إيمان في مدينة الإيمان
أجبروها على ركوب سيارة بيضاء سارت بسرعة جنونية نحو وجهة مجهولة، لم يعرف عنها وعن مصيرها شيء، ولم يبق من ذكراها سوى كلمتها، سيأخذونني إلى الحبس، لأنها متهمة، أفرطت في الشرب، وربما أصابها مس الجنون.
حملت حقيبتها وصفّت شعرها الأسود الطويل، أسدلته على كتفيها، وقصدت مدينة الأنوار والعلم والحكمة، لقد سمعت عنها الكثير، سمعت أن أهلها محاربون أبطال، يواجهون حروبا مقدسة، حروب الصليب، يقودها صلاح الدين وجنوده الميامين.
كانت الطريق طويلة، تتعرج بين كثبان الرمال وصخب الأمواج العابثة، أزعجها الهدوء، راقبت عيناها اتساع الصحراء وطول مدى السراب، أفواج الطيور تعلو وتتوارى بين الروابي والكثبان.
- ما أوسعك يا وطني!
- ما أجمل رملك الناعم الذهبي!
- ما أبهج هواءك، ماءك، جمالك ، خضرتك، سحرك، يا وطني!!
- ما أبهج هواءك، ماءك، جمالك ، خضرتك، سحرك، يا وطني!!
هامت في حبها حتى غفت، واستسلمت لنوم عميق، لم تعكّر رقدتها تمايلات المركبة ولا أزعجها هديرها، رأت في حلمها الجميل أهوالاً تهدد المدينة المشعة بالأضواء، صافحتها فتاة بريئة، غاية في الجمال والوداعة والرقة، يشع وجهها بالبياض، وتتجلى على تقاسيمه إشراقات روحها البريئة، رافقتها الرحلة، وشاركتها الحلم الجميل.
فجأة، أوقفت الرحلة بعد وقت طويل، عند مدخل المدينة المقدسة، صعد المركبة رجال يتعممون بالصليب، تقدّم أحدهم بزي عسكري، دقق في الهويات الثبوتية، حدق النظر واصطحب الفتاة القادمة من الزمن الكئيب، أنزلها برفق، فتشوها، ثم أركبوها السيارة للتحقيق.
انتظرتها وهي تتوجس خوفا، دعت الله أن يطيل نومتها حتى تعرف مصيرها، لكنها استفاقت على آهات صراخها، اغتصبوني، اغتصبوني، لأني من مدينة الظلام المحطمة، رمت جسدها المنهك أمام العيون المترقبة، بجروحه، وكدماته، في مشهد انكساري مريع، تقتلها، تخنقها، تهيّج أعصابها لوعة القهر المرير.
أخذوها من جديد، وقد لا تعود، لأنه ثبت عليها الجنون من كثرة معاقرة الشرْب
إهداء: لـ.إيمان العبيدي
التاريخ:2011/03/23.
تعليق