يد وقلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد الميموني
    مشرف في ملتقى القصة
    • 14-09-2008
    • 1533

    يد وقلم

    يد و قلم

    أذكر أني حلمت حلما مزعجا صار يؤرقني لليال عدة .. كان كابوسا بكل ما تحمله الكلمة من معنى . عزفت عن الأكل .. وعافت نفسي كل شيء . لا أستطيع محو صورة الصبي الذي انهار أمامي و أنا أؤنبه على عدم التزامه بالزي المدرسي و إهماله لواجباته المدرسية على غير عادته .. حدق في لحظة .. اغرورقت عيناه بالدموع .. نكس رأسه وهو ينظر وجلا إلى رفقائه الذين كتموا ضحكاتهم خوفا من العقاب .. ذكرني منظره بصبي آخر عنفته على رفضه الانصياع إلى أمري بالوقوف أمام السبورة .. لأكتشف في ما بعد أنه كان خجلا من أن تبدو فتحة سرواله من الخلف وبروز أصابع قدميه من حذائه المطاطي أمام زملائه .
    طاف بذهني كل هذا كلمح البصر .. لكني لم أشأ أن أتنازل عن موقفي من إهماله لاقتناعي بضرورة عقابه ولو بيسر حتى يكون عبرة للآخرين .. رغم أني كنت أحبه لهدوئه و شغفه بالتحصيل و الدرس .
    تناولت المسطرة الخشبية بينما مد يده الصغيرة وهي ترتجف .. كانت محمرة من البرد ، لأننا كنا في أواسط شهر يناير البارد . كانت ليلة حاكوزة التي يتمناها كل صغير ليتلقى الهدايا بدل قبضة من الفاكهة الجافة التي يضعونها تحت الوسادة .
    كان موقفي حرجا و تمنيت لو أن مسؤولا أو غيره يقتحم علينا الفصل ليشغلني عما كنت بصدده .. ربما كنت سأجد متسعا من الوقت لأنسى أو أتناسى ذلك الأمر .. لكن لا شيء حدث و لا أحد حدثته نفسه بزيارة الفصل ..
    كانت يداه تنظران إلي بضراعة كعينيه الصغيرتين .. رفعت المسطرة قليلا حتى لا تكون الضربة قاسية و نزلت برفق عليها .. لكنه أزاح يده بحركة غير إرادية .. تعالت بعض الضحكات الخافتة .. تصنعت الغضب و توعدته و الجميع بالويل و الثبور .. و أمسكت بيده الصغيرة كي لا يعاود الكرة .. وفجأة لفت نظري شحوب وجهه النحيل و جحوظ عينيه الضيقتين .. ثم انهار أمامي جثة هامدة ..
    لم ادر كيف حدث هذا ولماذا حدث . بل لم أعد أدري أين أنا ولا ما أفعل .. اختلط علي الأمر و اسودت الدنيا أمام عيني ولم أع بعد شيئا ، إلى أن وجدت نفسي جالسا على حافة السرير وقلبي ينبض بعنف بينما كان جسدي يتصبب عرقا ..
    حمدت الله أنه لم يكن سوى حلم و نهضت إلى الحمام متمتما بكلمات الشكر .. تمنيت لو لم يكن ذلك اليوم يوم إجازة و أخذت أستدني الوقت كي ألتحق بعملي لأربت على كتفيه أو أحضنه . ولم لا وقد اعتدت على معانقة صغاري كل صباح لنبدأ الدرس في جو بهيج .
    بعد انتظار شاق جاء اليوم المنتظر و كأنني انتظرت دهرا . ها أنذا رفقة أحبائي .. لكن صبرا .. أين هو؟ ولماذا لم يلتحق بعد بمقعده الشاغر؟ و جاءني الجواب سريعا من الوجوه الباكية التي علاها الوجوم . تمنيت لو أقبض على عنق ذاك السائق المجرم الذي حرمه أعز ما يملك .. قيل لي إن يده الصغيرة كانــت تمسك ، وهو ملقى في وسط الطـريق ، بقلم زاهي الألــوان . رباه .. هــو القلم الذي أهديته إياه يــوم حرر أحسن إنشاء بين التلاميذ .. نفس اليد التي كنت أهم بضربها .. ولو في المنام .
    ربما أخبرني البعض في ما بعد كيف انحنيت وأنا محاط بثلة من تلامذتي على الجسد المسجى في وداعة ، وكيف لثمت اليد الصغيرة وهي ترقد في صمت و سكينة على الصدر الصغير وقد توقفت أنفاسه بينما كان قلم زاهي الألوان يرقبنا على أريكة بالقرب منا .. قبل أن ينطلق الموكب الجنائزي وقد علا النحيب و الزغاريد .
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 25-12-2010, 21:44.
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    رشيد الميموني
    نص وبلا شك مؤثر
    اكره الفقر
    ذكرني بفتاة اسمها جميلة
    كانت فقيرة لدرجة أنها انهارت في يوم لشدة الجوع وسقطت وهي تدخل غرفة الصف
    وكنت أحيانا أضحك من جلوسها الخجل في الصف وعدم تحركها بحرية أثناء الفرصة
    لأكتشف أنها تخاف ذلك لأن ملابسها مرتقة كثيرا
    وكم كرهت نفسي
    كرهت ضحكتي المكتومة
    ولم أفعلها بعد ذاك اليوم مطلقا
    درس لن أنساه ماحييت
    قاسيا وموجعا
    ذكرتني به وأعدت مواجعي لي
    ودي ومحبتي لك

