الجديد .. وماذا يمنعنا من التداخل جغرافيا واجتماعيا .. لماذا لا تندمجون مع هذا المحيط حولكم ؟؟ .
ـ إنك واهمة جدا يا حبيبتي .. الواقع نحن من نخلقه .. ونحن من أوجد الواقع الجديد .. لذا عليكم أنتم أن تقبلوا بالواقع الذي صنعناه نحن .
ينظر الى بطن جميلة ويبتسم :
ـ لكن حبيبتي سأوافقك على ما قلت .. بعدما تداخلنا جسديا .. وصار بيننا شراكة لا يمكن فضها بحال .
ـ لماذا تلغز الكلام دوما ؟؟
ـ أوليس صحيحا ؟؟
ـ لذلك يجب أن تتواضعوا في طموحاتكم .. وتكفوا عن الطمع .
ـ لا حياة من دون طموحات عريضة ، ثم ماذا أغضبك في اقتراحي حول التسمية فيما لو كان المولود أنثى .
ـ إن واقع الحال في أحشائي يحتم أن تكون الارض لكلا الطرفين .. وليس لطرف دون طرف .. يحتم قسمتها بالتساوي بيننا .. حتى وهو ابننا .. لأن لي حقا فيه .. كحقك تماما بغير نقصان .. وما يملكه فلي فيه النصف .. ألستُ أنا أمه ؟؟ .. بل أكثر .. لأنني من رعيته تسعة أشهر في أحشائي .. وهي الأساس الذي أنت غائب عن الرعاية خلالها .
تصمت قليلا ويبدو عليها ضيق ، ثم تردف :
ـ أوَنسيتَ ؟؟
يهز سامي رأسه مبتسما ، بينما تستمر جميلة في حديثها :
ـ إن صيغة التعايش موجودة ، لقد تداخلنا على جميع الأصعدة .. وليس كجسدين فقط .. إن المولود الآتي قرر تداخلنا عبره أيضا .. إذ لولاه .. ربما كان الوضع مختلفا .. ولما كنا كما نحن .
ـ صحيح ولكن الغرب لن يسمح لنا بذلك .
وتسأل باستغراب وضيق من تشعبه في الكلام :
ـ ماذا ؟؟ .. وما دخل الغرب فينا ؟؟ .. وفي ابننا وأحلامنا ؟؟ .. ألا تعرف سوى حشر الغرب ؟؟ .. حتى بيننا تحشره ؟؟ .
ـ إنها حرب الحضارات .. حضارتكم وحضارتهم .. وهم يطلبون ثمن تثبيت تواجدنا هنا .. والثمن ليس كما تحلمين حبيبتي .. إنه ثمن باهظ لكم ولنا .. إنه نحن أو أنتم وليس سواه .
ـ أي ثمن ؟؟ .. وما هذا الكلام الذي لا أفهمه ؟؟ .
ـ الثمن هو إشعال نار الحروب دائما .. لإيجاد المبرر لمواصلة تدخل الغرب من أجل إجهاض كل تطور في العالم العربي .. انهم يريدونكم أن تظلوا ضعفاء .. غير قادرين على شيء :
تكاد تصرخ في وجهه ، وهي غير مصدقة ما تسمعه :
ـ يعني أنتم الخشبة التي يقفز عليها الغرب إلى العالم العربي ؟؟!!
ـ بالضبط .
ـ أعتقد أنك تبالغ .. بل مؤكد إنك تبالغ .
ـ كان عليّ ألا أكشف السر .. ولكن الحب .. هذه القوة الروحية التي تسيطر على الإنسان وتنقله إلى أجواء طفولية .
ـ إنك تهذي على ما يبدو .
ـ قد يكون ذلك صحيحا .. لكن أظن الوقت تأخر كثيرا .. وعلي العودة .. يجب أن أذهب حبيبتي .
ـ ما زال الوقت مبكرا .. ابق قليلا ..
ـ سأعود حبيبتي غدا أو بعد غد .. فلا تقلقي .. هاتي قبلة .. وانتبهي لابننا .. وفي المرة القادمة اخبريني ما نحتاج لشرائه للمولود .. لقد بقي شهران على خروجه إلى الدنيا .. كم أنا متلهف لاحتضان ابننا .
