قراءة في قصيدة يا وقت تمهل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منتظر السوادي
    تلميذ
    • 23-12-2010
    • 732

    قراءة في قصيدة يا وقت تمهل

    قبل البدء أَودُّ الإشارة إلى أَنَّ هذه أول قراءة في تحليل النصّ الأدبي , وكلّ قراءة تبقى وجهة نظر صاحبها , ومهما ادعى بالموضوعية لكنها في الحقيقة قراءة ذاتية , ولولا السياب ما قرأت هذا النص , هذه القراءة ربّما يراها غيري بعيدة عن الصواب , نقول له نعم كلّ نص له قراءات عدة ,,,و أتمنى أن أكون وفقت في قراءتي هذه ...


    النصّ

    يا وقت.. تمهل

    يا وقتُ تمهـّل ..
    لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة ،
    وسنبلةً من حصادِ الفرَح .
    لعلـّي أستعيدُ ظلا ًّ بلون النـّخيل .

    يا وقتُ تمَهـّل..
    لأُرَاقِصَ الرّيحَ فوق المدائن ،
    وأرفعَ صَوْمَعَةً للصلاة
    ومملكةً أرسـمُها للشعراء .
    فتمطرُ السّماء حروفا
    تـَنقُشُ أسْماءنا في الصّخر ،

    يا وقتُ تمهل..
    هناك» الحصان... وحيدا «
    وحقلُ ٌ بعيدُ ٌ
    يعانق وجع َالرّحيل
    وعلى الضـّفـّة طفلٌ ُ
    يغتسلُ بالحنين
    لبيتٍ محاصَرٍ .
    آه.. لو أغنـّي له
    ويأتي الصّدى لعيْنيْه وردا .

    يا وقتُ تمهـّل وخذني لجذع طلع .
    على الأرض ينامُ ،
    لعلّ مريم تنهض فيّ ،
    وتمنحُنـي قصيدة للخلود
    فتكونُ لي أوسِمة في كلّ بيتٍ .

    يا وقتُ تمهـّل ..
    لأنبتَ مِنْ ضِلْع السّــيّابِ شجرة
    فروعُها في الأرض
    وغصنُها في الفرح .

    سليمى السرايري – تونس



    *********



    القراءة



    قراءة في قصيدة " يا وقتُ تمهّل[1] "

