رواية ليلة هروب الرئيس رواية الأثارة و التشويق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد العالي لشكر
    عضو الملتقى
    • 10-06-2011
    • 11

    رواية ليلة هروب الرئيس رواية الأثارة و التشويق

    أصدقائي رواد منتدى الرواية
    يسعدني أن أقدم لكم روايتي هذه وكلي أمل أن تولوها بعض عنايتكم
    أتمنى لكم قراءة ممتعة
    1.
    القصر الرئاسي ..صبيحة الجمعة,الشمس ترسل وهجها اللافح وكأن النهار قد انتصف أو كاد.مِؤكدة أن شهر أبريل هو شهر الالتباس المناخي باستحقاق ربيع نضر تارة صيف قائض فجأة فزخات مطرية خفيفة على غير موعد أو ايدان..ومع دلك فقد كانت أهواء الطقس المتقلبة ومزاجه الغامض آخر ما قد يهتم له ساكني و مرتادي القصر في هده الصبيحة..كانت سحنات الجميع واجمة و أجفانهم منتفخة وخدودهم وأدقانهم وخطتها شعيرات تتنطع برِؤِوسها الصغيرة المدببة غير مصدقة أنها ستنعم بيوم عطلة بعيدا عن موس الحلاقة وأنواع الرغوة والمراهم و العطورالقبلية و البعدية..كانت الوجوه أشبه بأجمات أدغال خضراء عطنة و قصيرة بشكل منفر..أما القسمات فكانت بورتريها حيا لمعاني الأجهاد و التعب والتوجس..كانت باختصار ملامح أشخاص على شفا جرف انهيارات عصبية حادة,,وحدهم المسؤولون العسكريون كانت تبدو عليهم بعض الثقة..بخطواتهم العسكرية التي تردد جنبات البهو صداها المنتظم و ابتساماتهم المتهدلة الى جانب كانوا أقرب مايكونوا الى الشامتين وهم يطالعون منظر المسؤولين الاخرين يجدون الخطو نحو قاعة المجلس الحكومي وكأنهم قطيع جردان مستنفرة.,.الصخب المعتاد الدي يلي دخولهم الى القاعة عوضه صمت مهيب وعجلة في أخد الأماكن فوق المقاعد الجلدية الوثيرة و الانتظام حول المائدة المستديرة فيما استدارت الرؤوس جميعها مركزة نظرات مترقبة صوب الباب الجانبي المخصص لدخول معاليه.وطبعا ليس شوقا اليه ولا حنينا الى سنا محياه فهم لم يبكروا هدا الصباح للتبرك بتقبيل يدي صاحب الفخامة..لقد ولت تلكم الأيام الهنية الى غير ما رجعة..أيام وشهور وسنين طالت و استطالت حتى خيل اليهم لفرط انتشائهم بالسلطة أنهم ظفروا من الشعب بأمان مدى الدهر..و أنه وحده النصل الميتافيزيقي للموت البيولوجي قادر على زحزحتهم عن كراسيهم ومناصبهم و قصورهم وضيعاتهم و صدور حريمهم..حتى الموت لم يكن يجد سبيله اليهم الا لماما وهو ما كان يزكي أوهام الخلود في دخيلاتهم ..كان التاريخ بحرا و ضيعا تكسرت أمواجه- دات انقلاب عسكري –عند أقدامهم ثم انحسر عنهم في مد دام عقودا بل أحقابا جيولوجية ..ترى هل كانوا خالدين حقا؟
    كانت الحياة بين جنبات القصر أغنية طويلة بهيجة..وأخوف ما يخافونه كيدهم لبعضهم..بل حتى هده المكائد كانت تدفع الملل عنهم ومن يتأدون سرعان ما يجدون وسيلة لرد الصاع صاعين و لاستعادة الحظوة لدى ولي نعمتهم. كانت أشبه بدست شطرنج..المنهزم يهريق ماء وجهه ولكنه لا يخسر حياته..الخاسر كان ينزوي الى الظل ليلعق جراحه منتظرا خروج الطالع من مدارات النحس معللا نفسه بأنه قدخسر معركة ولم يخسر حربا.
    دلف الحاجب الى القاعة بقلنسوته الحمراء وجلبابه الناصع البياض مئتزرا حزاما دهبي اللون متأبطا كتابا أخضروحاملا بيمناه عصا عاجية معقوفة الجوانب.انتحى جانبا وصاح بصوت جهوري..
    فخامة الرئيس وصل
    قام الجميع من على كراسيهم فيما دخل الرئيس يليه كاتبه الخاص و كاتم سره وثلاثة من أبناء عمومته..كان متعبا ولم يجد حرجا في التثاؤب حتى قبل أن يستوي فوق كرسيه الرئاسي..الهالات السوداء تحت أجفانه و شعره المنفوش و ربطة عنقه المرتخية تقول بلا مزيد بيان أنه هو الآخر قضى ليلة بيضاء في ليلاء.
    استريحوا أيها السادة-قالها فيما راحت أصابع يمناه تنقران على الطاولة ..ديدنه كلما كانت أعصابه خائرة منهارة.
    -أيها السادة, الأمر جلل والخطب عظيم ..و الأزمات الكبرى هي التي تجلو معادن الرجال..ولا وقت للأستعارات و لا للمجازات ولا لزخرف القول..فاصدقوني القول و النصيحة فقد أكون غافلا ولكنني قطعا لست مغفلا..
    الاعلام الغربي يصورني كربان سفينة تغرق وهدا التصوير على صدقيته ليس دقيقا كفاية..فانا أقود يخثا وليس سفينة ..وهدا اليخث الفاخر أنتم وحدكم ركابه..أما الشعب فأنتم أدرى بأننانمخره ورائنا مند عقود فوق قارب مطاطي ..والحال أن الشعب ضاق درعا بمركبه الوضيع ويريد أن يعتلي يخثنا المريح و انتم أعلم بأنه لن يتسع لكلينا..وأنه ان سقطت من عليائه الى لج الغضب الشعبي العارم فتسقطون معي ..فلست وحدي من يضع يده في الخبيصة ولست وحدي الدي يملك الحسابات اياها في الجنات الضريبية اياها..
    ندت عنه التفاتة الى جهة الضباط و استطرد قائلا..واعلموا أن اللعب على الحبلين
    لم يعد يجدي دي الوجهين .. فقد جد الجد..فانظروا ما أنتم صانعون؟
    فغرت أفواه الحاضرين عند سماع هده الكلمات..صحيح أنهم كانوا يتوقعون اجتماعا عاصفا ..ولكن صراحة الرئيس أدهلتهم..لم يحدث يوما أن اجترح مثل هده الأقوال..كان دوما يعطيهم الانطباع بأنه غر يصدق أشعار المدح وسمفونيات التطبيل وطقوس التقبيل..ياه شهرواحد من الثورة كان كافيا للتعجيل بنضجه السياسي أكثر مما فعلت سنوات دراسة العلوم السياسية في جامعة أكسفورد ..السنوات الجامعية التي أبلاها في كرع زجاجات الشمبانيا الفاخرة في كل مراقص أوربا المصنفةوكازينوهات فيغاس التي تقع من نفسه موضع النياط في قلب الموله.فلم يغادر شقراء الا حرثها ولا صهباء الاواقعها ولولا أن المنية عالجت أباه –الزعيم الملهم قائد ثورة التصحيح ضد التصحيح-لكان قضى عمره يغترف العلوم السياسية من منهل ثغر الحسناوات الأوربيات و نهود نجمات الموضة الساطعات.
    ولكن توقف قلب الزعيم الأب عن النشاط عجل بتوقيف نشاط الابن التحصيلي فعاد على وجه السرعة في طائرته الخاصة الى الوطن ..لضمان انتقال سلس و ديمقراطي للسلطة..هكدا أصبح ابن الرئيس رئيسا.في الجمهورية العربية الديمقراطية ال..
    ساد صمت رهيب في القاعة ..صمت لم يكن يخرقه الامايصل من صدى هتافات الجماهيرالغاضبة و المعتصمة في ميدان الكرامة.. على بعد الشقة بين الميدان وقصر الرئاسة..وبدت عيون الحاضرين زائغة وهم ينظرون الى بعضهم البعض..وحده رئيس الأركان وهو رجل مديد القامة قد خط الشيب فوديه وغارت عيناه في محجريهما كان يركز نظراته على الرئيس ..كانت نظرات قاسية بله دموية.
    -اسمح لي أيها الرئيس ..ألا أوافقك الرأي هده المرة..الجيش وقياداته ليست هي ما يطالب الشعب برأسه ..ونحن لن نتدخل بالعنف ضد أحد .. عليكم ايجاد حلول أخرى فحمام دم آخر سيفاقم الوضع أكثر ..
    لوح الرئيس بيديه مهتاجا – الحياد ليس موقفا..وقيادات الجيش ليست بتلك الطهرانية التي تدعيها ..أرجوك ياعزيزي دعنا لاننشر غسيلنا المنتن معا..لا تجعل طموحك الدفين و أحقادك الماضية تشوش على قدرتك على الحكم الصائب..
    نظر رئيس الأركان الى عيني الرئيس بثبات و قال –من الواضح أنكم أنتم معاليكم من فقد القدرة على الحكم السليم..لن يتورط الجيش في هدا الأمر..
    هدا ما انتهى اليه اجتماع قيادات الأركان.
    هز باقي الضباط رؤوسهم علامة الموافقة.فهوى الرئيس بقبضته على صفحة المائدة بقوة ارتجت لها جنباتها وتساقطت لها بعض قنينات المياه المعدنية الموضوعة على الطاولة مثلما اهتزت أجهزة الحاسوب المحمول ..ثم صاح ملوحا بسبابته في اتجاه رئيس الأركان
    -هده خيانة ستدفع ثمنها غاليا.
    قام الأخير عن مقعده فدلى دلوه باقي الضباط ..فرد طوله وكأنه يستعد لأداء التحية العسكرية ثم قال و قد ارتسمت ابتسامة هزؤ على شفتيه..
    -من الجلي أن معاليكم لستم في أنسب مزاج..سأضرب صفحا عن هدا التهديد
    الأجوف تفهما مني للظرف العصيب التي تجتازونه..
    أدى تحية مقتضبة ثم دار على عقبيه وغادر مقر الاجتماع مرفوقا بالضباط الآخرين تشيعهم نظرات الرئيس المغتاظة ونظرات بقية الحضور المتصنعة للدهشة فيما ندت عن البعض على استحياء تعليقات مستنكرة و غاضبة.
    فقط حين انتهى الى مسامعهم هدير محركات السيارات وهي تبتعد عن
    ساحة القصر..فكت عقد ألسنتهم وراح الكل يشجب و يستنكر و يندد ويلعن العسكر و أبنائهم وخالاتهم و عماتهم..صخب عكاظي أوقفه الرئيس باشارة من يديه قائلا
    -أيها السادة دعونا لا نضيع الوقت في التعليق على موقف جبان كهدا ..ومهما يكن من أمر فقد كنت أتوقعه تماما..فقيادات الجيش لن ترفس النعمة الأمريكية المتمثلة في ملايير الدولارات سنويا -مقابل الخدمة اياها - اكراما لخاطرنا ..علينا تدبر الأمر بطريقة أخرى..ثم لا تنسوا أن ورقتنا الأقوى هي جهاز الأمن..وحسنا فعل والدي –رحمه الله-حين جعله أولى أولوياته..مع جهاز قوي كهدا لاأبالي ان تنكر لي حتى الشيطان..
    ثم أضاف متوجها بلهجة الآمر الواثق الى مدير الأمن..-اسحقوا صراصير ميدان الكرامة..اريد أن أسمع فرقعة السياط على ظهور العلوج من على شرفة القصر..يريدون الديمقراطية أعطوهم جرعة زائدة ومميتة..ولا تراعوا الا و لادمة في أبناء الزواني..نظفوا الساحة من المقملين ولتكن أيديكم ثقيلة على قفا الفايسبوكيين الزنادقة.
    حاربوهم زنكة زنكة.
    تململ مدير الأمن في جلسته و انبسطت أساريره ولمعت عيناه ببريق دموي مخيف وقال بنبرة طغت عليها الحماسة ..علم و سينفد
  • عبد العالي لشكر
    عضو الملتقى
    • 10-06-2011
    • 11

    #2
    ج2 رواية ليلة هروب الرئيس
    2. فتحت الوصيفة باب غرفة النوم..وتسللت دون أن تحدث أدنى جلبة..كانت الحجرة غارقة في ظلام بهيم..حتى ليخيل للرائي أن الليل قد أسدل سواده مند ساعات ..مع أن الوقت في الخارج لم يجاوز العصر بعد..اقتربت من السرير الدائري الهائل وحاولت أن تتبين موضع نوم الرئيس وسط العتمة الطاغية..بعد لأي أفلحت فاقتربت حينها منه ومالت برفق على رأسه و أسرت بصوت حان عدب في أدنه..
    سيدي الرئيس..عدرا ولكنك أكدت على ضرورة ايقاظك في تمام الساعة الرابعة..سأفتح الآن ستائر النوافد..أتمنى الا تزعجك أنوار النهار في الخارج..
    مدت يديها الى الكومودينو الجانبي وأخرجت من درجه جهاز تحكم عن بعد..كبست أحد أزراره فراحت الستائر تنزاح ببطئ عن النوافد ..تمطى الرئيس وتثائب وراح يفرك عينيه ..حين اعتدل في جلسته فوق السرير كانت الستائر قد انزاحت تماما..فاسحة المجال لضوء النهار القوي ليغزو مناحي الغرفة..كانت بحق غرفة أحلام سعيدة..


