تملكني الخوف وأصبح زادي الدائم ...أغمض عليه أجفاني وأستنشقه مع أول نفس عندما أصحو....أصبت بالإدمان عليه، أطلب منه المزيد والمزيد، متظاهراً ببحثي عن الأمان إلا أني في الحقيقة أبحث عن ما يزيد تلك السكرة التي تزيغ القلب وتجمد ماء العيون وتحبس الهواء في الصدر.
كنت وأنا صغيرأسمع كغيري من جداتنا القصص المرعبة عن الجن والشياطين.......... فلان تعرض له شيطان ممتد من الأرض إلى السماء بعدها فقد عقله........عمّك فلان كان يسقي النخل وعند محبس القناة وجد جنية منعته من تحويل الماء لأنها تغسل ثياب أبنائها........فلان قبضت عليه "أم دويس" وابن فلانة صفعته "أم الصبيان".....لسبب لم أعرفه كنت أتفاعل معها بصورة أكثر من غيري، كان لكل جني أو شيطان أسمع به صورة واضحة في ذهني.
صرت في حوالي الثانية عشر ومازلت أعايش تلك الشخصيات بداخلي يومياً، بل كنت أتخيلها وأكلمها في وحدتي، صرت أحس بنشوة غريبة عند سماع دقات قلبي وهو يكاد يرتطم بجدران صدري وأنا أتخيل أن يخرج لي شيطان من مكان مظلم....أصررت في مرات عديدة أن أرافق أبي حين يكون دوره لسقي النخل ليلاً لعلي أجد تلك الجنية بقرب المحبس تسرح شعرها أو تغسل ثيابها.
أيضاً في تلك السن كانت لي أول تجربة حقيقية مع الجن وكانت مثيرة جداً، كانت هناك نخل قريبة من نخلنا ، وكان الناس يتجنبون المرور بجانبها ليلاً لكثرة الروايات عن رؤية الجن في تلك النخل وبالقرب منها، بالنسبة لي كانت تلك النخل مصدر إلهام وكنت كلما مررت عليها أرفع نفسي على أطراف أصابعي وأتعلق بالجدار وأجول ببصري في كل أرجائها باحثاً عن شيء مثير ، هذا كان في النهار أما في الليل فلم يكن يسمح لي بأي حال من الأحوال بالمرور بتلك النخل حتى كان ذلك اليوم......
ذلك اليوم كنا قد باشرنا بالانتقال إلى بيتنا الجديد خارج بساتين النخيل، كنت أنا وأمي في البيت الجديد نرتب الأشياء وأما أبي فقد رجع إلى البيت القديم ليأتي بأشياء أخرى.....لكنه تأخر كثيراًحتى بدأ الظلام يلف المكان، اشتد قلق أمي لتأخره.....أقنعت أمي أن تتركني أذهب لأستطلع أمر أبي وتبقى هي في البيت ، لم تنسى أمي بالطبع أن تختار لي الطريق الآمن داخل النخيل إلا أني كنت أفضل طريقاً غير التي أرشدتني لها.......ما إن دخلت منطقة البساتين حتى تضاعف الظلام ...وشيئاً فشيئاً ساد الهدوء إلا من أصوات حشرات الليل....وبالرغم من الظلام الشديد إلا أنه لم يكن صعباً علي رؤية العقارب على جدران الطين حين تضيق السكة بين البساتين....كانت ليلة هادئة وحارة من أيام القيظ....كانت دقات قلبي تتسارع كلما اقتربت من ذلك المكان المرعب الذي له جاذبية خاصة........وصلت الى جدار تلك النخل المسكونة، كنت أخشى أن يخرج الدم من أذني من شدة النبض....وقفت لثواني أستمع للصمت، اقتربت من الجدار ....قربت وجهي من الجدارلأتأكد من عدم وجود العقارب....اقتربت ورفعت نفسي على أطراف أصابعي وتعلقت بالجدار....
وقف شعر جسمي وأنا أنظر في ظلام تلك النخل المسكونة....لم أرى شيء، قررت النزول لأنظر من مكان آخر.....ما إن أطلقت يدي عن الجدار حتى سمعت ما أطار قلبي وعقلي....كنت متأكداً أن خلفي ثوراً ضخماً ينفخ من منخريه.....لم ألتفت لأنظر......تجمدت لثانية أو ثانيتين ثم أخذت أركض بكل قوتي في اتجاه نخلنا......كان الصوت ورائي على نفس المسافة مهما ركضت....كنت أسمع نفخ الثور وصوت الحلقة الحديدية التي في أنفه بكل وضوح، فقط كنت أنتظر أن أحس بقرنيه في ظهري......ركضت بكل ما أوتيت من قوة حتى وصلت الى باب نخلنا وما إندخلت حتى انقطع الصوت.