    أكره ربيع

    http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=67177
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • رشيد الميموني
      مشرف في ملتقى القصة
      • 14-09-2008
      • 1533

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      الزميل القدير
      رشيد الميموني
      نص وبلا شك مؤثر
      اكره الفقر
      ذكرني بفتاة اسمها جميلة
      كانت فقيرة لدرجة أنها انهارت في يوم لشدة الجوع وسقطت وهي تدخل غرفة الصف
      وكنت أحيانا أضحك من جلوسها الخجل في الصف وعدم تحركها بحرية أثناء الفرصة
      لأكتشف أنها تخاف ذلك لأن ملابسها مرتقة كثيرا
      وكم كرهت نفسي
      كرهت ضحكتي المكتومة
      ولم أفعلها بعد ذاك اليوم مطلقا
      درس لن أنساه ماحييت
      قاسيا وموجعا
      ذكرتني به وأعدت مواجعي لي
      ودي ومحبتي لك

      أكره ربيع

      http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=67177
      الأستاذة الكريمة و الزميلة عائدة ..
      ما قلته عن الفقر صائب مائة في المئة .. وخاصة في الوسط التربوي الذي غالبا ما يتأثر فيه الطالب أثناء مسيرته الدراسية بوضعه الاجتماعي ..
      يسعدني دائما مبادرتك إلى تشجيع ما أكتب و أنا ممتن لك بذلك .
      تقبلي باقة ورد عربونا على مودتي الأخوية .

      تعليق

      • فايزشناني
        عضو الملتقى
        • 29-09-2010
        • 4795

        #4

        جميل أن تكون العلاقة بين الطالب وأستاذه علاقة فيها هذا الكم من الاهتمام والمحبة
        وهذا التخاطر ولو في الحلم وتأنيب الضمير الحي للأستاذ حتى في الحلم يؤكد على عمق هذه العلاقة
        انا مازلت ككثيرين غيري أذكر أستاذ يعقوب في مدرستي الاعدادية وهو يلوح بعصاه ويضربنا كلما جاءته شكوى بحق أي منا .....نتذكره لأنه كان محباً بنفس الوقت وليست هوايته الضرب
        تحية لك أخي رشيد
        وجدت متعة وأنا أقرأ نصك الجميل
        مع كل الود
        هيهات منا الهزيمة
        قررنا ألا نخاف
        تعيش وتسلم يا وطني​

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          أحب مثل هذه النصوص عن الصف و المدرسة و التعليم..
          ربما لاشتغالي بالتدريس مدة طويلة..
          حزينة القصة و مؤثرة..
          سعدت بالقراءة لك.
          تحيّتي.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • رشيد الميموني
            مشرف في ملتقى القصة
            • 14-09-2008
            • 1533