    أشار الرئيس برأسه جهة الشاشة العملاقة للتلفاز المسطح..فقامت الوصيفة بتشغيله على الفور..لينطلق صوت المديع معلنا تمام الساعة الرابعة ظهرا..
    قناة الجزيرة .. الأخبار
    تستمر قوات الأمن ال.. في تفريق و قمع المتظاهرين الدين يعتصمون مند شهر في ساحة الكرامة أكبر ميادين العاصمة ..مطالبين برحيل الرئيس و اقالة الحكومة ...وقد تميز تدخل اليوم بكونه الأعنف من نوعه مند اندلاع الأحتجاجات..حيث يروج الحديث عن سقوط المئات من القتلى ناهيك عن الآلاف من الجرحى الدين ضاقت بهم جنبات مستشفيات العاصمة..وسط استنكار أمريكي و أوربي للأستعمال المفرط للقوة ..وهو ما سيكرس عزلة الرئيس أكثر و يضيق عليه الخناق..
    تحسس الرئيس عنقه ..وازدرد ريقه بمشقة
    -اللعنة على هده القناة..والله لن يجيب أجلي سواها..
    استدار بعصبية ووجه مربد بالغضب باحثا عن هاتف نقال ..فأسرعت الوصيفة التي فطنت لمراده مناولة أياه..ركب ثلاثة أرقام بسرعة وصاح مهتاجا
    -نايم في العسل ياخرثيث..تاركا وسائل الاعلام العميلة تحولنا الى فرجة..ابدؤوا بالصحافيين و المراسلين ..حطموا كاميرات التصوير على رؤوسهم..اقطعوا الأنترنيت و شوشوا على وسائط الأتصال..العمى لم يبق الا أن أنزل الى الساحة بدلا عنكم..
    طوح بالهاتف النقال الدي ارتطم بزجاج النافدة المضادة للرصاص متشظيا الى عشرات القطع الصغيرة.
    استدار جهة الوصيفة آمرا..-ناوليني البرنس و جهزي الحمام.
    كان الرئيس عاريا الا من تبان حريري..ارتدى برنس الحمام وترجل عن السرير الواطئ وتوجه متثاقلا الى غرفة الحمام الجانبية التي كانت مضاءة بألوان زاهية ..ولا أحدثنك عزيزي القارئ عن روعتها..وغرابة وعبقرية هندستها..المرايا الفضية الصقيلة بل حتى زليج الأرضية مصنوعة بتقنية النانو فلا تعلق بها قطرة ماء أوجزيئة بخار..وحوض الجاكوزي تحفة فنية ايطالية الصنع..أما المياه الفوارة فهي تحدث مع ألأضواء المنبعثة من بطانة الحوض المحشوة بجلد الجاكوار مدارات طيفية و ألوانا قزحية يخيل للرائي معها أن حمام الساونا هدا قطعة معلقة بين سماء للحلم و أرض عابقة بأريج الورود و الأزهار..
    نضى الرئيس البرنس عنه وتطلع الى احدى المرايا فراعه منظر وجهه الضحل و بشرته الشاحبة ولحيته المهملة والنظرة الخامدة في عينيه فأشاح بنظره وقد انقبض قلبه وتمتم غير مصدق..-العمى ..هدا سمت شحاد و ليس محيا رئيس دولة.
    سمع طرق خفيف في باب صغير بأقصى الغرفة..لم يلبث أن فتح من الخارج لتدخل وصيفتان فيليبيتان تحاكيان في تشابه تقاسيمهما وتناسق حركاتهما توأما سياميا..تقدمتا على استحياء و برأس مطرق و صوت خفيض وأدب جم رطنت احداهما بعربية ركيكة قائلة ..-سيدي بمادا تأمر؟
    غطس الرئيس في مياه الحوض فرد ساقيه داخله و أسند رأسه على جانبه الجلدي المضاد للبلل..تناول سيجارا كوبيا من منضدة قريبة قضم جانبه وتفله بعيدا ومرره تحت أنفه مستنشقا رائحته الزكية والنفادة..
    -قوما بما يلزم لأستعيد نضارتي .
    خلعتا روبيهما الأسيويين المزركشين برسوم الأزهار و التنانين..فتكشفتامعا عن
    (حدفت هدا المشهد الأيروتيكي احتراما لخصوصية هدا المنتدى)

    كان لحمام الساونا و ل... تأثير بلسم سحري على جسد الرئيس و معنوياته..خطر له أن اهماله لنفسه طيلة شهرقد فاقم وضعه أكثر..وأن احتقان السوائل داخل جسده أسهم بدوره في افساد مزاجه و طغيان السوداوية على نظرته ..شردت به خواطره بعيدا فاستسلم لأغفاءة صغيرة تاركا جسده في عهدة الفليبينيتين ..ولم يفتح عينيه الا حال سماعه لنحنحة خافتة ..كانت الوصيفة الأولى تقف على مبعدة محملة بزنبيل مملوء عنبا منتظرة الادن بالدنو..سألها مبادرا ..-مادا هناك؟
    وضعت الزنبيل فوق كنبة بمحادات الحوض و ناولت الرئيس هاتفا نقالا بنفسجي اللون

    -مكالمة لمعاليكم.
    -ألم يكن بامكانك الاعتدار والتعلل بكوني مشغولا أيتها الغبية؟
    - لقد حاولت ولكنه أصر مؤكدا أنني ان أخبرتك بصفته فستكون
    سعيدا بالرد على مخابرته..
    -ومن يكون ؟
    -ملك كوبا.
    افتر ثغرالرئيس عن ابتسامة راحت تتسع في مدى وجهه حتى استحالت ضحكة مجلجلة..
    -ملك كوبا ملك كوبا وهل في كوبا نظام ملكي ياسادجة؟
    كان الرئيس قد فطن الى وجه الدعابة في ادعاء هدا المتصل المجهول
    فتملكه بعض الفضول لمعرفته خاصة و أن رقم الهاتف البنفسجي لا يعرفه الا خاصة الخاصة
    -نعم يا ملك كوبا المزعوم
    -فخامة الرئيس ما هكدا يخاطب الملوك ثم ان ادعائي الملك ليس أكثر افتراء من ادعائك الديمقراطية يا وريث العرش الجمهوري.
    أشرقت أسارير الرئيس و هو يقول..
    - اللعنة عليك يا خوان لن تتوقف أبدا عن مزاحك البغيض .. هل تظن بأنني لن أتمكن من التعرف عليك لمجرد تصنع هده النبرة الصوتية المفخمة؟
    -هاهاها فخامة الرئيس لا شيء يهزم فطنتك و سرعة بديهتك.
    -أين أنت يارجل؟ ا ن لك في قلبي لوحشة.
    وكان الرئيس صادقا كل الصدق في قوله..فخوان هدا فضلا عن كونه صديق طفولته-كون أبيه سفيرا معتمدا في دولة فخامته- كان أيضا رفيقه طيلة سنوات الدراسة الثانوية منها و الجامعية بالرغم من أن خوان تخصص في دراسة الطب و تحديدا الجراحة التجميلية-..كان صديقه الأثير..الوحيد الدي يتصرف ازائه بكل عفوية و انطلاق..و الوحيد الدي كان متأكدا من صدقية مشاعره ومن كونه يبادله ودا بود..الوحيد الدي قد يتجرأ على مشاكسته بله الصراخ في وجهه ان حاول التصرف معه بتسلط مثلما يفعل مع كل الآخرين..كأن يرد عليه هازئا
    -عزيزي الرئيس..لهجتك الآمرة هده استعملها مع ق.. من محظياتك
    أو خادم من المخصيين الدين يضج بهم قصرك..
    ثم يغادره مغضبا و دون استئدان..وكان الرئيس عكس المتوقع يجد سعادة بالغة في ردود أفعاله تلك..التي يعتبرها رائزا لكشف عمق الصداقة التي تجمعهما..فتراه يسارع الى ارضائه والتودد اليه و جبر خاطره أكثرمما قد يفعل مع أكثر خليلاته حظوة لديه..ثم انها كانت تنويعا لطيفا و محببا في نفسه ..واحة عفوية يتنسم أريج الصدق فيها بعيدا عن حمأة قيظ النفاق و الخنوع و الرهبة التي تخلقها ممارسة السلطة و الاستبداد..وهل كان يحكم رعاياه بسواهما؟
    -أنا قد و صلت توا الى مملكتك السعيدة التي أصابتها عين حاسدة هده الأيام..وسأنزل كعادتي في جناحي بالهيلتون..ضيفا خاصا على مالكته أو لنقل للدقة الوريثة الشرعية لسلسلة فنادق الهيلتون في كل أرجاءالمعمور.
    ازدرد الرئيس ريقه بصعوبة غير مصدق
    -أيها المحظوظ اللعين ..هل تحاول اخباري أنك برفقة باريس هيلتون
    -نعم نعم ولكن لا داعي لأن تأكل بعضك كمدا أو تقتل نفسك حسدا فلم يحدث بيننا بعد ما يستوجب غيرتك يا كازانوفا مدن الملح.
    -حسنا حسنا لاتجعلني أنتظرك كثيرا فقد اشتقت الى مجالستك أيما شوق
    ولا تنس دعوة الحسناء لزيارة الوحش في القصر..سأنتظركما على مائدة العشاء.
    -أيها الوغد اللعين أتمنى أن تتصرف كجنتلمان معها فأنا أحفظك عن ظهر قلب و أعلم سوء طويتك .اياك أن تتسبب في أزمة ديبلوماسية مع بلاد العم سام فمع كل ما يعرض لك من مشاكل أنت في غنى عن متاعب اضافية.ثم انني لست قوادك المأجور.
    -أوه يالورعك المفاجئ ..أنا أعلم أنك لن تخيب رجاء صديقك الحبيب.مجرد جلسة مسامرة بريئة أعدك
    -ميردا سيكا..سأرى مالدي بامكاني صنعه ..ولكنني لا أعدك بشيء اطلاقا وداعا.

