لعبة الأحلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حنين حمودة
    أديب وكاتب
    • 06-06-2010
    • 402

    لعبة الأحلام

    لعبة الأحلام

    كَانَت أُمُّ قَسَّامٍ تُحِبُّ لُعبَ لُعبَةِ الأَحلامِ مَعَ أَبنَائِها . كَانَ الدَّورُ يَدُورُ عَلَيهِم وَاحِداً وَاحِداً ، لِيُعَبِّرَ كُلٌّ مِنهُم عَن حُلُمِهِ الذِي يَتَمَنَّى أَن يَتَحَقَّقَ ، وكَانَ لَدَى أُمِّهِ حُلُمٌ واحِدُ لا يَتَغَيَّرُ تَسرُدُهُ عَلَيهِم كُلَّ مَرَّةٍ .
    " أَحلُمُ أَن أَعُودَ إِلى بَيتِي الصَّغِيرِ . إِلى شَجَرَةِ التُّوتِ في حَدِيقَتِنَا . إِلى الطَّرِيقِ المُبَلَّطِ الذِي أَمشِيهِ يَومِيّاً إِلى المَدرَسَةِ العَتِيقَةِ . إِلى الأَقصَى الذِي نُصَلِّي فِيهِ كُلَّ جُمُعِةٍ . إِلى الصَّخرَةِ التي نَنزِلُ فِيها إِلى غُرفَةٍ مُظلِمَةٍ في الأَسفَلِ ، فِيهَا الصَّخرَةُ التي دَاسَ عَلَيهَا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٍ (ص) في رِحلَتِه إِلى السَّمَاءِ . إِلى كَنِيسَةِ القِيَامَةِ التي تُعلِنُ نَوَاقِيسُهَا الإِخَاءَ والمَحَبَّةَ والسَّلامَ . إِلى الهَوَاءِ العَلِيلِ ، والأَكلِ اللَذِيذِ و..."
    كَانَت أُمُّهُ تَستَرسِلُ ولا تَمَلُّ الإِعَادَةَ والاستِزَادَةَ في كُلَّ مَرَّةٍ ، وكَانَ يَزِيدُ حُزنُهُ وَهُوَ يَرَى أَثَرَ السِّنِينِ يَرتَسِمُ عَلَى وَجهِهَا خُطُوطاً تَزدَادُ عُمقاً وعَدَداً مَعَ الأَيَّامِ .
    في أَحَدِ الأَيَّامِ ثَارَت ثَائِرَتُهُ وقَالَ لَهَا : كَفَى يا أُمِّي ، كُفِّي عَنِ الأَحلامِ .
    أَجَابَتهُ بِهُدُوءٍ وتَعَجُّبٍ : وما تَكُونُ الحَيَاةُ دُونَ أَحلامٍ ؟!
    قَالَ لَهَا بِاستِسلامٍ : إِذَنْ احلَمِي أَحلاماً مَمكِنَةً .
    قَالَت لَهُ : أَنظُرْ حَولَكَ . أُنظُر إِلى كُلِّ هذه المَدَنِيَّةِ التي تُحِيطُ بِكَ ، وتَخَيَّلْ أَنَّكَ تَعِيشُ قَبلَ مِائَتَي سَنَةٍ ، أَلَم يَكُنْ مِنَ الغَبَاءِ أَن تَحلُمَ مُجَرَّدَ الحُلُمِ بِإِيجَادِهَا ؟!!