    الوقتُ غمامة زاحفة صوب الأفول , ونحن – بني البشر – لاشيء أثمن عندنا من عمرنا ؛ أي من هذا الوقت الذي نعيشه على هذه المعمورة , فهو مصدر سعادتنا , ومصدر شقائنا أيضاً , والوقت أنفس شيء في الحياة , لكنَّه في تناقصٍ مستمر , ومهما فعلنا فلن يتوقف , وسيصلُ بنا يوماً إلى النهاية , وإِنَّ الوقتَ كنزٌ لا يعرفه سوى القليل , الأمومة أملُ كلِّ فتاةٍ , منذُ الصغر وهي تحلمُ أن تكونَ أُمَّاً , لذا فهي تقتني دُمى صغيرة تمثل أطفالاً , وتكبر فتكبر معها تلك الأحلام والأمنيات , - واني شاهدت فتيات متزوجات , أَعزُّ مقتنياتهن الدمى - وتظلُّ الفتاة منتظرة ذلك اليوم الذي يتحققُ به حلمُها , وكلّما مرَّ الوقت زادت مرارة الأيام وبَعُدَ الأمل عن التحقق , والانتظار بالنسبة للفتاة مرير طويل , يكسر أنفاس الصبر , ويسدل عليه ثوباً كليلاً .
    قبل البدء في قراءة النص , أودُّ الإشارة إلى أنَّ هذا النصّ أعتمد أسلوب الرمز والإيحاء , فالشاعرة ترسم معاناة فتاة ما , وليس بالضرورة أن تكونَ هذه الفتاة الشاعرة ذاتها , و يبدو أنَّ النصّ كُتِب بأسلوب المرايا " الذي من شأنَه غالباً اختلاق شخصية وهمية يتحدث عنها الشاعر أو تتحدث عن نفسها "[2] , وتبقى هذا القراءة وجهة نظر , أو قل : قراءة من قراءاتٍ مفتوحة , مع إيماننا بعدم وجود قراءة مطلقة للنصوص الأدبية , ونأمل أن نوفق في قراءتنا .
    " يا وقت تمهل " نصٌّ غني برموزٍ ذات دلالات مختلفة , ورُبَّما يحتملُ قراءاتٍ مفتوحة , فربَّما يذهب قارئ آخر إلى غير ما رأيناها , لكن تبقى القراءة المقبولة ؛ هي التي تتمكن من إقناعِ القارئ وبأدلةٍ من النصِّ نفسه , إِنَّ أول ما لفت انتباهنا في النصّ هو العنوان , فهو يشير إلى شخصيةٍ تتوجع ألماً من سرعة الوقت , فالإحساس بسرعة الحياة , وبسرعة انقضاء الليالي والأيام هو ما أنتج هذا العنوان , وجاء العنوان مكرراً مع بداية كلِّ مقطع , لأهمية الوقت بالنسبة إلى تلك الشخصيّة , و " إِنَّ التكرار يمنحُ القصيدة بعداً شعورياً "[3] في زوالِ الأوقات السعيدة , والرغبة الملحة على تمهل الوقت قليلاً , لذا يمكننا القول أنَّ الشخصيّة في خطابها للوقت بالتمهل تشير إلى تلك المعاناة النفسية التي تلح على فكرها حتى تكررت مع كلِّ مقطع , وهي تتمنى أن تسعد وتفرح قبل الرحيل , فجاءت في المقطع الأول عبارة :

    " لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة


    وسنبلــــةً من حصادِ الفرَح "

    وجاءت في المقطع الأخير عبارة :
    "وغصنُها في الفرح "
    فهاتانِ العبارتان توحيانِ بأنَّ الشخصيّة حزينة , وبتمهل الوقت ربَّما ستحصل على شيءٍ من أمانيها , ومع هذه الأماني ربّما يعود لها الفرح المفقود , ونعتقد أَنَّ هذه الشخصيّة هي فتاة بالغة , تعاني من سرعة مرور الأيام والليالي , والنصّ يصور لنا هذه المعاناة عن قُرب تصويراً دقيقاً بعيداً عن المباشرة والتصريح , ويبدو قد وُظِف الرمزُ بأسلوب فني محكم , فلم نجد عبارات تشير إلى المعنى المراد بالتصريح , بل كلّ ذلك كان على سبيل المجاز والكناية والإشارة والرمز , ونلحظ أنَّ النصَّ قد خلا من الفعل الماضي مع وجود إشارات إلى الزمن الماضي , يبدو أنَّ الحاضر وأوجاعه قد أطبق أساه على الشخصيّة , لذا كانت الأفعال كلُّها مضارعة سوى فعلي أمر ؛ وهما " تمهل , خذني " , وبقية الأفعال مضارعة وهي : " استعيد , أراقص , ارفع , تمطر , تنقش , يعانق , يغتسل , اغني , يأتي , ينام , تنهض , تمنحني , تكون , لأنبت " , يدلُّ هذا التكرار لصيغة المضارع على أهمية الوقت الحالي والمستقبلي لدى الشخصيّة , ( فتكرار وحدات الزمن الجزئية يشير إلى احتواء الزمن ومأساته لحالة الشخصيّة , وإِنَّ صيغة المضارع تعني استمرار المعاناة ) .
    النصّ تكوَّن من مقاطعٍ خمسة , كلُّ مقطعٍ يبتدئ بنداء الوقت بالتمهل , والمقطعان الأول والثاني يمثلان أُمنيات للشخصيّة , و يمثل المقطعان الرابع والخامس أُمنيات أيضاً , لكنَّ الأمنيات في المقطعينِ الأخيرينِ هُنَّ التي ترنو إليهنَّ الشخصيّة , فلم تكن مستحيلة كما في المقطعينِ الأول والثاني , أما المقطع الثالث فهو يمثل بؤرة النصّ ؛ أي المحور الذي ترتكز وتبنى عليه الدلالة المركزيّة للنصِّ .
    المقطع الأول :

    يا وقتُ تمهـّل ..