    3.
    المكتب البيضوي..واشنطن العاصمة
    يقع البيت الأبيض وسط قطعة أرضية تربو مساحتها على سبعة هكتارات بمحادات شارع بنسلفانيا شمال غرب واشنطن..يحوي 132 غرفة..وقد سمي كدلك لكونه بني بحجر ابيض استقدم خصيصا من اسكتلندا..كما أن هندسته الأولى كانت مستوحاة من الطراز الجورجي المتأخر..وهو فضلا عن كونه مقر اقامة وعمل الرئيس الأمريكي و مساعديه..يمثل أحد أهم المزارات السياحية في الولايات المتحدة الأمريكية.
    أما مكتب الرئيس و مكاتب معاونيه فتقع في الجناح الغربي عند نهاية الشرفة التي تقع تحتها القاعة الشهيرة المخصصة للمراسلين الصحفيين.
    كانت نسائم ريح مسائية باردة تداعب أوراق أشجارالمجنوليا في حديقة القصرالجنوبية..وعلى جنبات دهليزين واطئين انتشر رجال الأمن الخاص ببدلاتهم الرسمية السوداءالداكنة وقاماتهم المديدة ونظاراتهم الشمسية التي يصرون على ارتدائها حتى في أكثرجوانب القصر عتمة ..والسماعات التي تتدلى من جوانب آدانهم..حتى ليخيل للرائي أنهم بصدد تصوير مشهد هوليودي لواحدة من مغامرات الجاسوسية لجيمس بوند..استحث جون ايزيدور ...وهو خبيرالسينيرغولوجيا الملحق بمكتب السي اي ايه -الخطو وسط متاهات البيت الأبيض ..يتقدمه شاب متدرب ..للوصول الى مكتب الرئيس..وكانا يتوقفان بين الفينة و الأخرى لاجراءات التفتيش الروتينية من قبيل تمرير كاشفات المعادن على جسديهما أو فحص جوازات المرور الخاصة بهما..وكانت الاضاءة الشاحبة في الممرات الطويلة الضيقة تزيد الجورهبة ..أخيرا توقف الشاب عند أحد الأبواب الدي انتصب على جانبيه حارسان عملاقان ..طرق طرقا خفيفاثم استأدن من مرافقه ودار على عقبيه مغادرا..انتظر جون هنيهة خيلت له أنها دهر وهو لا يدري هل يجزي الوقت بتحية الغوريلات الواقفة أمامه أم بمعاودة الطرق..لكن تقاسيم وجهيهما الصلبة لم تكن مشجعة بحال لبدأ حديث ودي عن الطقس والأولادوالصحة..فجأة فتح الباب و أطل رأس السكرتيرة الخاصة للرئيس وهي امرأة في الخمسين من عمرها بشعر كستنائي مصفوف بعناية ونظارات طبية سميكة ..كانت متأنقة بشكل يدكربنجمات السينما في الخمسينيات من القرن المنصرم ببدلتها النسائية الموحدة دات المربعات البيضاءو السوداء وقرطيها البيضاوين و قلادة أحجارالياقوت المقلدة حول رقبتها..ابتسمت مشجعة وبحركة مسرحية من يديها أشارت الى جون بالدخول هامسة..
    -تفضل مستر ايزيدور .الجميع في انتظارك.
    تقدم ج عبر فسحة الباب أجال بنظره في الغرفة الرحبة ..نزع معطفه الأسود فتناولته السكرتيرة..كان الرئيس أوباما و ثلة من معاونيه يقتعدون أريكة من الجلد الفاخر متحلقين في شبه قوس بازاءشاشة مسطحة عملاقة وقد مدوا أرجلهم على طريقة الكاوبوي فوق كنبات وضعت أمامهم..كانت أعينهم مركزة على التلفاز وحلقات الدخان المتصاعدة من السيجارالكوبي ترسم أيقونات فضية فوق رؤوسهم ..ولكن وجوههم المنفرة و نظراتهم الزائغة كانت أبعد ماتكون عن وجوه القديسين و الملائكة-ندت عن ج حنحنة خفيضة فالتفت الرئيس أوباما وبعض مساعديه ناحيته
    -مساء الخير سيدي الرئيس..جئت بناء على طلبكم.
    -مساء الخير جون
    حياه الآخرون متابعة للرئيس..الدي استطرد مبتسما
    -تصرف براحة .. ولكن لا تحاول تحليل حركاتي بل حركاته هو
    وأشارجهة الشاشة التي كانت تنقل في بث مباشر
    خطابا عاجلا للرئيس العربي –صاحبنا-لشعبه ..
    كانت أول خرجة اعلامية له بعد شهر من الثورة ..وكان متوقعا أن يعلن عن اصلاحات عميقة و مهمة لامتصاص الغضب الشعبي..وكانت مهمة ج هي تحليل طريقة القائه و حركاته ..لمعرفة صدق نواياه من كدبها لتتمكن الادارة الأمريكيةمن اتخاد الموقف المناسب بازاء وعوده.
    جر كرسيا متحركا واطئا وانتحى جانبا وراء الكانابي..اخرج مدكرة صغيرة من الجيب الداخلي لسترته وشرع في التركيز على الشاشة تارة وتدوين ملاحظاته تارة أخرى..طبعا كان من المفترض أن يحضر معه حاسوبه المحمول المتطوروالمزود بكاميرا رقمية فائقة الجودة وببرنامج جد متقدم لتحليل النبرات الصوتية ..ولكنه تراجع عن الفكرة ..فوجوه الرِساءالعرب في نهاية المطاف لم تكن بتعقيد و جوه لاعبي البوكر..خبرته و تجربته الطويلة علمتاه أنهم أسوأ الكادبين على الاطلاق..كان بوسعه قراءة و جوههم و حركاتهم مثلما قد يقرأ متعلم في كتاب مفتوح..كما أن اجادته للغة العربية كانت سببا آخر يبرراختياره لهده المهمة..
    انطلق صوت الرئيس العربي مبحوحا عبر مكبرات الشاشة في بث حي من قناة الجزيرة وضع الرئيس ومساعديه السماعات فوق رؤوسهم ليستمعوا الى الترجمة الفورية لمضامين الخطاب .. كان الرئيس العربي يبدو متعبا كما لو أن وجهه قد غشيه شحوب الموتى ونظراته لا تكادتستقر على مكان
    -لقد فهمتكم..لقد فهمتكم .. صدقوني ..كانوايخفون عني الحقائق..ولكن كل هدا سوف يتغير..سيكون هدا الخطاب نقطة انطلاقنا الجديدة و الحقيقية في مضمار الحرية و الكرامة و الديمقراطية..لا للرئاسة بدون عداد..أعدكم بالتنحي بمجرد انتهاءو لايتي التشريعية ..وبالتحضير لانتخابات نزيهة و شفافة..وبالشغل للعاطلين..وبتوسيع هامش الحريات العامة...الخ
    .استمر الخطاب زهاء عشرة دقائق..بعدها انتقلت القناة لرصد نبض الشارع..و استقراء ردود افعال المحتجين في ساحة الكرامة على مضامين الخطاب..تململ الرئيس أوباما ثم اعتدل في جلسته..كانت علامات الاهتمام واضحة على محياه..بل ربما كان اهتمامه بهدا الاستمزاج لرأي الشارع اكثر من اهتمامه بالخطاب..دنا المراسل من مجموعة من الشباب وسأل أحدهم..
    ما تعليقكم على ما جاء في خطاب السيد الرئيس-
    أجاب الشاب بوجه مربد بالانفعال – هدا يسمى الضحك على الدقون..واستهبال المواطنين..عقود ونحن نسمع وعودا من هدا القبيل..بامكان الرئيس أن يخدع بعض الشعب بعض الوقت لكن من الأستحالةبمكان أن يخدع كل الشعب كل الوقت..ردنا على خطاب الرئيس هو ارحل.
    تعالت كلمات الموافقة و التأييد من وراء الشاب..وشرع الجميع في ترديد شعارات معادية لنطام الحكم من قبيل..الشعب يريد اسقاط النظام..فتوجه المراسل الى شاب آخر سائلا اياه.
    - مادا تتوقعون أن يكون رد الادارة الأمريكية بعد الخطاب ؟ هل..
    -لكن الشاب لم يمهله لتتمة سؤاله بل صرخ مهتاجا وكأن نوبة رهج غشيته لسماع كلمة أمريكا
    -.... أم أمريكا..أمريكا هده هي أصل الداء و أس البلاء..والمستجير بأمريكا من نير استبداد الأنظمة العربية كالمستجير من الرمضاءبالنار..هده ثورثنا نحن الشباب العربي ..وهده ملحمتنا التي سنسطر بطولاتها بدمائنا..
    ثم انخرط الجميع في الترنم بالأبيات الشهيرة لأبي القاسم الشابي
    ادا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
    ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
    عند هده النقطة تحديدا ..تعالت أعمدة الدخان وسمع صوت طلق ناري مكثف واختلط حابل المتظاهرين بنابلهم قبل أن ينشق الغبارعن مجموعة من البلطجية الملثمين يمتطون صهوات الخيول ويعتلون أسنام الجمال يكرون صوب الجموع المحتشدة ويعملون سياطهم في ظهور المحتجين الدين لم يحيروا سبيلا لاتقاءالضربات الارفع أكفهم حتى لا تلهب السياط رؤوسهم أما من تساقط منهم فقد كانت حوافر الخيل كفيلة بالاجهاز عليه و اختلطت الدموع بالدماءو بصرخات الهلع..اما مراسل قناة الجزيرة فلم تشفع له صفته المهنية ..ففي خرق سافر لكل المواثيق و المعاهدات الدولية التي تحمي الصحافة و رجالاتها..حاصره الملثمون بعد أن هشموا كاميرا التصوير على رأسه ..ثم نحروه من الوريد الى الوريد..كان المشهد مروعا وجديرا بأفلام الرعب الهيتشكوكية ..وكأن حرب داحس و الغبراءقد استعر أوارها خارقا الحجاب الضبابي للأزمنة و محولا ساحة الكرامة من مضمار للأعتصام السلمي الى ساحة معركة بين وحوش آدمية وشباب لا يحمل من الأسلحة الا صدراعاريا و صوتا مبحوحا ولكنه يرفض أن يلين مهما ادلهمت الدواهي ..كان الامتعاض باديا على وجه الرئيس أوباما وهو يتابع هدا البث المباشر لهده المجزرةالرهيبة ..عندها انقطع الارسال..ضغط الرئيس على زر التحكم لاطفاءالشاشة ثم استدار جهة جون وبنبرة صوتية غلب عليها الأنفعال طلب منه أن يقدم عرضه وتحليله للخطاب..تقدم الخبير حتى صار بمحاداة الشاشة العملاقة فتعلقت أنظار الحاضرين به..وان بدا على بعض مساعدي الرئيس بعض علامات التبرم و فراغ الصبر و كأن لسان حالهم يقول بأن الأمر لا يحتاج لرأي خبير لكشف كدب الرئيس العربي وسوء طويته فلسان العيان أبلغ من لسان المقال..لم يلق جون بالا لهؤلاءو شرع في بسط ملاحظاته عن الخطاب و كان من جملة ما قاله..
    -بداية نظرات الرئيس كانت مسدلة و زائغة معظم الوقت وهدا وحده دليل على تدني ثقته فيما يدلي به.. دقنه كان مائلا الى الأسفل مما يعني أنه كان في موقف دفاعي حال من يستشعر خطرا و شيكا هرشه لظاهر كفه اليسرى عند حديثه عن الأستقالة بعد نهاية ولايته التشريعية يعني أنه لا يرغب في دلك اطلاقا ..السبابة التي كانت تحك أسفل العنق تفضح احساسا قويا بالأختناق و نفاد صبر صاحبها تحسسه لأسفل ظهره تنم عن شعور طاغ بالوحدة و انعدام الأمان وفقدان الثقة في المحيطين كما أن الحركة اللاارادية للكتف باتجاه الأعلى و مداعبته لأرنبة الأنف حال حديثه عن التغييرات التي ينوي احداثها دليل كلاسيكي على أنه ليس جادا فيما يدعيه و..
    - حسنا جون هدا يكفي .. عرضك كان جيدا شكرا جزيلا بامكانك الأنسحاب الآن
    عمت مساءسيدي الرئيس
    قالها خبير السينرغولوجيا ثم غادر بعد أن لملم أغراضه و ارتدى معطفه ..رافقته السكرتيرة حتى نهاية الممر ليجد في انتظاره الشاب المتدرب الدي تكفل بايصاله الى حدود البوابة الخارجية ..صعد الى المقعد الخلفي لسيارة الليموزين السوداء و بأدب جم طلب من السائق أن يحمله الى بيته الكائن في الجادة7..أراح ظهره على مسند المقعد أغلق عينيه محاولا الأغفاء قليلا ولكن دفق أفكاره حال دون دلك ..شيئ ما كان يقض راحته..ربما هوعقله اللاواعي الدي بينما كان دهنه الواعي يحلل الخطاب كان هو الآخر منشغلا بتحليل أشياء أخرى..كحركات الرئيس أوباما ..وكانت محصلة التحليل مخيفة ..كانت تعني ببساطة أن السيد اوباما كداب محترف..وأن مشاعر التعاطف التي أبداها كانت تمثيلية غاية في الزيف..وأنه مهتم بصورته أكثر مما هومهتم بمآسي هده الشعوب و بثورتها التي أدهلت كل العالم ..هده الشعوب التي لطالما صورها الاعلام الأمريكي و كأنها عصابات لصوص و قطاع طرق يسطون على القوافل و أعراب أجلاف يئدون البنات و يزجون وقتهم بالثأر من بعضهم البعض أو بارتكاب جرائم في حق نسائهم دفاعا عن الشرف..قبائل تعيش على هامش التاريخ و الحضارة.. قبل أن يفاجأ الجميع بمشهد جموع يتشكلون في معظمهم من شباب متعلمين يرتادون الجامعات و يتحدثون اللغات الحية بكل طلاقة..شباب مثقف على دراية بكل تقنيات التواصل الحديثة و شابات أغلبهن يرتدين بنطال جينز ممزق و تي شيرت و يعتمرون كوفيات فلسطينية بدلا من الحجاب و النقاب ..شابات مثقفات متحررات لا يقلون نضجا و رغبة في الاسهام بأصواتهم و دمائهم في ملحمة التغيير..حقا ان جهل الأمريكيين بالجغرافيا و بالشعوب الأخرى ليس مجرد كليشيه جاهز .بل حقيقة تتأكدكل يوم أكثر.
    استسلم جون لهده الخواطرفيما راحت السيارةتطوي الطريق مسرعة ..حرك كفه بازاءو جهه محاكيا مروحةمن صنع خياله ..كان خبير الحركات يحرك يده بشكل لاواع لطرد هده الوساوس التي استبدت به..فكر
    -على كل حال ليس تحليل شخصية الرئيس الأمريكي هوما سيسدد فواتيري
    اقتنع دهنه بهدا المنطق النفعي الدي هوسمة الدهنية الأمريكية اجمالا..وحينها فقط عرف النوم طريقه الى أجفانه

