قبل البدء أَودُّ الإشارة إلى أَنَّ هذه أول قراءة في تحليل النصّ الأدبي , وكلّ قراءة تبقى وجهة نظر صاحبها , ومهما ادعى بالموضوعية لكنها في الحقيقة قراءة ذاتية , ولولا السياب ما قرأت هذا النص , هذه القراءة ربّما يراها غيري بعيدة عن الصواب , نقول له نعم كلّ نص له قراءات عدة ,,,و أتمنى أن أكون وفقت في قراءتي هذه ...
النصّ
يا وقت.. تمهل
يا وقتُ تمهـّل ..
لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة ،
وسنبلةً من حصادِ الفرَح .
لعلـّي أستعيدُ ظلا ًّ بلون النـّخيل .
يا وقتُ تمَهـّل..
لأُرَاقِصَ الرّيحَ فوق المدائن ،
وأرفعَ صَوْمَعَةً للصلاة
ومملكةً أرسـمُها للشعراء .
فتمطرُ السّماء حروفا
تـَنقُشُ أسْماءنا في الصّخر ،
يا وقتُ تمهل..
هناك» الحصان... وحيدا «
وحقلُ ٌ بعيدُ ٌ
يعانق وجع َالرّحيل
وعلى الضـّفـّة طفلٌ ُ
يغتسلُ بالحنين
لبيتٍ محاصَرٍ .
آه.. لو أغنـّي له
ويأتي الصّدى لعيْنيْه وردا .
يا وقتُ تمهـّل وخذني لجذع طلع .
على الأرض ينامُ ،
لعلّ مريم تنهض فيّ ،
وتمنحُنـي قصيدة للخلود
فتكونُ لي أوسِمة في كلّ بيتٍ .
يا وقتُ تمهـّل ..
لأنبتَ مِنْ ضِلْع السّــيّابِ شجرة
فروعُها في الأرض
وغصنُها في الفرح .
سليمى السرايري – تونس
*********
القراءة
الوقتُ غمامة زاحفة صوب الأفول , ونحن – بني البشر – لاشيء أثمن عندنا من عمرنا ؛ أي من هذا الوقت الذي نعيشه على هذه المعمورة , فهو مصدر سعادتنا , ومصدر شقائنا أيضاً , والوقت أنفس شيء في الحياة , لكنَّه في تناقصٍ مستمر , ومهما فعلنا فلن يتوقف , وسيصلُ بنا يوماً إلى النهاية , وإِنَّ الوقتَ كنزٌ لا يعرفه سوى القليل , الأمومة أملُ كلِّ فتاةٍ , منذُ الصغر وهي تحلمُ أن تكونَ أُمَّاً , لذا فهي تقتني دُمى صغيرة تمثل أطفالاً , وتكبر فتكبر معها تلك الأحلام والأمنيات , - واني شاهدت فتيات متزوجات , أَعزُّ مقتنياتهن الدمى - وتظلُّ الفتاة منتظرة ذلك اليوم الذي يتحققُ به حلمُها , وكلّما مرَّ الوقت زادت مرارة الأيام وبَعُدَ الأمل عن التحقق , والانتظار بالنسبة للفتاة مرير طويل , يكسر أنفاس الصبر , ويسدل عليه ثوباً كليلاً .
قبل البدء في قراءة النص , أودُّ الإشارة إلى أنَّ هذا النصّ أعتمد أسلوب الرمز والإيحاء , فالشاعرة ترسم معاناة فتاة ما , وليس بالضرورة أن تكونَ هذه الفتاة الشاعرة ذاتها , و يبدو أنَّ النصّ كُتِب بأسلوب المرايا " الذي من شأنَه غالباً اختلاق شخصية وهمية يتحدث عنها الشاعر أو تتحدث عن نفسها "[2] , وتبقى هذا القراءة وجهة نظر , أو قل : قراءة من قراءاتٍ مفتوحة , مع إيماننا بعدم وجود قراءة مطلقة للنصوص الأدبية , ونأمل أن نوفق في قراءتنا .
