حُجيل / سالم الجابري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    حُجيل / سالم الجابري

    تملكني الخوف وأصبح زادي الدائم ...أغمض عليه أجفاني وأستنشقه مع أول نفس عندما أصحو....أصبت بالإدمان عليه، أطلب منه المزيد والمزيد، متظاهراً ببحثي عن الأمان إلا أني في الحقيقة أبحث عن ما يزيد تلك السكرة التي تزيغ القلب وتجمد ماء العيون وتحبس الهواء في الصدر.


    كنت وأنا صغيرأسمع كغيري من جداتنا القصص المرعبة عن الجن والشياطين.......... فلان تعرض له شيطان ممتد من الأرض إلى السماء بعدها فقد عقله........عمّك فلان كان يسقي النخل وعند محبس القناة وجد جنية منعته من تحويل الماء لأنها تغسل ثياب أبنائها........فلان قبضت عليه "أم دويس" وابن فلانة صفعته "أم الصبيان".....لسبب لم أعرفه كنت أتفاعل معها بصورة أكثر من غيري، كان لكل جني أو شيطان أسمع به صورة واضحة في ذهني.


    صرت في حوالي الثانية عشر ومازلت أعايش تلك الشخصيات بداخلي يومياً، بل كنت أتخيلها وأكلمها في وحدتي، صرت أحس بنشوة غريبة عند سماع دقات قلبي وهو يكاد يرتطم بجدران صدري وأنا أتخيل أن يخرج لي شيطان من مكان مظلم....أصررت في مرات عديدة أن أرافق أبي حين يكون دوره لسقي النخل ليلاً لعلي أجد تلك الجنية بقرب المحبس تسرح شعرها أو تغسل ثيابها.


    أيضاً في تلك السن كانت لي أول تجربة حقيقية مع الجن وكانت مثيرة جداً، كانت هناك نخل قريبة من نخلنا ، وكان الناس يتجنبون المرور بجانبها ليلاً لكثرة الروايات عن رؤية الجن في تلك النخل وبالقرب منها، بالنسبة لي كانت تلك النخل مصدر إلهام وكنت كلما مررت عليها أرفع نفسي على أطراف أصابعي وأتعلق بالجدار وأجول ببصري في كل أرجائها باحثاً عن شيء مثير ، هذا كان في النهار أما في الليل فلم يكن يسمح لي بأي حال من الأحوال بالمرور بتلك النخل حتى كان ذلك اليوم......

    ذلك اليوم كنا قد باشرنا بالانتقال إلى بيتنا الجديد خارج بساتين النخيل، كنت أنا وأمي في البيت الجديد نرتب الأشياء وأما أبي فقد رجع إلى البيت القديم ليأتي بأشياء أخرى.....لكنه تأخر كثيراًحتى بدأ الظلام يلف المكان، اشتد قلق أمي لتأخره.....أقنعت أمي أن تتركني أذهب لأستطلع أمر أبي وتبقى هي في البيت ، لم تنسى أمي بالطبع أن تختار لي الطريق الآمن داخل النخيل إلا أني كنت أفضل طريقاً غير التي أرشدتني لها.......ما إن دخلت منطقة البساتين حتى تضاعف الظلام ...وشيئاً فشيئاً ساد الهدوء إلا من أصوات حشرات الليل....وبالرغم من الظلام الشديد إلا أنه لم يكن صعباً علي رؤية العقارب على جدران الطين حين تضيق السكة بين البساتين....كانت ليلة هادئة وحارة من أيام القيظ....كانت دقات قلبي تتسارع كلما اقتربت من ذلك المكان المرعب الذي له جاذبية خاصة........وصلت الى جدار تلك النخل المسكونة، كنت أخشى أن يخرج الدم من أذني من شدة النبض....وقفت لثواني أستمع للصمت، اقتربت من الجدار ....قربت وجهي من الجدارلأتأكد من عدم وجود العقارب....اقتربت ورفعت نفسي على أطراف أصابعي وتعلقت بالجدار....


    وقف شعر جسمي وأنا أنظر في ظلام تلك النخل المسكونة....لم أرى شيء، قررت النزول لأنظر من مكان آخر.....ما إن أطلقت يدي عن الجدار حتى سمعت ما أطار قلبي وعقلي....كنت متأكداً أن خلفي ثوراً ضخماً ينفخ من منخريه.....لم ألتفت لأنظر......تجمدت لثانية أو ثانيتين ثم أخذت أركض بكل قوتي في اتجاه نخلنا......كان الصوت ورائي على نفس المسافة مهما ركضت....كنت أسمع نفخ الثور وصوت الحلقة الحديدية التي في أنفه بكل وضوح، فقط كنت أنتظر أن أحس بقرنيه في ظهري......ركضت بكل ما أوتيت من قوة حتى وصلت الى باب نخلنا وما إندخلت حتى انقطع الصوت.

    دخلت نخلنا وصرت أنادي على أبي بأعلى صوتي......جاوبني من آخر النخل وفهمت من كلامه مع أحد العمال أن إحدى البقرات قطعت الحبل وخرجت من الحظيرة وهم يحاولون إعادتها... طلب مني بسرعة أن آتيه بحبل كان قد وضعه عند نخلة قريبة من حظيرة البقر، ما أن مددت يدي أبحث عن الحبل في الظلام عند أصل النخلة حتى إرتدت اليّ يدي وأنا أصرخ من الألم......لقد لدغتني عقرب كانت على الحبل المكوم أسفل النخلة......حملني أبي إلى البيت وأنا أعاني من ألم اللدغة ومع هذا أحس بنشوة تلك التجربة وذلك اللقاء الأول مع الجن.


    لم أخبر أحداً بما حصل وبقيت أتحين الفرصة لتجربة أخرى عند تلك النخل المسكونة وأنا كلي شوق لتجربة جديدة .........
    لم تطل الأيام حتى بدأ تطور آخر، بدأت أرى في نومي فتاة في مثل عمري تلعب معي وتتجول معي في البيت، كنت أراها بشكل متقطع ثم أصبحت أراها كل ليلة ، ثم أصبحت صديقتي العزيزة ثم تعلقت بها بشدة ، أنتظر وقت النوم بفارغ الصبر.......كنا نلعب ونفعل كل ما يفعله الصبيان في ذلك العمر وكل هذا أثناء نومي وكأنه بوعي كامل مني، كانت تخبرني عن أشياء اجهلها مثل المكان الذي تخبئ فيه أمي عني الأشياء.........إذا ضاع عنا شيء من البيت فإني أدلهم عليه في الصباح بعد أن أكون قد سألتها......

