كتب مصطفى بونيف
" العربي مولدا، لا أخلاقا!"
الكوميـــــديا البونيفيـــــــــــــــــة !!

النشيد (1) الجحيم
وجدت نفسي أسير في غابة مظلمة موحشة، حتى هالني منظر وحش ضخم، أطول وأثقل من الجبال، وقد نقشت على جبينه ثلاثة أحرف (ج، د،ع)، وسرعان ما انطلقت من فتحات أنفه ألسنة من النار، فركضت مذعورا بينما كانت الأرض تهتز على وقع خطواته وهو يركض ورائي ، ولم يوقفني سوى شبح رجل وسيم...لم أتعرف إليه في البداية حتى قال " من علمني كيف أقشر قلبي كالتفاحة لنساء الأرض..صرت له عبدا".
صرخت بغبطة ممزوجة بالخوف: أنت شاعري المفضل، أنت نزار قباني، ما الذي أتى بك إلى هذا المكان؟.
- أنا رفيقك في رحلتك هذه، لكن يجب أن تكون سريعا في الهروب فهناك ثلاثة وحوش أحدها الذي أنت هارب منه.
- الوحش الجدع؟.
- ليس جدعا يا ولدي ولو كان جدعا ما أدخلنا الله مكانا كهذا، إنه جامعة الدول العربية، صيّرها الله وحشا يدوس الأمة العربية، لقد كانت هذه الجامعة كابوسا عربيا، وهي في الآخرة وحش عملاق فاحذرها يا ابني.
- يا ويلي فكيف سيكون وحش هيئة الأمم المتحدة، والحلف الأطلسي.
- إن الشعوب العربية ستعاني من هذه الوحوش في الآخرة كما عانت منها في الدنيا لأنها شعوب خاسئة صامتة ضعيفة، شعوب يجمعها المزمار، ويفرقها العصا!.
وسرعان ما فوجئنا بوحش الأمم المتحدة يدركنا فركضنا حتى قفزنا في واد سحيق هو قعر الجحيم...
وجدنا نفسينا نقف أمام عمرو موسى ...
- مرحبا بكما في الجحيم!.
كانت أرض الجحيم تحرق أخمص قدميه فينط من صخرة إلى أخرى بحثا عن السلام، تماما كذلك السلام الذي كان يبحث عنه في الدنيا.
وفي أسفل مكان بالوادي كان بعض الحكام يتناولون خبزا بالزجاج والمسامير، وقد طبعت على جباههم كلمة ( مطبع).
يقف في منبر من نار ( أنور السادات) يخطب في الحكام خطبة ابليس في أهل النار " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم, ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي , إني كفرت بما أشركتموني من قبل , إن الظالمين لهم عذاب أليم "...
أنا رحت إلى إسرائيل واتنيلت وعملت تطبيع جايين ورايا ليه، هو أنا ضربت حد على إيده، وبعدين أنا فيه احتمال إني أروح للمطهر بالهيليكوبتر عشان أنا عندي إنجاز نصر أكتوبر73، هفوتكم بعافية.
يدنو منه ( الملك حسين) ..: من فضلك اشعل لي سيجارة!.
فقلت له: كل هذا الجحيم، وتبحث عن كبريت تولع به سيجارتك؟.
فأجابني نزار: هكذا كانت الشعوب العربية، شعوب عمياء يقودها مجانين!!.
ويقف في الجانب الآخر من ملوك الخليج جميعا يتوسطهم (الحريري) للاستثمار في الجحيم، وذلك لبناء مسابح ومصانع شامبو.
سألت نزار: من الذي قتله؟، لا بد أن الحقيقة قد تم الكشف عليها هنا.
ابتسم ساخرا: لا زالت لجنة التحقيق الدولية تبحث عن الجاني، وفي انتظار ذلك سيصدر قرار ظني باتهام حزب الله!.
وليس بعيدا عنهم ، شاهدنا كونداليزا رايس تلبس ملابس من الجلد الأسود، وتحمل في يدها سوطا تسلخ به جلد حكام العراق أثناء الاحتلال، الذين دخلوا على ظهر دبابة أميركية إلى بغداد، والآن تدوسهم عجلاتها في نار جهنم.
بينما يتوسط وديان الويل قصر من زوابع النار، به عرش تزحف به الثعابين والأفاعي، وعلى العرش يجلس جورج بوش وعلى رأسه عمامة سوداء...