    تعليق

    • عبد العالي لشكر
      عضو الملتقى
      • 10-06-2011
      • 11

      #3
      رواية ليلة هروب الرئيس ج3.
      الطريق من الهيلتون الى القصر الرئاسي يقتضي ضرورة الألتفاف حول ساحة الكرامة ..أكبر ميادين العاصمة قاطبة..ولم يكن هدا الخيار بالوارد بالنسبة لسائق سيارة الهامر3 الرئاسية المصفحة..كانت مهمته على قدر بالغ من الخطورة و الدقة..اد أنيطت اليه مسؤولية ايصال ضيفي الرئيس الخاصين مع الحرص على سلامتهما..و بالنظر الى مايعتمل به رحم العاصمة من هياج و عصيان مدني و ثوران شعبي..فقد كانت المهمة شبه مستحيلة..بعد مراجعة سريعة للخريطة على جهاز ج ب س قر قرار السائق على سلوك مسارات جانبية طويلة و بالغة التعقيد و التعرج..ولكنها أكثر أمانا كونها لاتمر و سط الأحياءالشعبية و لا الساحات العامة موضع تجمع الحشود..صحيح أنه قد تم التخلص من كل ما من شأنه التدليل على كون السيارة في ملكية الرئيس..لكن السائق رأى أن تجنب كل احتمال لمفاجئة غير سعيدة سيكون أحوط و آمن..وهو ما لاقى استحسانا و تأييدا من ضابط المخابرات الرفيع الملحق بسلك الأمن الرئاسي الخاص..والدي كان يتخد موضعا له على يمين السائق..و بالرغم من أجواءالترقب المشحونة التي كانت تسود كل أرجاء المدينة..فان تقاسيم الضابط الصلبة و ملامح وجهه القاسية فضلا عن ضخامة جرمه لم تكن تشي بأدنى بادرة توتر أو قلق وهو مايدلل على احترافية عالية و شدة مراس أكيدة..وكان أغلب الوقت منشغلا باصدار الأوامر عبر جهاز لاسلكي الى وحدات الأمن في الحواجز و المتاريس الأمنية التي لا يكاد شارع أو زقاق في المدينة يخلو منها..و كانت الأوامر واضحة.. اخلاءالطريق لسيارة الهامر الرمادية حتى لايضطر السائق الى انتظار دوره في الطوابير الطويلة للسيارات عند كل نقطة تفتيش..وهوما كان المسؤولون عنها يسارعون الى تنفيده..وسط احتجاج بقية السائقين الدين لم يجدوا و سيلة للتعبير عن حنقهم واستنكارهم لهدا الامتياز السافر سوى زعيق الكلاكسونات الدي يكاد يصم الآدان ويمزق طبلاتها..
      خارج السيارة المكيفة كان حم الظهيرة قد أخلى مكانه مند مدة طويلة للبرودة المتصاعدة للمساء الدي كان في أوله يرسل طلائغ غبشه في أثر فلول النهارالمندحرة فيما اختفى قرص الشمس الدامي كليا وراء حجب الأفق الضبابية.
      أحكمت باريس أزرار معطفها الفورور حول عنقها العاجي..و تململت في جلستها في المقعد الخلفي لسيارة الهامر..كان القلق باديا على محياها..ولم تفلح نكات خوان و تعليقاته الساخرة و براعته في الحديث في تبديد الوساوس التي شرعت تجتاحها..عضت على شفتها السفلى و التفتت الى مجلسها معاتبة
      -خوان أيها الملعون..لم تخبرني بأننا سنجتاز أرض معركة و حقول ألغام..ماكل هده الحواجز الأمنية و العساكر..أهده هي النزهة الصغيرة التي حدثثني عنها..فليأخدك الطاعون أيها القواد الأرستقراطي..ياالهي أي مس دهاني لأحمل نفسي على ركوب هده الأهوال.
      قهقه خوان ضاحكا و أخد يدها التي بدت كيد رضيع بين كفيه القويتين-كونه ملاكم هاو-و خاطبها مشجعا..
      -عزيزتي..عن أية أهوال تتحدثين..ماترينه شيئ عادي تماماو الأمور تحت السيطرة كليا..اعتبري هده الرحلة على سبيل التغيير ألم تبرمي بعد من نعومة عالمك المخملي..ثم أن جرعة أدرينالين صغيرة بين الفينة و الأخرى لن تقتلك ..صدقيني.
      نزعت باريس يدها مغضبة وأشاحت عنه بوجهها و عقبت كما لو كانت تحدث نفسها..
      -جرعة الأدرينالين التي تعرضها علي هنا و الآن تكفي لقتل حيوان ماموث ضخم. من تعتقدني احدى المحاربات الأمازونيات التي تتحدث عنهن الأسطورة؟
      أردف خوان قائلا وكأنه لم يلق بالا لتعليقها-
      -ثم ان دعوة الرئيس لنا تشريف بالغ..وسيكون من باب قلة الدوق و انعدام الكياسة رفضها أو الأعتدار بشأنها.
      زفرت باريس وأمارات نفاد الصبر على و جهها
      -اللعنة ألم نصل الى وجهتنا بعد..يخيل الي أننا ندور و ندور في حلقات مفرغة
      استدارت نحوخوان متابعة بصوت يكاد يكون همسا
      -رئيسك هدا لم يسبق لي لقائه أو التعرف عليه عن كثب..ومعلوماتي عنه ضحلة للغاية..كما أن صورته التي رأيتها على غلاف المجلة هدا الصباح باتت تشحب في داكرتي..و على كل حال فلم يكن المقال يدكره بخير..بل كان يصوره على أنه دكتاتور دموي..أصحيح هدا؟
      -ومادا يعنيك من أمره ان كان دمويا أو ان كان الأم تيريزا نفسها..ماهدا الأهنمام المفاجئ بالسياسة.
      -نعم نعم لمجرد كوني جميلة و شقراء فأنا غبية بنظرك..ولن تعدو اهتماماتي أمور المانيكيرو الباديكير وصرعات الموضة..يالعبقريتك
      أضاف خوان ممازحا
      -أقصد أن نظريات السياسة ستكون ثقيلة على رأسك الصغير والجميل و قد يندق لهاعنقك..
      ثم تابع متصنعا الجديةهده المرة
      -ولا تنسي عزيزتي..أن لقاء شخصيا بالرئيس سيسهل معاملاتك فيما يتعلق بتوسيع نشاطات فندقك الدي يبيض دهبا أكثر مما تفعل صورك وأنت عارية على أغلف مجلات الموضةو البلاي بوي.
      أعرضت باريس عنه و أسندت رأسها الى زجاج النافدة و انشغلت برؤية مشهد كئيب لقفر خال كانوا بصدد اجتياز حتى بدت كما لو أنها تستنيم للوضع لكنها على حين غرة علقت متهكمة
      -أعتقد أن هدا هو المكان الدي ادعت وكالة نازا أنه سطح القمر في عملية الهبوط التاريخية تلك.
      -نعم ياحلوتي..انها خطوة صغيرة فوق الأرض ولكنها خطوةعملاقة لمشاريع أبيك الأستثمارية.
      رمقته بنظرة ضاحكة ثم ما لبثت أساريرها أن انفرجت عن ابتسامة جدابة
      -مرحى هده هي باريس التي أعرفها.
      علق خوان متحمسا ثم شرع ينكش أسنانه بالعود مرتنما مقطع أغنية شهيرة لفرانك سيناترا...والحق أن صوته كان عميقا أجشا هفهافا
      راح يتسلل كعطر نفاد و كايحاءات منوم مغناطيسي متمرس الى نفس باريس التي استسلمت تدريجيا لدواعي اغفاءة صغيرة لديدة..فيما راحت سيارة الهامر تشق طريقها عبر مسار جانبي طويل يكاد يكون تام الأستدارة ..مخلفة زوبعة من الغبار خلفها..قبل أن تعاود المسير في الشارع الرئيسي لتجتاز آخر نقطة تفتيش..ثم تلج الممر الخاص الدي يؤدي رأسا الى بوابة القصر الرئاسي الشمالية..عبر السائق بوابة الغرانيت العملاقة بعد أن حيى باقتضاب و بحركة بسيطة من رأسه حراس الأمن ثم مضى عبر ممر اصطفت على جانبيه أشجار...وانبعثت من حوافيه أضواء لمبات كهربائية فضية رصت على طول الطوارين..قبل أن يركن السيارة أخيرا قرب نافورة تفاعلية عملاقة..يتناغم فيها الصوت و الضوء و الحركة في توافق بديع بهيج..يأسر الألباب ..كانت حقا و اسطة العقد في رحبة القصر المشرفة على مئات الأكرات من الحدائق الغناء ..فتحت باريس عينيها لكنها ما لبثت أن أخدت ....كما لو كانت تطرد عنهما عمش النوم غير مصدقة روعة ما يعرض أمام ناظريها..
      -أوه..ياللروعة..كنت أظن أن نافورة ساوباولو بالبرازيل هي الأجمل في العالم..ولكنها بازاء هده ليست أكثر من قطعة خردة.
      وهده التماثيل انها من أروع المنحوتات التي رأيتها من قبل..
      فتح السائق باب السيارة فترجلت باريس كاشفة من ثنية معطفهاعن ساق طويلة حاكت في شقرتها الدهب الأصفر..مد خوان الدي نزل أولا يده لمساعدتها..استندت بيسراها الى معصمه و تأبطت بيمناها حقيبتها المصنوعة من

      تعليق

      • عبد العالي لشكر
        عضو الملتقى
        • 10-06-2011
        • 11

        #4
        ج4
        بيمناها حقيبتها المصنوعة من جلد تمساح موشى بقطع ماسية صغيرة ثم صعدا معا الأدراج التي كانت تحف المدخل الرئيسي على شكل قوس..كان الرئيس و بعض الوصيفات في انتظارهم..
        فرد الرئيس دراعيه مرحبا و ارتسمت على صفيحة و جهه ابتسامة رضا واسعة
        -عزيزتي باريس..لطف منك أن تقبلي دعوتي على العشاء
        -الشرف كله لي سيدي الرئيس بل لطف منك أن تدعوني
        قالتها وانحنت تأدبا ثم مدت يدها مصافحة..وكم كانت دهشتها حين انحنى الرئيس وطبع قبلة على ظاهر كفها..قبل أن يلتفت الى خوان بوجه بشوش
        -أما أنت ياخوان فلا أظنك بحاجة الى عبارات الترحيب فأنت ببساطة صديقي ورفيق عمري.
        -نعم نعم أتمنى أن تتدكر هدا بعد مأدبة العشاء ..
        همهم خوان بصوت خفيض لم يسمعه سوى الرئيس الدي فطن الى تلميحه فضغط على يده بشدة مصافحا حتى كاد خوان يصرخ من الألم.
        ثم أخد بيد ضيفته الجميلة وقادها عبربهوفسيح فوق بساط أحمر ..اخدوا المصعد الى الطابق الثاني ووصلوا أخيرا الى قاعة فسيحة..تناولت احدى الخادمات معطف باريس و حقيبتها فيما تكلف الرئيس شخصيل باجلاسها على الكرسي عند رأس مائدة مستطيلة قبل أن يأخد مكانه في الجهة المقابلة..ندت عن خوان حنحنة وجلس بصخب متصنعا نبرة عتب
        -صحيح من لقي أحبابه نسي أصحابه..خوان التافه لا أحد يدعوه للجلوس كما لو أنه قد استحال كائنا هلاميا غير مرئي.
        قهقه الرئيس ضاحكا –عزيزي خوان ان أسعفتني الداكرة فأنت تقيم في هدا القصر أكثر مما أقيم فيه أنا بالدات فلا تتوقع أن أعاملك كضيف طارئ.
        وانخرط الجميع في نوبة ضحك..هكدا بدأت تلك الأمسية التي ستبقى عالقة في دهن باريس الى الأبد موشومة في داكرتها و كأنها حروف نارية حفرت بسيخ فولادي حام..وبين نكات تترى و أطباق توضع و أخرى ترفع و موسيقى هفهافة صادرة عن جوقة أوركسترا في الجانب الآخر من القاعة ونبيد أحمر من نوع لوموتون روتشيلد و رومانيه كونتي الدي استقدمه الرئيس خصيصا للمناسبة من مزاد علني أقيم في بيفرلي هيلز لم يكلفه الا مبلغ 270000أورو..وزجاجات شمبانيا من توقيع ليون فيرس في حلل من الفورور الموشى بقطع الماس و التي تحوي كل واحدة منها 9 لترات والسيجار الكوبي ماركة هابانوس الدي يبلغ ثمن القطعة الواحدة منه مبلغ 400 أورو...استمر سمر الثلاثة ..والحق أن باريس تملكها الاعجاب من لباقة الرئيس في الحديث ومن سعة اطلاعه فكان يحدثها عن آخرالصيحات في عالم الموضة و الاستعراض ..و أخبار مشاهير الفن وكأنه متخصص في المجال..كما أنها شعرت باطراء بالغ وهو يكيل الأمداح لجمالها و لمشوارها الفني المتألق كما لو كان واحدا من أشد معجبيها ممن يتقصون بهوس شديد أخبارها أولا بأول..وكان يتحدث الأنجليزية بلكنة نيويوركية وبطلاقة و كأنها لغته الأم..صحيح أن نظراته كانت جريئة للغاية و هي تسرح في مفاتن جسدها الدي زاده اغراءو فتنة لباس السهرة الأزرق الفضي المطرز بسبائك الدهب وقطع الماس الصقيل الصغيرة من تصميم فيرساتشي الدي يكشف عن منكبين رائعين و عن صدربهيج ونهدين صغيرين تاما الأنتصاب و الأستدارة و ظهركأنه مرآة صقيلة ناهيك عن الأقراط و عقد الماس التي تتلألأ على ضوءالشموع محدثة أطيافا لونية تزيد و جهها الناصع البياض اشراقا وتصفيفة شعرها الأشقر المبتكرة ..كانت باختصارأميرة أحلام حقيقية ..وكانت عيناها تتلألآن بالدمع الضاحك وهي تصيخ السمع لخوان وهو يروي بعض المواقف الطريفة التي تورط فيها..وأحست بمفعول الأنتشاء يرخي عضلاتها ويسري كنسيم ربيعي في اطرافها..أما كؤوس الشمبانيا الفائرة فكان لها تأثيرسحري عجل بانصهارها و انسجامها التام في أجواء السهرة فانطلق لسانها هي الأخرى في القاء الطرائف و النكات التي كانت تنزع ضحكات مجلجلة من صدورمسامريها الأثنين ..خوان الدي كان في مراحل متقدمةمن السكر قام عن كرسيه و راح يطارد راقصة سمراء فاتنة في لباس رقص شرقي أبرز صدرا عامرا يكاد ينفجر صحة وشموخا و أسفل ظهر ممتلئ ..كانت مطاردةمضحكة في رحبة القاعة وكانت الراقصة تتكسر على دراعيه وما ان يعتقد أنه أحكم ضمها اليه حتى تروغ عنه وتمضي متلوية راقصة الى ركن آخر من الساحة ..فيجد المسكين نفسه في كل مرة وهويقبل ويضم الفراغ..وكان الرئيسو ضيفته يكادان يسقطان أرضا من شدة الضحك..وعندما انتهت فقرة الراقصة غادرت و مضى خوان في أثرها لا يلوي على شيء..فألفت باريس نفسها وحيدةمع الرئيس الدي تحولت عينيه عند هده النقطة الى زوج من الكشافات راحت تمسح جسد باريس مسحا و كأنه بصدد انجاز دراسة طبوغرافية لتضاريس قوامها..كانت نظرات محمومة لاسعة وكأنها تصطلي فوق فرن اشتهاء جهنمي..ثم شرع يتغزل في محاسنها صراحة لا مواربة..حينها أدركت باريس دقة و ضعها وحقيقة نواياه وأنه بصدد محاولة اغوائها..ورغم حالةالخدر الخفيفة التي اجتاحتها تمالكت نفسها واستجمعت ما تبقى من صفاء دهنها لتصد بلباقة هده المحاولات الفاضحة ..حينها فطن الرئيس الدي لم تكن الخمرة لتفقده بحال حضور بديهته..الى أن تكتيكاته التغزلية لن تسعفه في نيل وطره..وأن باريس و هي تحتسي ثمالة كأسها انما تحتسي ما تبقى له من و قت معها..وأنها بعد هنيهة ستستأدنه للمغادرة..فقرر أن يجرب آخرأسلحته فكل تأخيرسيتداركه جزاء و فاق من الندم و الحسرة.
        تصنع الجدية في نبرة صوته وخاطبها قائلا
        -عزيزتي باريس قبل أن نختم هده السهرة الرائعة لدي خبر سيسرك كثيرا..لقد أخبرني خوان بمعاملاتك الادارية العالقة وانك تعانين الأمرين في اتمام عقدك الأستثماري ..وأنا كعربون صداقة قد أصدرت أوامري بتيسيرها و انهائها بأقصى سرعة ممكنة.
        تألقت عينا باريس و التمعتا ببريق اهتمام قصوي..فما سمعته لتوها كان يعني ببساطة أنها ستوفر الكثيرمن الوقت و المال وأن مشروع توسعة الفندق سيتم أخيرا في آجاله المحددة.
        تنهدت بارتياح بالغ و تألقت في وجهها ابتسامة رضا واسعة.
        -سيدي الرئيس يدك البيضاء هده و معروفك السابغ هدا تقصر دونهما عبارات الشكر جميعها..ألف شكر فخامتكم.
        -بهده المناسبة أود أن نشرب معا نخبا أخيرا نخب صداقتنا الوليدة و نخب تعاوننا المثمر
        صفق بيديه فدلف الى القاعة رئيس الخدم بلباسه الرسمي حاملا صينية فضية وكأسين لامعين ناول أحدهما لباريس و الآخر للرئيس.رفع الرئيس نخبه عاليا فامتثلت باريس له متابعة .
        -نخب الهيلتون
        -نخب الهيلتون
        احتست باريس كأسها وأحست بنوع من الضيق وهي ترى
        الرئيس يتفحصها بتمعن و هي تكرع محتوى كأسها ..بعدها لم تعد تشعر بشيء كان صوت الرئيس يتبدى لها وكأنه قادم من قرار بئر سحيقة وكانت الشموع و الأطباق و الثريات تعوم في ناظريها وكأن بالوعةضخمة أو ثقبا أسود أواعصارا يجدبها في حركة دائرية حلزونية ثم.. أطبق الظلام