دخلت نخلنا وصرت أنادي على أبي بأعلى صوتي......جاوبني من آخر النخل وفهمت من كلامه مع أحد العمال أن إحدى البقرات قطعت الحبل وخرجت من الحظيرة وهم يحاولون إعادتها... طلب مني بسرعة أن آتيه بحبل كان قد وضعه عند نخلة قريبة من حظيرة البقر، ما أن مددت يدي أبحث عن الحبل في الظلام عند أصل النخلة حتى إرتدت اليّ يدي وأنا أصرخ من الألم......لقد لدغتني عقرب كانت على الحبل المكوم أسفل النخلة......حملني أبي إلى البيت وأنا أعاني من ألم اللدغة ومع هذا أحس بنشوة تلك التجربة وذلك اللقاء الأول مع الجن.
لم أخبر أحداً بما حصل وبقيت أتحين الفرصة لتجربة أخرى عند تلك النخل المسكونة وأنا كلي شوق لتجربة جديدة .........
لم تطل الأيام حتى بدأ تطور آخر، بدأت أرى في نومي فتاة في مثل عمري تلعب معي وتتجول معي في البيت، كنت أراها بشكل متقطع ثم أصبحت أراها كل ليلة ، ثم أصبحت صديقتي العزيزة ثم تعلقت بها بشدة ، أنتظر وقت النوم بفارغ الصبر.......كنا نلعب ونفعل كل ما يفعله الصبيان في ذلك العمر وكل هذا أثناء نومي وكأنه بوعي كامل مني، كانت تخبرني عن أشياء اجهلها مثل المكان الذي تخبئ فيه أمي عني الأشياء.........إذا ضاع عنا شيء من البيت فإني أدلهم عليه في الصباح بعد أن أكون قد سألتها......
مرت الأيام والشهور والسنون وتلك الجنية لا تفارقني، وكما كانت ترافقني في منامي أصبحت بعد ذلك ترافقني في يقظتي إذا خلوت وحدي......كانت تأتيني على نفس الصورة التي تأتيني بها في الحلم ، وفي أحيان تكون أمي نائمة معي كأن أكون مريضاً كانت تتسلل إلى فراشي في الظلام على شكل قطة ناعمة .....كانت قدرتها على التشكل عجيبة والاكثر عجباً منها هو إدراكها لخيالاتي.....كنت على سبيل المثال أرى فتاة في التلفاز فأعجب بها فما تلبث جنيتي إلا أن تأتيني على صورة تلك الفتاة.
بعد حوالي خمس سنين من رفقتي بتلك الجنية وفي إحدى الليالي طلبت مني أن أذهب معها لتريني عالم الجن......قلقت من تبرير غيابي عن البيت لوالدي لكنها أخبرتني أن مقاييس الزمن بين العالمين مختلفة كثيراً.....فكما أخبرتني فإن الشهور في عالم الجن لا تساوي ساعة واحدة في عالم الإنس.
بين العالمين، عالم الجن وعالم الإنس، هناك منافذ عبور محددة يعرفها الجن وأحد تلك المنافذ كان تلك النخل المسكونة ..........
للقصة بقية إن كان في العمر بقية
كنت وأنا صغيرأسمع كغيري من جداتنا القصص المرعبة عن الجن والشياطين.......... فلان تعرض له شيطان ممتد من الأرض إلى السماء بعدها فقد عقله........عمّك فلان كان يسقي النخل وعند محبس القناة وجد جنية منعته من تحويل الماء لأنها تغسل ثياب أبنائها........فلان قبضت عليه "أم دويس" وابن فلانة صفعته "أم الصبيان".....لسبب لم أعرفه كنت أتفاعل معها بصورة أكثر من غيري، كان لكل جني أو شيطان أسمع به صورة واضحة في ذهني.
صرت في حوالي الثانية عشر ومازلت أعايش تلك الشخصيات بداخلي يومياً، بل كنت أتخيلها وأكلمها في وحدتي، صرت أحس بنشوة غريبة عند سماع دقات قلبي وهو يكاد يرتطم بجدران صدري وأنا أتخيل أن يخرج لي شيطان من مكان مظلم....أصررت في مرات عديدة أن أرافق أبي حين يكون دوره لسقي النخل ليلاً لعلي أجد تلك الجنية بقرب المحبس تسرح شعرها أو تغسل ثيابها.
أيضاً في تلك السن كانت لي أول تجربة حقيقية مع الجن وكانت مثيرة جداً، كانت هناك نخل قريبة من نخلنا ، وكان الناس يتجنبون المرور بجانبها ليلاً لكثرة الروايات عن رؤية الجن في تلك النخل وبالقرب منها، بالنسبة لي كانت تلك النخل مصدر إلهام وكنت كلما مررت عليها أرفع نفسي على أطراف أصابعي وأتعلق بالجدار وأجول ببصري في كل أرجائها باحثاً عن شيء مثير ، هذا كان في النهار أما في الليل فلم يكن يسمح لي بأي حال من الأحوال بالمرور بتلك النخل حتى كان ذلك اليوم......
