يدها اليسرى / محمد فطومي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    يدها اليسرى / محمد فطومي

    يدها اليسرى


    سمرة حمراء،و شفة عاتبة وعينان بلون الّلوز و المستحيل،أحبّ حزنهما الغامض،و ابتسامتهما الضّائعة..خصلة خجولة مقوّسة تعيدها تحت أذنها الصّغيرة بحركة..أيّ حركاتها لا تقذف بي داخل لوحة فرنسيّة لرعاة يستحمّون تحت جسر من حجارة مكسوّة بالعشب و الوهم،أو تنثر فوقي لحن فرح أخير ترقص على أنغامه أمّة ترحل نحو المجهول؛حلقة َ نار تمتدّ من الأزل إلى الأبد في ثوان قليلة..و وجنتان أيّ رعشة هذه التي تجعلني أوقن أن لا شيء يستحق بكاء النّايات عداهما بوسعي أن أقاوم .
    تتقدّم نحوي .أدسّ يدي اليسرى في جيبي كما أراها تفعل حين تلمحني من بعيد .تقف أمامي ،تسلّم في حياء ،تحدّق بي في أقلّ من حلم و تنصرف..كثير عليّ هذا الجمال و مُرّ علينا ما كنّا نظنّ..مهما يكن من أمر فلسنا مؤهّلين كفاية لنتعامل مع الدّنيا مختزلة في نشوة واحدة.
    نجلاء..
    كان اسمها نجلاء..
    نجلاء هكذا ،مباشرة و دفعة واحدة..
    نلتقي كلّ صباح و كلّ مساء ثلاثتنا ،أنا و هي،فقط أنا و هي..
    لم أخطىء في العدّ فقد كنّا ثلاثة..ثمّة بيننا شيء له حضور و ثقل فوق التّفسير.
    و لا ريب أنّها مثلي،أو لعلّي صرت مثلها أخبّىء يدي اليسرى لأخفي عنها خاتم الزّواج..لا أدري آنذاك فيم كنت أطمع؟و ما فائدة هدر الوقت؟
    قلت أنّي أضعف من أن تُختزل الدّنيا في جسم بدا لي أنّه يحبّني و يتخبّط مثلي تماما.على الأقلّ حريص على أن لا أكتشف مسألة ارتباطه بآخر.
    مشينا بضع خطوات معا،و بوصفي بيطريّا قادما من العاصمة ،و رغم صغر سنّي فإنّ ذلك لم يمنع أن تتكوّن حولي هالة روحيّة في أعين القرويّين فتجعلهم يعيدون سلوكي منزوع الرّقابة و المختلف عمّا هو مسطور إلى عشوائيّة مرحة و مترفّعة يتميّز بها أبناء نوعي..مشينا بضع خطوات و هذا غير مسموح إلاّ لمن يحظون بأبوّتي. أبوّة راهب لا يصدر عنه إلاّ الصّواب و قدرة تفوق التّوقّع على توزيع الحبّ على جميع البشر. كان الشّيء ذاته بيننا،أكاد أسمع وقع خطواته على الأرض..أكاد أبعد ذراعيه الذين يطوّقاننا،أقول لها كأنّي أسحب الكلمات من الهواء و لست أطلقها:
    - مغرم بك..و أبتلع الضّمير متعمّدا،ربّما كي لا أجد صعوبة في تجاوز مأزق الضّمير،سأدافع عن نفسي بضراوة بريء لو بالغ في استجوابي،سأقول كانت مفردات مبهمة لا تعنيني بالضّرورة..
    ثمّ ماذا؟
    تبتسم نجلاء و يزداد العتب المصوّر على شفتيها و يخيّل إليّ أنّها صمتت بصوت خافت.
    القناعة في الحبّ أشبه بطفل ملّكه والداه فرنَ المطبخ و تابع الجميع حياتهم كما بالأمس.لمسه خطِر و ممنوع..و وقوفه الطّويل إلى جانبه في محاولة للعثور على طريقة ليظفر بمعنى لملكيّته،و فشله الذي لا يحتمل النّجاح في تحويل الهبة إلى فائدة محسوسة يعذّبني.