    مرت الأيام والشهور والسنون وتلك الجنية لا تفارقني، وكما كانت ترافقني في منامي أصبحت بعد ذلك ترافقني في يقظتي إذا خلوت وحدي......كانت تأتيني على نفس الصورة التي تأتيني بها في الحلم ، وفي أحيان تكون أمي نائمة معي كأن أكون مريضاً كانت تتسلل إلى فراشي في الظلام على شكل قطة ناعمة .....كانت قدرتها على التشكل عجيبة والاكثر عجباً منها هو إدراكها لخيالاتي.....كنت على سبيل المثال أرى فتاة في التلفاز فأعجب بها فما تلبث جنيتي إلا أن تأتيني على صورة تلك الفتاة.

    بعد حوالي خمس سنين من رفقتي بتلك الجنية وفي إحدى الليالي طلبت مني أن أذهب معها لتريني عالم الجن......قلقت من تبرير غيابي عن البيت لوالدي لكنها أخبرتني أن مقاييس الزمن بين العالمين مختلفة كثيراً.....فكما أخبرتني فإن الشهور في عالم الجن لا تساوي ساعة واحدة في عالم الإنس.

    بين العالمين، عالم الجن وعالم الإنس، هناك منافذ عبور محددة يعرفها الجن وأحد تلك المنافذ كان تلك النخل المسكونة ..........



    للقصة بقية إن كان في العمر بقية
    التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 19-04-2011, 16:06.
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #2
    بعد أن تأكدت من نوم الجميع تسللت من غرفتي الى الصالة ثم الى الحوش ثم الى خارج البيت.....كنت أحس بالاثارة لما سأرى من غرائب ، وأعد نفسي لما قد أرى من أشكال مرعبة لبعض الجن، قالت لي جنيتي "أكثر أشكال الجن لن تروق لك لكنهم غالباً سيتشكلون أمامك بأشكال مقبولة لكي لا يخيفونك"
    مشت أمامي وأنا أتبعها حتى وصلنا الى تلك النخل ...دخلنا النخل وأخذتني بيدي الى الزاوية البعيدة ثم توقفت وقالت "بعد أن أختفي عنك أغمض عينيك وتقدم وستجدني أمامك"
    إختفت عني ....ثواني قليلة وقفتها منتشياً وأنا أستمع لدقات قلبي العنيفة من فرط الإثارة....أغمضت عيني وخطوت الى الأمام.

    "تأخرت كثيراً"-سمعتها تقول وأنا مغمض عيني.....فتحت عيني وأنا أشهق كأني لم أتنفس لمدة طويلة....وجدت نفسي وكأني في كهف كبير جداً ، أضيق نقطة فيه حيث كنت أقف ثم يتسع في كل الاتجاهات، جلت ببصري أبحث عنها فإذا بها تجلس تحت نخلة وورائها إمرأة تمشط لها شعرها وقد بدت كأنها قمر يضيء الكهف.....

    قالت "نحن ننتظرك هنا منذ مدة طويلة"

    قلت"كيف ذلك وقد فارقتني لتوك"

    قالت"ألم أقل لك أن زماننا وزمانكم مختلفان وأن الساعة عندكم شهور عندنا"

    لم ألتفت كثيراً لتعليلها ذاك فقد كنت مأخوذاً بجمالها الفتان وشعرها المنساب الذي تمشطه تلك المرأة بكل حنان....

    تلك أول مرة أراها بوضوح وأتأمل في ملامحها......أي جمال استوعبت وأي ملامح حورية انتقت حتى صارت بهذا الجمال....


    توقفت ماشطتها عن تمشيطها وأخذت هي شعرها ولفته على شكل ذيل حصان ليكشف عن رقبتها الجميلة.....كانت تبدو في السادسة عشرة أو السابعة عشرة ، قامت واقفة واقتربت قليلاً، تبسمت لتكشف عن صفين من اللؤلؤ الذي يشع برودة ثلجية....فرجت بين أسنانها فلاح لي ورائها عالم وردي من الدفء والنعومة ....

    قالت-بعد عدة أيام سيكون زفاف أختي وأحببت أن تحضر وترى كيف هو عالمنا....الزفاف سيكون في بلاد بعيدة عن هنا وسنحتاج لعدة أيام في السفينة لنصل.

    قلت متعجباً-أي سفينة!!!! لا بحر هنا.
    قالت وهي تأخذ بيدي وتضحك "تعال معي أيها الإنسي" أخذتني الى حيث كانت تجلس تحت النخلة فإذا بجدول صغير له خرير عذب....تابعت الجدول وهي تجرني وتضحك ضحكات طفولية وترفع ثوبها عن الارض، أخذ الجدول يتسع شيئاً فشيئاً حتى صار كالنهر العظيم وبدأت الاشجار العالية على جانبيه تتلاعب بقممها نسمات الريح العليلة.......قالت وهي تشير بيدها الى بقعة منخفضة على ضفة النهر " هناك تنتظرنا السفينة "


    للقصة بقية.......
    التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 06-04-2011, 06:57.

    تعليق

    • سالم الجابري
      أديب وكاتب
      • 01-04-2011
      • 473

      #3
      ونحن واقفان إذا بمجموعة من القنافذ تتقدم نحونا حتى وقفت عند أقدام الجنية، انحنت وحملت أحدها برقة ، التفتت الى المرأة التي كانت تمشطها وأخذت منها ما يشبه البذور وأعطت واحدة للقنفذ الذي كان بيدها وألقت الباقي للقنافذ الأخرى...قالت "هؤلاء من خدم أبي"

      قلت - ولماذا هم على شكل قنافذ

      قالت- هذا أول شيء تتعلمه عن عالمنا ، خدم الجن لا يستطيعون التشكل الا على أشكال محدودة كالقنافذ والخنافس وهناك أنواع غيرهم كثيرة، كالمحاربين الذين يستطيعون التشكل على أشكال الافاعي والوحوش وهناك الجن الرعاة وهناك المزارعون ووو..وكل ما يخطر ببالك .....ثم هناك الحكام الذي الذين يستطيعون التشكل على أي هيئة يريدون.

      قلت-إذن أنتي من سلالة حكام الجن.

      قالت – نعم

      تقدمتنا القنافذ مسرعة وهي تمهد الطريق أمامنا بكل مهارة....كانت تبعد الاحجار والاشواك ثم تنظر الى الوراء لتراقب أين ستضع تلك الجنية الاميرة قدميها.

      اقتربنا من ضفة النهر.....نظرت الى ماء النهر فلاحظت أنه شديد الشفافية واللمعان، انحنيت وغمست أطراف أصابعي في الماء فازداد لمعانه...أخرجت أصابعي وتعجبت أنها لم تتبلل من الماء......نظرت اليها فوجدتها تخفي فمها الضاحك بكفها....

      قالت – ستفاجأك أشياء كثيرة هنا ......

      سألتها أين السفينة ؟ أشارت الى شيء صغير شديد البياض يطفو على النهر ولم أطل التمعن بذلك الشيء حتى أيقنت أنه بيضة.....بمجرد أن أشارت اليها صارت تلك البيضة تقترب من الشاطئ وكلما اقتربت ازداد حجمها حتى أصبحت بحجم سفينة كادت تلامس أقدامنا....كل هذا وأنا مأخوذ بهذا السحر.....