    لعلـّي أستعيدُ وردَ الطفولة ،


    وسنبلةً من حصادِ الفرَح .


    لعلـّي أستعيدُ ظلا ًّ بلون النـّخيل .

    يبدأ هذا المقطع كالمقاطع الأخرى بمخاطبة الشخصيّة للوقتِ بالتريث والتأني " يا وقت تمهل " , وكأَنَّه يسمعُ ويعي , فقد أضفت على الوقت من صفات الإنسان , علَّه يرقُ ويلبي دعوتها , فلم يأتِ لها بشيءٍ سوى الحزن , فقد أذبلتِ الأيامُ أمانيها , وعصفت الريحُ في بيادر فرحها , فتناثرَ سُنبله , وتودُّ العودة إلى "حياةٍ خضراء" , تودُّ العودةَ إلى تلكَ الأماني التي أمستِ الآنَ أطلالاً , ففي قولها " لعلّي أستعيد ورد الطفولة " نعتقد أنَّ لفظة " ورد " تدل على الدُّمى , وهي بالنسبة للطفلة تمثل سعادتها وزينتها[4] , ومؤنسها وتعيش معها وكأنَّها تنبض بالحياة , فتضمُّها إلى صدرها وتحنو عليها وتخاطبها وتناغيها , وقد بيَّنتِ الشخصيّة رغبَّتها بتوقفِ عربةِ الزمن لعلَّها تهربُ من واقعها المرير الذي لا حياة فيه , واللجوء إلى الطفولة حيث البراءة الفرح واللعب تحت جدائل النخيل , وظلال الأماني اليافعة , مع الفتيات الأخريات وهنَّ يعانقن أماني شتى حالمات بذلك العالم القادم , فيرسمن البيوت والقصور , بل يرسمن مملكة كاملة , ليس فيها سوى البراءة والعطف والبساطة , فلا حزن ولا معاناة , بل هناك الفرح واللـــــــهو , والأمومةُ هي الأخرى تراودُ أحلامهن , فتتمنى الشخصيّة العودة إلى إحدى هاتين , إما الأمومة وهي الأسمى , وإما الطفولة ذات الصفاء والنقاء والبراءة مبتعدة عن سخط الحياة ومشاكلها . فالشخصيّة تصرح علَّها تستعيد ما فقدته , وهي قد فقدتهما معاً الطفولة والأمومة الخيالية , لذا تناشد الزمن بالتمهل علَّها تسترد من تلك الورود – الدمى – التي كانت تأنسُ بها في عالمها الطفولي البريء , فقد حَصَدَ الزمنُ فرحَها , وذراه في شقوق الليالي والأيام , وتحاولُ أن تحصلَ ولو على سنبلة واحدة من ذلك الزمن البريء الضاحك , ولفظة " السنبلة " لم تأتِ اعتباطاً , وإذا عرفنا أنَّ لونها أَخضر بدلالة عبارة " بلون النخيل " , عندها نستحضر تلك السنابل الخضراء التي يأكلهن سبعٌ يابسات , في الموروث الديني , فالسنبلة رمزٌ إلى حياة الرخاء والخصب , والشخصيّة تريد الخلاص من زمنها المجدب , عائدة إلى تلك الأيام الخضراء .
    المقطع الثاني :
    يا وقتُ تمَهـّل..
    لأُرَاقِصَ الرّيحَ فوق المدائن ،
    وأرفعَ صَوْمَعَةً للصلاة
    ومملكةً أرسـمُها للشعراء .
    فتمطرُ السّماء حروفا
    تـَنقُشُ أسْماءنا في الصّخر ،
    تأتي مفردات تدلُّ على التفاعل والتمتع في الحياة من قبل الشخصيّة الرئيسة , وهذه المفردات هي ( أُراقص , أرفع صومعة , أرسم مملكة , تمطر ) , لكن متى يتحقق هذا التفاعل ؟ عندما يتوقف الوقت ويتمهل , فالشخصيّة تريدُ لها مكاناً يعلو فوق هذه المدن , وهناك فوق الغيوم ترسمُ مملكةً وفق أمانيها , وتمارس فيها طقوسها من " رقص , ورسم , وعبادة " , فهي تريد عالماً خاصاً وفق أحلامها وأمنياتها .
    وربُّما الشخصيّة قد ضاقت بها ذرعاً حياة الأرض , فتريد الهرب إلى عالمٍ مثالي فوق هذا العالم الذي لا يحترم الشعراء , ولا يقيمُ لهم وزناً , وهناك في عالمها المتخيل , ترسم مدينة الشعراء , ومن ثمة تضع كلّ شاعر في مكان وفق رؤيتها , فالشخصيّة ساخطة من عالمها المعاش , أو قل رافضةٌ له .