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة فايزشناني مشاهدة المشاركة
            جميل أن تكون العلاقة بين الطالب وأستاذه علاقة فيها هذا الكم من الاهتمام والمحبة
            وهذا التخاطر ولو في الحلم وتأنيب الضمير الحي للأستاذ حتى في الحلم يؤكد على عمق هذه العلاقة
            انا مازلت ككثيرين غيري أذكر أستاذ يعقوب في مدرستي الاعدادية وهو يلوح بعصاه ويضربنا كلما جاءته شكوى بحق أي منا .....نتذكره لأنه كان محباً بنفس الوقت وليست هوايته الضرب
            تحية لك أخي رشيد
            وجدت متعة وأنا أقرأ نصك الجميل
            مع كل الود
            الأخ الغالي فايز ..
            أولا أحييك و أرحب بك على متصفحي الذي تألق بزيارتك .
            ما قلته هو الصواب .. فالعلاقة بين المدرس و تلامذته يجب أن تكون علاقة محبة قبل أن تكون مجرد تلقين من هذا و تلقي من ذاك ..
            يمتعني الغوص في مثل هذع الحالات التي كثيرا ما تثير شجوني و أنا اعيش نبضات الصغار و المراهقين من حولي في الفصل ..
            شكرا لك من اعماق القلب .

            تعليق

            • رشيد الميموني
              مشرف في ملتقى القصة
              • 14-09-2008
              • 1533

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
              أحب مثل هذه النصوص عن الصف و المدرسة و التعليم..
              ربما لاشتغالي بالتدريس مدة طويلة..
              حزينة القصة و مؤثرة..
              سعدت بالقراءة لك.
              تحيّتي.
              الأخت الكريمة آسيا ..
              و أنا أسعد بمرورك و ثنائك على قصتي المتواضعة ..
              لا أخفيك أختي أنني كلما قرأتها اغرورقت عيني بالدموع ..
              كوني دوما بالجوار ، فمرورك يسعدني و يحفزني .
              مودتي

              تعليق

              • عكاشة ابو حفصة
                أديب وكاتب
                • 19-11-2010
                • 2174