ـ سأخبرك .. لكن لا تغب طويلا .. فأنا بحاجة لمن يقف بجانبي .. لقد بدأ يتعبني كثيرا .. تماما كما أتعبني أبوه .
ـ هههههه .. آآآآآآآآآه يا حبيبتي .. كم أحبك يا جميلة .
ـ تحبني أم تحب المولود ؟؟ .. أم تحبني لأجله ؟؟ ..
ـ بل أحبكما معا .. كلاكما حبيب إلى قلبي .. ما أطول الشهرين ؟؟ .. ليتهما يوم واحد .. يجب أن أذهب .. إلى اللقاء حبيبتي .
ـ إلى اللقاء حبيبي .
ـ ماذا ؟؟ .. تقولين حبيبي .. آآآآآآآآآآآآآه .. كم أنت حبيبة على قلبي يا جميلة .. أحبك حبيبتي .. اسمعيني الكلمة مرة أخرى .. ما أجملها منك .
ـ أحبك حبيبي .. أحبك حبيبي .. حبيبي .. هل تأكدت الان ؟؟.
ـ نعم حبيبتي .. نعم يا اجمل حبيبة .. أحبك .
يقبلها ويغادر المكان ، وتعود جميلة إلى البيت ، ويعاودها الشعور بالغثيان والقرف من الوضع الذي هي عليه ، وأحست أن انسجامها مع سامي زاد عن حده ، وأنها أصبحت دمية في يده يقلبها كيف يشاء ، وظلت تفكر في كلمة " حبيبي " التي قالتها له ، فهي لا تقبله حبيبا مهما كان ، ولكن ضعفها ألجأها إلى شيء من الحيلة لترضيه ، وتحقق ما تصبو إليه .
كانت جميلة خلال النهار تنظر إلى الناس من أمام بيتها ، وكتمت صرختها ، وظلت فترة طويلة على حالها ، ثم دخلت البيت بهدوء والدموع تغمر وجهها ، وأحست أنها شريكة في الجريمة ، وفكرت في زوجها وحاله في السجن ، وخشيت عليه أن يلقى نفس المصير الذي لقيه حبيب أختها ، وفي لقائها مع سامي ، أخبرته بمخاوفها ، ولكن سامي طمأنها أن زوجها بخير ، ويحصل على ما يريد في السجن ، وتعهد لها بعدم المساس به ، وأخذ يقسم لها بحبه الأبدي ، ثم تقدم ليتحسس بطنها الذي أخذ يكبر أكثر فأكثر ، وقد اقترب ميعاد الولادة ، فهذا شهرها السابع ، ، فهي رغم كل ما تقوم به ، ترفض فكرة أن يكون جنينها ابنا لسامي ، على الأقل حتى هذه اللحظة ، وترفض مهمتها التي أصبحت عملا شبه عادي ، وسألها سامي :
ـ ما لك تنْزعجين ؟؟؟
ـ اكسر يدك .. ابتعد عنه .
ـ لماذا حبيبتي ؟؟ ما الذي جرى لك اليوم ؟؟ .. أو ليس ابني ؟؟؟ .. أو لستُ أباه ؟؟ .. مالكِ حبيبتي ؟؟ .
ـ كلا ليس ابنك .. إنه .. ابن زوجي عدنان .
ـ ههه .. بل إنه ابني يا حبيبتي .
ـ كلا .. إنه ليس ابنك .. بل ابن عدنان .
ـ من أين لك معرفة ذلك ؟؟ .. إنه ابني شئت أم أبيت .. وحتى لو كان ما تقولينه صحيحا .. فأنا شريك فيه .. وسيكون ابني .
تصمت جميلة ، وابتسامة تعلو وجهها ، ويستمر سامي في حديثه وقد تهلل وجهه فرحا :
ـ إنني أريده ابنا ، وأرجو أن يكون كذلك .. وإن كانت بنتا فهي لعدنان .. ه .. ما رأيك حبيبتي ؟؟ .. موافقة أليس كذلك ؟؟ .