        تعليق

        • عبد العالي لشكر
          عضو الملتقى
          • 10-06-2011
          • 11

          #5
          ج5
          حين استيقظ خوان صبيحة اليوم الموالي ..كانت الراقصة السمراء قد غادرت غرفته مند مدة طويلة..ولم يبق من أثرها الا حمالة نهود زهرية اللون ملقاة عند أسفل منضدة ..وبقايا عطرها النفاد على الشراشف و الملاءات ..كانت أضواءالنهار قد غزت الغرفة كليا..صحيح أن النوافد كانت مزودة بستائر من المخمل الأسود الغامق..ولكن يبدو أن يدا قد أزاحتها الى حوافي النوافد و شرعت الأخيرة على مصاريعها..كما لو أن أحدهم تسلل ليلا منها..وقد كان فيما يبدو على عجلة من أمره لدرجة انه ترك حمالة نهود ورائه..أحس خوان بالألم في أجفانه..ففتح عينيه لكنه ما كاد أن يفعل حتى أغمضهما بشدة وهو يتلوى من الألم..كما لو أن أحدهم أطلق النار على عينيه مباشرة ولم يخطئهما.. تحسس بيده اليمنى المنضدة بجانب السرير ..وحين وجد الجرس ضالته ضغط على زره بقوة و عصبية وكرر العملية أكثر من مرة..سمع طرق خفيف على الباب لتطل خادمة في لباسها الأسود ..
          -نعم سيدي أتأمر بشيئ
          -أغلقي الستائر بسرعة ..أكاد أفقد بصري
          أسرعت الخادمة ممتثلة..فتحول بياض الغرفة الى سواد داهم..مضت الى ركن قصي و أشعلت لمبة كانت تصدر اضاءة خافتة ولكنها كافية للتحرك دون الأصطدام بالأثاث و لتبين معالم الغرفة..تم وقفت عند جانب السرير وقد ضمت كفيها فوق نحرها
          -أتأمر بشيء آخر سيدي ..هل أحضر لك الفطور أولا أم أعد لك الحمام.
          -أحضري لي بعض حبات الفاليوم أولا..فرأسي يكاد ينشطر نصفين بسبب الصداع..ولا تنسي فنجان قهوة سادة و علبة سجائر..و الأهم لا أريد مقابلة أحد .
          غابت الخادمة لتعود بعد حين محملة بصينية خشبية مستطيلة دات مقبضين ..وضعتها فوق المنضدة ثم غادرت بأشارة مقتضبة من خوان..ألقى خوان بحبتي المسكن في جوفه ثم شرب الكثير من الماء..كان حلقه جافا و الطنين في أدنيه حادا..ولم يكن دلك من صخب أو ضجيج في الخارج ..فالجدران و الأبواب كانت مبطنة وعازلة للصوت..بل كان من أثر سهرة الأمس..فقد أسرف في الشرب على غير عادته..ارتقى قليلا فوق السريرو اسند ظهره الى الحائط ثم وضع الصينية فوق وسطه ..ارتشف القهوة ببطئ ثم أشعل سيجارته الأولى..الفى صعوبة بالغة في تدكرأحداث الأمس..أيعقل أن يكون السكرقد بلغ به هدا الحد؟.. نعم انه يدكر مطاردته للراقصة السمراء..وكيف أنه أحكم قبضته على يدها و جرها بقوةالى غرفته ..رغم ما أبدته من ممانعة كانت أقرب ماتكون الى التدلل و الغنج منها الى الرفض الصريح.. ورغم أنه تعثر و سقط غيرما مرة معرضا المسكينة الى السقوط فوقه في كل مرة..ويتدكر أنه طارحها الغرام بعنف في الغرفة ..ولكن التفاصيل لاتحضره..لقد سقط كالمغشي عليه بعد أن نال وطره..لابد أن المسكينة تدبرت أمرها لوحدها وغادرت الغرفة متسللة حتى لا توقظه..وقد تكون عبثت بحافظة نقوده و أخدت من الأوراق النقدية ما رأته عدلا بمعاييرها..ولا بد أن سقف معاييرها كان عاليا للغاية بالنظر الى اختفاء عشرة أوراق من فئة المئة دولار..ولكن ليس هدا ما جعل خوان يزم شفتيه على حين غرة ويكاد ينتفض من موضعه..أوه اللعنة لقد تدكر شيئا بالغ الأهمية و الدقة..باريس هيلتون..كان مفترضا أن يوصلها الى الفندق..لقد ترك الجميلة وحيدة بصحبة الوحش..أمل في قرارة نفسه أن يكون الرئيس قد تصرف بشهامة مع ضيفته..ولكن شكوكا قوية سرعان ماقوضت بارقة الأمل تلك.. انه صديقه وهو يعلم يقينا أن الحسناوات عموما و الشقراوات على وجه التخصيص هن عقب أخيل خاصته..اللعنة..عاود اسناد ظهره الى الحائط حال من أسلم نفسه لقدر محتوم..انها فتاة راشدة و انا لست مجالس أطفال فيما أعلم ..ثم انني لست مسؤولا عن تصرفات الرئيس..و انا لم أغصبها على المجيء..وهي في مطلق الأحوال لم تأت بكامل زينتها لحضور قداس ديني..هكدا راح خوان يفكر في دخيلته ..في محاولة يائسة لمداراة ومصانعة احساس جارف بالدنب..وفي توارد غريب للخواطر انطلق يستعرض شريط حياته محملقا في فراغ الغرفة ..طفولته في هد البلد العربي العجائبي..حيث للصحراءمدى تمحل دونه كل سيرورات الزمن..وحيث المدن تظهر كمعجزات ظل و عمران و سط كل هدا الجدب والقيظ..وحيث النساء المنقبات يبدون كأنهن قادمات لتوهن من حكايات ألف ليلة و ليلة..صحيح أن الأمور تغيرت كثيرا على امتداد الأربعين سنة من عمره..لم تعد الصحاري مدى للضياع بل مجرد مضامير مثالية لسيارات الدفع الرباعي المتطورة..و الفتيات و الفتيان لايقلون تحررا و انطلاقا عن أقرانهم في مدن الغرب..ثم فكر في صداقته للرئيس ..أية مصادفة لعينة أو سعيدة قربت بينهما ..ولمادالم تفعل السنين شيئا آخرغير توطيد أواصر الألفة و التواد بينهما؟..حتى حين عاد الرئيس الى الوطن و بقي هولاستكمال دراسته الجامعية متخصصصا في دراسة الجراحة التجميلية..متفوقا على أقرانه ومحققا ما عجزوا عن بلوغه بل عن مجرد تخيله..والحق أنه لم يكن جراحا تجميليا اعتياديا..بل كان عالما و رائدا في هدا الحقل..كان فنانا بخيال مجنح في الوقت الدي اكتفى فيه أقرانه بكونهم ممارسين يلتزمون مقتضيات هدا العلم لايعدونها..ولعل أن يكون لنبوغه صلة بمأساة عاشها في صباه ..حين تعرضت أخته التي بالكاد راهقت طور الشباب الى حادث حريق مؤسف..تشوهت له معالم وجهها النضر الجميل..ولم تسعف مشارط الأطباء حينها في ترميم ما أتلفته الحروق البليغة..ولم تتحمل المسكينة و ضعها الجديد و آثرت ازهاق روحها على تحمل نظرات التعاطف بقية عمرها..ولشد ما كان تعلقه بأخته..ولشد ما بكاها بحرقة..ولشد ما فقد ايمانه ..ايكون ندر في نفسه من حينها أن يثأر من القبح و التشوه ..مهما يكن من أمر دلك فالأكيد أنه و ضع معايير مغالية في طوباويتها لممارسته لهدا الفن..وأنه حقق انجازات تكاد تكون بمقياس العلم مستحيلة..هدا الرجل كان يحلم بأن يحول كل رجل مسيخ الى نرجسيوس و كل امرأة شوهاء الى أفروديت.

          تعليق

          • عبد العالي لشكر
            عضو الملتقى
            • 10-06-2011
            • 11

            #6
            ج6
            المكان ..ساحة الكرامة الزمان بعيد صلاة الجمعة
            غصت الساحة بالحشود الغاضبة حتى لا تكاد ترى فسحة أو موضعا لموطئ قدم ..فمند الساعات الأولى للصباح لم ينقطع توافد المتظاهرين الدين لبوا نداء حركة يناير الداعي الى الزحف باتجاه القصر الرئاسي لطرد الرئيس مادام مصرا على التمسك بتلابيب كرسيه ضدا على ارادة الجماهير..فيما أسموه بجمعة الرحيل..وكان موقف الرئيس دقيقا للغاية فقد تنكر له الأقارب قبل الأباعد..وتبرأ عن موالاته من كان الى الأمس القريب أعز حلفائه.. حتى أمريكا خدلته مع أنه لم يسمع له يوم صوت يلهج بغير حمدها أو ينشد نشازا خارج جوقتها ..أما أصدقائه في أوربا فقد راحت ألسنتهم تلوك كلاما عن الديمقراطية و حقوق الأنسان و الاستجابة للمطالب الشعبية و التنديد بقمع المتظاهرين..أوربا المنافقة التي لطالما لمعت حدائه بلسانها ولم يحدث يوما أن أدانت أو شجبت تجاوزات الأنظمة العربية في عز سنوات الجمر و الرصاص حين كانت كرامة الانسان العربي أهون ما يمتهن في مخافر الشرطة و في المعتقلات السرية لأجهزة المخابرات..فجأة تكشف القارة العجوز عن وجه جديد..وجه مغطى بمساحيق التجميل الديمقراطية جدا جدا..باختصار كان الرئيس ينازع لوحده ..ولم يبق حوله الا أخلص خلصائه من جهاز الأمن الرئاسي..كان الوضع خطيرا و لم يكن الرئيس في مزاج مناسب ليستقبل أحدا و بالأخص سفير الولايات المتحدة الأمريكية الدي أعلنوا عن و صوله و رغبته في لقاءه..لكنه أدعن في النهاية ربما بدافع الفضول ..من يدري فقد تقدم أمريكا عرضا ينقد ماء و جهه و..تلاشت هده البارقة مع أول كلام نبست به شفتا السفير ..الدي كان النمش يغطي وجهه و شعرأبيض فضي يجلل رأسه الدي لم يكن يتناسب بحال مع طول عوده و اتساع منكبيه..حملق الرئيس في وجه مخاطبه غير مصدق ما تناهى الى مسامعه..السفير كان يصرخ مهددا الرئيس بأوخم العواقب و بتدخل حاسم من أمريكا و بان ما حصل لمواطنته باريس من ادلال لن يمر مر الكرام بل..عند هده النقطة ثارث ثائرة الرئيس و امتدت يده الى المسدس الملقوم الدي لم يكن يفارق حزامه..ثم سمع دوي طلق ناري وحين اقتحم رجال الأمن الغرفة وهم يتوقعون الأسوأ ..ألفوا سكرتير وترجمان السفير مضرجا في دمائه و ثقب كبير أسود يعلو صدغه الأيمن..فيما السفير كان جاثيا على ركبتيه مادا كفيه في وضع الضراعة و قد على وجهه شحوب الأموات وارتعدت فرائسه و امتدخيط قان من الدم على طول وجنته اليسرى وتحت ركبتيه مباشرة تكونت بقعة من سائل كريه الرائحة ..فيما الرئيس كان يلوح بمسدس الماكاروفا ب م الروسي الصنع..وهو مسدس نصف آلي مزدوج حركة الزناد بخزينة تتسع لثمان طلقات ..في اتجاه رأس السفير..بوجه مرغد مزبد وعينين تكادان تقدحان شررا..
            -أيها اليانكي القدر..سأعلمك أصول مخاطبة رؤساءالدول..سأفجر رأسك المنفرة هده التي لن يبقى منها الا مخاط دماغك و قد تناثر على موكيط الأرضية..س
            -عدرا سيدي الرئيس..ولكنني لا أظنها بالفكرة السديدة أن تفجر طوق نجاتك الوحيد المتبقي.
            ندت عن الرئيس التفاتة جهة مصدر هده النبرة الصوتية الواثقة ..وكم كانت دهشته و هو يطالع وجه خوان الدي تقدم بثبات غيرعابئ بالأجواء الميلودرامية التي تسود القاعة..
            -خوان مادا تفعل هنا ؟ ألم تغادر القصر بعد؟
            -وهل أترك صديق عمري يواجه مصيره لوحده؟ أي صداقة هده التي ستجعلني أتنكرلك في محنتك يا صديقي القديم؟
            وبحركة جانبية سريعة حشر نفسه في منتصف المسافة الفاصلة بين الرئيس والسفير الجاثي ثم بلهجة حانية
            -دعني أتولى الأمر سعادة الرئيس مند الآن..فلدي خطة ..خطة مجنونة نعم ولكن أليس الوضع كله جنونيا؟
            ثم مد يديه لأخد المسدس من كف الرئيس الدي امتثل ثم تهاوى على أقرب كرسي منه.
            التفت خوان الى رئيس الحرس ناوله المسدس و أمره بالحجز على السفير في غرفة جانبية ..وبالتزام أقصى درجات السرية .ثم توجه بكلامه مخاطبا الرئيس.
            -أرجو من معاليكم أن تنضموا الي في غرفتي الخاصة فلدي ما أود أن أريكم اياه و ما أرغب في مخاطبتكم بشأنه.
            ثم اتجه الى باب القاعة مغادرا..تحامل الرئيس على نفسه وقام عن كرسيه و مضى في أثر خوان..وحين دلف غرفته..صاح مغضبا
            -اللعنة خوان هل تجدني في مزاج مناسب لهدا العبث.
            والحق أن ما عرض لناظري الرئيس في غرفة خوان كان عبثا خالصا..فقد حول الأخير غرفته الى عيادة تجميل لم يكن ينقصها الا يافطة تعلق عند المدخل.كراسي و أسرة و ملاءات و شراشف بيضاء و آلات طبية بالغة التعقيد و التطور ..وصينيات فضية غاصة بأنواع المشارط..
            -مادا يعني كل هدا بحق الشيطان ياخوان؟ ادا كانت مزحة فستكون أسمج ما عرض لي بالنظر الى ما أكابده مؤخرا.
            -على العكس تماما يا صديقي..لم يحدث أن كنت يوما بمثل جديتي الآن..لن أسمح بأن يحدث لك مكروه ليس و أنا قادر على مد يد العون لك.
            -لا زلت لاأفهم شيئا ..دعك من الألغاز وحدثني عن خطتك المزعومة أو دعني أمضي لشأني ..فلدي من المنغصات ما يكفيني و زيادة.
            اقترب خوان حتى كاديلامس الرئيس ثم مال الى أدنه مسرا له كلاما اتسعت له حدقات عيني الرئيس رعبا و دهشة..وحرك رأسه غير مصدق..أطرق لدقائق محاولا استيعاب هدا العرض الغريب و السوريالي..
            نعم لقد كانت خطة انقاد مجنونة بحق..خطة لم تكن لتخطر حتى ببال الشيطان نفسه..خطة عبقرية ..أليست العبقرية في نهاية التحليل ضرب من أنواع الجنون.
            والحق أن خوان على نباهته و اتقاد دكائه..لم يكن يفكر حينها سوى في انقاد صديقه من اعدام محقق..أو في أحسن الفروض من مدلة السجن و مهانته..لم يكن ليخطر بباله أن فكرته على بساطتها ستغير وجه العالم..أكثر مما فعل انهيار جدار برلين و أكثر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر..بل أكثر مما قد تفعل حرب كونية ثالثة فيما لو قامت لاسمح الله
            .