" يا وقت تمهل " نصٌّ غني برموزٍ ذات دلالات مختلفة , ورُبَّما يحتملُ قراءاتٍ مفتوحة , فربَّما يذهب قارئ آخر إلى غير ما رأيناها , لكن تبقى القراءة المقبولة ؛ هي التي تتمكن من إقناعِ القارئ وبأدلةٍ من النصِّ نفسه , إِنَّ أول ما لفت انتباهنا في النصّ هو العنوان , فهو يشير إلى شخصيةٍ تتوجع ألماً من سرعة الوقت , فالإحساس بسرعة الحياة , وبسرعة انقضاء الليالي والأيام هو ما أنتج هذا العنوان , وجاء العنوان مكرراً مع بداية كلِّ مقطع , لأهمية الوقت بالنسبة إلى تلك الشخصيّة , و " إِنَّ التكرار يمنحُ القصيدة بعداً شعورياً "[3] في زوالِ الأوقات السعيدة , والرغبة الملحة على تمهل الوقت قليلاً , لذا يمكننا القول أنَّ الشخصيّة في خطابها للوقت بالتمهل تشير إلى تلك المعاناة النفسية التي تلح على فكرها حتى تكررت مع كلِّ مقطع , وهي تتمنى أن تسعد وتفرح قبل الرحيل , فجاءت في المقطع الأول عبارة :
" لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة
وسنبلــــةً من حصادِ الفرَح "
وسنبلــــةً من حصادِ الفرَح "
وجاءت في المقطع الأخير عبارة :
"وغصنُها في الفرح "
فهاتانِ العبارتان توحيانِ بأنَّ الشخصيّة حزينة , وبتمهل الوقت ربَّما ستحصل على شيءٍ من أمانيها , ومع هذه الأماني ربّما يعود لها الفرح المفقود , ونعتقد أَنَّ هذه الشخصيّة هي فتاة بالغة , تعاني من سرعة مرور الأيام والليالي , والنصّ يصور لنا هذه المعاناة عن قُرب تصويراً دقيقاً بعيداً عن المباشرة والتصريح , ويبدو قد وُظِف الرمزُ بأسلوب فني محكم , فلم نجد عبارات تشير إلى المعنى المراد بالتصريح , بل كلّ ذلك كان على سبيل المجاز والكناية والإشارة والرمز , ونلحظ أنَّ النصَّ قد خلا من الفعل الماضي مع وجود إشارات إلى الزمن الماضي , يبدو أنَّ الحاضر وأوجاعه قد أطبق أساه على الشخصيّة , لذا كانت الأفعال كلُّها مضارعة سوى فعلي أمر ؛ وهما " تمهل , خذني " , وبقية الأفعال مضارعة وهي : " استعيد , أراقص , ارفع , تمطر , تنقش , يعانق , يغتسل , اغني , يأتي , ينام , تنهض , تمنحني , تكون , لأنبت " , يدلُّ هذا التكرار لصيغة المضارع على أهمية الوقت الحالي والمستقبلي لدى الشخصيّة , ( فتكرار وحدات الزمن الجزئية يشير إلى احتواء الزمن ومأساته لحالة الشخصيّة , وإِنَّ صيغة المضارع تعني استمرار المعاناة ) .
النصّ تكوَّن من مقاطعٍ خمسة , كلُّ مقطعٍ يبتدئ بنداء الوقت بالتمهل , والمقطعان الأول والثاني يمثلان أُمنيات للشخصيّة , و يمثل المقطعان الرابع والخامس أُمنيات أيضاً , لكنَّ الأمنيات في المقطعينِ الأخيرينِ هُنَّ التي ترنو إليهنَّ الشخصيّة , فلم تكن مستحيلة كما في المقطعينِ الأول والثاني , أما المقطع الثالث فهو يمثل بؤرة النصّ ؛ أي المحور الذي ترتكز وتبنى عليه الدلالة المركزيّة للنصِّ .
المقطع الأول :
يا وقتُ تمهـّل ..
لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة ،
وسنبلةً من حصادِ الفرَح .
لعلـّي أستعيدُ ظلا ًّ بلون النـّخيل .
لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة ،
وسنبلةً من حصادِ الفرَح .
لعلـّي أستعيدُ ظلا ًّ بلون النـّخيل .