ينتظر قليلا ليسمع رد فعلها ، ولكن جميلة تستمر في صمتها ، ويتابع سامي حديثه :
ـ ترى هل هو عربي أم يهودي ؟؟ .
ـ إنه عربي .. ابن عربي .
ـ كلا إنه يهودي .
ـ ولكنكم تقولون إن الابن يتبع الأم .. أليس كذلك ؟؟ .. أم أنه في حالتنا سيتبع الأب ؟؟ .
وهنا يبتسم سامي بسمة المنتصر :
ـ لقد أفحمتِني .. جواب مفحم حقا .. ولكن لا بأس .. تعالي لنتفق على أنه مزيج .. يعني نصفه عربي ونصفه يهودي .
ـ ماذا تعني ؟؟ .
ـ أعني أن يكون نصفه الأعلى يهوديا ونصفه الأسفل عربيا ..
يضحك ثم يستمر :
ـ هكذا يخرج متكاملا من كلا الجانبين .
تصمت وعلامات الحرج بارزة على وجهها ، ويستمر سامي في حديثه :
ـ ثم هل تعلمين أنه إذا جاء من نقيضين يصبح ذكيا ؟؟
تبتسم جميلة ، لكن تظل صامتة ، فيكمل سامي :
ـ هكذا أريدك يا حبيبتي ، دائمة الابتسامة . لأن الابتسامة تأسر ما لا يستطيع السلاح أسره .. إنها تشبه القذيفة .. تنطلق من شفتيك وتصيب هدفها مباشرة .. أعني قلبي .. آآآآه من قلبي وضعفه .. لا أعلم لولاك يا حبيبتي ماذا كان بإمكاني فعله .. أنت أعدتِ بهجة الحياة إلى نفسي .
فتجيبه وبقايا ابتسامة على شفتيها :
ـ ما لك تتحدث عن الابتسامة بمصطلحات الحرب والمعارك ؟؟ .. كانت لغتك عذبة .. ما الذي غيرها ؟؟ .. أريد أن تتكلم برقتك التي أعرفها .. والتي أوقعتني في شباكك .. هل نسيتها ؟؟ .. ما هذه اللغة الحربية ؟؟ ..
ـ إن الدنيا كلها تستعمل هذه المصطلحات في حديثها العادي .. ليس فقط في الحروب والمعارك .. لماذا يفاجئكِ الأمر ؟؟ .. ثم أنا رجل عسكري بالأساس .. ومن الطبيعي أن تختلط عندي المصطلحات ..
ـ لكن أنا أفضل أن تحدثني بمصطلحات السلم والحب .. ثم لم تكن من قبل تكلمني بهذه اللغة .. وهذه المصطلحات .. لا شك أن هناك طارئا جعلك تبدل لغتك التي تعودتها منك .. أرجو أن لا تتحدث بهذه اللغة الحربية .. فلغة الحب والسلم أجمل وأحلى .
ـ سأحاول يا حبيبتي .. سأحاول .. ولكن حتى يعم السلام أولا ونحس به .. أليس كذلك ؟؟ .. ألا ترين ما حولنا ؟؟ .. كلهم يريدون ابتلاعنا .. وعلينا أن نكون أقوياء .. حتى نظل متغلبين عليهم .. وكما يقول مثلكم العربي .. إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .
ـ ولكن أنتم من شن الحرب .. أنتم من أخذ البلاد .. وأنتم المطالبون باحلال السلم .. أليس هذا صحيحا ؟؟ .. وأهل البلاد الذين غادروا .. أليست هذه بلادهم ؟؟ .. ألم تطردوهم من قراهم وبيوتهم ؟؟ .. ترى هل تظن أنهم سيبقون إلى الأبد بعيدين عن بيوتهم ؟؟ .
ـ لا .. نحن لم نطردهم من بيوتهم وقراهم .. بل هم من هربوا .. لأنهم جبناء .. خافوا وهربوا ..ومع ذلك ربما يتم حل يرضي الجميع مستقبلا ..