      قلت-كيف فعلت ذلك؟

      قالت وهي تضحك-لعلك تعتقد أن حجم البيضة صار كبيراً...هذا ليس صحيحاً....إن حجم البيضة لم يتغير إنما أحجامنا نحن تغيرت وأصبحت صغيرة...مقاييس هذا العالم مختلفة أيها الإنسي....تعال وادخل الى الداخل.
      لم تفتح باباً ولم ترفع ستاراً وإنما تقدمت هكذا....تبعتها فإذا أنا كأني في وسط بلورة أو فقاعة، أرى تموجات الماء من تحتي وأنوار الافق من الجهات الاربع......لا شيء في الداخل ، فقط أنا وهي والبلور.....
      قالت تفضل إجلس...صرت أتلفت يميناً ويساراً ...توقعت أن يظهر لي كرسي سحري لأجلس عليه.....لم يحصل ، نظرت اليها لتنقذني من حيرتي....فإذا بها تجلس هكذا.....ليتشكل تحتها كرسي البلور من لاشيء.....

      قالت-إجلس كيفما تشاء ولا تقلق
      مثلت وكأني أريد أن أجلس على لا شيء وأنا خائف من الوقوع لكني مالبثت أن أحسست بالبلور الطري الناعم يتشكل تحتي....وضعت يدي وكأني أبحث عن مسند الكرسي فإذا به يتشكل حيث أريده.......
      رفعت بصري أنظر إليها فإذا بها كالبدر وإذا بالبلور يضيء لوجهها.....قلت- ما أجملك

      أسندت ذقنها بيدها وقالت-هل فعلاً تراني جميلة؟

      قلت وقد أخذت بلبي- وما عسى الجمال أن يكون إن لم يكن جزءاً منك.

      قالت-مما فضلكم الله به علينا معشر الجن حسن كلامكم وجمالكم وهو ما يثير حسد كثير من الجن


      للقصة بقية....

      تعليق

      • سالم الجابري
        أديب وكاتب
        • 01-04-2011
        • 473

        #4
        قلت- يا من جمعتي الحسن كله...قبل أن تقبلي علي بوجهك كانت الاسئلة تتزاحم في صدري والآن وقد أطرت عقلي لم يتبقى لدي غير سؤال واحد لك.....

        قالت- وما هو يا إبن آدم

        قلت- مالذي جعلني أحظى بشرف مجالستك يا قمر الجن والإنس؟

        قالت-هل تذكر منذ سنين عديدة يوم كان الثور يطاردك......ذلك البوم كان أول يوم لي أخرج الى عالم الانس ، جئت أنت بقربي عند الجدار، كنت أنظر الى صورة خلقك بإعجاب شديد، لكني لم أكن الوحيدة ....كان هناك أيضاً أحد مردة الجن واسمه "طمر"، طمر كان يلاحقني في كل مكان ويحاول التقرب مني وكان أبي قد حذّره ونهره عدة مرات إلا أنه كما قلت لك جني متمرد.

        لمح "طمر" إعجابي بك فجن جنونه من الغيرة وقرر أن يؤذيك، تشكل على هيئة ثور ضخم واتجه نحوك ليهاجمك.....قفزت أنا من فوق الجدار ووضعت نفسي كحلقة حديدية في أنفه محاولة لجمه عنك لكنه كاد أن يقتلني، الحمد لله أنك تمكنت من الهروب حتى دخلت نخلكم لكني ظللت أراقب فعلمت أنه يتربص بك وأنا أصبت بشدة فلم أكن أستطيع مواصلة التشكل في عالمكم لمدة طويلة ......لاحت لي الفرصة عندما ذهبت أنت لتحضر الحبل لأبيك فتشكلت على شكل عقرب وما إن وضعت أنت يدك حتى لدغتك وبذلك ضمنت أن أباك سيأتي ويحملك الى البيت.......

        قلت-وفعلتي كل هذا من أجلي؟!؟!

        قالت وقد تورد وجهها خجلاً- نعم.....الآن فيك شيء منّي وهو ما دخل جسمك عندما لدغتك وذلك هو ما يجعلك قادراً على دخول عالم الجن، أما "طمر" فقد غضب عليه والدي كثيراً لما علم أنه كاد أن يقتلني وقد حبسه في صحراء بعيدة.

        للقصة بقية....

        تعليق

        • سالم الجابري
          أديب وكاتب
          • 01-04-2011
          • 473

          #5
          ثم استطردت قائلة وقد إتكأت واتسع صدرها وأضاء نحرها-هل تعرف أنك تستطيع البقاء في عالم الجن لشهور عديدة دون أن تجوع أو تعطش أو تتعب ولا حتى أن يتقدم بك العمر سوى ساعة واحدة...!!!

          قلت-سبحان من خلقكِ وسواكِ....هل أنا في الجنة وهل أنت أجمل الحوريات؟!

          قالت- أنت في عالم الجن والزمن هنا أبطأ بكثير من عالم الانس وهذا هو السبب وأما في الجنة فالزمن يتوقف تماماً.....سبحان من خلق الزمان والمكان..........
          ضيقت اتساع عينيها قليلاً وكأنها تعاتبني وقالت - لكنك لم تسألني يوماً عن إسمي، نحن مثلكم لنا أسماء وقبائل وشعوب.

          قلت-ليس أحب الي الآن من معرفة أسمك وأما في السابق فقد كنتي أنتي الجنية الوحيدة التي أعرفها.

          قالت-إسمي "حجيل" واسم أبي "طالع".....سيسعد أبي بوجودك عندما نصل، قد تستغرق رحلتنا سبعة أو ثمانية أيام حسب سرعة المياه في النهر، في العادة أنا أقطع هذه المسافة في ثواني معدودة لكنك بالطبع لا تستطيع ذلك ولابد من السفر بهذه الطريقة.

          كانت صورة وجهها تنعكس بشكل شفاف على جدار البيضة البلورية.....لفت إنتباهي شيء غريب في الخارج، كانت بيضتنا أو سفينتنا في تلك اللحظة تتقدم بنا عبر النهر مرت بنا أشياء كثيرة ، أجملها كانت الغزلان التي ترعى بالقرب من النهر وهي كما أخبرتني حجيل أثمن مواشي الجن ......صخور بأشكال غريبة تلتفها أشجار يغلب عليها اللون البنفسجي وليس الاخضر....أعجب ما شدني هو شجرتان كانتا تسيران بالتوازي على ضفتي النهر بمقدار سير السفينة.......ما هذا ياحجيل ..كيف تمشي الاشجار؟!؟!