يبدأ هذا المقطع كالمقاطع الأخرى بمخاطبة الشخصيّة للوقتِ بالتريث والتأني " يا وقت تمهل " , وكأَنَّه يسمعُ ويعي , فقد أضفت على الوقت من صفات الإنسان , علَّه يرقُ ويلبي دعوتها , فلم يأتِ لها بشيءٍ سوى الحزن , فقد أذبلتِ الأيامُ أمانيها , وعصفت الريحُ في بيادر فرحها , فتناثرَ سُنبله , وتودُّ العودة إلى "حياةٍ خضراء" , تودُّ العودةَ إلى تلكَ الأماني التي أمستِ الآنَ أطلالاً , ففي قولها " لعلّي أستعيد ورد الطفولة " نعتقد أنَّ لفظة " ورد " تدل على الدُّمى , وهي بالنسبة للطفلة تمثل سعادتها وزينتها[4] , ومؤنسها وتعيش معها وكأنَّها تنبض بالحياة , فتضمُّها إلى صدرها وتحنو عليها وتخاطبها وتناغيها , وقد بيَّنتِ الشخصيّة رغبَّتها بتوقفِ عربةِ الزمن لعلَّها تهربُ من واقعها المرير الذي لا حياة فيه , واللجوء إلى الطفولة حيث البراءة الفرح واللعب تحت جدائل النخيل , وظلال الأماني اليافعة , مع الفتيات الأخريات وهنَّ يعانقن أماني شتى حالمات بذلك العالم القادم , فيرسمن البيوت والقصور , بل يرسمن مملكة كاملة , ليس فيها سوى البراءة والعطف والبساطة , فلا حزن ولا معاناة , بل هناك الفرح واللـــــــهو , والأمومةُ هي الأخرى تراودُ أحلامهن , فتتمنى الشخصيّة العودة إلى إحدى هاتين , إما الأمومة وهي الأسمى , وإما الطفولة ذات الصفاء والنقاء والبراءة مبتعدة عن سخط الحياة ومشاكلها . فالشخصيّة تصرح علَّها تستعيد ما فقدته , وهي قد فقدتهما معاً الطفولة والأمومة الخيالية , لذا تناشد الزمن بالتمهل علَّها تسترد من تلك الورود – الدمى – التي كانت تأنسُ بها في عالمها الطفولي البريء , فقد حَصَدَ الزمنُ فرحَها , وذراه في شقوق الليالي والأيام , وتحاولُ أن تحصلَ ولو على سنبلة واحدة من ذلك الزمن البريء الضاحك , ولفظة " السنبلة " لم تأتِ اعتباطاً , وإذا عرفنا أنَّ لونها أَخضر بدلالة عبارة " بلون النخيل " , عندها نستحضر تلك السنابل الخضراء التي يأكلهن سبعٌ يابسات , في الموروث الديني , فالسنبلة رمزٌ إلى حياة الرخاء والخصب , والشخصيّة تريد الخلاص من زمنها المجدب , عائدة إلى تلك الأيام الخضراء .
المقطع الثاني :
يا وقتُ تمَهـّل..
لأُرَاقِصَ الرّيحَ فوق المدائن ،
وأرفعَ صَوْمَعَةً للصلاة
ومملكةً أرسـمُها للشعراء .
فتمطرُ السّماء حروفا
تـَنقُشُ أسْماءنا في الصّخر ،
تأتي مفردات تدلُّ على التفاعل والتمتع في الحياة من قبل الشخصيّة الرئيسة , وهذه المفردات هي ( أُراقص , أرفع صومعة , أرسم مملكة , تمطر ) , لكن متى يتحقق هذا التفاعل ؟ عندما يتوقف الوقت ويتمهل , فالشخصيّة تريدُ لها مكاناً يعلو فوق هذه المدن , وهناك فوق الغيوم ترسمُ مملكةً وفق أمانيها , وتمارس فيها طقوسها من " رقص , ورسم , وعبادة " , فهي تريد عالماً خاصاً وفق أحلامها وأمنياتها .
وربُّما الشخصيّة قد ضاقت بها ذرعاً حياة الأرض , فتريد الهرب إلى عالمٍ مثالي فوق هذا العالم الذي لا يحترم الشعراء , ولا يقيمُ لهم وزناً , وهناك في عالمها المتخيل , ترسم مدينة الشعراء , ومن ثمة تضع كلّ شاعر في مكان وفق رؤيتها , فالشخصيّة ساخطة من عالمها المعاش , أو قل رافضةٌ له .
المقطع الثالث :
يا وقتُ تمهل..
هناك " الحصان... وحيدا "
وحقلُ ٌ بعيدُ ٌ
يعانق وجع َالرّحيل
وعلى الضـّفـّة طفلٌ ُ
يغتسلُ بالحنين
لبيتٍ محاصَرٍ .
آه.. لو أغنـّي له
ويأتي الصّدى لعيْنيْه وردا .