ـ أي حل تتكلم عنه ؟؟ .. ثم أنتم من طرد الناس وهجَّرهم من قراهم .. وقتلتم من قتلتم .. أنا اعرف فلست صغيرة .. هل تريد أن أسمي لك القرى التي طردتم أهلها ؟؟ .. أم القرى التي ذبحتم الناس فيها .. فخاف من ظل حيا وهرب .. هل نسيت كيف ذبحتم الناس في الجامع في اللد .. بعد أن تنكرتم بزي الجيش العربي .. أم نسيت في الشمال من ذبحتم في السهل أو الحرش أو غيره وغيره .. هل هذا هو الهرب الذي تعنيه ؟؟ .. ثم كيف تريد ممن قُتِل أبوه وأمه وأخوته أمام عينيه أن يفعل ؟؟ .. وهل يحسن من يوجه السلاح إلى رأسه سوى الخضوع للأوامر ؟؟ .. هل تظنني طفلة لتمرر عليَّ حكاياتك ؟؟ .. أنا لست طفلة يا سامي .. بل أعرف القصة كلها .. من أولها لآخرها .
تظهر علامات الضيق على وجه سامي من كلام جميلة ، ويحاول الرد بطريقة ملتوية :
ـ لكن حبيبتي هذه بلادنا .. هذه أرض الميعاد .. أرض آبائنا وأجدادنا .. عدنا إليها بعد غياب عنها .. ثم أنت الآن منا .. والواجب أن تدافعي عن وجهة نظرنا نحن وليس وجهة نظرهم .. لقد عشنا زمنا طويلا في أوروبا .. حتى جاء ذلك الشيطان المجرم .. الذي قتل منا ستة ملايين .. هل تعرفين أنه كان يضع شبابنا ونساءنا في أفران الغاز ؟؟ .. هذا عدا عن القتل الجماعي .. لم يتحمل شعب على وجه الأرض ما تحملنا نحن .. ولم يذق شعب ما ذقناه من التعذيب والدمار والموت .. وعدنا في النهاية إلى ارضنا .. أرض الميعاد .
ـ ماذا تعني أرض الميعاد التي تتحدث عنها ؟؟ .. وأين تقع ؟؟ .
ـ أرض الميعاد يا حبيبتي هي هذه الأرض .. وهذه البلاد .. نحن شعب الله المختار .. والرب وعدنا بهذه الأرض .. فهي لنا .. لقد كان أسلافنا يعيشون فيها .. طُردنا منها .. والآن عدنا إليها كما يقول وعد الرب .
ـ أنا لا أفهم في هذه الأمور .. كل ما أعرفه أنكم جئتم وأخذتم البلاد منا .. وطردتم كثيرا من الناس إلى خارج الحدود .. لا تنكر هذا .. لا تنكر .. حتى من بلدنا هناك أناس طردتموهم إلى خارج الحدود .. هل نسيت عائلة الشامي ؟؟ .. إنها طردت قبل زمن ليس بعيدا .. منذ سنوات قليلة .. كانت تملك أرض كبيرة .. كبيرة جدا .. وطردتموها خارج الحدود .. وأقمتم مستوطنة على أرضها .. هل تنكر هذا ؟؟ .. والأخبار التي كانت تنتقل بين القرى عمن يقتلون ليلا في السهول وبين القرى .. من كان يقتلهم ؟؟ .. لا تقل لي إن من قتلهم هم العرب ؟؟ .. فالعربي هنا لا يقتل العربي .
يتجاهل سامي الملاحظة ويستمر حديثه متسائلا :
ـ دعينا من هذا الكلام الآن .. ولنفكر فيما يهمنا نحن فقط .. أنا وأنت فقط .. ماذا سنسمي ابننا ؟؟ .. أي اسم سنطلق عليه ؟؟
تنظر جميلة باستغراب شديد ، فيكمل سامي :
ـ أنا الأب ومن حقي المشاركة في اختيار الاسم .. وحتى أنتم .. فعندكم التسمية من حق الأب .. لن أحتكر التسمية .. بل أريد المشاركة فقط .
وهنا ترد جميلة منْزعجة :
ـ ماذا ؟؟ .. لم يبق إلا أن تسمي ابني .. .. عجيب أمرك .
