الفوعة في ذاكرة مغترب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د . نزار بوش
    عضو الملتقى
    • 08-07-2008
    • 32

    الفوعة في ذاكرة مغترب

    الفوعة في ذاكرة مغترب




    إن الغربة هي صحن نأكل منه، مرة ملعقة حلوة المذاق و أخرى مرة المذاق و الغربة غابة و نحن أنهار نجري فيها تائهين، فمرة نجلس على ضفافها ننتظر مراكب المجهول و مرة اخرى نصعد إلى سفنها و نسبح عرض أنهارها لربما نصل إلى المبتغى، و في برهة من الحيرة أدخل خيمة الانتظار لأركب صهوة ذاكرتي و أرجع إلى الخلف إلى أيام كانت فيه الفوعة فتاة ريفية لا تعرف إلا الصدق و المحبة و البساطة.
    الفوعة تلك العروس التي ترتدي أكاليلا ملونة بكل ألوان الطبيعة و كل الفصول.
    الفوعة هي أيام رمضانية و غروب شمس و سحور هي محبة الجار لجاره.
    فيها تعلمت كيف أتذكر جيراني عندما نطبخ أكلة شهية فأصب لهم من رأس المعون و أدق الباب لأقدمه لهم كضيافة و محبة.
    الفوعة هي ذلك السوق الكبير المرصوف بحجارة (البلاط من الحجارة) تتكلم تاريخا عريقا، ذلك السوق الذي كان يعج بالبشر الطيبين و تجار البطيخ الفوعي و التين، و العجور (الإتته)، و الفضال (البطيخ غير الناضج) و الزيتون و الخيار و البندورة وووو ... و ....
    الفوعة هي كل المواسم و خاصة موسم قطاف الزيتون، و الأرض و الزوادة، و خبز التنور المدهون بزيت الزيتون و الكمون، و الكبة النية بالفليفلة الحمراء و البصل الاخضر و ..... و ..
    الفوعة هي مواسم عصر الزيتون و أكل الزنانة (الزنانة هي حبز التنور الساخن المغطس بالزيت الطازج و في المعصرة مباشرة)
    الفوعة هي الدروب الترابية الحمراء و الحمير و الاحصنة تجر وراءها عربات مصنوعة من الخشب تجلس فيها العائلات والاطفال بعيونهم فرح الدنيا لأن الموسم خير و وفير
    الفوعة هي آثار و تاريخ ، مثل المصنع، و المشهد، و المغارات التي تعود إلى العهد الروماني و التي تجري فيها بكل مكان كالعروق في الجسد، و القبب الحوارية ( الشونة ) ، و كذلك الدور التي تحتوي على غرف كبيرة تسمى المصلب و المبنية بطريقة هندسية و لا أجمل و بجدران سميكة بطبقات من الحوار و الطين و الحجارة و الطريش ( نبات يضاف للطين حتى يتماسك مع الحجارة بشكل متين )
    الفوعة هي تلك البيوت الشاسعة التي تنبت فيها كل الورود و الخضار و تتجاور فيها الزهور مع البصل و الثوم ، و يتعانق فيها الياسمين مع مع أشجار التين و الليمون ، و قبلات أشجار التين لاشجار الزيتون
    الفوعة هي أيام السمر و السهر مع الاقارب و الجيران و الجدة و الجد حول الموقد على حصير من القش و الاستماع منهم إلى حكايا أيام زمان و عنترة و عبلة و الزير سالم و الجنيات و الضبع و رباب و أخواتها الثلاث
    الفوعة هي التدريجة ( المسير ) عند غروب الشمس على الكروزة (الطريق المرصوفة بالأسفلت )