          قالت- هاتان الشجرتان حارسان ....كل ما تراه في هذا العالم هو من أنواع الجن، النهر الذي نحن نسير فيه هو جني تشكل هكذا لينقلنا الى حيث نريد، الصخور شكلها نوع من أنواع الجن لتشكل ضفتي النهر...السفينة التي نحن فيها هي جنية أيضاً.

          قلت- وكل هذا مسخر لكم أنتم الجن الحكام؟!؟!
          قالت – نعم، كما سخر الله لكم أنت معشر الانس كل ما في عالمكم، أليست الحال واحدة؟!
          قلت – نعم هي واحدة.

          تراءت لنا من بعيد صخرة سوداء كبيرة تسد مجرى النهر....بعد قليل بدأت مياه النهر بالاضراب والسفينة بالتأرجح....نظرت الى حجيل فلمحت تعابير الخوف في وجهها ونظراتها تتابع حركة الشجرتين التين كانتا تحرساننا......سألتها عن ما يحدث.
          قالت- تلك الصخرة التي تسد النهر جني متمرد وأخشى كل الخشية أن يكون طمر قد هرب من سجنه في الصحراء وجاء الى هنا.....

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #6
            أخذ اضطراب النهر بالتزايد كلما اقتربنا من تلك الصخرة التي صارت تعلو وتعلو .......كما أخذت بلورتنا تتصرف بجنون فمرة تسير الى اليمين ومرة الى اليسار.....نظرت الى حجيل فإذا بها زائغة العينين......

            قالت-لست خائفة على نفسي ولكني أخاف عليك، قد تقرر جنيتنا التي تحملنا أن تتخلى عنا في أي لحظة بسبب الخوف .......حتى النهر يستطيع أن يخنقه طمر فهو شديد القسوة.

            قلت-هل أنت متأكدة أنه طمر من يقف في طريقنا؟
            قالت-لا لست متأكدة لكن لا أعرف غيره بهذا الجنون.....لقد أحرقت قلبه الغيرة.

            ما كادت تكمل جملتها حتى ارتعشت البلورة رعشة قوية لفظتنا بعدها الى مياه النهر........أخذتني المفاجأة وصرت أتخبط كالمجنون في المياه التي تغير لونها الى اللون الاسود.....من شدة هلعي كانت أنفاسي تتلاحق ولم أستطع مناداة حجيل التي غابت عن بصري....سمعت صوتها يناديني من الاعلى، رفعت بصري فإذا بها متدلية من فرع إحدى الشجرتين الحارستين ، مدت لي يدها تطلب مني التعلق بها، تعلقت بيدها فرفعتني كالريشة .......وأنا أرتفع نظرت الى مياه النهر السوداء التي بدأت تتناقص وتنحسر مختفية تحت تلك الصخرة الضخمة.

            تسارع ارتفاعنا الى الاعلى كثيراً بفعل سحب الشجرة حتى أحسست أني سأفلت من يدها لكن أصابعها تحولت الى أحزمة جلدية شدت يدي الى يدها....في لحظة عادل فيها ارتفاعنا ارتفاع قمة الشجرة قررت حجيل إفلات فرع الشجرة التي كانت تمسك به فانطلقنا في الهواء كطيرين متشابكين بالاجنحة....

            شيء أبيض كثيف كسحابة من القطن إعترض طريقنا فجأة في الهواء ودخلنا فيه ثم لم أرى شيئاً وأحسست أننا نهبط الى أسفل، لامست أقدامي الارض ...عندها أطلقت حجيل يدي وإنقشعت عنا سحابة القطن، نظرت حولنا فإذا نحن في وادي واسع بين جبلين عظيمين يمتدان الى ما لا نهاية.

            قالت حجيل - سأتركك هنا وأذهب لأستنجد بأبي ومادمت هنا في هذا الوادي فأنت في أمان من طمر مالم تهب الريح وتحمل رائحتك الى خارج الوادي ، عندها سيعرف أنك هنا فإذا هبت الريح أدخل في هذا الكهف الذي ورائك.

            قلت-هل ستستغرق عودتك طويلاً؟
            أخشى أن لا أجد أبي وأضطر للبحث عنه، لكن لا تخشى شيئاً أهل هذا الوادي من الرعاة المسالمين، والآن أدخل الى الكهف ، لا أريد أن أخيفك وأنا أعود لخلقتي الاصلية.

            دخلت من الباب الضيق للكهف لأجد في الداخل فضاءً رحباً، سقف الكهف به أشياء مضيئة كالنجوم الا أنها تتحرك في كل إتجاه، على الجدار الصخري لمحت رسماً متقناً لغزلان كالتي رأيتها ترعى بالقرب من النهر، مددت يدي لألمس الرسم الا أن الغزلان المرسومة تحركت تمشي على الجدار وكأنها حية حتى إبتعدت عن يدي ثم وقفت كما كانت ، حاولت لمسها مرة أخرى فعاودت التحرك .......وأنا في دهشتي تلك سمعت جلبة وأصواتاً مختلطة من خارج الكهف وهي تقترب من الباب...

            لم أجد ما يخفيني في الكهف غير نتوء صخري في أحد جوانبه فتكومت خلفه كالقط .....اقتربت الاصوات من باب الكهف وتردد صداها في كل الارجاء، تخيلتها كأصوات الحوافر على الأرضية الصخرية، رفعت رأسي قليلاً فوق النتوء فرأيت قطيعاً كبيراً من الغزلان يدخل الى الداخل، مددت بصري الى الخارج عند الباب فوقف شعر جسمي لما رأيت....إنهم رعاة الجن الذين أخبرتني عنهم حجيل كانوا يدخلون ماشيتهم الى الكهف، لكنها لم تخبرني أن أشكالهم ستكون على هذه الكيفية.

            إن شئت أن تتخيلهم يا مولاي فهم يقفون على قائمتين مثلنا ولهم ذراعين، رؤوسهم ضخمة مقارنةً بأجسامهم التي تعادل أجسام الرجال القصار من بني آدم، لا تستطيع النظر الى وجوههم لشدة قبحها من كثرة التعرجات، لهم عين واحدة في وسط الجبهة ولا يمكن تمييز باقي الملامح بسبب التقطبات والتعرجات......أكثر ما أثار انتباهي هو جلدهم فليس هناك شيء واضح يمكن تسميته بالجلد بل هو شيء مظلم يغطيهم وكأنه دخان.

            كانوا ثلاثة، وقفوا حتى دخلت كل الغزلان ثم همّوا بالدخول خلفها، عدت لوضعي السابق وتكورت على نفسي آملاً أن يذهبوا خلف غزلانهم التي دخلت واختفت في ظلمة الكهف البعيدة.....خاب أملي، فبعد لحظات رفعت رأسي أستطلع فإذا بهم يجلسون على باب الكهف من الداخل، استطعت سماع أصواتهم....لم تكن أصواتهم تشبه أي شيء سمعته في حياتي كأنها خليط من مواء القطط وصوت صرار الليل.