            تعليق

            • عبد العالي لشكر
              عضو الملتقى
              • 10-06-2011
              • 11

              #7
              ج7
              شارفت الساعة الخامسة زوالا حين و صلت طلائع المحتجين الى باحة القصر..لم يعد الأمر مجرد تظاهر سلمي ولهج بالشعارات المعارضة..لقد تحول الى فوضى عارمة..فجموع الشباب ضاقت درعا بالقمع الوحشي الدي طالها على أيدي البوليس..أو من تبقى منهم.مادام الكثير من رجال الأمن التحقوا بالثوار ايثارا للسلامة حين تبدى لهم رجحان كفة هؤلاء..وغلبتهم الظاهرة..وكانت المعركة التي يخوضها حرس الأمن الرئاسي الخاص عند مشارف القصر و في مداخله أقرب ما تكون الى الانتحار..بل هي انتحار صرف فمن أين لهم القبل بصد كل هده الجحافل الجرارة والجيوش العرمرمة التي جاوزت المليونين..حتى لو كانوا مسلحين بأحدث أنواع الرشاشات الآلية و المسدسات الأوتوماتيكية..كان الأمر كما لو أن المظاهرة المليونية راحت تتشكل بأشكال مرعبة قبل أن تستحيل دئبا ساغبا عملاقا فاغرا فاه لتمزيق أوصال فريسته التي لم تكن غير القصر الرئاسي و من يدافعون عن حماه..وكان حراس الأمن يطلقون الرصاص بكل ما تسعفهم به قواهم..فهم يعلمون جيدا أي ميتة بشعة شنيعة تنتظرهم تحت سواطير و عصي و سكاكين و خطاطيف و حجارة و أرجل المتظاهرين الغاضبين.
              ..الدين بشموا من القمع الأهوج..ومن احتماله دون رد يصد داعيه..لقد خرج البعبع من قمقمه و المارد من مصباحه وعمالقة التيتان و السيكلون من صندوق باندورا..ففم الشر لايلقمه حجره الا شر أهوج مثله أو أفظع منه..
              رفع رئيس الأمن الخاص فوهة رشاشه الآلي متحفزا عندمدخل الممر الرئيسي..وأشار لمن تبقى من الحرسأما القناصين فخدوا أماكنكم في الشرفات و فوق السطوح
              .-سدوا المداخل جيدا..اٍريد عشرة منكم عند القبو...
              أنا و البقية سنشكل حزاما حول القصر..
              ثم قام بتوزيع أسلحة و دخيرة جديدة..ندت عن الحرس تنهيدات الارتياح و هم يتسلمون ستراتهم الواقية من الرصاص وقطع الرشاش الآلي الرهيبةمن نوع م 134
              اليابانية الصنع ورشاشات نيكونوف الروسية لمصممها جينادي نيكونوف والدي يبلغ طول سبطانتها 405ملم أما سرعة اطلاقها للرصاص فقد تصل الى 1800طلقة في الدقيقة
              بوضعية اطلاق مزدوجة
              وهو ما يعني أن المعركة ستتخد مسارا جديدا .. ومنعرجا خطيرا
              سمع دوي انفجارات هائلة عند السياج المحيط بالقصر..وارتفعت سحب دخان
              كثيفة حول المكان..ساد بعدها صمت مطبق..و لكنه كان السكون الدي يسبق العاصفة..
              بمجرد انقشاع الأدخنة المتصاعدة
              هجمت موجة جديدة من الثوار على القصر..
              وكانوا بالآلاف هده المرة..وبدا أن القصر سيسقط أخيرا..ولكن ما حدث كان فطيعا و مروعا..فمن كل نوافد و جنبات القصر و أقبيته و شرفاته و سطوحه..انطلق سيل منهمر من الرصاص الدائب
              بلغ من كثافته أنه يكاد يغطي كل بوصة من الهواء حول البناية
              عشرات الآلاف من الطلقات المتزامنة شكلت حزاما يصعب اختراقه دون أن تتحول الأجساد الى غرابيل من كثرة الثقوب المحدثةفيها..
              دوت الطلقات كالسيل وتحولت رحبة القصر الى قطعة من الجحيم..كان الصرعى عديد الحصى..وتناثرت أشلائهم التي مزقها الرصاص كل ممزق في كل
              أرجاء الساحة الأمامية..لم تكن رشاشات نيكونوف تكتفي بالقتل بل كانت تشطر الأجساد شطرا
              وتشظيها و تدررها في أنحاء المكان..كانت الجثت كقطع بازل دامية متناثرة ..أقدام هنا أكف هناك مقل تتدجرج على أرضية الباحة و كأنها قطع بلي صغيرة..أطنان من الأحشاء البارزة كانت لتشكل وليمة بادخة ..على شرف الضباع و العقبان
              فيما تبقعت بله اصطبغت الأرض باللون الأحمر القاني..حتى النافورة التفاعلية جوهرة القصراستحالت منحوتة سوريالية لكثرة ما اخترقتها من رصاصات..لم يكن الأمر يتعلق بتبادل مكثف لاطلاق النيران..كان ببساطة تدريبا على الرماية بمدافع رشاشة آخرصرعة في حقل التسلح..ضد أهداف حقيقية من لحم و دم ..الدين نجوا باعجوبة من حمام الدم هدا انسحبوا كالأرانب لايلوون على شيء..واستبد الهلع بجميع المتطاهرين الدين أوقفوا زحفهم على مضض..وراحوا يتأملون منظر الأشلاء و الجثت عن بعد بطرف دامع كسير..وتغلب الحس السليم على منطق التهور..نعم لقد كانوا على أهبة لدفع ثمن تحررهم من نير الاستبداد من دمائهم..ولكن ثمة خيط رفيع يفصل الشجاعة عن التهور و الحمق..وليست سواطيرهم على كل حال هي ما سيرد عن صدورهم قدائف الحديد
              ....أين الجيش؟ أين الجيش؟ كان السؤال غصة في حلق الجميع..والحق أن الجيش لم يكن بعيدا عن موضع المجزرة ..ففي أعلى رابية تطل على الرحبة الفسيحة التي بني القصر فوقها..كان ضابط برتبة كولونيل يتابع الأحداث ب وقد انعقد حاجباه الكثيفان وبصوت غلب عليه الانفعال اتصل برئاسة الأركان عبر جهاز اللاسلكي العسكري
              -هنا مقر العمليات..أنتظر أوامركم للبدء بالهجوم..وصدقا بعدما رأيت سأشنه شئتم أم أبيتم
              انها جريمة مروعة في حق مواطني..جريمة يصبح معها كل حياد مجرد تواطؤ أخرس جبان.
              ولم يتأخر الرد كثيرا
              -هنا رئاسة الأركان..ابدؤوا الهجوم.
              التمعت عينا الكولونيل في انفعال و حزم و أجال عينيه فيما حوله متمثلا بدهنه خطة الهجوم العسكرية
              والواقع أنه لم يكن بحاجة لشحد مواهبه الحربية. طويلا.
              فهذه لن تكون معركة و اترلو ليحتاج معها الى نباهة و عبقرية نابليون بونابرت..
              كانت مقارنة بالمعارك التي خاضها من قبل و التي خلفت ندوبا عميقة و جراحات غائرة في
              جسده..مجرد نزهة .
              اتخذت دبابات الابرامز م2م1-وهي مدرعات أمريكية الصنع تتميز بدرعها المتين وماسورتها الضخمة فضلا عن أنظمتها الأألكترونية المتطورة للغاية-مواقعها فوق المرتفعات مشكلة طوقا تام الأستدارة
              حول القصر..ثم بدأ القصف..
              -تجربون رشاشات النيكونوف في أجساد العزل أيها الأوغاد..حان دوركم لتجربوا قدائف الأبرامزم2
              قالها الكولونيل في هدوء بدا نشازا بالنظر الى اشتعال الموقف هناك..كانت كرات النار تدك جنبات القصر دكا..وكانت الأرض تهتز بعنف بالغ كما لو أن يدا كونية عملاقة تنفض بجبروت وقسوة الغبار العالق بسجاد الأرض..وبين الحين و الآخر كانت تتناهى الى المسامع أصداء صرخات استغاثة حادة و أنات ألم ممزقة..
              .كان ساكنةالقصر يعيشون تفاصيل أحلك ظرف في حياتهم
              كأنه مشهد مقتبس بحرفيته من فيلم أبوكاليبس ناو-القيامة الآن-لمخرجه الأسطورة فرانسيس فورد كوبولا..استمر القصف زهاءالساعة..ساعة كانت بمقياس المحاصرين دهرا ..بعض حراس الأمن لم يتحملوا جنون القصف..فصوبوا مسدسات البيريتا الى رؤوسهم مطلقين رصاصات الرحمة..أما معطمهم فقد قضى تحت الأنقاض..فيما خرج ..البقية رافعين أيديهم عاليا و ملوحين برايات الأستسلام البيضاء
              وحده رئيس الأمن الخاص واثنين من مرؤوسيه المباشرين اختفوا ..داخل القصر..كانت لديهم مهمة واحدة و أخيرة..حماية الرئيس ..وكانوا عاقدين العزم على تنفيدها مهما كلف الثمن.
              طبعا القصر الرئاسي كغيره من القلاع و الحصون لم يكن يعدم ممرات سرية وسلالم لولبية عميقة تؤدي الى دهاليز طويلة في باطن الأرض..تفضي بدورها الى آخر مكان قد يتصوره اكثر المحاصرين فطنة..وكانت خطة الهروب الأخيرة جاهزة و لا تنتظر أكثر من موافقة الرئيس..هرول الثلاثة في اتجاه غرفة الرئيس ..فالوقت كان أعز حليف في مثل هدا الظرف..ودخلوا لاهثين و العرق يتفصد من جبينهم..لكن المشهد الدي عرض أمام ناظريهم..كان آخر شيء بالأمكان توقعه أوحتى تخيله في موقف مماثل
              مشهد جعلهم يتسمرون عند مدخل الباب و قد فغرت أفواههم و عقدت الدهشة ألسنتهم.تبادلوا نظرات الأستغراب والرعب فيما بينهم..ثم انفجروا ضاحكين..ولكنه كان ضحكا مريرا..ضحكا هستيريا..ضحك كالبكا.