يصور هذا المقطع معاناة الشخصيّة وشوقها إلى الأُمومة , فهي بحاجة إلى فارسٍ يحققُ لها أحلامها التي غُرِست معها , وأخذت تنمو حتّى حان موعدها , فهي الآن بحاجة إلى طفلٍ يؤنسها في ظلام الليل البهيم , وقد جاءَ التعبيرُ - بأسلوبٍ رمزي وهو " الحصان وحيداً " , وإِنَّ الحصان من ملازمات القائد , فليستِ الشخصيّة تريدُ أيَّاً كان , بل تريده فارساً شجاعاً , لأنَّ دلالة لفظة " حصان " في الموروث العربي لها مكانة مرموقة , فهي للأبطال والشجعان والقادة لا لعامة الجُنْد , فرغم المعاناة التي تمرُّ بها الشخصيّة لم تتنازل عن كبرياءها , بل جعلت لها تلك المكانة العليا التي يَكُنها العربي للحصان .
وعبرت الشاعرة عن خصبِ الشخصيّة بأنَّها حقلٌ , في قولها " وحقلٌ بعيد " , وإنَّ بين الأرض والأمومة علائق وشيجة , فهي أمرٌ مُسَلَمٌ به , فمنذ العصر الجاهلي راح الشاعر يزاوج بين أمومة المرأة والأرض الخصبة . وقد قيل : " أمُّنا الأرض منها خلقنا وإليها نعود " , ويرمز الحقل أيضاً للحياة والخصب , والفتاةُ واهبة الحياة إلى الدنيا , والحقل مصدر جمالية الأرض , وكذلك المرأة تعطي الجمالية والزينة للدنيا , ولا زينة للدنيا بدونها , بدليل قوله تعالى " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا "[5] , وجاءت الاستعارة جميلة في قولها " حقلٌ بعيدٌ " , وهذا الحقلُ يأكله الوجعُ , لأنَّ بعده عن الآخرين جعله يتعذب بالوحدة والغربة والعزلة , وسيلفه الصيف ويحطم سنابله كلَّها , وستعصف به ريحٌ سمومٌ فتجعله قاحلاً , لذا جاءت لفظة " بعيدٌ " تدلُّ على عدم الاستفادة من ذاك الحقلُ , وإنَّ الرحيل بدا يعانق الحقل فَعَلَتْ منه الحسرات والآهات ؛ أي أنَّ الخصوبة قد أشرفت على تبددها وبدت أمارات القحل , فسيصبح حقلاً يابساً تذروه الرياح فستموت الحياة فيه وتذبلُ بهجته . وهناكَ طفلٌ في بيتٍ محاصر حزين , وتدلُّ عبارة " بيت محاصر " على عذريَّة الشخصيّة , وهذا الطفل يلفُّه الشــوقُ والحنين , ليتحررَ من سجنه ويشمَّ الهواء , ونرى أنَّه تناص مع قول السياب عن شوق الجنين إلى الولادة : " شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولادة "[6] , فالمعنى هو هناك جنين مشتاق إلى عالم الطفولة , وحسرةُ الشخصيّة جاءت برغبتها إلى الغناء لتناغي وتُطرِبُ الطفل , وبالتأكيد هي طروبٌ بذلك الطفل الذي بين يديها , لذا جاءت لفظة " أُغني " التي تحمل في دلالاتها الفرح والسرور للشخصيّة , وسبقت لفظة " أغني " لفظة التوجع والتحسر " آهٍ " وتخبرنا هذه اللفظة بشوق الشخصيّة إلى الأمومة ؛ وبما أنَّ الفتاة واهبة الحياة - الأطفال - إلى الدنيا , تخبرنا الشخصيّة – الفتاة البالغة - أنَّ هناك طفلٌ لديها , لكنَّه لا يزال حبيساً عائماً في غياهبٍ معتمةٍ منسياً هناكَ على ضفاف الأسى والانتظار, ثم تتأوه حسرةً , آهٍ لو أكونُ أُمَّاً , كي أناغيه في الليل فيطربني وأطربه , والشخصيّة مكبوتةٌ تريدُ أن تفرغَ حبَّها , فتعزف للطفلِ أنغاماً شجية , وتمزقُ صمتَ ليلِها المجدبِ الذي أطبقَ ظلامُه على نافذتها , ويبدو أنَّ الفعــــل " يأتي" يدلُّ على أنَّ الطفلَ في حجرها أو بالقرب منها , ولو كان بعيداً لقالت " يذهب " , ومن غير المعقول أن يغني أحدٌ لآخر بعيـــــــــــدٍ عنه اللهم إلا أن كان على سبيل المنولوج .
المقطع الرابع :
يا وقتُ تمهـّل وخذني لجذع طلع .