                #8
                *** حلم , يد , قلم ومنية. ***

                المشاركة الأصلية بواسطة رشيد الميموني مشاهدة المشاركة
                يد و قلم


                أذكر أني حلمت حلما مزعجا صار يؤرقني لليال عدة .. كان كابوسا بكل ما تحمله الكلمة من معنى . عزفت عن الأكل .. وعافت نفسي كل شيء . لا أستطيع محو صورة الصبي الذي انهار أمامي و أنا أؤنبه على عدم التزامه بالزي المدرسي و إهماله لواجباته المدرسية على غير عادته .. حدق في لحظة .. اغرورقت عيناه بالدموع .. نكس رأسه وهو ينظر وجلا إلى رفقائه الذين كتموا ضحكاتهم خوفا من العقاب .. ذكرني منظره بصبي آخر عنفته على رفضه الانصياع إلى أمري بالوقوف أمام السبورة .. لأكتشف في ما بعد أنه كان خجلا من أن تبدو فتحة سرواله من الخلف وبروز أصابع قدميه من حذائه المطاطي أمام زملائه .
                طاف بذهني كل هذا كلمح البصر .. لكني لم أشأ أن أتنازل عن موقفي من إهماله لاقتناعي بضرورة عقابه ولو بيسر حتى يكون عبرة للآخرين .. رغم أني كنت أحبه لهدوئه و شغفه بالتحصيل و الدرس .
                تناولت المسطرة الخشبية بينما مد يده الصغيرة وهي ترتجف .. كانت محمرة من البرد ، لأننا كنا في أواسط شهر يناير البارد . كانت ليلة حاكوزة التي يتمناها كل صغير ليتلقى الهدايا بدل قبضة من الفاكهة الجافة التي يضعونها تحت الوسادة .
                كان موقفي حرجا و تمنيت لو أن مسؤولا أو غيره يقتحم علينا الفصل ليشغلني عما كنت بصدده .. ربما كنت سأجد متسعا من الوقت لأنسى أو أتناسى ذلك الأمر .. لكن لا شيء حدث و لا أحد حدثته نفسه بزيارة الفصل ..
                كانت يداه تنظران إلي بضراعة كعينيه الصغيرتين .. رفعت المسطرة قليلا حتى لا تكون الضربة قاسية و نزلت برفق عليها .. لكنه أزاح يده بحركة غير إرادية .. تعالت بعض الضحكات الخافتة .. تصنعت الغضب و توعدته و الجميع بالويل و الثبور .. و أمسكت بيده الصغيرة كي لا يعاود الكرة .. وفجأة لفت نظري شحوب وجهه النحيل و جحوظ عينيه الضيقتين .. ثم انهار أمامي جثة هامدة ..
                لم ادر كيف حدث هذا ولماذا حدث . بل لم أعد أدري أين أنا ولا ما أفعل .. اختلط علي الأمر و اسودت الدنيا أمام عيني ولم أع بعد شيئا ، إلى أن وجدت نفسي جالسا على حافة السرير وقلبي ينبض بعنف بينما كان جسدي يتصبب عرقا ..
                حمدت الله أنه لم يكن سوى حلم و نهضت إلى الحمام متمتما بكلمات الشكر .. تمنيت لو لم يكن ذلك اليوم يوم إجازة و أخذت أستدني الوقت كي ألتحق بعملي لأربت على كتفيه أو أحضنه . ولم لا وقد اعتدت على معانقة صغاري كل صباح لنبدأ الدرس في جو بهيج .
                بعد انتظار شاق جاء اليوم المنتظر و كأنني انتظرت دهرا . ها أنذا رفقة أحبائي .. لكن صبرا .. أين هو؟ ولماذا لم يلتحق بعد بمقعده الشاغر؟ و جاءني الجواب سريعا من الوجوه الباكية التي علاها الوجوم . تمنيت لو أقبض على عنق ذاك السائق المجرم الذي حرمه أعز ما يملك .. قيل لي إن يده الصغيرة كانــت تمسك ، وهو ملقى في وسط الطـريق ، بقلم زاهي الألــوان . رباه .. هــو القلم الذي أهديته إياه يــوم حرر أحسن إنشاء بين التلاميذ .. نفس اليد التي كنت أهم بضربها .. ولو في المنام .
                ربما أخبرني البعض في ما بعد كيف انحنيت وأنا محاط بثلة من تلامذتي على الجسد المسجى في وداعة ، وكيف لثمت اليد الصغيرة وهي ترقد في صمت و سكينة على الصدر الصغير وقد توقفت أنفاسه بينما كان قلم زاهي الألوان يرقبنا على أريكة بالقرب منا .. قبل أن ينطلق الموكب الجنائزي وقد علا النحيب و الزغاريد .

                [frame="11 98"]

                نص قصصي جميل وحزين في نفس الآن, أعادني للأربعة عقود الى الوراء. نفس الأوصاف المذكورة كانت تنطبق على الفصول الدراسية التي مريت بها رفقة مجموعة من الأصدقاء منهم من غاب ومنهم من لازال موجود... أعادني النص كذلك, الى أيام الدراسة التي كان يقطع فيها التلميذ عدة أميال, بمشقتها وأخطارها, ليتحق في جو قارس بفصل الدراسة .التلميذ يعاني والمعلم كذلك, لكن بحب غير مادي.
                لقد أحسنت أستاذي في نقل هذه الصورة التي يغفل عليها جيل اليوم. جيل النقل المدرسي وألعاب -البلاي ستايشن- ووو . تلميذ يغلبه الخجل لأن سروله ليس على أحسن ما يرام بسبب الفقر, - نعل يضحك - غياب التدفئة والمطعم المدرسي ... ومع ذلك مجتهد يتحصل على الهدية من يد المعلم بعد التفوق لقد استبذلت الهدية بالنقطة الحسنة حاليا , في ظل التعليم الخصوصي يهتم باللغة الأجنبية , سيارة ومرافقة تحسن فن الاستجداء في زمان خروج المراءة الى العمل. هناك فرق بين الأمس واليوم لا أستطيع تقيمه.
                نهاية مؤلمة لتلميذ كان مجتهدا محافظا على الهدية يجمع ما بين الدراسة ومساعدة الأب في الحقول والرعي ,هكذا كان جيل الأمس. أما جيل اليوم فهناك فرق. كانت هذه طلتي على هذه القصة و السلام عليكم.