    المقطع الثالث :
    يا وقتُ تمهل..
    هناك " الحصان... وحيدا "
    وحقلُ ٌ بعيدُ ٌ
    يعانق وجع َالرّحيل
    وعلى الضـّفـّة طفلٌ ُ
    يغتسلُ بالحنين
    لبيتٍ محاصَرٍ .
    آه.. لو أغنـّي له
    ويأتي الصّدى لعيْنيْه وردا .
    يصور هذا المقطع معاناة الشخصيّة وشوقها إلى الأُمومة , فهي بحاجة إلى فارسٍ يحققُ لها أحلامها التي غُرِست معها , وأخذت تنمو حتّى حان موعدها , فهي الآن بحاجة إلى طفلٍ يؤنسها في ظلام الليل البهيم , وقد جاءَ التعبيرُ - بأسلوبٍ رمزي وهو " الحصان وحيداً " , وإِنَّ الحصان من ملازمات القائد , فليستِ الشخصيّة تريدُ أيَّاً كان , بل تريده فارساً شجاعاً , لأنَّ دلالة لفظة " حصان " في الموروث العربي لها مكانة مرموقة , فهي للأبطال والشجعان والقادة لا لعامة الجُنْد , فرغم المعاناة التي تمرُّ بها الشخصيّة لم تتنازل عن كبرياءها , بل جعلت لها تلك المكانة العليا التي يَكُنها العربي للحصان .
    وعبرت الشاعرة عن خصبِ الشخصيّة بأنَّها حقلٌ , في قولها " وحقلٌ بعيد " , وإنَّ بين الأرض والأمومة علائق وشيجة , فهي أمرٌ مُسَلَمٌ به , فمنذ العصر الجاهلي راح الشاعر يزاوج بين أمومة المرأة والأرض الخصبة . وقد قيل : " أمُّنا الأرض منها خلقنا وإليها نعود " , ويرمز الحقل أيضاً للحياة والخصب , والفتاةُ واهبة الحياة إلى الدنيا , والحقل مصدر جمالية الأرض , وكذلك المرأة تعطي الجمالية والزينة للدنيا , ولا زينة للدنيا بدونها , بدليل قوله تعالى " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا "[5] , وجاءت الاستعارة جميلة في قولها " حقلٌ بعيدٌ " , وهذا الحقلُ يأكله الوجعُ , لأنَّ بعده عن الآخرين جعله يتعذب بالوحدة والغربة والعزلة , وسيلفه الصيف ويحطم سنابله كلَّها , وستعصف به ريحٌ سمومٌ فتجعله قاحلاً , لذا جاءت لفظة " بعيدٌ " تدلُّ على عدم الاستفادة من ذاك الحقلُ , وإنَّ الرحيل بدا يعانق الحقل فَعَلَتْ منه الحسرات والآهات ؛ أي أنَّ الخصوبة قد أشرفت على تبددها وبدت أمارات القحل , فسيصبح حقلاً يابساً تذروه الرياح فستموت الحياة فيه وتذبلُ بهجته . وهناكَ طفلٌ في بيتٍ محاصر حزين , وتدلُّ عبارة " بيت محاصر " على عذريَّة الشخصيّة , وهذا الطفل يلفُّه الشــوقُ والحنين , ليتحررَ من سجنه ويشمَّ الهواء , ونرى أنَّه تناص مع قول السياب عن شوق الجنين إلى الولادة : " شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولادة "[6] , فالمعنى هو هناك جنين مشتاق إلى عالم الطفولة , وحسرةُ الشخصيّة جاءت برغبتها إلى الغناء لتناغي وتُطرِبُ الطفل , وبالتأكيد هي طروبٌ بذلك الطفل الذي بين يديها , لذا جاءت لفظة " أُغني " التي تحمل في دلالاتها الفرح والسرور للشخصيّة , وسبقت لفظة " أغني " لفظة التوجع والتحسر " آهٍ " وتخبرنا هذه اللفظة بشوق الشخصيّة إلى الأمومة ؛ وبما أنَّ الفتاة واهبة الحياة - الأطفال - إلى الدنيا , تخبرنا الشخصيّة – الفتاة البالغة - أنَّ هناك طفلٌ لديها , لكنَّه لا يزال حبيساً عائماً في غياهبٍ معتمةٍ منسياً هناكَ على ضفاف الأسى والانتظار, ثم