الخيط والإبرة .. مجموعة قصصية ...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الفتاح أفكوح
    السندباد
    • 10-11-2007
    • 345

    #16
    [align=center]المشهد
    ... ثم اشتد الصراخ واحتدت الجلبة، وسادت الكآبة المكان، وأمسك الخرس برقبة الكلام، فزاغت الأبصار، وصمت الآذان، فأرخت قسوة المشهد سدولا ثقيلة على عتمة الليل، وأناخت الفظاعة بكلكلها على الصدور، وأدمت الواقعة سكينة القلوب، فعصفت عنيفا بالأرض من تحت أقدام الحاضرين الوقوف ...
    لم يكن ما استقبلته الأعين مكرهة في الحسبان، ولا بالأمر الهين أو الحدث المتوقع، ولم يكن ما تلقته المسامع من صفع بالطارق البين، فقد لف المشهد بمباغثته المرعبة الأذهان بالجمود، وغزا بتفاصيله الدامية النفوس بالذهول، فكسى الوجوه بالوجوم، وبلهيب صعقته أحرق الدمع، وجففه ببطش صدمته في العيون ...
    لم يتبق لكل من عاين المشهد من حديث عينيه المبصرة سوى عبرات من حروف صامتة موءودة في دوامة الفاجعة ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com
    [/align]

    تعليق

    • عبد الفتاح أفكوح
      السندباد
      • 10-11-2007
      • 345

      #17
      [align=center]الحلقة الأخيرة
      ... ثم إنهم الليلة ينتظرون حلول الساعة السابعة والنصف مساء بفارغ الصبر ومنتهى الشوق، إلا أنهم في هذه المرة يترقبون موعدهم المعتاد بحال غير الحال، وبحرص شديد لم يعهد فيهم طوال تسعة وعشرين يوما خلوا ...
      بالأمس فقط أطلقوا العنان لتخميناتهم، واجتهدوا في بسط آفاق انتظاراتهم، فمنهم من بشر بحسن الختام، ومنهم من أنذر بسوء النهاية، ثم إن منهم من شكل وركب الخاتمة من خير وشر، فبشر بما سيسمها من حسن، وأنذر بما ستنطوي عليه من سوء، وجميعهم ظلوا من الموعد إلى الموعد في ما يتخيلونه من نهايات يسبحون ...
      أخذوا أماكنهم المعتادة أمام الرائي، وما هي إلا دقائق معدودة حتى خلصت إليهم الساعة المنتظرة، وانتهوا إلى الموعد المرتقب، فإذا بوجه بشوش يطل عليهم عبر الشاشة، وإذا به يخاطبهم بقوله: أعزائي المشاهدين والمشاهدات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد: فإني أقدركم وأستحسن فيكم الحرص على مشاهدة أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "الخاتمة"، لكنني ألتمس منكم العذر في هذا المساء، لأنكم لن تتمكنوا من رؤية هذه الحلقة، لأن تسجيلها لم يتم أصلا، وذلك بقصد مني، وليكن ما نسجتموه بمخيلاتكم من نهايات متوقعة خواتم بديلة لحلقة المسلسل الأخيرة ...
      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

      تعليق

      • عبد الفتاح أفكوح
        السندباد
        • 10-11-2007
        • 345

        #18
        [align=center]ماذا وراءك يا رجل؟
        ... فما إن طرق الخبر المفاجئ أذنيه حتى عدا مسرعا ولم يعقب، ومبلغ ما يقصد إليه أن يدركهم به قبل فوات الأوان، وقبل أن يحدث ما يخشاه، وحتى يثنيهم عما عزموا على اقترافه، لأنه سيعود عليهم بالندامة وسوء العاقبة ...
        لم يقصر في عدوه نحوهم، ولم يبخل في سبيل إدراكهم بكل ما أوتي من جهد وقوة، لكن المسافة الفاصلة بينه وبينهم كانت طويلة، فعز عليه اللحاق بهم في الوقت المناسب، أما هم فأخذ بعضهم يحث البعض الآخر على المبادرة دون أدنى تأخير إلى فعل الذي اتفقوا في شأنه، وعلى الإسراع في تنفيذه ...
        ثم إنه عندما وصل إلى حيث هم مجتمعون، وقد فرغوا من صنع ما أجمعوا عليه أمرهم، وبعد أن رأوه على تلك الحال المنذرة غارقا في عرقه وإرهاقه، وقد انتهى به الجري إليهم، كادوا ينكرون معرفته، إلا أنهم سألوه بلسان واحد: ماذا وراءك يا رجل؟ ...
        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