                [/frame]
                [frame="1 98"]
                *** حفصة الغالية أنت دائما في أعماق أعماق القلب, رغم الحرمان...فلا مكان للزيارة ما دمت متربعة على عرش القلب.
                ***
                [/frame]

                تعليق

                • عكاشة ابو حفصة
                  أديب وكاتب
                  • 19-11-2010
                  • 2174

                  #9
                  *** حلم , يد , قلم ومنية. ***

                  المشاركة الأصلية بواسطة رشيد الميموني مشاهدة المشاركة
                  يد و قلم


                  أذكر أني حلمت حلما مزعجا صار يؤرقني لليال عدة .. كان كابوسا بكل ما تحمله الكلمة من معنى . عزفت عن الأكل .. وعافت نفسي كل شيء . لا أستطيع محو صورة الصبي الذي انهار أمامي و أنا أؤنبه على عدم التزامه بالزي المدرسي و إهماله لواجباته المدرسية على غير عادته .. حدق في لحظة .. اغرورقت عيناه بالدموع .. نكس رأسه وهو ينظر وجلا إلى رفقائه الذين كتموا ضحكاتهم خوفا من العقاب .. ذكرني منظره بصبي آخر عنفته على رفضه الانصياع إلى أمري بالوقوف أمام السبورة .. لأكتشف في ما بعد أنه كان خجلا من أن تبدو فتحة سرواله من الخلف وبروز أصابع قدميه من حذائه المطاطي أمام زملائه .
                  طاف بذهني كل هذا كلمح البصر .. لكني لم أشأ أن أتنازل عن موقفي من إهماله لاقتناعي بضرورة عقابه ولو بيسر حتى يكون عبرة للآخرين .. رغم أني كنت أحبه لهدوئه و شغفه بالتحصيل و الدرس .
                  تناولت المسطرة الخشبية بينما مد يده الصغيرة وهي ترتجف .. كانت محمرة من البرد ، لأننا كنا في أواسط شهر يناير البارد . كانت ليلة حاكوزة التي يتمناها كل صغير ليتلقى الهدايا بدل قبضة من الفاكهة الجافة التي يضعونها تحت الوسادة .
                  كان موقفي حرجا و تمنيت لو أن مسؤولا أو غيره يقتحم علينا الفصل ليشغلني عما كنت بصدده .. ربما كنت سأجد متسعا من الوقت لأنسى أو أتناسى ذلك الأمر .. لكن لا شيء حدث و لا أحد حدثته نفسه بزيارة الفصل ..
                  كانت يداه تنظران إلي بضراعة كعينيه الصغيرتين .. رفعت المسطرة قليلا حتى لا تكون الضربة قاسية و نزلت برفق عليها .. لكنه أزاح يده بحركة غير إرادية .. تعالت بعض الضحكات الخافتة .. تصنعت الغضب و توعدته و الجميع بالويل و الثبور .. و أمسكت بيده الصغيرة كي لا يعاود الكرة .. وفجأة لفت نظري شحوب وجهه النحيل و جحوظ عينيه الضيقتين .. ثم انهار أمامي جثة هامدة ..
                  لم ادر كيف حدث هذا ولماذا حدث . بل لم أعد أدري أين أنا ولا ما أفعل .. اختلط علي الأمر و اسودت الدنيا أمام عيني ولم أع بعد شيئا ، إلى أن وجدت نفسي جالسا على حافة السرير وقلبي ينبض بعنف بينما كان جسدي يتصبب عرقا ..
                  حمدت الله أنه لم يكن سوى حلم و نهضت إلى الحمام متمتما بكلمات الشكر .. تمنيت لو لم يكن ذلك اليوم يوم إجازة و أخذت أستدني الوقت كي ألتحق بعملي لأربت على كتفيه أو أحضنه . ولم لا وقد اعتدت على معانقة صغاري كل صباح لنبدأ الدرس في جو بهيج .
                  بعد انتظار شاق جاء اليوم المنتظر و كأنني انتظرت دهرا . ها أنذا رفقة أحبائي .. لكن صبرا .. أين هو؟ ولماذا لم يلتحق بعد بمقعده الشاغر؟ و جاءني الجواب سريعا من الوجوه الباكية التي علاها الوجوم . تمنيت لو أقبض على عنق ذاك السائق المجرم الذي حرمه أعز ما يملك .. قيل لي إن يده الصغيرة كانــت تمسك ، وهو ملقى في وسط الطـريق ، بقلم زاهي الألــوان . رباه .. هــو القلم الذي أهديته إياه يــوم حرر أحسن إنشاء بين التلاميذ .. نفس اليد التي كنت أهم بضربها .. ولو في المنام .
                  ربما أخبرني البعض في ما بعد كيف انحنيت وأنا محاط بثلة من تلامذتي على الجسد المسجى في وداعة ، وكيف لثمت اليد الصغيرة وهي ترقد في صمت و سكينة على الصدر الصغير وقد توقفت أنفاسه بينما كان قلم زاهي الألوان يرقبنا على أريكة بالقرب منا .. قبل أن ينطلق الموكب الجنائزي وقد علا النحيب و الزغاريد .