تتأوه حسرةً , آهٍ لو أكونُ أُمَّاً , كي أناغيه في الليل فيطربني وأطربه , والشخصيّة مكبوتةٌ تريدُ أن تفرغَ حبَّها , فتعزف للطفلِ أنغاماً شجية , وتمزقُ صمتَ ليلِها المجدبِ الذي أطبقَ ظلامُه على نافذتها , ويبدو أنَّ الفعــــل " يأتي" يدلُّ على أنَّ الطفلَ في حجرها أو بالقرب منها , ولو كان بعيداً لقالت " يذهب " , ومن غير المعقول أن يغني أحدٌ لآخر بعيـــــــــــدٍ عنه اللهم إلا أن كان على سبيل المنولوج .
    المقطع الرابع :
    يا وقتُ تمهـّل وخذني لجذع طلع .
    على الأرض ينامُ ،
    لعلّ مريم تنهض فيّ ،
    وتمنحُنـي قصيدة للخلود
    فتكونُ لي أوسِمة في كلّ بيتٍ .
    هنا دعوة ربَّما أكثر وضوحاً من الشخصيّة إلى الوقت بأن يزفها إلى بيت زوجها , ونحن نعرف أنَّ الزوجة تنتقل من بيتِ أهلها إلى بيتِ زوجها , وهذا ما أشارت له لفظة " خذني " , وتشير لفظة " طلع " إلى الذكورة , فالشخصيّة تريد أن توهبَ لها الأمومة , وقد حمل النصُّ إشارة إلى قصة " مريم العذراء " عليها الســـلام وكيف وهبت الأمومة . وقد أرادت الشخصيّة من الطلع أن يمنحها الخلود , ومتـــــى يخلد الإنسان ؟ إذا أنجبَ أطفالاً , لأنَّهم يحملون اسمه بعد موته , فيكونُ ذكره خالداً .
    المقطع الأخير :
    يا وقتُ تمهـّل ..
    لأنبتَ مِنْ ضِلْع السّــيّابِ شجرة
    فروعُها في الأرض
    وغصنُها في الفرح .
    تريدُ الشخصيّة أن تذكرنا كيف خلق الله المرأة – حواء , الزوجة - من ضلع الرجل – آدم , الزوج – لتبررَ أُمنيتها بأَن تكونَ أُمّاً , فجاءت صياغتها لجملة شعرية بالتناص مع الموروث الديني , وكانت عــــبارة " السـياب " رمـزاً للفحولة " الشـعرية " , وهنا تؤكد رغبتها وأمنيتها بأَن يكون زوجها فحلاً شاعراً لا من عامة الناس , وكما أعلمتنا برغبتها بأَن يكون فارساً قائداً , وعنـدها ستـكونُ أُمّاً مـعطاء كالشجرة , وتدلُّ لفظة " الشجرة " على المرأة الأم أو المتزوجة[7] , وهي كحقلٍ أتت ثماره , فالأولاد – وهم فروع الشجرة - في الأرض يلعبون ويرتعون , - وأغصان الشجرة أي الشخصيّة نفسها - فرحها يعانق السماء , لأنَّها وصلت إلى ما ترنو إليه .
    نلاحظ أن الشاعرة بدأت بأمنيةِ العودة إلى زمن الطفولة , وهذه الأمنية بعيدة عن التحقق , ولمعرفتها بذلك استخدمت " لعلّي " , أما في المقطعين الأخيرين فتمنت و لم تكن الأمنية بعيدة المنال رغم أنَّ الشاعرة رسمتها بأسلوب الإعجاز الإلهي لمريم ولآدم ( عليهما السلام ) , فالشخصيّة لا تبغي شيئاً محالاً وإنَّما كلُّ ما تريده أن تكونَ أُمَّاً لا غير .
    من خلال قراءتنا للنص يبدو أنَّ مدار النصّ حول الرغبة في الأمومة , من قبل فتاة بالغة , ويدلنا على بلوغِها قولها " أستعيد ورد الطفولة " فالفتاة قد فارقت الطفولة , وتكاد الآن تفارق مرحلة الخصب , وهي تحبُّ الحصول على وردة من ورود تلك المرحلة . وبما أنَّ النصَّ فيه رمزية فنجدُ أقربُ الألفاظ التي تدل على توجع الشخصيّة ورغبتها في ذلك هي عبارتها " وفي الضفة طفل , آهٍ لو أُغني له " , وعندما نبحث عن ألفاظٍ أُخرى تسعفُ وجهة نظرنا نجد إضافة إلى العنوان " الحصان وحيداً , حقلٌ بعيد , بيت محاصر , جذع طلع , لأنبت ..... شجرة " .