              تعليق

              • عبد العالي لشكر
                عضو الملتقى
                • 10-06-2011
                • 11

                #8
                ج8
                كان الرئيس يغط في نوم عميق فوق كرسي هزاز..بل كان يشخر ملئ خياشيمه..شخيرا حادا يجعل السامع يضرس..وقد تدلت أطرافه وأسند رأسه على كتفه الأيسر..وعند قدميه زجاجة براندي فارغة الا من بقايا ثمالة..والحق أن ما أثار دهشتهم ليس العثور على الرئيس في هدا الوضع
                ..فان تنهار أعصابه تحت هدا الضغط الهائل فيغرق أشجانه في الشراب أمر يمكن تفهمه..فالانسان يبقى كائنا هشا مهما تنطع في ادعائه الصلابة
                والتماسك
                ..
                صحيح اننا نتفاوت في قدرتنا على تحمل عبث الأقدار..ولكنه مجردتفاوت بسيط في مقدار الجرعة القاتلة..مجرد تباين كمي بسيط..بعدها تصبح أدنى قشة كفيلة بقصم ظهورنا و بالأجهاز علينا كليا..لسنا آلهة و لا أنصاف آلهة..مجرد حيوانات تربعت قمة الهرم الغدائي..بفضل اختلاف جيني بسيط..وعددمحدد من المورثاث الصبغية..
                عدد يجعلنا-و العهدة على علماء الجينات -في مقام وسط بين قردة الشامبانزي و حبات البطاطا..ومع دلك فقد شط الخيال بنا بعيدا ..فتصورناأن بيننا وبين الآلهة نسبا..بل لقد صدف من حكامنا من ادعى الربوبية جهارا..كحكام بابل وآشور و أكاد و كفراعنة مصر..وشخصيا أنا اعتبر درس كوبرنيكوس درسا في التواضع قبل ان يكون درسا في الفلك..فلا الأرض مركز الكون و لا نحن مركز الوجود..وعلى الجملة فقد كان كوبرنيكوس آخر ما قد يتبادر الى ادهان رجال الأمن الخاص وهم يطالعون منظر الرئيس الدي غيبه السكر في سابع نومة..ماند عن فهمهم هو هدا الشعر الأبيض الفضي فوق هامته..صحيح أنه يوم تشيب لهوله الولدان..ولكنهم درجوا على اعتبار هده العبارة مجازية وليست حقيقية..أيعقل أن شعر الرئيس ابيض بين يوم و ليلة؟هل بلغ به الرعب هدا المبلغ؟ هل هي مجرد حيلة للتنكر مادام ان اصباغ الشعر تتوافر و بكل الألوان التي يمكن تخيلها؟ادا كان الأمر كدلك فانها ستكون أسخف محاولة للتنكر في تاريخ البشرية..فهي لم تفلح في تنكير شخص الرئيس وانما جعلته فقط يبدو كاريكاتوريا الى ابعد حد.. استتأنف قصف المدفعية مجددا فاستفاق حراس الأمن من دهولهم وتساؤلاتهم..
                -احملوه بسرعة علينا مغادرة هدا المكان قبل ان نقضي تحت أنقاضه..هيا اسرعوا
                امتثل الضابطان..بان امسك كل واحد منهما بيد الرئيس ولفهاحول رقبته ثم احكموا قبضتهم على وسطه و عدوا في أثر رئيسهم الدي توقف في منتصف ممر طويل
                وتحديدا بازاء واحدة من اللوحات
                الفنية الكثيرة التي كانت تزين جدران الممر..
                كانت رسما غريبا لزهرة خشخاش..
                .-ياله من رسم باعث على الكآبة
                فكر رئيس الامن الخاص و هو
                يمد يديه خلف اطار اللوحة منتزعا اياها من موضعها..كانت هناك لوحة ارقام..كبس على بعض الأزرار فيما بدا أنه كود سري ثم أعاد زهرة الخشخاش الى موضعها..تسمر في موضعه وراح ينتظر حدوث أمر ما..تبادل الضابطان الآخران نظرات متسائلة..
                سرعان ما استحالت نظرات اندهاش و هم يرون الحائط ينزاح عند احدى حواف اللوحة كما لوكان بوابة آلية..فارجا عن ممر مظلم..مرق الضابط الأعلى رتبة الى الجهة المقابلة غير عابئ بالظلام
                فحدى الحارسان حدوه حاملين الرئيس على اكتافهم العريضة..اخرج الأول مصباحا يدويا صغيرا من جيب سترته و اشعله فتبدى لهم الممر طويلا ومنحدرا الى الأسفل.
                ندت عنه تنهيدة ارتياح ثم بنبرة متهكمة و بصفق من يديه قال
                -أغلق يا سمسم
                فانسدل الجدار وراء ظهورهم..تبادل الثلاثة نظرات ضاحكة وسط الاضاءة الخافتة للمصباح اليدوي..ثم جدوا الخطو و اختفوا وراء انعطافة مفاجئة للممر..توقفوا بازاء جدار صخري يسد الطريق تماما..اتراها نهاية رحلتهم؟ادا كانت الخطة هي الاختباء في نهاية هدا الدهليز المعتم فستكون نهايتهم اختناقا او عطشا او جوعا اكيدة..على فرض ان سقف الممر سيصمد الى نهاية القصف..راحت يد رئيس الامن الخاص تتحسس جدار الحائط..قبل ان تستقر في احدى الزوايا..ضغط بكل قوة فانكبس الموضع كما لوكان زرا ضخما..تراجع خطوتين الى الخلف..فانفتحت الأرض تحت اقدامه..و..شرع الثلاثة في النزول الى اعماق الأرض عبر سلم لولبي..في رحلة لم تكن لتختلف في شيء عن المغامرة الرائعة الموسومة برحلة الى اعماق الأرض للمؤلف الفرنسي الشهير جول فيرن ..سوى ان مغامرة اصحابنا الثلاثة و رابعهم رئيس دولتهم لم تكن لاهداف علمية استكشافية..اكيد.

                تعليق

                • عبد العالي لشكر
                  عضو الملتقى
                  • 10-06-2011
                  • 11

                  #9
                  ج9
                  كان القصف قد توقف منذ برهة..عقد الكولونيل كفيه خلف ظهره وهو ينصت في اهتمام بالغ لتقرير الليوتنان عن سير العمليات..ربت على كتفه ملاطفا براحة يده الخشنة
                  وارتسمت على محياه أسارير الرضا
                  -احسنتم..والآن قوموا بتمشيط القصر و محيطه..واطلقوا النارعند ادنى بادرة مقاومة..اريد جميع من بالداخل في الساحة..ولتتقدمكم وحدة الكومندو الخاصة التي انطت بها مهمة القبض على راس الأفعى..اريده حيا..مفهوم.
                  -علم سيدي
                  واندفعت وحدة الكومندو في سيارة الجيب العسكرية تنشد طريقها الى باحة القصر..وانطلقت في أثرهم شاحنات عسكرية محملة بالعشرات من الجنود بكل قوة و اطاراتها
                  تصر صريرا مروعا مثيرة زوابع من الغبار.
                  تنشق الكولونيل سعوطه..ثم حمل منظاره وراح يتابع تقدم
                  الوحدات وهي تشق طريقها نحو عرين الأسد
                  مرقت سيارة الجيب عبر البوابة الكبرى ..في سرعة جنونية..وتوقفت اسفل درج السلم الملتف حول المدخل الرئيسي..قفز المغاوير من على متنهافي خفة و رشاقة..كانوا مدججين عن آخرهم بأحدث أنواع الأسلحة التكتيكية..وكانت و جوههم الملطخة بالسواد مرعبة ..شرعوا يتبادلون الاشارات في توزيع دقيق للمهام فيما بينهم..البعض يقوم بتأمين الممرفيما يتقدم الآخرون ببطء حذر مصوبين أسلحتهم في تحفز..وكان عليهم الانتباه ايضا الى الجدران و السطوح المتهالكة و الآيلة الى السقوط بفعل القصف المدفعي الكثيف..داخل القصر كان اشبه بارض خراب وكان التنقل عبر الأتربة و الخرسانات المتداعية
                  محنة حقيقية أشبه بالخوض في عباب من الرمل و المسلح..الفوا الكثير من الجثث مسجاة تحت اكوام من الأنقاض.. وكان اهتمامهم منصبا على تحييدها بابعاد الأسلحة الملقاة ارضا عنها..ولم يكونوا يعيرون ادنى بال لصرخات الاستغاثة الصادرة عن بعض رجال الامن الخاص الدين كانوا ينازعون تحت ركام الأنقاض..احدهم وقد فاجاه على مايبدوسقوط ثريا عملاقة كان ممددا على ظهره يحرك أطرافه في تشنج كسلحفاة مقلوبة وقد انفغر فمه و جحظت عيناه وكانت حلقه تحشرج في خفوت ممزق..ولكن اسعاف هؤلاء الحثالة المسؤولين عن مجزرة الساحة كان آخر هم بالنسبة لفرقة الكومندو..
                  لم يصادفوا مقاومة تدكر..اللهم الا ماكان من أمر أحد
                  حراس الأمن الدي باغثهم عند احدى الزوايا شاهرا مدفعه الرشاش و مطلقا سيلا من الرصاص المنهمر و سط صرخة انتحار كاميكازية مدوية..ولكنهم افلتوا من هدا الكمين في آخر لحطة ..و احتموا باحد الجدران ..ثم شرعوا يطوقونه ببطءو لكن بثبات..وفيما كان المسكين منشغلا بتبادل النيران مع بعضهم كان أحدهم ينزع فتيل قنبلة يدوية ويرميها على مقربةمن المهاجم..كان انفجارا محدودا و لكنه كان كفيلا بنسف المقاوم الى اشلاء لا يكاد يميز الرائي بينها الا منظر دراعه المبتورة والمطروحة ارضا بسبابة راحة اليد التي استمرت لثوان في الضغط على قرص المدفع الآلي في تشنج عضلي لا ارادي.. تجاوزه أفراد الفرقة الدين لم تنقبض ملامحهم لهدا المنظر المروع..ولم يتوقفوا عند اشلائه الممزعة الا القدر الكافي لركل رشاش نيكونوف و التطويح به بعيدا عن الدراع اليتيمة..
                  اغلب الغرف كانت موصدة ..وكان لزاما تفتيشها واحدة واحدة..بنفس الانتباه القصوي..فوراء كل باب..احتمال خطر داهم..قنبلة موقوتة..مدفع آلي..خنجر قدلايسعفك أكثرمن نصف ثانية لترى ومض التماعته قبل ان يجز رقبتك او ينغرز في حشاك او في اماكن قد لاتطرق بالك بحال كمحجر عينك اوبين فخديك..
                  وهم كانوا مدربين على كيفية التصرف في مواقف كهده..ويعلمون يقينا ان بقاءهم مشروط بتوافر ثلاثة امور رفيق يحمي ظهرك
                  وان تتصرف بآلية وبسرعةكما لوكنت بصدد اعادة تمثيل الحركات التي تدربت عليها مئات المرات والثقة التامة في حدسهم وفيما تمليه عليهم غريزة البقاء ..وحتى الابواب المشرعة كانت تخفي مفاجئات كانت لتكون قاتلة لولا ان آلات القتل هده كانت أسرع في ردها على من يبادرها مهاجما..ففي حجرة بالطابق الثاني..كاد احد افراد الكومندو ان يتعرض لطعنة قاتلة عندما هاجمه احدهم-كان مختبئا على ما يبدو وراء احدى الستائر-شاهرا خنجرا اشبه بالجنبية التي
                  يتمنطق بها اليمنيون..وهوى النصل اللأمع بسرعةالبرق
                  اللامع حين يخرق غلالة الهواء..تشفعه صرخة قتالية مدوية
                  هي لوحدها كفيلة بادخال الرعب في تجاويف أكثر القلوب بسالة..ولكن عضو الكومندو لم يكن منشغلا بتحليل و دراسة دقة و ضعه..ووضع أنجع الخطط لتجاوزه..كان دهنه في و ضع النو ماند no mind
                  كان سامورايا في وضع صفاء دهني متقدم..تحرك بسرعة
                  كانت طرفة العين لتبدو بازائها دهرا طويلا..
                  ودار حول نفسه في حركة تايكوندورافعا قدمه ومطوحا بالمدية القاتلة بعيدا..
                  ثم هوى بقبضة فولادية على بطن غريمه تلوى لها الأخير ألما وقبل ان ينصب طوله لمواجهة جديدة..كانت رصاصة تطرق بوابة هامته دون استئدان لتخرق مخاط دماغه محدثة ثقبا آخر في الجهة المقابلة من الجمجمة قبل ان تستقر في الجدار..تهاوى المسكين بطوله على ركبتيه وقد ارتسمت على صفحة و جهه علامات الدهشة -غير مصدق ان النهاية قد ختمته بطابعها الدامغ الى الأبد..ثم خر مكبا على وجهه.
                  استمروا في تفتيش الغرف بحثا عن صيدهم الثمين..
                  وكانوا بين الفينة و الأخرى يتوقفون لاستنطاق خادم او خادمة او موظف الفوه مختبئا كجرد في جحر..وخلصوا الى ان الرئيس فر رفقة ثلاثة من ضباط حرسه الخاص و انهم سلكوا الممر الجانبي الطويل تحت الشرفة الشمالية للقصر..جدو الخطومسرعين..ولكنهم لم يعثروا في الدهليز على أثر للرئيس او مرافقيه..وحدها البورتريهات في اللوحات الجدارية كانت تبادلهم نظرا بنظر..هوى رئيس الوحدة الخاصة براحة كفه مغضبا على الحائط قرب لوحة غريبة لزهرة خشخاش..راح اطارها يتمايل بفعل صفق الضربة.
                  -اللعنة ايعقل ان تكون الأرض انشقت و ابتلعتهم
                  سعل احد المغاوير كما لوكان بصدد تجلية صوته للحديث..وتململ علامة على نفاد صبره و رغبته في ابداءرأي
                  -هم اهناك ماتود اطلاعنا عليه
                  -نعم سيدي..لقد أغفلنا أمرا هو من البداهة بمكان..فمكان كهدا لا جرم سيحوي مخابئ سرية و ممرات مخفية..انت تعلم كم هم موسوسون هؤلاء الحكام..
                  -وهل تظن أن أمرا كهدا فاتني..لكن ما الحيلة و الاستخبارات الحربية لم تملك يوما الجرأة لتدس أنفها في موضوع شائك كهدا..انت تعلم أن الرئيس كان ينظر بعين الريبة لمؤسسة الجيش..وهورأي لعمري أظهرت الأيام صدقيته..وقد قيل قدما سوء الظن من حسن الفطن..ان التصميم الهندسي و الطبغرافي للقصرالدي زودتني به رئاسة الأركان معتقدة في سداجة انه خريطة الكنز الحقيقية ليس اكثر من مزحة فصل مقاساتها أساطين الاستخبارات الخاصة للأمن الرئاسي
                  وعلى كل حال فهدا نقاش عقيم لن يسعف في قلي عجة فما بالك بالعثور على الرئيس..
                  آه كم أتحرق شوقا للحظة التي سأمسك بخناقه..أقسم أنني سأفرم عنقه كدجاجة وأن فقرات عنقه ستتقصف بين يدي هاتين.
                  كان قائد الكومندو منخرطا بكليته في حلم يقظته داك..الدي لاقى هوى في نفوس مرؤوسيه الدين تابعوا في اهتمام
                  حركاته المسرحية و هو يضيق الخناق بيديه الهائلتين حول عنق الرئيس..حتى انه لفرط اندماجهم في تفاصيل المشهد الدرامي خيل لأبصارهم أنها ترى عيني الرئيس و هي تجحظ وتكاد تنط عن محجريها و..
                  الرنين الحاد و المفاجئ لجهاز طنان في الجيب العلوي لسترة قائدهم كادت تهوي له قلوبهم رعبا..أفاقوا من حلمهم ..
                  حال من سقط من شاهق ليرتطم بعنف بارض صلبة الواقع.
                  ارتسمت على و جوههم تعابير عدم الرضا
                  بله الخجل و كأن لسان حالهم يقول
                  -ليس هدا بالتصرف الأحترافي الدي يجمل بفرقة تمثل صفوة النخبة بين قريناتها في الجيش..لو رآنا الآخرون على هده الحال وقد سحرت انظارنا ادن لاتخدونا موضوعا أثيرا لسخريتهم و تندرهم.
                  حمل القائد الجهاز الى ادنه و تصنع الثقة و هو يرد
                  -نعم سيدي
                  تناهى اليه صوت الكولونيل أجشا قويا و هو يسأله
                  -ماالجديد لديكم؟
                  -آسف سيدي و لكننا لم نعثر لأفعى الكوبرا على أثر
                  - مستحيل مداخل القصر و مخارجه محاصرة..حتى النملة لايمكنها اختراق حصار كهدا..ابحثوا جيدا
                  -سيدي لدي نظرية حول مخبأ سري و أنا بصدد التحقق منها ..سأخبركم ما ان يستجد طارئ.
                  أنهى الأتصال واستدار مواجها فريقه
                  -ايها السادة اخرجوا لاقطات الحركة و كاشفات الحرارة المتطورة ودعونا نفحص هدا الممر بوصة بوصة..امتثلوا على الفور و أخرجوا عدتهم المتطورة و راحوا يتنقلون ببطئ بين حواف الممر..فجأة سمعوا أزيزا خافتا متواترا تتبعوا مصدره..كان ينبعث من تجويف عميق معتم في الحائط..اقترب القائد و سلط أشعة مصباحه و ماكاد أن يفعل حتى شهق في هلع..تراجع الى الوراء صارخا في ارتياع
                  -اللعنة انها قنبلة موقوتة..ستنفجر بعد ثوان..تراجعوا..تراجعوا
                  رمى اعضاء الفريق معداتهم بنفس السرعة التي قد يتخلص بها انسان عادي من كرة جمر تكورت حولها خطأ قبضته وركضوا
                  وكانوا في عدوهم أسرع من الجامايكي بولت صاحب الرقم القياسي العالمي الجديد في سباق المئة متر..ولكن حتى هدا الأنجاز لم يكن ليشفع لهم..فقد دوى انفجاراول اعقبه ثان ثم سلسلة فهموا معها متأخرين طبعا و أشلائهم تتطايرفي الهواء أن القصر كله كان مفخخا..
                  مارت الأرض تحت أقدام الكولونيل قبل أن تدفعه موجة هواء لافحة وعنيفة أمتارا عديدة الى الوراء وتسقطه أرضا..كانت موجة ارتدادية قوية و ادا علمتم ان الكولونيل كان يراقب القصر عن بعد ثلاثة كيلومترات فلكم أن تتخيلوا حجم الأنفجار
                  الهائل الدي كانت جنبات القصر مسرحا له..و الحق أنه لم يبق بالقصر جنبات..
                  القصر كله صار أثرا بعد عين..تحامل الكولونيل على نفسه وقام و قد امتقع لونه وانفغر فمه..فرك عينيه غير مصدق
                  -اللعنة أأنا في حلم أم في علم..
                  أطل باقي الجنود و الضباط من فتحات مدرعاتهم..وحين انقشعت أعمدة الدخان و النار و سحب الغبار كان المنظر رهيبا بحق..منظر القصر وقد سوي بالتراب تماما..وفوق الوجنات سالت الدموع حرى ..تنعي في صمت مصير
                  المئات من رفاقهم الدين كانوا يطوقون القصرعن كثب فضلا عمن كان بداخله.
                  .
                  ازدرد الكولونيل ريقه بمشقة كما لوكان يتجرع قطع زجاج صغيرة..وحمل جهاز اللاسلكي الضخم..
                  ولأول مرة في مسار حياته العسكرية تحدث متلعثما كأنه يرطن بلغة غير لغته الأم
                  -هنا مركز العمممممليات..لقد انتهى كل شيء..أنا آسف.
                  أرخى يده فسقط جهاز اللاسلكي أرضا..واستبدت به فكرة و احدة
                  استبدادا مميتا
                  -لقدأرسلت جنودي الى الموت..كقائد كان علي أن أضع في الحسبان هده المفاجئة.
                  لقد أرسلت رجالي الى الموت.
                  صرخ الضباط في هلع وهم يرون الكولونيل يؤدي تحية عسكرية مقتضبة وركضوا مسرعين في اتجاهه لمنعه..ولكن يده كانت أسرع وهي تسحب مسدسه الأوتوماتيكي من غمده وتدخل ماسورته في فمه و تضغط على القرص..ودوت الطلقة