        تعليق

        • عبد الفتاح أفكوح
          السندباد
          • 10-11-2007
          • 345

          #19
          [align=center][align=center]الغريب
          ... فأما الرجل فشك في مظهره دون أن يطلع على مخبره، وقدم سوء الظن على حسنه، ثم إن ارتيابه في أمره اشتد واحتد، عندما أوجس خيفة من شدة نظراته التي لا تستقر على حال، ومن خفة حركاته التي تكاد تعصف بالذهن وبهدوء البال ...
          وأما المرأة فرقت له وقد قرأت أحرف الحزن والألم المنبعثة من عينيه، عندما رأته منعزلا بغير صحبة سوى من وحدة شديدة قد لزمها ولزمته، وثياب رثة عليه قد لبسته أكثر ما لبسها، ونصف نعلين ممزقتين في كلتا قدميه، ثم إنها أشفقت عليه كثيرا ورثت لحاله العسيرة، لما أبصرته يرتعد من شدة البرد القارس، وقد علا الشحوب محياه، وكست الزرقة ظهر يديه المرتعشتين، فلا هي رأت أحدا مد إليه يد العون، ولا هي رأت أحدا رفعها مواسيا فحياه ...
          وأما الطفل فاكتفى بإرسال عينيه الصغيرتين من بعيد، فظل ينظر إليه شاردا في هيئته وارتعاشة يديه ...
          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
          aghanime@hotmail.com
          [/align][/align]

          تعليق

          • عبد الفتاح أفكوح
            السندباد
            • 10-11-2007
            • 345

            #20
            [align=center]الكلمة المفقودة
            ... وما إن خط على الورقة الماثلة أمامه سربا من الكلمات، حتى لجأ مضطرا إلى التوقف هنيهة عن الكتابة، على أمل مواصلتها لاحقا، فقد أنفق منذ بدأ في تسويد إحدى صفحتي تلك الورقة وقتا غير يسير، وجهدا ليس بالقليل في طلب كلمته المفقودة ...
            تبدت له الصفحة صحراء مترامية الأطراف تارة، وبحرا عميقا بعيد الغور تارة أخرى، وتجلت له نفسه حينا رحالة يسوق قافلة الحروف، وقد أدركه غروب الشمس، في غمرة بحث جهيد عن إحدى الواحات، وانكشفت له نفسه حينا آخر ملاحا تداعب الأمواج سفينته، في حين تترقب عيناه بشوق كبير رسوهما على إحدى الجزر ...
            ثم إنه واصل الكتابة، عسى أن يعثر على الكلمة التي افتقدها منذ زمن، والتي اعتاد في أيام خلت أن يتأمل حروفها الوضيئة، ويملأ منها البصر، بقدر ما ألفت نفسه الإرتواء مما يجمع بينها من مودة ورحمة ...
            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

            تعليق

            • عبد الفتاح أفكوح
              السندباد
              • 10-11-2007
              • 345

              #21
              [align=center]الحريق
              ... أما الأم والأب فظلا وجهان يبكيان في صمت، وأما الإخوة والأخوات فمكثوا على حالهم الجديدة عيونا شاردة، وأما البيت فلم يغد لهم سوى بيت أشباح من شدة ما أصابهم من الشحوب والهزال، ولم يعد فيه مقام للبسمة المعتادة، والضحك المألوف، والفرح المتواصل، كما كان لهم فيه بالأمس القريب، منذ أن شاخت الوجوه الصغيرة قبل الكبيرة بالأسى وقبل الأوان، وشب حريق الحزن والحسرة، وألقى بين جدران البيت مرساته، وغدا له المكان مرسى، وانشبت الكآبة مخالبها في وجوه أهله، وغارت أنياب القهر والمرارة في القلوب قبل النفوس، بل إن ذات الحريق اندلع منذ أن غادر الإبن الأكبر أفراد أسرته غير مودع ولا مودع ...
              انتظروا عودته بفارغ الصبر ذات ليلة، وترقبوا في اليوم التالي رؤيته سليم البدن ومعافى العقل، ثم أملوا طرق باب بيتهم بيده طوال اليوم الثالث، واستبشروا خيرا في اليوم الرابع، لكن الأسبوع الأول مضى وانقضى بغير أوبة للغائب، ثم تعاقبت الشهور وتلاحقت، وكذلك الأعوام تسارعت، فلم يعد الإبن المهاجر سرا إلى حيث الضفة الأخرى، ولم يعثر له أهله إلى يومهم هذا على أثر كبير في البحر أو على أثر صغير على اليابسة ...
              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
              aghanime@hotmail.com
              [/align]