    و لا أدري ما إذا كانت نجلاء مثلي قد أدركت بعد المرحلة التي تصبح معها الحالة معقّدة و قاسية إلى حدّ الرّكون إلى مجرّد تشخيص لما يحدث بيننا،و التّسليم بما لن يحدث..و أفهم أنّ الّلعبة بيننا كاوية و داوية في آن ،فكلانا يخفي يده اليسرى.
    إصرارها على إخفاء خاتم الخطوبة عنّي يجعلني أكفر بحقيقتي كرجل متزوّج و آنس للعثرة مادامت السّمرة الحمراء ترتكب عين الجرم و تواجهه بحرقة جريئة ،و شجاعة مضاعفة.
    قلت لها أيضا:
    - ألفة سحريّة تغمر المكان..و كعادتي سترت الضّمير و كلّ ما من شأنه أن يحيل إلى وجودي بين طيّات الكلام.
    تمرّ الأيّام و لا طائل للسّؤال عن تفاصيل حياتها..لا تعنيني الأسماء و لا متى ستتزوّج ،ما كان يهمّني سوى أنّها لا تزال تخبّىء عنّي يدها اليسرى.
    القناعة في الحبّ استجداء أحمق يورّث المرض و حسب..
    و تمادِينا في الّلعبة دليل واضح على أنّ كلينا يأبى تصديق ما لن يحدث،تماما كما لست تصدّق أنّ الصّوت الرّقيق الذي يخاطبك على الهاتف و يدعوك بكلّ لطف للانتظار قليلا آلة تسجيل لا يمكن بأيّ حال أن ترحم وحدتك أو أن تعيرك ذرّة عطف أو إصغاء مهما صنعت.
    النّهاية الطّبيعيّة لقصّة مماثلة هي أن يملّ أحدنا حالة الرّكود و الرّتابة تلك و يقرّر أن يبرد كلّيّا و دون ردّة.
    المسألة محسومة و مقفلة بألف مفتاح و ليست هناك علامة واحدة تشير إلى تطوّر ما.
    كلانا يخفي يده اليسرى..و كلانا يحمل عقدة المصير.حلقة معدنيّة تدخل أصابعنا فتخرج مصائرنا عن السّيطرة.
    أمرّ أحيانا من أمام بيت والدها..البلدة صغيرة و النّاس كلّهم جيران و أنا غريب هنا..عرفتها يوم انقطع الماء عن البلدة و كان في دائرتنا بئر عميقة،جاءت .وضعت الدنّ تحت ساقيها،و سكنت،فوجئت أنّي أملؤه نيابة عنها بتهوّر و دون أن أشعر، ثمّ حملته بنفسي و عقّبته السّور لأنّ المسافة تصير أقرب بكثير.لم أنتبه ساعتها إلى يدها اليسرى؛كنت مشغولا و سعيدا.
    و كان والدها يمتلك خارج البلدة بقليل معرضا لبيع الأثاث و المعدّات المنزليّة.ذهبت إلى هناك ،كنت بحاجة إلى مكتب صغير.وجدتها تعين العاملة على فضّ علب أعتقد أنّها بضاعة جديدة.
    كانت منهمكة في العمل حتّى أنّها لم تلحظ وجودي،كانت تجتهد كي تفتح الصّندوق مستعينة بيدها اليمنى فقط،ثمّ بحركة سريعة غاصت كلتا يداها و سحبت ما بداخله و رفعته إلى فوق دون عناء،كان تلفزيونا من الحجم الصّغير..وقتها لمحت يدها اليسرى..
    لم يكن بها خاتم..
    ما أسوأ أن تُتّهم يدٌ بخاتم..
    و لم أندهش،لأنّ يدها اليسرى كانت مبتورة من المعصم..أساسا ليس هناك ما عاد يدعو للدّهشة.فقطعا لابدّ أن تحدث خارقة و يتفتّت المعدن الصّلب ككرة رمل لو أنّ كائنا من نحاس ظنّ أنّه سيقضي على خصمه بضربة من رأسه فيعرّض له الأخير كتلة عجين طريّ..
    ما أدهشني حقّا هو أنّي اختفيت من المعرض كشبح غير مرئيّ.و لا شيء تغيّر بعدها عدا أنّ الجسم الثّقيل الذي كان يقف بيننا حين ألتقيها و يطوّق بذراعيه عنقينا زال تماما،و أنّك صرتَ لا ترى منّي سوى يدي اليسرى.