                  [frame="11 98"]

                  نص قصصي جميل وحزين في نفس الآن, أعادني للأربعة عقود الى الوراء. نفس الأوصاف المذكورة كانت تنطبق على الفصول الدراسية التي مريت بها رفقة مجموعة من الأصدقاء منهم من غاب ومنهم من لازال موجود... أعادني النص كذلك, الى أيام الدراسة التي كان يقطع فيها التلميذ عدة أميال, بمشقتها وأخطارها, ليتحق في جو قارس بفصل الدراسة .التلميذ يعاني والمعلم كذلك, لكن بحب غير مادي.
                  لقد أحسنت أستاذي في نقل هذه الصورة التي يغفل عليها جيل اليوم. جيل النقل المدرسي وألعاب -البلاي ستايشن- ووو . تلميذ يغلبه الخجل لأن سروله ليس على أحسن ما يرام بسبب الفقر, - نعل يضحك - غياب التدفئة والمطعم المدرسي ... ومع ذلك مجتهد يتحصل على الهدية من يد المعلم بعد التفوق لقد استبذلت الهدية بالنقطة الحسنة حاليا , في ظل التعليم الخصوصي يهتم باللغة الأجنبية , سيارة ومرافقة تحسن فن الاستجداء في زمان خروج المراءة الى العمل. هناك فرق بين الأمس واليوم لا أستطيع تقيمه.
                  نهاية مؤلمة لتلميذ كان مجتهدا محافظا على الهدية يجمع ما بين الدراسة ومساعدة الأب في الحقول والرعي ,هكذا كان جيل الأمس. أما جيل اليوم فهناك فرق. كانت هذه طلتي على هذه القصة و السلام عليكم.

                  [/frame]
                  [frame="1 98"]
                  *** حفصة الغالية أنت دائما في أعماق أعماق القلب, رغم الحرمان...فلا مكان للزيارة ما دمت متربعة على عرش القلب.
                  ***
                  [/frame]

                  تعليق

                  • سامر عبد الكريم
                    أديب وكاتب
                    • 22-11-2010
                    • 95

                    #10
                    الصديق ..رشيد الميموني..
                    تحية لليد التي سطرت وللقلم الذي استجاب ..فكانت قصة رائعة ..في سردها و مضمونها..
                    القصة تؤكد على فكرة مهمة للغاية ..العلاقة بين المعلم وطلابه ..بعيداً عن استخدام العنف والضرب ...
                    قبل أن ينطلق الموكب الجنائزي وقد علا النحيب و الزغاريد .
                    لماذا الزغاريد..؟؟
                    تحية لك
                    ‪http://‬www.shurofat.blogspot.com
                    http://shurofat.blogspot.com