ـ لا تنْزعجي يا حبيبتي .. إن الاسم يجب ألا يوحي لأي شعب ينتمي المولود .. بل سنجعله يوحي إلى الأصل الأول .. إلى جدنا سام بن نوح .. الذي هو أبو السامية .. فكلانا نحن اليهود وأنتم العرب أبناء سام بن نوح .. وقد سمينا بالشعوب السامية .. وأريد لابننا انتماء كهذا .. دون تحديد لعرب أو يهود .. مثلي تماما .. فاسمي أنا مثلا يستعمله العرب واليهود على السواء .. ولا يمكن أن يدعي أحد أن اسمي يخص اليهود وحدهم أو العرب وحدهم .. بل كلاهما يسمي هذا الاسم .
ـ كيف ؟؟
ـ ما رأيك باسم سامي ؟؟ .. فكلانا من الأصل السامي كما قلت .
تسأل باستغراب :
ـ سامي !!
ـ نعم سامي ابن سامي .
ـ أناني .. إنك أناني وطماع .. إنك مرآة تعكس صورة المحيطين بك ..أنتم اليهود هكذا .. لا تتغيرون ولا تتبدلون .. طباعكم مُسخرة لمصالحكم .
ـ إنك فيلسوفة تجيدين عملية التحليل النفسي .
ـ إن الوعي ليس ملكا لأحد .. والحياة مدرسة ..ولا يحتاج الأمر إلى ما تقوله من مصطلحات لا أعرفها .. فكلامك يوضح حقيقتك .. ببساطة ودون تحليل .
ـ صحيح ، ولكن دعينا نعد إلى موضوعنا .. ما رأيك بالاسم .. جميل أليس كذلك ؟ .. إنه جميل يا حبيبتي .
ـ ما دامت الحكاية هكذا .. فلماذا نختلف حول الاسم ؟؟ .. لماذا لا نطلق عليه اسم جميل ..
ـ جميل !!
ـ أي نعم .. جميل ابن جميلة .
ـ إن الاسم يجب أن يكون تجاريا .. لتسويقه في العالم أيضا .. وليس للاستهلاك المحلي فقط .. يجب تسويقه عالميا .
ترد جميلة بصوت عال ، وقد ضاقت بمراوغة سامي :
ـ لماذا ؟؟ .. نحن نعيش هنا .. فما دخل العالم بنا ؟؟ .. وماذا يعني لنا العالم طالما أنه ابننا وسيعيش معنا ؟؟ .. وما هذه المصطلحات التي ترددها .
ـ أقصد أنه يجب ألا يوحي بانتماء بصورة مباشرة ، فهكذا يكون أسهل له في التكيف مع الجميع .. هنا وفي العالم .
ـ يا لك من ملعون .. خبيث .. حتى في هذا تخطط لمصالحك فقط .
ـ اتفقنا ؟؟ أظنك موافقة .. قولي حبيبتي إنك موافقة .. هيا .
ـ اتفقنا .
ـ هكذا بسرعة !!
ـ ولم لا ، إذا توفرت النية الحسنة ، فمن الممكن لكلا الطرفين الاتفاق بسرعة حول كل المواضيع .. أنا موافقة .
ـ إنك دبلوماسية على ما يبدو .. وربما وراء موافقتك ما يخفى علي الان فهمه وتفسيره .. لكن سأفهمه لاحقا .. فلا بأس .
ـ ليس وراء موافقتي شيء .. لكن المشكلة .. أقصد مشكلتكم .. أنكم تريدون كل شيء .. كل شيء مهما صغر حجمه وقيمته .. والطمع والجشع يسيطر على عقولكم وقلوبكم .. حتى في تسمية المولود .
ـ دعكِ من هذه الأمور ودعينا نفكر بالمولود .
ـ ولكني قد أنجب انثى .. وليس شرط الحمل أن يكون ذكرا .. فربما جاء المولود بنتا .
ـ أعرف ذلك .. ولكني أرجو ان يكون المولود ذكرا .
ـ يبدو أنكم مثلنا تحبون الذكور .. ولا تحبون الاناث .. لماذا ؟؟ .
ـ إن النفس البشرية واحدة .
ـ لقد اعتقدت أنكم تختلفون عنا .. وعندكم البنت أفضل من الولد .. لكن الظاهر أنكم تختلفون عنا في أمر الطمع وحب التملك فقط .
