ستشرق يوماً
تَجمدتْ كتمثال عُرض لأول مرة تفتح عينيها الواسعتين وتطبق شفاهها بخفة لا يكاد الهواء يدخل إلى انفها من شدة السكون ، نظراتها العميقة تسافر في بحر الحيرة ..سمعت صوت الباب وهو يفتح بخفة عندها انقطع ذلك الوجوم برقةٍ شفافة وتخلل وجهها الصغير شعاع من البراءة وهي تبتسم لأمها التي دخلت عليها بهدوء كنسمة تمر على الزهور، جلست أمامها بهدوءٍ تام وهي تنظر لعينيها المحملتان بمرارة خفية وفي نظراتها حيرة أطفال تائهة في فضاء البراءة ، لم تتمالك نفسها عندما أطلقت العنان لدموعها بالهبوط إلى وجنتيها المتوردتين وهي تصيح بصوت شجي اختلط بالنشيج المثقل (أماه هل ستحرق الزهور يوماً؟؟) ...تلاشت ذرات الإدراك لدى الأم عندما لم تفهم ما كانت تتلفظ به ابنتها ...( أماه لقد رأيت الظلم يمتطي الفساد يحمل بيديه سيف من الحقد ويقطع بحده الرجاء ، رأيت طفل يمضغ الحجارة بتلذذ ويخاف عليها من السراق ، شاهدت فتىً يقتل الحنان ويدفنه تحت ثرى الجفاء ، أماه لقد رأيت بلادي يتلوى وجروحه تنزف الدماء وغيره يطلق الضحكات الحقودة، وجدت الحب يلوذ وراء الخداع حتى اختلطت بينهما الحقيقة فلم يعد لها وجود ، رأيت الدنيا تتلون بألوان المكر فلم أعرف ما هي ، أماه لقد شاهدت سماء تحبس النجوم والقمر كي لا تنير الليالي و تتخثر الظلمة ، رأيت ضباباً يطرح الغيوم أسيرة الجبروت كي لا تروي بدموعها ورود الرأفة والرحمة ، أماه لقد شاهدت الدهر وهو يجلس الباطل على عرش الملوك والورع يسكن الطرقات ، لقد رأيت دموع أيتام كأنها الجحيم ، أمهات ثاكلات ..جروحاً.. ألماً ..ظلماً..ليس له من نهاية !!)
أخذت الأم تجمع قواها كي تنهض وراحت تدير ظهرها وتمشي بخطوات ضعيفة وكأن ابنتها قد فتحت أبواب جروحها الموصدة بمفاتيح من كلمات غامضة ثم استدارت نحوها وقالت بصوت خافت: ألم تري من وراء كل هذا شمس تنير من وراء ستار ؟؟؟
أطرقت الفتاة رأسها وكأنها التقطت ما فر من ذاكرتها الصغيرة ثم صاحت بصوت مرتبك: أجل ..أجل لقد رأيتها !!!
تبسمت الأم وقالت : ستظهر يوماً ما لتنهي كل ما شاهدتِه....
فاطمة الاسدي
تعليق