- حكام العرب، يا أغبى المخلوقات، أكثر ما يتعسني ويعذبني أكثر من هذه الديدان التي تدخل من شرجي وتخرج من فتحتي أنفي أنكم معي....يا رب خذني إلى حجيم آخر مع فرعون وهامان والشيطان ولا تجعلني بين هؤلاء !.
وفي بحيرة من الدم يسبح شارون ..ثم تنزل عليه صخرة من السماء تهشم رأسه...ثم تجتمع جمجمته مرة أخرى، ويعود للسباحة مرة أخرى، وقد طبعت على جبينه نجمة داوود تحرقه.
كانت الوحوش الثلاثة تطاردنا حتى وصلنا إلى باب من الفضة.
نزار قباني: إنها بوابة المطهر، هنا سنرى من الشخصيات والحكام من لا يستحقون عذاب الجحيم ولا نعيم الفردوس.
النشيد(2) المطهر
الجو في هذا المكان بارد ومظلم، لا صوت فيه سوى حفيف الأشجار العالية وبعض البوم والغربان، ونهر ماؤه عذب لكنه لا يبعث على أي نوع من السعادة في القلب.
ذهبنا أنا ونزار إلى مكان يجلس فيه حكام العرب ..وكان بينهم (أبو عمار).
- عمي أبو عمار، ما الذي أتى بك إلى هنا، ألست شهيدا؟.
- يا ابني أحمد الله على أن مصيري آل إلى المطهر فلربما سأمر إلى الفردوس يوما. يا ليتني لم أضع يدي في يد إسحاق رابين.
همس نزار قباني في أذني: هنا هم يعذبون بالأمل لا بالألم، إن مجرد ترقبهم للدخول إلى الفردوس يقهرهم...ثم أجهش بالبكاء...
- ما بك يا عمي نزار؟.
- أنا معهم، لا يمكنني أن أذهب إلى الفردوس، إن بعض قصائدي أجلت فرحي...
قلت له: هذا مصير من يتبع النسوان طوال عمرهن مصدر شقاء..ستجد الآن توفيق الحكيم والعقاد يستمتعان بحور العين ويكتبان فيهن الشعر، يبدو بأن حب حور الطين في الدنيا يحرم من حب حور العين في الآخرة !.
مسح نزار دمعته ثم قال غاضبا: توفيق الحكيم بحماره مع العقاد وطه حسين جميعهم في المطهر هنا..إن عدالة السماء تأبى أن يذهب أمثالهم إلى الفردوس بغير حساب..
- إذن، من هم الأدباء الذين دخلوا إلى الفردوس؟.
- لا أحد يا ولدي، لقد أخبرنا القرآن الكريم بأن الشعراء يتبعهم الغاوون...
همست في أذن نزار...وأنا أتلفت يمينا وشمالا:" أين يمكنني أن ألقاهم؟"
نزار مستغربا: - من تقصد يا ولدي؟.
تنحنحت: سلام قولا من رب رحيم، حكام البلد الذي أتيت منه.
- رؤساء بلادك كانوا يوما يحاربون الاستعمار الفرنسي في صفوف المجاهدين، جميعهم في المطهر إلا واحد استحق الدخول إلى الفردوس وستلتقي به هناك...
- والوزراء، ونواب البرلمان ورؤساء البلديات والولايات، لا تحرق قلبي وتقول لي بأنهم هم أيضا في المطهر، هؤلاء يجب أن تشوى جلودهم في الجحيم...ثم همست في أذنه و...هل هي معهم؟.
ضحك نزار وقال لي: اطمئن، إن لحمها يقدم (إسكالوب) إلى الزعماء والقادة والثوار...
وعلى مقربة من باب الفردوس شاهدت (الملك فاروق) وهو يجثو على ركبتيه يتوسل الباب أن يفتح...
- لم أكن سيئا، لقد حاربت الصهاينة، لكن الضباط الأحرار سرقوا مني الحكم، ثم باعوا البلاد..إن ثورة 52 أزاحت ملكا واحدا ونصبت اثنا عشرة ملكا فاسدا، أنا لم أقتل الشعب جوعا، وتركت العرش طائعا ولم أقبل بأن تراق قطرة دم واحدة، عاهدوني بالأمان ثم سرعان ما نكثوا عهدهم وقتلوني في إيطاليا، وشوهوا صورتي في رواياتهم وأفلامهم...
ثار غضبي: ألم تكن زير نساء، وسكارجي؟
أمسكني نزار من يدي ثم قال لي: مالك ومال النساء؟، إن الملك فاروق على مساوئه كان أفضل القبيح، على الأقل حارب إسرائيل بشجاعة، ولم يصنع جدارا من الفولاذ ليحاصر شعب غزة ويمنع عنهم الطعام والعلاج...إن مصر بشعبها وحضارتها قتلها حكامها الذين تواطئوا مع العدو.