على الأرض ينامُ ،
لعلّ مريم تنهض فيّ ،
وتمنحُنـي قصيدة للخلود
فتكونُ لي أوسِمة في كلّ بيتٍ .
هنا دعوة ربَّما أكثر وضوحاً من الشخصيّة إلى الوقت بأن يزفها إلى بيت زوجها , ونحن نعرف أنَّ الزوجة تنتقل من بيتِ أهلها إلى بيتِ زوجها , وهذا ما أشارت له لفظة " خذني " , وتشير لفظة " طلع " إلى الذكورة , فالشخصيّة تريد أن توهبَ لها الأمومة , وقد حمل النصُّ إشارة إلى قصة " مريم العذراء " عليها الســـلام وكيف وهبت الأمومة . وقد أرادت الشخصيّة من الطلع أن يمنحها الخلود , ومتـــــى يخلد الإنسان ؟ إذا أنجبَ أطفالاً , لأنَّهم يحملون اسمه بعد موته , فيكونُ ذكره خالداً .
المقطع الأخير :
يا وقتُ تمهـّل ..
لأنبتَ مِنْ ضِلْع السّــيّابِ شجرة
فروعُها في الأرض
وغصنُها في الفرح .
تريدُ الشخصيّة أن تذكرنا كيف خلق الله المرأة – حواء , الزوجة - من ضلع الرجل – آدم , الزوج – لتبررَ أُمنيتها بأَن تكونَ أُمّاً , فجاءت صياغتها لجملة شعرية بالتناص مع الموروث الديني , وكانت عــــبارة " السـياب " رمـزاً للفحولة " الشـعرية " , وهنا تؤكد رغبتها وأمنيتها بأَن يكون زوجها فحلاً شاعراً لا من عامة الناس , وكما أعلمتنا برغبتها بأَن يكون فارساً قائداً , وعنـدها ستـكونُ أُمّاً مـعطاء كالشجرة , وتدلُّ لفظة " الشجرة " على المرأة الأم أو المتزوجة[7] , وهي كحقلٍ أتت ثماره , فالأولاد – وهم فروع الشجرة - في الأرض يلعبون ويرتعون , - وأغصان الشجرة أي الشخصيّة نفسها - فرحها يعانق السماء , لأنَّها وصلت إلى ما ترنو إليه .
نلاحظ أن الشاعرة بدأت بأمنيةِ العودة إلى زمن الطفولة , وهذه الأمنية بعيدة عن التحقق , ولمعرفتها بذلك استخدمت " لعلّي " , أما في المقطعين الأخيرين فتمنت و لم تكن الأمنية بعيدة المنال رغم أنَّ الشاعرة رسمتها بأسلوب الإعجاز الإلهي لمريم ولآدم ( عليهما السلام ) , فالشخصيّة لا تبغي شيئاً محالاً وإنَّما كلُّ ما تريده أن تكونَ أُمَّاً لا غير .
من خلال قراءتنا للنص يبدو أنَّ مدار النصّ حول الرغبة في الأمومة , من قبل فتاة بالغة , ويدلنا على بلوغِها قولها " أستعيد ورد الطفولة " فالفتاة قد فارقت الطفولة , وتكاد الآن تفارق مرحلة الخصب , وهي تحبُّ الحصول على وردة من ورود تلك المرحلة . وبما أنَّ النصَّ فيه رمزية فنجدُ أقربُ الألفاظ التي تدل على توجع الشخصيّة ورغبتها في ذلك هي عبارتها " وفي الضفة طفل , آهٍ لو أُغني له " , وعندما نبحث عن ألفاظٍ أُخرى تسعفُ وجهة نظرنا نجد إضافة إلى العنوان " الحصان وحيداً , حقلٌ بعيد , بيت محاصر , جذع طلع , لأنبت ..... شجرة " .
التلميذ منتظر السوادي
العراق – البصرة
Muntather22@hotmail.com
2/ 4 / 2011
العراق – البصرة
Muntather22@hotmail.com
2/ 4 / 2011
[1] - للشاعرة التونسية سليمى السرايري .
[2] - قراءات في الأدب والنقد : شجاع مسلم العاني ؛ 38 .
[3] - قوافل بلا هوادج : د. صدام فهد الأسدي ؛ 73 .
[4] - وهو هدفٌ تسعى الوصول إليه لأَنَّه يمثلُ ثمرة حياتها , تماماً كما الوردُ يمثل الغاية من النبتة .
[5] - من الآية : 46 , الكهف .
[6] - من قصيدة غريب على الخليج .
[7] - ينظر : قوافل بلا هوادج , 18 .
تعليق