    محمد فطومي
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة
  • هدير الجميلي
    صرخة العراق
    • 22-05-2009
    • 1276

    #2
    ابداع لايساور احد الشك فيه
    وقفت هنا
    اعانق الكلامت اركض لاهثة خلفها
    لاقف
    وقفة اتحسر
    بحثت عنك في عيون الناس
    في أوجه القمر
    في موج البحر
    فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
    ياموطني الحبيب...


    هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

    تعليق

    • إيمان الدرع
      نائب ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3576

      #3
      الزّميل الرّائع : محمد فطومي:
      مبدع حدّ الدّهشة ، وعميق حدّ الإبحار في خلجات النّفس ..
      وتثير الحزن ، والتأمّل حتى استنطاق محجر العين بما التقطتْ ، وخبّأتْ ...
      كم نستبيح الأماني العذاب ، ونشطبها، باليد اليسرى ..؟؟؟!!!
      ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي ..

      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

      تعليق

      • عزالدين ميرغني
        عضو الملتقى
        • 18-04-2011
        • 34

        #4
        هل لي أن أكون صريحا
        مررت وبشغف على مجموعة من القصص هنا
        والقليل منها أسرني
        ولكن
        عندما قرأت (اليد اليسرى)
        عرفت بأن هذا هو ما أبحث عنه
        يعجبني هذا النوع من القص لدرجة تفوق الخيال
        سحر اللغة
        بهاء المخيلة
        العقلية المرتبة التي نسجت هذا الجمال
        الانسياب المريح في القراءة يكمن هنا
        الامعان في قيمة الحب بغض النظر عن الناتج
        لولا خوفي من الاطالة لنسخت كل سطر وكتبت عنه
        الرائع محمد فطومي
        أول مرة أقرأ لك
        ولكنها حتما ستكون ضربة البداية لمشوار طويل
        ولن أنتظر .. سأنبش الأرشيف لوحدي
        دمت
        وسعيد أنا بهذه الصدفة.

        تعليق

        • مباركة بشير أحمد
          أديبة وكاتبة
          • 17-03-2011
          • 2034

          #5

          جواهر من القص الماتع ،تمازج فيها الخيال الرحب

          مع روعة التصوير في حضرة الحرف الرصين.

          .............

          بوركت أيها القدير ويدك اليمنى

          ودمت مبدعا

          تعليق

          • محمد فطومي
            رئيس ملتقى فرعي
            • 05-06-2010
            • 2433

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة هدير الجميلي مشاهدة المشاركة
            ابداع لايساور احد الشك فيه
            وقفت هنا
            اعانق الكلامت اركض لاهثة خلفها
            لاقف
            وقفة اتحسر
            أشكرك أستاذة هدير على بقعة الضّوء هذه.
            كنت سعيدا بوجودك.
            أرقى و أجمل تحيّة لك أختي.
            مدوّنة

            فلكُ القصّة القصيرة

            تعليق

            • محمد فطومي
              رئيس ملتقى فرعي
              • 05-06-2010
              • 2433

              #7
              أختي العزيزة و الرائعة إيمان.
              ليتني أستحقّ أسطرك الجميلة.و لو كنت بمستواها فماذا أكثر؟
              أحبّ مرورك إيمان.
              شكرا لك.
              مدوّنة

              فلكُ القصّة القصيرة

              تعليق

              • محمد فطومي
                رئيس ملتقى فرعي
                • 05-06-2010
                • 2433

                #8
                العزيز عز الدين ميرغني.
                مساء جميلا أخي.

                و لقد لمست فيك القارىء الأصيل ، الذي لا يمكن أن لا يبهرنا بما يكتب.
                كثير عليّ هذا الجمال أخي ،كما يقول صاحبنا في القصّة.
                إنّي فخور جدّا بما حظيت به منك .
                مودّتي العميقة لك.
                مدوّنة

                فلكُ القصّة القصيرة

                تعليق

                • محمد فطومي
                  رئيس ملتقى فرعي
                  • 05-06-2010
                  • 2433

                  #9
                  القديرة مباركة بشير.
                  بل الجواهر تسكبينها أنت هنا بفيض يجعلني صراحة أخاف ممّا سيُكتب لي أن أكتب.
                  شرّفتني أختي الفاضلة.
                  تحيّة ودّ و معزّة لك.
                  مدوّنة

                  فلكُ القصّة القصيرة

                  تعليق

                  • آسيا رحاحليه
                    أديب وكاتب
                    • 08-09-2009
                    • 7182

                    #10
                    القناعة في الحبّ استجداء أحمق يورّث المرض و حسب..