- أين جمال عبد الناصر، لا تقل لي بأنه هنا أيضا؟.
- لا تقلق يا ولدي فعدالة السماء تأبى أن تضع رجلا رفع السلاح في وجه الصهاينة بإخلاص في الجحيم...
إن الحكام العرب الذين اصطفوا كالخرفان أمام المذبحة الصهيونية، سوف يذبحون في الجحيم في كل يوم ألف مرة...بل إن عذابهم أشد من العذاب الذي يصب على جسد عاهرة كانت تبيع جسدها للزناة والسكارى.
دنا مني نزار ثم مسح جبيني الذي كتب عليه حرف الألف سبع مرات ...
ثم قال لي الآن يمكنك أن تذهب إلى الفردوس، صل هناك ركعتين واسأل الله أن يعجل فرجه علينا، وسلم على الرجال هناك.
النشيد(3) الفردوس...
ما أجمل رائحة العطور التي تسرق الأنفاس ...وما أروع براعة حسن النساء ..حيث لا نانسي عجرم ولا هيفاء وهبي ...الجمال هنا طبيعي بدون نفخ ولا سليكون، وشعرت لوهلة بأن النساء اللائي كنت أراهن في الأرض لسن أكثر من نعجات مستنسخة...
مشيت في الفردوس ..أفتش عن شخصية عربية واحدة، لكنني قرأت في اللافتة بأن إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء والصديقين من الصحابة في أعلى الدرجات والمراتب.
رفعت رأسي لأرى شيخا يقرأ القرآن أمام نهر من العسل...إنه الشيخ أحمد ياسين...كانت هالة النور حوله تكاد أن تعمي عيني .
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رفع عينيه إلى وجهي ثم ابتسم : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابني.
ثم عاد إلى قراءة القرآن الكريم، وكأنه يريد أن يقول لي إن أفضل ما أكرمك به ضيفا هنا هو كلام الله...
وعلى مقربة منه كان الرنتيسي يحل الكلمات المتقاطعة من الجريدة..رفع رأسه ثم سألني
- شخصية عربية، يحكم البلد وليست في يده السلطة، ويقبل اليد التي تضربه وهي ليست يد أبيه، من هو؟
أجبته...هم كثيرون يا سيدي...ربما يكون أبو مازن؟
صرخ : صح، معك حق !
واصلت السير في هذا المكان البهيج...وأنا أقرأ من حولي أسماء القصور وأصحابها. هارون الرشيد، المعتصم، ابن رشد، ...حتى هالني قصر جميل حوله أشجار أغصانها من ذهب وثمارها تفاح ورمان كاللؤلؤ..إنه قصر حسن نصر الله..الذي خرج بلباس أبيض وفي يده عصا مكتوب عليها "ألا إن حزب الله هم الغالبون"...
سألني: كيف تركت الأرض يا صديقي؟
- تركتها أسيرة بالأغبياء، تركت لبنان غارقا في المآسي، ولا فرحة تأتي إلا من أصوات المطربين، تركت لبنان مأتما كبيرا للحريري، ولجان التحقيق والتحكيم تطلب رأسك بتهمة القتل..لماذا تدافع عن أمة بلا كرامة ؟...
- يا صديقي، لولا أنني حملت السلاح لأحارب خنازير اليهود ما وجدت لي قصرا في هذا المكان الجميل الذي لا يخطر على بال بشر...أنظر إلى اليمين هذا قصر مشعل، وذاك ملعب كبير لمحمد الدرة، وجبل كجبل لبنان للأطفال الذين ذبحوا في قانا وغزة.
مشيت في شارع طويل، وكانت تجذبني رائحة المسك...حتى تجلى أمامي رجل طويل القامة، قوي البنية يضع حبلا حول عنقه...كان الحبل أشهى من سلاسل الذهب..
ابتسم في وقار ثم قبل المصحف...ثم قال لي:
- عاش العراق، وعاشت فلسطين عربية حرة، وليخسأ الخاسئون.
ارتقيت إلى السماء في يوم العيد، فأهداني العدو عرسا هز السماء، تركت العملاء بلا كرامة...إن الجنة لا تفتح أبوابها إلا للرجال الذين قاوموا وصبروا....اذهب إلى الأرض وقل لهم...أن الله أعد للمقاومين جنات، حدائق وأعنابا.
مصطفى بونيف
تعليق