ـ إن الانسان في جوهره لا يختلف عن أخيه الإنسان .. فلا تقولي نختلف عنكم .. فنحن مثلكم تماما .. إن كل ما في الأمر ، هو أن الظروف والتربية تقود الانسان للسير في مسار معين .. ولكن في النهاية نجد أن الرغبات .. والطموح .. والهواجس .. وكل المركبات النفسية للبشر لا تختلف عن بعضها البعض في شيء .. ولولا هذا الصراع بيننا على البلاد .. لكنا بألف خير .. وَلَما عانينا نحن ولا أنتم .. ولا قامت الحروب بيننا .
ـ ولماذا تغير الحديث إلى اتجاه آخر ؟؟ .. وما علاقة وضعنا أنا وأنت بكل هذا ؟؟ .. وهل هذا ينطبق على موضوع حوارنا ؟؟
ـ إن العالم ذكوري وكل قول آخر هو مجرد رياء .. والحوار كله دروب وطرق تؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة .
ـ لكن ذلك ليس دقيقا .
ـ بطبيعة الحال هناك استثناءات خفيفة .
ـ ولكن كما قلت لك : قد أنجب انثى .
ـ ما رأيك في أن نطلق عليها إذا كان الأمر كما تقولين اسم راحيل ؟؟
وهنا تسأل جميلة باستغراب :
ـ ماذا ؟؟ .. حتى البنت تريد أن تسميها بأسمائكم أنتم ؟؟ .
ـ إنه اسم له أكثر من دلالة .. إنه اسم ينتمي إلى بيت النبوة فينا ، منذ القدم .. وأنتم أيضا تؤمنون بأنبيائنا .
ـ ماذا تقصد ؟؟ .. انه اسم يخصكم أنتم.. ولا علاقة للاسم بالنبوة .
ـ إنني واثق من ذكائك .. إنها أرضنا .. لذا يجب أن تكون الاسماء من اختيارنا .. وفقط من اختيارنا .
ـ يا لك من خبيث .. حتى الاسم أوجدت له علاقة بالأرض .. ومن قال انها أرضكم .. إنكم تحلمون .. لقد ورثنا الارض أبا عن جد .. ثم لماذا لا تتكيفون مع الواقع الجديد .. وماذا يمنعنا من التداخل جغرافيا واجتماعيا .. لماذا لا تندمجون مع هذا المحيط حولكم ؟؟ .
ـ إنك واهمة جدا يا حبيبتي .. الواقع نحن من نخلقه .. ونحن من أوجد الواقع الجديد .. لذا عليكم أنتم أن تقبلوا بالواقع الذي صنعناه نحن .
ينظر الى بطن جميلة ويبتسم :
ـ لكن حبيبتي سأوافقك على ما قلت .. بعدما تداخلنا جسديا .. وصار بيننا شراكة لا يمكن فضها بحال .
ـ لماذا تلغز الكلام دوما ؟؟
ـ أوليس صحيحا ؟؟
ـ لذلك يجب أن تتواضعوا في طموحاتكم .. وتكفوا عن الطمع .
ـ لا حياة من دون طموحات عريضة ، ثم ماذا أغضبك في اقتراحي حول التسمية فيما لو كان المولود أنثى .
ـ إن واقع الحال في أحشائي يحتم أن تكون الارض لكلا الطرفين .. وليس لطرف دون طرف .. يحتم قسمتها بالتساوي بيننا .. حتى وهو ابننا .. لأن لي حقا فيه .. كحقك تماما بغير نقصان .. وما يملكه فلي فيه النصف .. ألستُ أنا أمه ؟؟ .. بل أكثر .. لأنني من رعيته تسعة أشهر في أحشائي .. وهي الأساس الذي أنت غائب عن الرعاية خلالها .
تصمت قليلا ويبدو عليها ضيق ، ثم تردف :
ـ أوَنسيتَ ؟؟
يهز سامي رأسه مبتسما ، بينما تستمر جميلة في حديثها :
ـ إن صيغة التعايش موجودة ، لقد تداخلنا على جميع الأصعدة .. وليس كجسدين فقط .. إن المولود الآتي قرر تداخلنا عبره أيضا .. إذ لولاه .. ربما كان الوضع مختلفا .. ولما كنا كما نحن .