              تعليق

              • عبد الفتاح أفكوح
                السندباد
                • 10-11-2007
                • 345

                #22
                [align=center]غمرة الزحام
                ... وإذا بمن لقيه بالأمس منشرح الصدر، يبصره اليوم عن بعد منقبضا عبوسا، وعلى حال غير تلك التي كان عليها جملة وتفصيلا ...
                ما الذي حدث حتى صار هذا الرجل بوجه غير الوجه، وبنظرات غير النظرات، وبخطوات غير الخطوات؟ ما الذي جرى بين الأمس واليوم حتى غدا شارد الذهن، وتائه العينين، ومقطب الجبين؟ ما الذي وقع حتى بدا عليه الطيش وحل لديه محل الوقار، وعبث به الإضطراب والشحوب قبل غلبة الإنهيار، واختلط عنده الليل بالنهار؟.. ما الذي جد وما الذي صار؟ ...
                حياه ملوحا بيده، والشارع يفصل بينهما، لكنه لم يكن لينتبه لتلويحه على أي حال، وهو الغريق في ما هو منشغل به، ثم سرعان ما غاب عن ناظريه في غمرة الزحام ...
                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                aghanime@hotmail.com[/align]

                تعليق

                • عبد الفتاح أفكوح
                  السندباد
                  • 10-11-2007
                  • 345

                  #23
                  [align=center]عين الصواب
                  ... وبعد أن صنع ما صنع، وحمل نفسه ما لا تطيق من اقتراف الآثام، وصم أذنيه عن سماع الحق، ولوث منطقه بزبد الباطل، ألقى بذاته وصفاته في كل عتمة منكرة، وزج بنفسه في كل مفسدة مشهرة، ثم إنه كم جد واجتهد في توهم الصنع الحسن، وادعاء البراءة من عبادة الوثن، إلا أن لسان حاله يبعث الناظر إليه على الأسى والحزن، ويثير الشفقة عليه والشجن ...
                  لقد تحدث بجميع الألسن، إلا أنه لم يتحدث باللسان السوي المطلوب، وأرهف السمع إلى كل قول سيئ وحديث قبيح، إلا أنه لم يرهفه إلى القول الحسن، ثم إنه أبصر بكل أعين الضلال والخطإ، ولم يبصر بعين الهدى والصواب ...
                  د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                  aghanime@hotmail.com
                  [/align]

                  تعليق

                  • عبد الفتاح أفكوح
                    السندباد
                    • 10-11-2007
                    • 345

                    #24
                    [align=center]الحمل الثقيل
                    ... ثم إنه لا يدري ما الذي بعثه الساعة على النظر في المرآة، ولا يعلم ما الذي استدرجه إلى الوقوف هذا الموقف أمام محياه .. ألأنه اعتاد التأمل الطويل مرارا في وجوه من يلقاهم ويصادفهم، في حين لم يألف ذات التأمل في وجهه إلا نادرا؟ أم لأنه أراد تفقد ملامح الوجه الذي لم يفارقه على مر السنين؟
                    قال لنفسه: يكفيك من الحديث المجدي في موقفك هذا أن تفصح لك المرآة الصامتة بنطق رأسك الذي بدأ يشتعل شيبا، ويكفيك من ذات الحديث أن تنساب حروفه انسياب العرق من بين تجاعيد جبينك، بل يكفيك منه بيان عينيك المسكونتين بحمل الأعوام الثقيل ...
                    لم يطل الوقوف أمام المرآة، ولم يسترسل في مخاطبة نفسه، وإنما سحب وجهه من أمام عينيه بهدوء، ثم غادر المكان ...
                    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

                    تعليق

                    • عبد الفتاح أفكوح
                      السندباد
                      • 10-11-2007
                      • 345

                      #25
                      [align=center]بيت القصيد
                      ... وهذا مجمل ما أردت قوله لكم ونصحكم به، دون زيادة أو نقصان، وما قصدت إلا تنبيهكم إلى ما لم تروه في شأنكم ذاك، فأقيموا الوزن لعقولكم في رؤوسكم تفقهوا خلاصكم، ومكنوا الروية من تفكيركم وآرائكم تدركوا صلاحكم ونجاتكم، وإن أبيتم فذاك خياركم ومنتهاكم، وتلك عاقبتكم ومبلغكم ...
                      لزم ذو النصح بعد التحدث صمته، وأخذ في المجلس مكانه، ثم أرهف السمع إلى كل ذي قول وكلمة، وأرسل عينيه متأملا إلى كل ذي ميل وحركة، فإذا بالأحاديث تتنافر، وإذا بالآراء تتناقض، وما هي إلا لحظة حتى تشابكت الأيادي وتلاحمت الأجساد، فلم يعد للكلام مجال، ولا للمقام مقال، فظل الجمع ينشد بهذه الحال بيت القصيد ...
                      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