            إنكفأت وراء صخرتي أفكر في ما عساي أن أفعل، وأنا على تلك الحال سمعت أصوات حوافر الغزلان تتجول في الكهف وتقترب مني شيئاً فشيئاً، كانت بعض الغزلان تسير بمحاذاة جدار الكهف حتى وصلت الي وبدأت تشمني وما هي الا لحظات حتى كان القطيع كله يتزاحم ليشمني.....أدركت أن أمري سينكشف......تفرق القطيع فجأة من حولي وإذا بتلك الرؤس الثلاثة المرعبة تطل علي من علي.....أخذتني المفاجأة فتراجعت الى الوراء متكئاً على يدي لكن ما أدهشني هو أن ثلاثتهم بدأوا يصرخون ويصطدمون ببعضهم أولاً ثم بالغزلان وقد أصيبوا بالرعب.....بقيت أسمع أصوات صراخهم وأنا في مكاني، رفعت رأسي فإذا بهم قد إنزووا عند صخرة ودسوا رؤوسهم بين أيديهم.....تأكدت أنهم خائفون مني، قمت واتجهت اليهم وجلست على بعد خطوات منهم بهدوء وصمت محاولاً أن أخفف من روعهم.

            تشجع أحدهم أخيراً ونظر الي....تمتم لصاحبيه فنظرا الي هما أيضاً....توقف صياحهم وبدأت نظرات الفضول في أعينهم الوحيدة، قلت لهم "أنتم رعاة في هذا الوادي"

            تبادلوا النظرات ثم قال لي أحدهم بكلام عربي " أنت إنس"
            قلت-نعم أنا إنس
            عادوا يتبادلون النظرات ثم تكلموا بلغتهم.....اقتربوا مني قليلاً وهم مازالوا متهيبين، قال قائلهم "كيف جئت الى هنا؟"

            قصصت عليهم قصتي وكان علي أن أعيد كل جزء مرات عديدة لبطئ فهمهم......في النهاية أخبروني أنهم لمحوا طمر في طرف الوادي وأنه ربما يبحث في كهوف الجبال عني وعن حجيل التي كانوا يقفزون عندما يسمعون إسمها من فرط حبهم لها.......اقترحوا على أن يأخذونني الى الجانب الآخر من الكهف حيث سأكون بمأمن من طمر وسيبقى أحدهم ليخبر حجيل بمكاني فوافقت....

            ساقوا ماشيتهم أمامهم ومشيت أنا ورائهم وكلما نظرا إلي خلفهما يتهامسان ويضحكان ويقفزان.....أحسست أني كاللعبة عند طفلين، مشينا حتى انتهينا إلى نفق دائري ضيق تزاحمت الغزلان لتدخل فيه فرادى، ثم دخل الجنيان ثم أنا، كان النفق مظلماً ثم لاحت نهايته المضيئة، عندما اقتربنا من النهاية رأيت أمراً عجيباً، كانت الغزلان تخرج من النفق لتطير إلى الأعلى وتختفي، اختفت كل الغزلان وبقي الجنيان أمامي....تقدم أحدهما وقذف بنفسه فارتفع إلى أعلى واختفى، التفت إلي الجني الثاني وهو يضحك ثم تقدم وألقى بنفسه من الفتحة وطار إلى أعلى......وقفت وأنا في حيرة من أمري، إلى أين يمكن أن أقذف بنفسي خلف هذان الغبيان؟!؟!......للحظة قررت الرجوع إلى الكهف وانتظار حجيل إلى رأيت الجني الثالث يركض نحوي من آخر النفق وهو يصدر أصواتاً عجيبة، كان يبدو عليه الخوف الشديد، أخبرني أن طمر قريب من الكهف وقد يكون في أثره.....لم يكن أمامي إلا إلقاء نفسي من تلك الفتحة.

            ركضت باتجاه الفتحة وألقيت نفسي، أحسست كأن وسادة من الهواء ترفعني بسرعة عجيبة إلى أعلى، ارتفعت مخترقاً طبقات من الضباب البارد، انكشف الضباب وإذا بي فوق بقعة منبسطة تتناثر عليها أكواخ صغيرة ، وجدت الجنيين الآخرين ينتظرانني وماهي الا ثوانٍ حتى وصل الجني الثالث، قام حينها الثلاثة بالقفز واصدار أصوات عالية وإذا بالكثير من أمثالهم يخرجون من تلك الاكواخ ويقتربون بحذر وهم يتهامسون.

            إنطلق أحد أصدقائي الثلاثة إلى الجن الآخرين وكأنه يخبرهم بالقصة، اقتربو مني وأحاطوا بي وهم يتقافزون من الفرح.



            للقصة بقية...

            تعليق

            • سالم الجابري
              أديب وكاتب
              • 01-04-2011
              • 473

              #7
              كلهم متشابهون باستثناء الصغار الذين كانت ألوانهم تميل الى البني وتجاعيد وجوههم أقل عن الكبار، أما الإناث فكن يتميزن بشعر يكسو أجسادهن ، أقدامهن أقصر عن أقدام الذكور ولم يقتربن مني كثيراً بل بقين خلف الذكور ينظرن الي بانبهار...تقدمت إحداهن متخللة الجن الذين تجمعوا حولي حتى دنت مني، اقتربت كثيراً حتى كادت قدمها تطأ قدمي....مدت يدها الى يدي لتلمسها، بالرغم من المنظر البشع للتجعدات التي تغطي جسمها إلا أن ملمسها شديد النعومة واللطافة الدافئة، بعدها تشجعت كل الإناث وحتى الاطفال وأحاطوا بي يتلمسون يدي وقدمي ورأسي، دهشت بشدة عندما تعلق أحد الاطفال برأسي فلم أحس بوزنه على الاطلاق، ثم تعلق ثاني وثالث ورابع.....كانوا فرحين الى حد لا يوصف ولم أكن أمانع فلم أكن أحس بوزنهم.

              دوّى في الفضاء صوت صفير حاد، هاج من حولي من الجن وبدأوا يتلفتون في كل اتجاه....تصايحت الاناث وبدأن يمسكن بالصغار ويجرين الى الأكواخ، صاح بي أحد الجن أن طمر يعبر النفق الآن ليصعد الى هنا ولابد من الاختباء ...... ركض كل الجن الى الأكواخ وركضت مع أصدقائي الثلاثة الى كوخهم.....اختبأنا في الكوخ المبني من عظام قوائم الغزلان المربوطة ببعضها والمغطاة بالجلود.

              جلست وأحاط بي الثلاثة وكأنهم أطفال يلتجؤون الى إمهم، عصفت ريح قوية واهتز الكوخ، وكلما اهتز الكوخ ارتجف اصدقائي وزاد التصاقهم بي....نظرت الى أعلى من بين قطع الجلد التي تغطي الكوخ فرأيت شيئاً مخيفاً.....كان طمر كعمود ناري، أسفله يشبه زوبعة هواء أسود تدور بعنف شديد ثم يتدرج اللون الى الاحمر الغامق ثم الفاتح في أعلى الزوبعة....