ذلك اليوم كنا قد باشرنا بالانتقال إلى بيتنا الجديد خارج بساتين النخيل، كنت أنا وأمي في البيت الجديد نرتب الأشياء وأما أبي فقد رجع إلى البيت القديم ليأتي بأشياء أخرى.....لكنه تأخر كثيراًحتى بدأ الظلام يلف المكان، اشتد قلق أمي لتأخره.....أقنعت أمي أن تتركني أذهب لأستطلع أمر أبي وتبقى هي في البيت ، لم تنسى أمي بالطبع أن تختار لي الطريق الآمن داخل النخيل إلا أني كنت أفضل طريقاً غير التي أرشدتني لها.......ما إن دخلت منطقة البساتين حتى تضاعف الظلام ...وشيئاً فشيئاً ساد الهدوء إلا من أصوات حشرات الليل....وبالرغم من الظلام الشديد إلا أنه لم يكن صعباً علي رؤية العقارب على جدران الطين حين تضيق السكة بين البساتين....كانت ليلة هادئة وحارة من أيام القيظ....كانت دقات قلبي تتسارع كلما اقتربت من ذلك المكان المرعب الذي له جاذبية خاصة........وصلت الى جدار تلك النخل المسكونة، كنت أخشى أن يخرج الدم من أذني من شدة النبض....وقفت لثواني أستمع للصمت، اقتربت من الجدار ....قربت وجهي من الجدارلأتأكد من عدم وجود العقارب....اقتربت ورفعت نفسي على أطراف أصابعي وتعلقت بالجدار....
وقف شعر جسمي وأنا أنظر في ظلام تلك النخل المسكونة....لم أرى شيء، قررت النزول لأنظر من مكان آخر.....ما إن أطلقت يدي عن الجدار حتى سمعت ما أطار قلبي وعقلي....كنت متأكداً أن خلفي ثوراً ضخماً ينفخ من منخريه.....لم ألتفت لأنظر......تجمدت لثانية أو ثانيتين ثم أخذت أركض بكل قوتي في اتجاه نخلنا......كان الصوت ورائي على نفس المسافة مهما ركضت....كنت أسمع نفخ الثور وصوت الحلقة الحديدية التي في أنفه بكل وضوح، فقط كنت أنتظر أن أحس بقرنيه في ظهري......ركضت بكل ما أوتيت من قوة حتى وصلت الى باب نخلنا وما إندخلت حتى انقطع الصوت.
دخلت نخلنا وصرت أنادي على أبي بأعلى صوتي......جاوبني من آخر النخل وفهمت من كلامه مع أحد العمال أن إحدى البقرات قطعت الحبل وخرجت من الحظيرة وهم يحاولون إعادتها... طلب مني بسرعة أن آتيه بحبل كان قد وضعه عند نخلة قريبة من حظيرة البقر، ما أن مددت يدي أبحث عن الحبل في الظلام عند أصل النخلة حتى إرتدت اليّ يدي وأنا أصرخ من الألم......لقد لدغتني عقرب كانت على الحبل المكوم أسفل النخلة......حملني أبي إلى البيت وأنا أعاني من ألم اللدغة ومع هذا أحس بنشوة تلك التجربة وذلك اللقاء الأول مع الجن.
لم أخبر أحداً بما حصل وبقيت أتحين الفرصة لتجربة أخرى عند تلك النخل المسكونة وأنا كلي شوق لتجربة جديدة .........
لم تطل الأيام حتى بدأ تطور آخر، بدأت أرى في نومي فتاة في مثل عمري تلعب معي وتتجول معي في البيت، كنت أراها بشكل متقطع ثم أصبحت أراها كل ليلة ، ثم أصبحت صديقتي العزيزة ثم تعلقت بها بشدة ، أنتظر وقت النوم بفارغ الصبر.......كنا نلعب ونفعل كل ما يفعله الصبيان في ذلك العمر وكل هذا أثناء نومي وكأنه بوعي كامل مني، كانت تخبرني عن أشياء اجهلها مثل المكان الذي تخبئ فيه أمي عني الأشياء.........إذا ضاع عنا شيء من البيت فإني أدلهم عليه في الصباح بعد أن أكون قد سألتها......
مرت الأيام والشهور والسنون وتلك الجنية لا تفارقني، وكما كانت ترافقني في منامي أصبحت بعد ذلك ترافقني في يقظتي إذا خلوت وحدي......كانت تأتيني على نفس الصورة التي تأتيني بها في الحلم ، وفي أحيان تكون أمي نائمة معي كأن أكون مريضاً كانت تتسلل إلى فراشي في الظلام على شكل قطة ناعمة .....كانت قدرتها على التشكل عجيبة والاكثر عجباً منها هو إدراكها لخيالاتي.....كنت على سبيل المثال أرى فتاة في التلفاز فأعجب بها فما تلبث جنيتي إلا أن تأتيني على صورة تلك الفتاة.
بعد حوالي خمس سنين من رفقتي بتلك الجنية وفي إحدى الليالي طلبت مني أن أذهب معها لتريني عالم الجن......قلقت من تبرير غيابي عن البيت لوالدي لكنها أخبرتني أن مقاييس الزمن بين العالمين مختلفة كثيراً.....فكما أخبرتني فإن الشهور في عالم الجن لا تساوي ساعة واحدة في عالم الإنس.
بين العالمين، عالم الجن وعالم الإنس، هناك منافذ عبور محددة يعرفها الجن وأحد تلك المنافذ كان تلك النخل المسكونة ..........
للقصة بقية إن كان في العمر بقية
تعليق