ـ صحيح ولكن الغرب لن يسمح لنا بذلك .
وتسأل باستغراب وضيق من تشعبه في الكلام :
ـ ماذا ؟؟ .. وما دخل الغرب فينا ؟؟ .. وفي ابننا وأحلامنا ؟؟ .. ألا تعرف سوى حشر الغرب ؟؟ .. حتى بيننا تحشره ؟؟ .
ـ إنها حرب الحضارات .. حضارتكم وحضارتهم .. وهم يطلبون ثمن تثبيت تواجدنا هنا .. والثمن ليس كما تحلمين حبيبتي .. إنه ثمن باهظ لكم ولنا .. إنه نحن أو أنتم وليس سواه .
ـ أي ثمن ؟؟ .. وما هذا الكلام الذي لا أفهمه ؟؟ .
ـ الثمن هو إشعال نار الحروب دائما .. لإيجاد المبرر لمواصلة تدخل الغرب من أجل إجهاض كل تطور في العالم العربي .. انهم يريدونكم أن تظلوا ضعفاء .. غير قادرين على شيء :
تكاد تصرخ في وجهه ، وهي غير مصدقة ما تسمعه :
ـ يعني أنتم الخشبة التي يقفز عليها الغرب إلى العالم العربي ؟؟!!
ـ بالضبط .
ـ أعتقد أنك تبالغ .. بل مؤكد إنك تبالغ .
ـ كان عليّ ألا أكشف السر .. ولكن الحب .. هذه القوة الروحية التي تسيطر على الإنسان وتنقله إلى أجواء طفولية .
ـ إنك تهذي على ما يبدو .
ـ قد يكون ذلك صحيحا .. لكن أظن الوقت تأخر كثيرا .. وعلي العودة .. يجب أن أذهب حبيبتي .
ـ ما زال الوقت مبكرا .. ابق قليلا ..
ـ سأعود حبيبتي غدا أو بعد غد .. فلا تقلقي .. هاتي قبلة .. وانتبهي لابننا .. وفي المرة القادمة اخبريني ما نحتاج لشرائه للمولود .. لقد بقي شهران على خروجه إلى الدنيا .. كم أنا متلهف لاحتضان ابننا .
ـ سأخبرك .. لكن لا تغب طويلا .. فأنا بحاجة لمن يقف بجانبي .. لقد بدأ يتعبني كثيرا .. تماما كما أتعبني أبوه .
ـ هههههه .. آآآآآآآآآه يا حبيبتي .. كم أحبك يا جميلة .
ـ تحبني أم تحب المولود ؟؟ .. أم تحبني لأجله ؟؟ ..
ـ بل أحبكما معا .. كلاكما حبيب إلى قلبي .. ما أطول الشهرين ؟؟ .. ليتهما يوم واحد .. يجب أن أذهب .. إلى اللقاء حبيبتي .
ـ إلى اللقاء حبيبي .
ـ ماذا ؟؟ .. تقولين حبيبي .. آآآآآآآآآآآآآه .. كم أنت حبيبة على قلبي يا جميلة .. أحبك حبيبتي .. اسمعيني الكلمة مرة أخرى .. ما أجملها منك .
ـ أحبك حبيبي .. أحبك حبيبي .. حبيبي .. هل تأكدت الان ؟؟.
ـ نعم حبيبتي .. نعم يا اجمل حبيبة .. أحبك .
يقبلها ويغادر المكان ، وتعود جميلة إلى البيت ، ويعاودها الشعور بالغثيان والقرف من الوضع الذي هي عليه ، وأحست أن انسجامها مع سامي زاد عن حده ، وأنها أصبحت دمية في يده يقلبها كيف يشاء ، وظلت تفكر في كلمة " حبيبي " التي قالتها له ، فهي لا تقبله حبيبا مهما كان ، ولكن ضعفها ألجأها إلى شيء من الحيلة لترضيه ، وتحقق ما تصبو إليه .
******************
تعليق