              للقصة بقية......

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #8
                زمجرت تلك الزوبعة أمام الاكواخ وابتلعت أحد الغزلان التي كانت تجري على غير هدىً من شدة الخوف وتبعته ببصري وهو يدور مع الزوبعة حتى غاب في أعلاها...اتجه طمر بزوبعته نحو الكوخ الذي كنت فيه وارتفع صوت الصفير حتى أحسست أن أنه سيفجر أذني، حالة غريبة اعترت أصدقائي الجن ...أصابتهم رعشة شديدة فاحت منهم على إثرها رائحة تشبه رائحة احتراق الشعر بعدها أطلق كل منهم صيحة شديدة قبل أن يتحول إلى دخان أسود ويرتفع إلى أعلى.....بقيت وحدي في مواجهة طمر الذي بدأت رياحه تزعزع الكوخ وما هي إلا لحظات حتى تطايرت قطع الجلد والعظام التي تشكل الكوخ لأجد نفسي أمام منظر لم تكن أشد أحلامي رعباً لتصل له.....اتسعت دائرة زوبعته بقاعدتها السوداء وبدأت تدور متجهة نحوي بصوت مخيف.....أدركت أني هالك لا محالة....فجأة توقف كل شيء، اختفت الزوبعة وكأنها كانت حلماً وساد صمت رهيب، لا شيء يتحرك...ثوانٍ فقط وإذا بالزوبعة تفاجئني من خلفي بقوة أعنف، ابتلعني سواد الزوبعة ودرت معه بكل عنف...أحسست أن أطرافي ستتقطع من فرط تسارعي في الدوران، ازداد الامر عنفاً مع الحرارة الشديدة في الزوبعة.

                وكما ابتلعتني الزوبعة فجأة فقد لفظتني فجأة ثم واختفت، كنت على ارتفاع كبير عن الارض لكني نزلت اليها بشكل هادئ ومريح، زال عني الخوف وتفقدت أجزاء جسمي لأتأكد أني لم أصب بشيء...... دقائق وتشجع الجن المختفين في الاكواخ على الخروج، كانوا يبكون بحرقة، أخبروني أن طمر أحرق أصدقائي الثلاثة.

                حزنت كثيراً....لقد قتلوا بلا ذنب سوى أنهم ساعدوني، كان يمكن أن يتركهم وشأنهم ويأخذني أنا...........وأنا في تلك الحالة من الحزن على أصدقائي اقترب مني الجن وأخبروني أني لم أعد بشراً بل أصبحت جنياً مثلهم.....كيف ذلك؟؟؟سألتهم
                قالوا إنهم يحسون ذلك فكما أحسوا من قبل أني بشر فهم يحسون الآن أني جن حتى وان احتفظت بشكل البشر ......
                إذن هذا هو انتقام طمر اللعين...هل يعني هذا أني لن أستطيع العودة إلى عالم الإنس؟ سألت نفسي.

                تعليق

                • سالم الجابري
                  أديب وكاتب
                  • 01-04-2011
                  • 473

                  #9
                  كنت أقف في وجوم ومن حولي من الجن حتى الأطفال ينظرون إلي نظرة رثاء، شيء ما حرك الهواء المحيط بنا، أحسست بالنسمات على وجهي وحرك الشعر على أجساد إناث الجن، رفع الجن رؤوسهم ينظرون الى أعلى، نظرت فلاحظت اضطراب طبقات الضباب العالية ثم لاح من بين تقاطيع الضباب ما بدا كأنه جناح طائر عظيم ثم اختفى مرة أخرى.
                  بدأ الجن من حولي يقفزون فرحين ويشيرون الى أعلى، قال لي أحدهم أن هذا هو طالع والد حجيل حاكم الجبال الشمالية ، كان واضحاً أن طالع محبوب كثيراً عند هؤلاء الجن، لم يكفوا عن النظر لأعلى وكلما لاح شيء من ذلك الطائر من بين فجوات الضباب يلوحون له ...........رائحة عطرة تداخلت مع هبات النسيم على وجهي تخيلتها آتية من خلفي، التفت فإذا بحجيل الجميلة تقف خلفي مبتسمة، أنستني رؤية وجهها كل شيء، لم أستطع ردع نفسي وكدت أن ألقي بنفسي بين ذراعيها لولا أن الجن الذين انتبهوا لوجودها التفوا حولها حتى كادوا يحجبون رؤيتها عني، كانوا يتمسحون بها ويقبلونها في أي مكان يستطيعون الوصول اليه وهي لم تكن تمانع، كان صغارهم يتناوبون على التعلق بشعرها المتدلي بين كتفيها.
                  أحسست أن أحداً يقف بجانبي دون أن أرى سوى خيال شفاف جداً ثم وبسرعة تشكل الخيال الى رجل هو أقرب ما يكون الى الصورة التي تخيلتها لوالد حجيل، رجل ضخم تبدو عليه أمارات الملك والقوة، على كتفه الأيمن يقف صقر ضخم.......

                  للقصة بقية
                  التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 12-04-2011, 04:23.

                  تعليق

                  • سالم الجابري
                    أديب وكاتب
                    • 01-04-2011
                    • 473

                    #10
                    قال طالع -يبدو أن ابنتي تسببت لك بالمشاكل، أرجو أن تعذرها فهي ما زالت صغيرة.

                    -ليست هي بل هو طمر...........لقد قتل أصدقائي الذين ساعدوني وجاءوا بي إلى هنا.

                    ثم تجهم وجهه وقال-هل تعلم أنه أيضاً كاد يقتلك ولما لم يستطع حوّل طبيعتك من البشرية إلى الجنّية؟
                    -لقد أخبرني هؤلاء الرعاة لكني لم أفهم كيف فعل ذلك.

                    -إن في جسمك شيء من حجيل ,وهو ما حماك من إشعاعاته أن تنفذ إلى جسدك وتدمره، لكن هذا الشيء أيضاً إنتشر في جسمك الآن ولذلك فأنت في حكم الجنّي لا الإنسي.

                    قطع حديثنا تحول الجن الرعاة من حجيل الى والدها بعد أن رأوه وصاروا يفعلون معه مثل ما كانوا يفعلون مع حجيل، طار الصقر الذي كان على كتفه واستقر على كتف حجيل بعد أن تحول إلى عصفور صغير، أقبلت عليها وأنا متشوق أن تخبرني لما سيحل بي بعد هذا التحول.....ركزت حجيل عينيها في عيني للحظات، قالت بعدها- لقد تعرض لك طمر بقسوة وحاول قتلك، أليس كذلك؟

                    -نعم يا حجيل لقد فعل، وقتل ثلاثة من أصدقائي الرعاة.

                    -إنه قاسي القلب ولا يرحم حتى هؤلاء المساكين.