                    رائعة فعلا..
                    تحيّتي و تقديري.
                    يظن الناس بي خيرا و إنّي
                    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                    تعليق

                    • محمد فطومي
                      رئيس ملتقى فرعي
                      • 05-06-2010
                      • 2433

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                      القناعة في الحبّ استجداء أحمق يورّث المرض و حسب..

                      رائعة فعلا..
                      تحيّتي و تقديري.
                      هو ذاك أختي آسيا.هو ذاك.
                      سعيد بإطلالتك و بكلماتك الّلطيفة.
                      تحيّة جميلة جدا لك.
                      مدوّنة

                      فلكُ القصّة القصيرة

                      تعليق

                      • سمية الألفي
                        كتابة لا تُعيدني للحياة
                        • 29-10-2009
                        • 1948

                        #12
                        القدير محمد

                        وددت لو أن لي قوة كي أصفق لك حتى آخر العمر

                        لن أقول رائع باتت مستهلكة ولن أقول جميل لأنك تجاوزت إلى مابعد النقاء

                        فقط أقول

                        دمت لتروي ظمأ الخيال من نبضك

                        أتدري

                        لو لم يكن بطلك تصرف هكذا لكنت قلت محمد أتى به من صنف غير الرجال ( ههههه)

                        تبهرني وتعلم مدى ولهي بقلمك

                        مودتي وتقديري



                        تعليق

                        • محمد فطومي
                          رئيس ملتقى فرعي
                          • 05-06-2010
                          • 2433

                          #13
                          و تعلمين سميّة أنّك الأرقّ هنا.
                          سعيد جدّا لأنّ أحرفك الحمراء عادت لتؤثّث الملتقى بترتيباتها التي لا يتقنها سواك.
                          أمّا تلميحك الماكر فسأهرب منه الآن،على الأقلّ الآن.
                          دمت في صحّة و عافية سميّة الغالية.
                          مدوّنة

                          فلكُ القصّة القصيرة

                          تعليق

                          • بسمة الصيادي
                            مشرفة ملتقى القصة
                            • 09-02-2010
                            • 3185

                            #14
                            الأستاذ محمد القدير
                            نص مميز ولغة أكثر من جميلة
                            كان اللعب على "اليد اليسرى" متقنا
                            ما يحريني هو أنه لماذا بعد اكتشافه الحقيقة
                            -وهي أن الفتاة ليست مرتبطة كما كان يظن- أشهر يده اليسرى
                            وخاتم زواجه ! هل أرادها أن تعرف أنه متزوج وأن ترى خاتم زواجه بأم عينيها؟!
                            هل يدها المبتورة جعلته ينصرف عنها كزوجة ؟ أم أن ماشده إليها منذ البداية كان ذلك
                            "المستحيل" والسير في طريق ما لن يحدث!
                            أسجل إعجابي هنا
                            كنت رائعا
                            دمت بود
                            في انتظار ..هدية من السماء!!

                            تعليق

                            • محمد فطومي
                              رئيس ملتقى فرعي
                              • 05-06-2010
                              • 2433

                              #15
                              مات الظنّ بسمة العزيزة،و إذا ماتت الظّنون الحلوة صار لزاما علينا أن نرشّ وجوهنا بالماء كي نستفيق.
                              لم تكن تخفي يدها اليسرى لخاتم ،كانت تخفي عاهة،ظنّه الجميل الواهم في غير محلّه،فلم الاستمرار في الّلعبة،مادام كلّ يلعبها بقانون مغاير للآخر؟
                              هكذا دفعتني لقراءتها أختي الرائعة.
                              مودّتي لك.
                              مدوّنة

                              فلكُ القصّة القصيرة

                              تعليق

                              يعمل...
                              X