الغالي ثروت سليم شاعر الحرف الجميل
سأطبق بعض قواعد علم النص على قصيدتك
الجميلة فنقد النص يطبق اولا على القمم حتى
نستأنس به ليصبح طريقة معالجة النصوص
لغيرهم :
- في القسم الأول والبيت الأول من القصيدة
تسيطر الأنا الطاغية على مجريات الأمور وتوجه
النص نحو تعميق الشعور بمحسوسات ، تبدأ
شاعرنا بشعورك : أشعر ، فأعود ، أسمع ،
تسكرني ، أشعر ، أسمع .
هذه الأفعال التي كتبها الشاعر بحسه انثالت دون
قصد لأن الشعر لا يكتب قصدا وإنما يتدفق من الحس
وغالبا من العقل اللاواعي ، وقد تحرك الشاعر في
بعدين هنا وهكذا عادة شعر الحب تتدافع حروفه بين
الأنا وأنت مستغلا الحركة الحرة في الزمان هنا دون
المكان فهو كرجل يريد العودة للطفولة بذكاء ليستقر
مدللا على المكان المفضل لديه ( فأعودُ لصدركِ طِفلاً يَهذي )
فيستعمل لفظا خارج حدود الأنا وأنت وهو يهذي ، فيتعمق النص
ليصبح له طعم التحليق في الزمكان لا فقط في الزمان وهذه لفتة
ذكية لحصول الشاعر (الطفل) على ما يريده الرجل !!
وتطفح كلماته بالتشبيهات باستعمال الكاف ، واستعمال الكاف
يجعل هامش الحركة ضيقا أمام الشاعر والصورة قليلة الإضاءة
ولو لم يستعمل الكافات لجعل الأفق أمامه أرحب فالكاف تجعل
نهايات الكلمات لها نهاية قريبة : فأفق ( أشعر همساتك كل مساء
عطرا ) أرحب من كالعطر ويلتصق الطرفان ويتوحدان فالكاف
هنا تمنع التوحد الذي تتوق له روح الشاعر وكينونته .
ثم يلتفت ( معنى يلتفت هو التفات نفسي وليس حركةجسدية )
لوعاء الحب ووعاء حركته فيذكر المطارات ويرسم خارطة
حركة تيارات الحب الدافئة لتلتقي روح المصري الحامل لحضارة
قديمة بروح حبيبته في العراق التي تحمل في روحها حضارة مشابهة
يحمل لها سر عطر المصري القديم المصنوع بخلطة سرية غاية في
السرية ليتمازج بهمس حبيبته وهو ليس همسا من نوع واحد بل هو
أنواع من الهاء حتى الواو يتناسب مع التفاعل المتماوج مع التصاق
واتحاد روحين والتكوينين البشريين اتحاد الروح والطين ولن أتعمق
هنا وأترك لخيال القاريء تخيل اتحاد التاء بالواو يساعده في ذلك
الخمر والروح والرضاب والهمسات واللمسات لينتهي الفعل والانفعال
بين البحر والبحار ، وبين الزورق والموج ومنارة تشجيع الزورق
ليذهب بتغميض العينين لا أعرف من طرف او منهما معا !!
أَشعُرُ هَمَسَاتِكِ كُلَ مسَاءْ
كالعطرِ يُصافِحُ أرجائي
كغديرِ المَاءْ
كثُمَالَةِ خَمرٍ تُسكِرُني
فأعودُ لصدركِ طِفلاً يَهذي
دُونَ بُكاءْ .
أسمعُ نغَماتكِ تَحمِلُني ...
لحضاراتٍ .. ومطاراتٍ
لمدائن بابل والحدبَاءْ
قَارورةَ عطرٍ قُربَ شِفَاهي
تُسكرُني دُونَ استثناءْ
أشعرُ هَمَساتِكِ تَسْحَرُني
كالدِفءِ يُحَاصِرُ أوصَالي
في لَيلِ شِتَاءْ
كبَلابلِ حُبٍ عَاشِقةٍ
راحَتْ تَتَغنَّى في هَمْسٍ
والهَمسُ غِنَاءْ
مابينَ شِفاهِك تُسْكِرُني
ثاءٌ ...والرَاءْ
وبوَردِ خُدودِكِ حرَفُ الواوِ
يُغازلُ في اسمي حرفَ التاءْ
*****
أسمعُ هَمَساتِكِ في قلبي
ليلاً ونَهارْ
ويَذوبُ الشِّعرُ على شَفَتي
والبَدرُ يَغَارْ
وبأولِ بَيتٍ مِن شَفَتَيكِ
رضابٌ ... شَهدٌ
وردٌ ..نَارْ
وبآخرِ بَيتٍ تَحتَ الرمشِ
يَنامُ اللؤلؤُ والمَحِّارْ
ويُشَاكَسُني.. ويُحَدِّثُني
عن أجمَلِ سِرٍ في الأَسرارْ
أشعرُ لمساتِكِ يَسكُنُهَا
عِطُر الأزهارْ
والبحرُ رفيقي في سَفري
لَكِنْ عَينيكِ تُعَلِّمُني
سِرَ الإبحارْ
*******
أسمَعُ همسَاتِكِ غَاليتي
وأتوقف هنا حتى لا أطيل على القاريء
وأترك له التحليق في فضاءات الشاعر
نظرا لطول القصيدة الجميلة التي تستحق التثبيت
منذ اللحظة الأولى !!

مابينَ شِفاهِك تُسْكِرُني
ثاءٌ ...والرَاءْ
وبوَردِ خُدودِكِ حرَفُ الواوِ
يُغازلُ في اسمي حرفَ التاءْ

وقفت هنا طويلا وأنا أتأمل هذا الجمال العاشق الذي يترنح ما بين الثاء والراء
, ويهيم بوردة الخدود الحمراء , ليغازل من اسمه الجميل الذي ينتهي بحرف التاء ....

لله درك أخي الكريم والشاعر المبدع
ثروت سليم
والله لا أكتم عليك دائما أجد لسان قلمي حائر , ولا يستطيع أن يتجاوز بهاء ما بين عبق حروفك ,وثروة عبارات كنوزك ....
إنها بحق همس القمر وهو يروي لنا قصة أشعاره وروايته مع التي ملكت عرش قلبه , ويشدو بأعذب الألحان والأنغام التي يسعد ويطرب بها كل من سمعها ...
فلا تحرمنا يا أخي الكريم ثروت
من هذا الجمال الفياض على صفحات الملتقى من خلال ردودك ومشاركاتك
ودمت بألف خير

*****

قبل أسابيع ، أيام كنت منغرسا على سرير أبيض ، زارني صديق حاملا ً لي كتابا ً جديدا ... حينها غدت غرفة المشفى ، وكأنها حديقة خرافية الزهور ـ لدرجة أنني نسيت ما حولي من ورود ...

ما الذي أريد قوله من سطوري هذه ؟

الذي أريد قوله ، هو : على العشاق الذين يريدون تقديم هدية الى حبيباتهم صبيحة عيد الحب أو عشية لقاء مرتقب ، أن يحملوا لهنّ مثل هذه القصيدة ـ فثروت شاعر يكتب بالعطر ـ ولا ثمة امرأة في الكون لا تحب العطر .

الله الله يا استاذ ثروت رائعة ورائع كما عهدنا منك ..
كلمات رقيقة وعذب سحرها ومفرداتها

دمت للملتقى ودام الملتقى بك ..



لقد قمت في الاقتباس بتعديل ( المْحِّار) الى ( المَحَّار )