                    -حجيل، لقد تحولت الآن الى جن، هل يعني ذلك أني لن أستطيع العودة إلى عالم الإنس؟

                    تنهدت حجيل وسكتت للحظات ثم قالت-يسري عليك الآن ما يسري على الجن ولا تستطيع البقاء في عالم الإنس إلا كما نفعل نحن.

                    للقصة بقية.....
                    التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 12-04-2011, 12:23.

                    تعليق

                    • سالم الجابري
                      أديب وكاتب
                      • 01-04-2011
                      • 473

                      #11
                      ألقت بصرها إلى الأرض وهي تقول –هذا بسببي، لقد لامني أبي كثيراً وأفهم الآن كيف كان تصرفي جنونياً بإحضارك.
                      اقتربت منها وأمسكت كتفيها وأنا أنظر إلى مفرق شعرها الناصع البياض "يا حجيل ، ما هو مكتوب علينا سنلقاه فلا تحزني أبداً، لا تستحق هاتان العينان أن تنظرا إلى الأرض بحزن"
                      رفعت عينيها حتى لاقت عيني، لم تقل شيئاً لثوانٍ....وددت لو أني قبلتها على عينيها، طار العصفور الذي على كتفها واستقر على كتفي، ضحكت حجيل وكعادتها غطت جمال ثغرها بيدها وقالت –هذا أخي الصغير .....أرى أنه يطمأن لك.

                      هيا لنطير معاً-قالت حجيل
                      -نطير معاً؟! هل تعنين أني أستطيع الطيران الآن؟!
                      -بالطبع تستطيع، فقط تخيل نفسك ما تريد.....هيا هيا ، أريد أن أحلق معك.
                      -قالت ذلك وقفزت من أمامي كطائر جميل تبعتها ببصري حتى اختفت في سحب الضباب العالية ثم تبعها أخوها كالسهم......

                      فردت يدي وأنا أتصور أن يكونا كجناحين، فوجئت بهما يتحولان إلى جناحين كبيرين ، لكن باقي جسمي بقي كما هو.....ثنيت رجلي قليلاً استعداداً للقفز وتخيلت نفسي صقراً ينطلق للأعلى.....لم تكد تكتمل الصورة في مخيلتي حتى تحولت فعلاً الى صقر يشق طبقات الجو ......يا للإحساس الذي غمرني .....كأني خلقت صقراً، كأن هذا كان جسمي منذ زمن طويل.

                      نفذت من طبقات الضباب واستويت فارداً جناحي الكبيرين، أحسست أني شديد القوة وأن باستطاعتي أن أصل إلى تلك القمم الجبلية البعيدة التي تخترق سحب الضباب في لمح البصر.

                      للقصة بقية.....
                      التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 13-04-2011, 07:19.

                      تعليق

                      • سالم الجابري
                        أديب وكاتب
                        • 01-04-2011
                        • 473

                        #12
                        -يبدو أن الحماس أخذك بعيداً-رفعت رأسي لأجد طالع وابنه، أضاف طالع "أبطأ قليلاً ننتظر حجيل"
                        أدركت أني فعلا مندفع بجنون في الطيران، أبطأت من سرعتي أساير طالع وابنه، لحظات وكانت حجيل بيني وبين والدها، قالت لي "هل نسيت معلمتك؟".
                        -لم أنسك ولكن حرية الانطلاق أذهلتني .....كنت أنوي الرجوع للبحث عنك.
                        صحح طالع مسار طيراننا الى جهة اليسار، كان أخوها الصغير يناور حولنا بمهارة كبيرة، ولو لا رغبتي في البقاء بجانب حجيل وخحلي من أبيها لجاريته في مناوراته الصبيانية.

                        اقتربت مني حجيل وسألتني-هل تشعر بالسعاة؟
                        -إنه شعور مختلف يا حجيل، لا أستطيع أن أصفه بالسعادة ، لم أتقبل أني لا أستطيع العودة لعالمي السابق، أنتي شيء آخر يا حجيل خارج دائرة الاحتمالات فأنا لا أستطيع تخيل حياتي بدونك سواءً في عالمي هناك أو في هذا العالم.

                        انتقلت حجيل لتطير عن يميني بعيداً عن طالع ثم اقتربت كثيراً حتى كاد جناحانا يتصلان ......نظرت إلي ثم قالت "إتبعني إن استطعت"
                        فاجأتني حين هوت بشكلٍ رأسي في اتجاه السحب......لم أكن أقل حماسة حين تبعتها من أول طيراني، في وسط الضباب لم أكن أرى شيئاً غير حجيل التي تحول لونها بمجرد أن دخلت الغيوم من الأبيض إلى الأحمر الزهري .

                        للقصة بقية......

                        تعليق

                        • سالم الجابري
                          أديب وكاتب
                          • 01-04-2011
                          • 473

                          #13
                          لم يمهلنا طالع كثيراً لأستمتع بمطاردة حجيل عبر كتل الضباب فاعترض طريقنا وأمرنا بالبقاء إلى جانبه حتى نصل، لاحت من بعيد قمم جبال إصطفت على شكل قوس وفي وسطها قمتان أعلى من البقية وكأنهما يشكلان بوابة، اتجهنا اليها بقيادة طالع الذي لم ينفك يوصينا بعدم الابتعاد.
                          إقتربنا من القمتين العاليتين ، عندها انحدر طالع إلى أسفل وبجانبه ابنه وتبعته أنا وحجيل، قالت حجيل بلهجة فيها كثير من الإثارة والسعادة –هذه بلادي.
                          لمّا انقشع الضباب كان أمامنا جبلين عظيمين يتوسطهما وادي سحيق لم أستطع تبين نهايته، واجهة الجبلين مستوية وكأنهما قطعا بسكين حادة.....اقتربنا أكثير وصار طيراننا مستوياً بعد أن كنا نطير إلى أسفل، مع اقترابنا من الجبلين رأيت صفوفاً من الكهوف ذات الفتحات الدائرية موزعة بشكل منتظم على واجهتي الجبلين.

                          ونحن على وشك الدخول بين الجبلين امتلأ الفضاء بأصوات غريبة وخرجت أسراب طيور صغيرة أشبه بالجراد من تلك الكهوف، كان منظرها مخيفاً وهي تتجه نحونا بسرعة فائقة من الجانبين، قالت حجيل –لا تخف سرعان ما تعود هذه إلى كهوفها بعد أن تتأكد منّا، ولو كان غريباً لأكلته في لحظات.
                          إتسع الفضاء أمامنا واقتربنا أكثر من الأرض، محل الوادي السحيق المظلم انبسطت أرض تكسوها الاشجار والاعشاب البنفسجية، أمكنني مشاهدة قطعان الغزلان السارحة ورعاتها يمشون خلفها، واجهات الجبال كلها ملئا بالكهوف بأحجام مختلفة.
                          وسط اتساع الارض المنبسطة ظهر جبل مخروطي ألوانه عجيبة يتوسط بحيرة دائرية مياهها خضراء، لون الجبل مابين الأزرق والأخضر تتخلله عروق زرقاء داكنة، كلما اقتربنا منه يخيل إلي أنه شفاف وينبعث منه النور.......قمة الجبل دائرية منبسطة وزرقتها فاتحة وكأن مادتها أرق عن بقية الجبل.