    نساءا و رجالا ، أو على طريق السبيل بين أحضان الطبيعة الخلابة ، السبيل ذلك المكان الاثري الذي يعود إلى العهد الروماني و هو عبارة عن حفرة كبيرة بشكل هندسي معين ، في الصخر على مكان مرتفع من الضيعة تتجمع فيه المياه و تخزن أيام الشتاء لتجر بعدها إلى السكان فيشربون منه و يسقون دوابهم و زرعهم في البيوت ،،، و كم مرة سبحنا فيه أيام الطفولة و وقعت أشياؤنا في مياهه
    الفوعة هي تلك الازقة الدافئة الآمنة كبيوت الله
    الفوعة هي حنان و عطف جدتي و أنسها و أكل الزبيب و التين المجفف و دبس العنب و السمبوسك و الزنكل ( اللقم ) و حكاياها اللطيفة ، و ماء الجب ( البئر ) في أرض الديار الذي يروي كل المارين من العطاش
    الفوعة هي المدرسة الغربية و أبوابها الخشبية القديمة و باحتها الكبيرة التي كنا نجوبها ركضا مئات المرات
    الفوعة هي هؤلاء البائعون المتجولون الذي يبيعون الفول و الحمص بالليمون و الكمون و البوظو و الكعك الساخن
    الفوعة هي تلك الدجاجات و الديك بعرفه الاحمر الشامخ و البيض البلدي ، و لبن االغنم الصافي الذي لا يمسه الماء ، و طعم البندورة العدي ( البعل ) المذ اللذيذ
    الفوعة هي الفرح و الاعراس و الدربكة و الطبل ، هي تلك العراضة الرائعة للعروس عندما يأخذوها من بيت أهلها بحشد كبير من أهل الضيعة ، فمن يقرع الطبل و من يدق على الدربكة و من يعزف على الناية أو الزمر أو الشبابة و من يعزف بملعقتين لحنا جميلا
    مارين بازقتها ، و هم يغنون أجمل الاغاني الفولكلورية التي تهلل للعروس و تشيد بالعريس و أهلهم ، و كم جميلة هذه المواويل بصوت حي و دون ميكروفون تسمعه كل الضيعة ،، و كم جميلة هذه التوقفات خلال مسير العراضة بطلب من أحد أصحاب البيوت الواقعة على خط سير العراضة ، و هو يقف على السطح و في يده ابريق من الماء مهددا برشق العراضة بالماء إذا لم يغني له فلان من الناس موالا أو يسمعه أغنية ، و كانت غالبا تمر العراضة بسلامة و دون رشق المياه عليها بسبب الاستجابة لطلب الطالب
    الفوعة هي الاراضي الشاسعة من السهول و دفء الألوان ، و كروم الزيتون و التين و العنب الفوعي شديد الحلاوة
    الفوعة هي عيد الفطر و عيد الأضحى و العيدية و المراجيح و قبلات أمي و أبي و ستي ، و التكبير في الجامع و الحلويات و كعك العيد و النشاء ( الهريسة المصنوعة من النشاء ) و أقراص خبز النشاء و الزيارات للأقارب و الجيران و المقبرة و قراءة الفاتحة و توزيع المال على المحتاجين ،، الفوعة هي الخير و المحبة و سعادة الاطفال
    الفوعة هي أساتذتي الموقرون، الذين زرعوا في كثرا من البذور لتنبت في داخلي خصائل الانسان كلما ابتعد عن وطنه بالمسافة زاد منها قربا
    الفوعة ستبقى فلذة كبدي في وطني الاكبر ، و ستبقى الحب الابدي الذي لا ينتهي
    هذه هي فوعتي
    فلماذا يبدل المرء وطنه بوطن آخر ؟
    ملاحظة الفوعة أصبحت مدينة و اغتصبتها مظاهر المدن بقلم : د. نزار بوش
  • محمد أبو فهد
    أديب وكاتب
    • 21-11-2010
    • 68

    #2
    بلدة رائعة وجميلة
    استمتعت واستفدت مما ذكرت
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد أبو فهد; الساعة 09-12-2010, 15:55.

    تعليق

    يعمل...
    X