                      تعليق

                      • عبد الفتاح أفكوح
                        السندباد
                        • 10-11-2007
                        • 345

                        #26
                        [align=center]الجزيرة
                        ... أبحر وغاص، ثم غاص وأبحر، وبعد إبحار طويل وغوص عميق في يم لا ساحل له، وبين جزر متقاربة وبين أخرى متباعدة، أمسك عن مواصلة الغوص والإبحار، وألقى مرساته بالقرب من جزيرة كانت قد لاحت له في الأفق، ثم إنه نزل إلى اليابسة، وأخذ يستكشف كل أرجاء الجزيرة، ولم يترك أي شبر منها إلا وتفقده بعينيه، وألقى عليه نظرة إعجاب، فلم يغادر أثناء جولته وسياحته في ربوعها يسيرا أو قليلا، ولا صغيرا أو كبيرا، إلا وتلقاه بما يستحق من اهتمام، فما كان من الجزيرة إلا أن سحرته ببيان خطابها، وأسرته بفصاحة طبيعتها، وشدته إليها بأمراس بساطتها وروعتها، وبسلاسل من الوجد والحنين ...
                        لم يبحر صاحبنا ثانية، ولم يعد إلى الغوص من جديد، بل إنه أقام في الجزيرة وقد طاب له المقام، فامتزجت أنفاسه بطيب أنفاسها، وخفق قلبه بنبض خافقها، وارتوت عيناه بضيائها وبحسن بهائها، وحلق ذهنه في ألق سماء سمائها ...
                        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                        aghanime@hotmail.com[/align]

                        تعليق

                        • عبد الفتاح أفكوح
                          السندباد
                          • 10-11-2007
                          • 345

                          #27
                          [align=center][align=center]درسنا اليوم
                          ... وعندما دخل حجرة الدرس، وقف التلاميذ كما جرت بهم العادة وجروا بها، تحية واحتراما له، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا، وهي إشارة معهودة لديهم في كل مرة يتجاوز فيها عتبة باب حجرة الدرس، فجلسوا وأعينهم الصغيرة مشدودة إلى حركاته وسكناته، وآذانهم يقظة متأهبة لتلقي أي صوت منه مسموع ...
                          فتح محفظته السوداء، بعد أن وضعها مستعجلا على مكتبه، وأخرج منها كتابا، ومذكرة، ولائحة أسماء التلاميذ، وقلم حبر، ثم ألقى نظرة خاطفة على الوجوه المنتظمة أمامه، وألقى بثانية إلى السبورة السوداء، وبثالثة إلى ساعته اليدوية، فشرع ينادي الأسماء، ولا يستقبل سمعه سوى كلمتين متتابعتين وغير متواليتين: حاضر .. حاضر .. غائب .. حاضر ...
                          وعندما فرغ من المناداة، فتح أحد أدراج مكتبه، فأخذ الممسحة وقطعة من الطباشير الأبيض، ودون إبطاء كتب تاريخ اليوم أعلى السبورة، وخط تحته خطا قصيرا، ثم كتب أسفله لفظتين متباعدتين على ذات السطر، فأقبل بوجهه على التلاميذ مخاطبا: درسنا اليوم ...
                          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com[/align]

                          تعليق

                          • عبد الفتاح أفكوح
                            السندباد
                            • 10-11-2007
                            • 345

                            #28
                            [align=center]المهاجر
                            ... ثم إن أهل القرية، عندما قدم وطال بينهم وبينه العهد، كادوا أن يهيلوا عليه تراب النسيان، وحتى صورة شبابه أوشكت أن تتلاشى في ذاكرتهم، وتنمحي من الأذهان، إذ لم يغب عنهم عاما أو عامين، بل إنه غادرهم مكرها ليعود إليهم في حسبانه بعد يوم أو يومين، إلا أن غيبته طالت، ولم تدم عمرا وإنما استغرقت عمرين ...
                            ونادى المنادي من مكان قريب: يا أهل القرية، أتذكرون هذا الرجل الذي هاجر من قريتكم شابا، وعاد اليوم إليها وإليكم شيخا؟
                            أخذت العيون تتطلع إلى وجه الشيخ العائد، واجتهد كل من طابق سنه أو قاربها في التعرف عليه، وبادر بفضول السائل إلى استنطاق محياه المثقل بآثار الغربة وكثرة الترحال، وبعد نظرة ونظرتين، واستفهام واستفهامين، بادر أحدهم وقد تملكته الدهشة قائلا: إنه ...
                            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                            aghanime@hotmail.com
                            [/align]