                          للقصة بقية......
                          التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 14-04-2011, 05:21.

                          تعليق

                          • سالم الجابري
                            أديب وكاتب
                            • 01-04-2011
                            • 473

                            #14
                            كلما اقتربنا من ذلك الجبل الذي يشبه الجوهرة هدأنا من سرعتنا ثم اكتفينا ببسط أجنحتنا لتتهادى بنا الريح الخفيفة، كدنا نصل إلى قمة الجبل التي بدت لي مغلقة لكن طالع استمر في التقدم نحوها ...... تبعته بكل ثقة فهو يعرف ما يفعل بكل تأكيد، اختفى أمامي طالع ثم ابنه مخترقين قمة الجبل ، تبعتهم أنا وحجيل....شعرت بشعور غريب وأنا أدخل من خلال تلك القبة، كأني لمّا اصطدمت بها تحللت ذراتي وعبرت كل ذرة على حدة ثم اتحدت بعد عبور الحاجز........فتحت عيني على اتساعهما لمّا دخلت لما هالني اتساع المكان من الداخل.

                            فضاء رحب يتسع كلما اتجهنا لأسفل ، كل الجوانب الداخلية من أعلى إلى أسفل بها أبواب مزينة ومُأَطّرة بتدرجات ألوان زهرية من الفيروزي والاحمر، ما شبهته من بعيد بالعروق التي تتخلل الجبل عرفت أنها ممرات تصل إلى كل تلك الأبواب، المكان بالداخل نوره أخف عن الخارج ومع هذا فالأشياء بدت أوضح ومحددة أكثر والألوان أكثر جمالاً.

                            ونحن نهبط وأنا مأخوذ بهذا الجمال أقتربت مني حجيل وأشارت إلى أحد الأبواب لتخبرني أنه بابها ......كلما هبطنا إلى أسفل كلما زاد اتساع المكان وكلما خفّ الضوء ويا للعجب كلما زادت الأشياء وضوحاً بالنسبة لي.....سألت حجيل عن السرّ في ذلك فأخبرتني أن هذا طبيعي جداً، فالجن، وأنا الآن واحد منهم، يرون في الظلام أكثر من النور.


                            للقصة بقية
                            التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 14-04-2011, 13:18.

                            تعليق

                            • سالم الجابري
                              أديب وكاتب
                              • 01-04-2011
                              • 473

                              #15
                              قبل أن نصل إلي أسفل غمزت لي حجيل أن أتبعها، تركنا طالع وابنه في طريقهم إلى أسفل واتجهنا إلى أحد تلك الأبواب المزينة، قالت لي حجيل أنها تريد أن تريني أمها، في ما يشبه الشرفة المتصلة من جانبيها بالممرات الزرقاء للجبل طلبت مني حجيل الإنتظار ريثما تبلغ أمها، عادت حجيل لشكلها السابق وكذلك فعلت أنا......أمر بغاية البساطة أصبح بالنسبة لي.
                              ما كادت حجيل تدخل من الباب حتى خرجت وهي تمسك بيد إمرأة لاتقل عنها جمالاً وفتنة، نظرت إلي المرأة بتمعن شديد وهي مندهشة ثم قالت-منذ صغري وأنا أتمنى أن أرى بشراً
                              قالت حجيل-هذه أمي، ما رأيك؟
                              قلت-الآن عرفت من أين لك كل هذا الجمال.
                              اقتربت مني أمها ورفعت يدها تتحسس وجهي وشعري وأنفي وأذني....لم تترك شيئاً، كانت تفعل ذلك بسعادة كبيرة.
                              قالت لها حجيل-ما رأيك يا أمي؟
                              أجابتها- ما أجمله يا حجيل!!!
                              أثار كلامها دهشتي خصوصاً أني أراها شديدة الفتنة ، قلت لها – ما هو العجيب؟! أنتي أجمل بكثير.....
                              أجابتني وهي مستمرة في تحسس شعري "الذي عندك خلقة أصلية وليست متخيلة ......."
                              حسناً يكفيك يا أمي، البشر يخجلون وهو مازال يحتفظ بخجله – قالت حجيل
                              أنزلت أم حجيل يدها ولو بودها لم تفعل، ثم قالت لحجيل بأن تأتيني بحليب الغزلان ، هل تشعر بالجوع-سألتني حجيل
                              -نعم إني أشعر بالجوع، ألم تخبريني بأني لن أشعر بالجوع لمدة شهور؟!؟!
                              -نعم أخبرتك بذلك يوم كنت بشرياً، أما الآن فأنت جني والزمن يمر عليك كما يمر علينا......حاول أن تتذكر ذلك، الآن هيّا بنا إلى ساحة القصر قبل أن تأتي كل زوجات أبي وأبنائه ويفعلون بك مثل أمي.
                              -كم زوجة عند ابيك؟
                              -لا أدري............لم يسبق لي عدُّ الغرف في هذا القصر
                              دخلنا في الممر البلوري الأزرق ، الممر ينحدر بشكل متعرج كأنه جذر شجرة، أبواب غرف كثيرة مررنا بها في طريقنا إلى الساحة في الأسفل، ما ظننته أثناء طيراني بركة ماء خضراء تحيط بالجبل كان في الحقيقة هو الساحة المحيطة بالقصر.
                              -يا لجمال هذا المكان يا حجيل......كيف تم بناءه ومن أي مادة
                              -هذا القصر تشكل بشكل طبيعي، ما بنيناه هو الغرف والممرات فقط، أما مادة القصر وهذه الساحة فقد خرجت من الأرض....كان هذا منذ أزمان بعيدة.
                              -شيء يحيرني يا حجيل، لا شمس عندكم ولا شيء له ظل، فقط أنوار الأفق!
                              -ليس هنا شمس ولا نستطيع العيش في النور كالذي في عالم البشر فهو يؤدي إلى تفكك أجسادنا بسرعة، طر معي وسأريك شيئاً.
                              طرنا عالياً وارتفعنا كثيراً حتى بدا جبل القصر صغيراً جداً، أشارت حجيل إلى جهة الشرق من الأفق البعيد طالبة مني النظر اليه، كان ذلك الأفق شديد السواد، كما لم يكن مستوياً بل كأنه سحاب دخان متراكم، سألتها "ما هذا؟"
                              قالت- ذلك هو عالم الشياطين ومن يتبعهم من مردة الجن.

                              للقصة بقية......
                              التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 15-04-2011, 04:19.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X