    وَقَفَ قَسَّامٌ أَمَامَ النَّافِذَةِ ورَاحَ يَتَأَمَّلُ الشَّجَرَ الأَخضَرَ أَمَامَهُ ، وهُوَ يَتَفَكَّرُ فِيمَا قَالَتْ أُمُّهُ. مَرَّ طَائِرٌ جَمِيلٌ، سُبحَانَ مَن صَوَّرَهُ ، وحَطَّ عَلَى غُصنٍ قَرِيبٍ مِنهُ ، ثُمَّ فَرَدَ جَنَاحَيهِ وطَارَ مُتَنَقِّلاً كَيفَ شَاءَ .
    حَرَّكَت حُرِّيَّةُ الطَّائِرِ الأَمَانِي فِي نَفسِهِ، وبِصَمتٍ مُطبِقٍ قَالَ فِي أَعمَاقِهِ :
    لَيتَنِي أَكُونُ عُصفُوراً !
    ارتَفَعَت ضَحكَةُ قَسَّامٍ المُتَفَاجِئَةِ مِن سُرعَةِ وُقُوعِهِ في الذي طَلَبَ مِن أُمِّهِ أَن تُبعِدَ عَنهُ !
    تَذَكَّرَ عَبَّاسَ بنَ فِرنَاس ،ذَاكَ الذي وَضَعَ جَنَاحَينِ لِيَطِيرَ ، فَوَقَعَ أَرضاً ومَاتَ .
    عَلَت ضَحكَتُهُ أَكثَرَ وهُوَ يَذكُرُ تِلكَ الأُمنِيَةَ الحَمقَاءَ التي أودَتْ بِحَيَاتِهِ ، ولكِنَّهُ سَكَتَ فَجأَةً وصَارَ يُفَكِّرُ في هذا الحُلُمِ الذي تَطَوَّرَ فِيمَا بَعدُ ، والذي كَانَ الأَسَاسَ في صِنَاعَةِ الطَّائِرَاتِ .
    كَانَ الحُلُمُ أَن يُحَلِّقَ الإِنسَانُ ، وكَانَ العَائِقُ في كَونِهِ إِنسَاناً .. خُلِقَ لِيَدُبَّ عَلَى الأَرضِ ! وتَحَقَّقَ الحُلُمُ حِينَ حَلَّقَ الإِنسَانُ مَعَ خَيَالِهِ ... وصَنَعَ قَدَرَهُ !

    وحِينَ تَحَقَّقَ الحُّلُمُ فِي مِصرَ، عَلِمَ قَسَّامٌ أَنَّ الحُلُمَ أَكبَرَ مِن أُمِّهِ ومِنهُ،
    وأَنَّ الحُلُمَ يَحيَا ويَتَرَعرَعُ بِإِيمَانِنَا بِهِ .

    ودُونَ مُقَدِّمَاتٍ ذَهَبَ قَسَّامٌ إِلى أُمِّهِ. طَوَّقَهَا بِذِرَاعَيهِ ، ورَسَمَ قُبلَةً عَمِيقَةً عَلَى وَجنَتِهَا . سَأَلَتهُ أُمُّهُ فَرِحَةً : ها ، مَاذَا هُنَاكَ ؟
    قَالَ لَهَا : لا شَيءَ يَا أُمِّي . كُلُّ مَا هُنَاكَ هُوَ أَنَّنِي أُحِبُّكِ كَثِيراً .. وأُحِبُّ أَحلامَكِ العَظِيمَةَ .

    حنين حمودة
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    جميل أن نبحث عن بشائر ولو من باب يقظة حلم

    الأحلام كالهدايا ..أشياء لا تتوقف عن النمو ..
    سلم القلم استاذة حنين
    التعديل الأخير تم بواسطة مها راجح; الساعة 05-06-2011, 13:14.
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • حنين حمودة
      أديب وكاتب
      • 06-06-2010
      • 402

      #3
      شكرا أستاذة مها للتوقف،
      ما تكون الدنيا بلا أحلام؟
      علينا أن نحلم.. لنعيش.
      تقديري

      تعليق

      • ريمه الخاني
        مستشار أدبي
        • 16-05-2007
        • 4807

        #4
        قصة رائعة ولمسات شفافة رقيقة بين ثنايا سطورك غاليتي
        دمت بخير وإبداع

        تعليق

        • حنين حمودة
          أديب وكاتب
          • 06-06-2010
          • 402

          #5
          أستاذة ريمة،
          تفاجأت الآن بأنني لم ارد عليك!
          لكن توقعي كل شيء من حنين فهي تؤجل وتنسى.
          أعذريني..
          دخلت اليوم في ذكرى النكبة. قلت أذكر بما لا ينسى.
          تقديري

          تعليق

          يعمل...
          X