    التلميذ منتظر السوادي


    العراق – البصرة


    Muntather22@hotmail.com


    2/ 4 / 2011




    [1] - للشاعرة التونسية سليمى السرايري .

    [2] - قراءات في الأدب والنقد : شجاع مسلم العاني ؛ 38 .

    [3] - قوافل بلا هوادج : د. صدام فهد الأسدي ؛ 73 .

    [4] - وهو هدفٌ تسعى الوصول إليه لأَنَّه يمثلُ ثمرة حياتها , تماماً كما الوردُ يمثل الغاية من النبتة .

    [5] - من الآية : 46 , الكهف .

    [6] - من قصيدة غريب على الخليج .

    [7] - ينظر : قوافل بلا هوادج , 18 .
    التعديل الأخير تم بواسطة منتظر السوادي; الساعة 25-05-2011, 16:02.
    الدمع أصدق أنباء من الضحك
  • منتظر السوادي
    تلميذ
    • 23-12-2010
    • 732

    #2
    أساتذتي النقاد
    ارجو قراءة النص والتعليق عليه ، واظهار مواطن الضعف فيها ، ومواضع الاجادة ، مع التوجيه
    لكم مودتي
    الدمع أصدق أنباء من الضحك

    تعليق

    • الهويمل أبو فهد
      مستشار أدبي
      • 22-07-2011
      • 1475

      #3
      الاستاذ الفاضل منتظر السوادي

      قراءة جيدة وجادة، وفي الزمن الذي انجزتها فيه لا شك أنها موفقة، كما لا أشك لو أتيح لك المزيد من الوقت لوجدت في القصيدة الكثير. ويبدو أن الزمن يمر قسرا ويؤثر ولا يتأثر حتى لو كان المرء "منتظرا". أحببت أن تعلم بأن قراءتك لا ينقصها غير التدقيق ومزيد من الحفر. وأود هنا أن علق على الفقرة التالية منها:

      المشاركة الأصلية بواسطة منتظر السوادي مشاهدة المشاركة
      يبدو أنَّ الحاضر وأوجاعه قد أطبق أساه على الشخصيّة , لذا كانت الأفعال كلُّها مضارعة سوى فعلي أمر ؛ وهما " تمهل , خذني " , وبقية الأفعال مضارعة وهي : " استعيد , أراقص , ارفع , تمطر , تنقش , يعانق , يغتسل , اغني , يأتي , ينام , تنهض , تمنحني , تكون , لأنبت " , يدلُّ هذا التكرار لصيغة المضارع على أهمية الوقت الحالي والمستقبلي لدى الشخصيّة , ( فتكرار وحدات الزمن الجزئية يشير إلى احتواء الزمن ومأساته لحالة الشخصيّة , وإِنَّ صيغة المضارع تعني استمرار المعاناة ) .

      ألا ترى معي أن الأفعال المضارعة جاءت هنا لتعيق حركة الزمن، خاصة أن العنوان هو " يا وقت . . تمهل"؛ فكأنما المتكلم في القصيدة حاول، من خلال حشد الأفعال المضارعة، أن يوقف الزمن نصيا إن لم يستطع حبس الحركة الزمنية فعليا.

      تحياتي وتقديري

      تعليق

      • د مرتضى الشاوي
        عضو الملتقى
        • 08-07-2011
        • 85

        #4
        القراءة النقدية لا تعلو شأنا الا اذا مزجت بمنهجية وفق المنظور النقدي علما ان القراءة يجب ان ترتفع عن الشرح والانشائية فليس هناك نقد مطلق وانما يقف عند حدود الظن والترجيح والاحتمال والنص المفنتوح هو النص القابل للتأويل في زمن .
        وعلى الناقد ان يبرز الملامح الاسلوبية والفنية واظن ان هذه القراءة في طريق النضج الفني بقواعد منهج البحث الادبي بالرغم من وجود الانشائية الا ان القراءة هذه قد رسمت لنا علائم النص بشكل واضح .
        سلم يراعك ايها الصديق المبدع .

        تعليق

        • سعاد ميلي
          أديبة وشاعرة
          • 20-11-2008
          • 1391

          #5
          لا أحد يملك أن يمنع القراء من تتبع الإبداع والكتابة عنه.. وعليه أشجعك صديقي منتظر للحفر عميقا في قلب المبدع.. لأنك تملك قلبا يستطيع إدراك ذبذباته الإبداعية.. فقط عليك بالقراءة والقراءة.. وكلنا نسعى في درب القراءة الجادة.. ولا عليك صديقي تقدم وتوكل على الله كلنا معك نشجعك
          مدونة الريح ..
          أوكساليديا

          تعليق

          • منتظر السوادي
            تلميذ
            • 23-12-2010
            • 732

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
            الاستاذ الفاضل منتظر السوادي

            قراءة جيدة وجادة، وفي الزمن الذي انجزتها فيه لا شك أنها موفقة، كما لا أشك لو أتيح لك المزيد من الوقت لوجدت في القصيدة الكثير. ويبدو أن الزمن يمر قسرا ويؤثر ولا يتأثر حتى لو كان المرء "منتظرا". أحببت أن تعلم بأن قراءتك لا ينقصها غير التدقيق ومزيد من الحفر. وأود هنا أن علق على الفقرة التالية منها:



            ألا ترى معي أن الأفعال المضارعة جاءت هنا لتعيق حركة الزمن، خاصة أن العنوان هو " يا وقت . . تمهل"؛ فكأنما المتكلم في القصيدة حاول، من خلال حشد الأفعال المضارعة، أن يوقف الزمن نصيا إن لم يستطع حبس الحركة الزمنية فعليا.

            تحياتي وتقديري
            لك الثناء الخالص حبيبي فهد

            ليس المشكلة كانت في الوقت لكنها كانت البداية

            لك محبتي ايها الطيب
            الدمع أصدق أنباء من الضحك

            تعليق

            يعمل...
            X