                            تعليق

                            • عبد الفتاح أفكوح
                              السندباد
                              • 10-11-2007
                              • 345

                              #29
                              [align=center]كلمة العبور
                              ... أما الآن فلم يبق له إلا خطوة واحدة لا ثانية لها ليلتحق بعالم هذه الواحة الخضراء، وليجوب مرتحلا بين سهولها الرحبة الغناء وجبالها الشامخة العلياء، وليحل مقيما بين أهلها الأجواد الكرماء ...
                              خطوة واحدة متبقية له، عليه أن يخطوها، لأنها طرق باب، واستئذان وآداب، ومفتاح بأسباب، وما الخطوة اللازمة إلا كلمة عبور بصوت ساحر خلاب، عليه أن ينتقيها بعناية تليق بالواحة الخضراء، وينفقها وافية بغير حساب ...
                              فكر ثم فكر، ثم تدبر وتأمل في كثير من الأسماء والأفعال، وسبح بذهنه بين العديد من الأعمال والأقوال، وبعد أن طال به التجوال، وامتد به التفكير إلى غاية مطابقته لمقتضى الحال، استقر به الرأي على أن يخطو بثبات وإرادة وبحماسة الإقبال، عبر كلمة لم يجد لها منافسة، ولا بديلة، ولا مثال، وقد أدرك أخيرا أنها كانت قريبة منه قربا لم يخطر له على بال، وعجب كيف لم يرها واضحة دون تأخير وفي الحال، وهي كالشمس في كبد السماء، ولم تكن مشهدا بعيد المنال، بل هي جلية كالمطر الغزير الهطال، وعجب كيف لم يعثر عليها، وهي ليست سرابا يتراءى فوق كثبان الرمال، بل إنه عجب تمام العجب كيف لم ينتبه إليها مقيمة نابضة داخل قلبه في الغدو والآصال، وكيف انطلق يبحث عنها بعيدا ممتطيا ألف سؤال وسؤال، وكيف شد الرحال إليها مثقلا بالأحمال الثقال، وكيف خاض من أجل الوصول إليها ألف نزال ونزال ...
                              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                              aghanime@hotmail.com[/align]

                              تعليق

                              • عبد الفتاح أفكوح
                                السندباد
                                • 10-11-2007
                                • 345

                                #30
                                [align=center]العقوبة
                                ... ثم إن المعلم أرعد وأزبد، وشتم الفتى ولعنه وفي تعنيفه أبعد، وألقى رداء الوقار فأفسد، وفي جميل الحكمة كان أزهد، ثم إنه انهال على الفتى كالسيل الجارف يأمر ويتوعد:
                                ... وبعد أن تنتهي أيها الغبي من حفظ هذه القطعة الشعرية حفظا تاما غير منقوص عن ظهر قلب، وإن كنت لا أرى لك قلبا، عليك أن تكتبها مائة مرة بخط واضح، وإن كنت لا أجد لك خطا سيشفع لك، واحرص أثناء الكتابة على سلامة القطعة من الأخطاء الإملائية، وإياك ثم إياك أن تنسى إثبات عنوانها، ثم إياك وإياك أن تسقط منها حرفا واحدا، وحذار ثم حذار أن تحرم أحد حروفها من شكله بالحركة المناسبة، ولا أنصحك بطلب المساعدة من غيرك في القيام بهذه الواجبات المفروضات عليك فرضا على الرغم من أنفك، وإن أبيت إلا أن تمتطي عصيان أوامري، وتركب مخالفة تعليماتي، فلا تلومن إلا نفسك، وستكون بامتناعك عن نهج ما رسمت لك، وبرفضك إنجاز ما أمرتك به، قد جنيت على نفسك جناية عظيمة، لا طاقة لك بها، وإني لأرى خديك قد أينعا، وقد حان قطافهما بصفعات كفي هاتين، ولك أن تختار ما يليق بك، وموعدي معك غدا، والغد ليس ببعيد ...
                                تجمد الفتى في مكانه وتسمر من شدة الخوف، وجفف الرعب الدمع في عينيه، وكدر الدم في عروقه، بعد أن نالت خده الأيسر صفعة مدوية من كف المعلم، فغشيت الكآبة وجوه الصغار، وسكن القمع والقهر في عيونهم المبصرة، وبلغت قلوبهم الحناجر ...
                                إذهب إلى مكانك أيها البليد الكسول ...
                                والآن جاء دور ...
                                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                                aghanime@hotmail.com[/align]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X