                    تعليق

                    • رشيد الميموني
                      مشرف في ملتقى القصة
                      • 14-09-2008
                      • 1533

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عكاشة ابو حفصة مشاهدة المشاركة
                      [frame="11 98"]

                      نص قصصي جميل وحزين في نفس الآن, أعادني للأربعة عقود الى الوراء. نفس الأوصاف المذكورة كانت تنطبق على الفصول الدراسية التي مريت بها رفقة مجموعة من الأصدقاء منهم من غاب ومنهم من لازال موجود... أعادني النص كذلك, الى أيام الدراسة التي كان يقطع فيها التلميذ عدة أميال, بمشقتها وأخطارها, ليتحق في جو قارس بفصل الدراسة .التلميذ يعاني والمعلم كذلك, لكن بحب غير مادي.
                      لقد أحسنت أستاذي في نقل هذه الصورة التي يغفل عليها جيل اليوم. جيل النقل المدرسي وألعاب -البلاي ستايشن- ووو . تلميذ يغلبه الخجل لأن سروله ليس على أحسن ما يرام بسبب الفقر, - نعل يضحك - غياب التدفئة والمطعم المدرسي ... ومع ذلك مجتهد يتحصل على الهدية من يد المعلم بعد التفوق لقد استبذلت الهدية بالنقطة الحسنة حاليا , في ظل التعليم الخصوصي يهتم باللغة الأجنبية , سيارة ومرافقة تحسن فن الاستجداء في زمان خروج المراءة الى العمل. هناك فرق بين الأمس واليوم لا أستطيع تقيمه.
                      نهاية مؤلمة لتلميذ كان مجتهدا محافظا على الهدية يجمع ما بين الدراسة ومساعدة الأب في الحقول والرعي ,هكذا كان جيل الأمس. أما جيل اليوم فهناك فرق. كانت هذه طلتي على هذه القصة و السلام عليكم.

                      [/frame]
                      الأستاذ عكاشة ..
                      أسعدني مرورك على متصفحي و تجاوبك مع أحداث القصة مع تحليل اهدافها ..
                      طلتك ضوعت المتصفح شذا و عبيرا .. و أرجو ألا تكون الأخيرة
                      دمت بكل الود

                      تعليق

                      • رشيد الميموني
                        مشرف في ملتقى القصة
                        • 14-09-2008
                        • 1533

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة سامر عبد الكريم مشاهدة المشاركة
                        الصديق ..رشيد الميموني..
                        تحية لليد التي سطرت وللقلم الذي استجاب ..فكانت قصة رائعة ..في سردها و مضمونها..
                        القصة تؤكد على فكرة مهمة للغاية ..العلاقة بين المعلم وطلابه ..بعيداً عن استخدام العنف والضرب ...


                        لماذا الزغاريد..؟؟
                        تحية لك
                        ‪http://‬www.shurofat.blogspot.com
                        أخي الكريم أستاذ سامر ..
                        دعني أعبر لك في البداية عن عظيم امتناني وجزيل شكري على مرورك و ثنائك على القصة ..
                        ربما كان الضرب مثار جدال ونقاش مستفيض ، لكني أقتصر على العلاقة بين الطالب و مدرسه التي يجب أن يطبعها الوئام و الحب و التفهم خاصة من طرف المدرس الذي عليه أن يصغي لنبضات طلابه و يقترب منهم أكثر .
                        في عاداتنا أخي ، وربما في الشمال فقط ، عندما يرحل شخص دون أن يكون قد بلغ الرشد أو تزوج فإن جنازته تشيع كما يزف العريس ..
                        بل هناك من يلبس الفتاة المتوفاة حلة العرس تعويضا لها عما فاتها في الحياة الدنيا .
                        وينشد الحشد في موكب مهيب :
                        تشفع يارسول الله فينا //// فما نرجو الشفاعة من سواكا
                        تقبل كل مودتي

                        تعليق

                        يعمل...
                        X