                  تعليق

                  • عبد العالي لشكر
                    عضو الملتقى
                    • 10-06-2011
                    • 11

                    #10

                    ج10
                    سيارات الجيب العسكريةتغد سيرها بسرعة جنونية في اتجاه مطارالعاصمة..وعلى متنها أفراد الشرطة العسكرية مدججين عن آخرهم.بأنواع العتاد.وفي استعداد تام لمواجهة أي موقف..كانوا على عجلة من أمرهم..فقد وردت اليهم قبل قليل معلومات تفيدبأن الرئيس الدي اختفى عن الأنظار مند ثلاث ساعات..سيحاول مغادرة العاصمة تحت مظلة أمريكية..وتحديدا رفقة السفير الأمريكي مستغلا صفته الديبلوماسية..حيث أن السفراء و مرافقيهم كانوا مسثثنون من اجراءات التفتيش الصارمة..وكان و صولهم متأخرين و لو بثوان يعني ببساطة
                    ضياع غلة اجتهادهم و ثمار أتعابهم
                    ونتائج تحرياتهم....
                    ..صحيح أنه قد صدرت في
                    حق الرئيس مدكرات بحث دولية..وأنه قد يحاكم بتهمة اقتراف جرائم ضد الانسانية..بالنظر لوحشية و فظاعة المجازر التي ارتكبها في حق مواطنيه..ولكنهم يؤثرون خضوعه لمحاكمة شعبية..فهدا أدعى لامتصاص غضب الجموع..وحتى لا تفشو المقالات بالطعن و الأرجاف في حق الجيش..وتصدق الشائعات بشأن صفقة مزعومة بين الرئيس و الجيش..
                    يتعهد بموجبها هدا الأخير بضمان سلامة الرئيس مقابل التزامه بالرحيل و الصمت..فمؤسسة الجيش رغم موقف الحياد الدي يحسب لها ..تبقى غارقة في الفساد شأنها في دلك شأن باقي المؤسسات في الأنظمة العربية..وهدا لايعني بحال أن الجنود العاديين -الدين يشكلون سواد الجيش ويقبعون في أدنى درجات التراتبية العسكرية- يعيشون في بحبوحة من أمرهم..على العكس تماما..انهم يتقاضون مرتبات يفترض أن تكون مصروف جيب لأصغر طفل في أحقر مدرسة..فضلا عن ضنك و قساوة و شظف العيش في الثكنات..وكأنهم يستعدون لمعركة حطين فاصلة.
                    فيما الضباط الأرفع رتبة يعيشون البدخ في أفحش صوره..منافسين رجال الأعمال في أعمالهم وملاكي الأراضي في حجم اقطاعاتهم
                    ..حتى انهم باتوا يفقهون في شؤون المضاربة و العقار اكثر مما يفهمون في أمور الحرب.
                    و الأنكى من هدا أن لا أحد يتجرأ على التعرض لهده المؤسسة بالأنتقاد لا من قريب و لا من بعيد..بصراحة و لك ياعزيزي القارئ أن تعتبر هدا رأيا شخصيا لا يلزمك في شيء..أنا اعتقد اننا سنكون أحسن حالا بدون هده الجيوش العربية..التي ما خاضت حربا الا خسرتها..والتي هي على رأي الشاعر
                    أسد علي وفي الحرب نعامة
                    فثخاءتنفر من صفير الصافر
                    . شرعت بوابة المطار الرئيسية
                    تبدو أكثر جلاء عن بعد كلما زاد تقدم سيارات الجيب على طول الطريق السيار الدي يربط العاصمة بمطارها..وكانت السيارات الأخرى تنحرف بسرعة الى اليمين
                    لتفسح المجال لمرور العسكر..فالأضواء على أسطح سياراتهم و صفارات الاندار المصاحبة لها كانت ترى و تسمع على بعد أميال..وهو ما مكن رجال الشرظة العسكرية من الوصول الى وجهتهم في زمن يكاد يكون قياسيا..وكأنهم على متن سيارات فيراري انزو أو لامبورجيني مورسيلاجو وليس سيارات جيب عسكرية هي و الخردة سواءبسواء.
                    اصطفت سيارات الأجرة بمحاداة الرصيف المشرف على المدخل..وكانت أعدادها هائلة..وبالرغم من ان الساعة قد شارفت التاسعة مساء فان المطاركان يضج بالمسافرين..معظمهم من الأجانب..المقيمين بالبلد و الدين يخشون أن تسوء الأوضاع أكثر..فيعلقوا بين طرفي الكماشة..انتهر ضباط الشرطة بعض سائقي سيارات الأجرة فأخلوا مواضع ركنهم للسيارات الحربية..وهم يدمدمون في حنق بالغ..فالوقت وقت دروة..وهدا الطارئ من شأنه أن يضيع عليهم فرصة ايصال زبائن يدفعون بقشيشا مزجيا.
                    ترجل رجال الشرط عن مقاعدهم وعدوا في أثر قائدهم ينشدون ردهة الاستقبال الخاصة بالشخصيات الوازنة..وكان المسافرون يفسحون لهم الطريق كما لوكانوا عبابا ينفلق لعصا موسى..والدهشة المشوبة بالارتياع و التوجس تكسو وجوههم..
                    تقدم مدير المطار الدي اخبر لتوه بهده المداهمة المفاجئة..وسأل قائد الشرطة العسكرية الدي كان متشاغلا عنه بتفحص وجوه مرتادي قاعة الانتظار الخاصة
                    -سيدي هل ثمة مشكلة؟
                    لم يكن للسفير من أثر في الحجرة..
                    -ألم يصل السفير الأمريكي بعد؟
                    -سيدي لا حاجة بي الى تدكيرك أن القوانين تمنع تفتيش الديبلوماسيين أو ازعاجهم؟
                    -أنت من سيتعرض للأزعاج ان لم تخبرني عن مكان تواجد السفير.
                    -في الواقع فخامته يستعد في هده اللحظة تحديدا للأقلاع على متن طائرة جيت خاصة.وقد أصدرت أوامري مند ساعة باخلاء جانب المنصة الشرقية لهبوطها.
                    -قدني الى مكانها حالا ..ودون تأخير
                    هناك اخبارية بوجود قنبلة على متنها.
                    جحظت عينا مدير المطار في هلع ثم استجمع رباطة جأشه وراح يعدو بأقصى سرعة عبر ممرات خاصة مختصرة..وفرت عليهم ثوان كانت لتكون حاسمة بالنظر الى مايسعون ورائه..كانت الطائرة تستعد فعليا لرفع السلم الآلي و اغلاق البوابة الصغيرة.. قبل أن ينتبه ربانها الى العشرات من رجال الشرطة..وهم يلوحون بأيديهم عاليا في اشارة خرساء اليه بالتوقف..لم يحر الربان جوابا فآثر استشارة السفير الأمريكي عبرأنترفون قمرة القيادة
                    -سيدي السفير..هناك الكثير من الدرك الحربي خارجا..وهم يطلبون منا التوقف
                    اتسعت عينا السفير اندهاشا..وراودته بعض الوساوس و لكنه لم يجد بدا من الادعان
                    -حسنا أوقف المحركات فورا ولنر ماوراء هؤلاء المناكيد.
                    ضغط الربان على جملة من الأزرار وحول وضعية الناقل الى 0
                    فتوقفت محركات الطائرة الجيت فالكونx7
                    وشرع هديرها يخفت تدريجيا...
                    فتحت بوابتها مجددا و أنزل السلم الفولادي أوتوماتيكيا..لم ينتظر رجال الدرك الحربي أن تطل مضيفة بابتسامتها -التي على مايبدو يتعلمون لزقها بنوع من الغراء على وجوههم الجميلة-لترحب بهم و تدعوهم الى الدخول متمنية لهم رحلة طيبة رفقة طاقمها..بل اندفعوا بقوة عبر أدراج السلم التي انتهبوها في و ثبتين أو ثلاث على الأغلب..واهتزت جنبات الطائرة التوربينية لوقع خطواتهم العسكرية.
                    ..اعترض طريقهم الحارس الشخصي للسفير الأمريكي..كان عملاقا حقيقيا..برأس حليق و سترة من توقيع برادا..كان أقرب الى نجوم المصارعة الحرة الأمريكية منه
                    الى مجرد حارس أمن..عقد معصميه الضخمين أمام صدره وبصوت قوي رنان ابتدر قائلا
                    -سيدي أنت تعلم أنك لاتملك صلاحية الدخول و تفتيش الطائرة
                    ..توقف رئيس الشرطة العسكرية مؤثرا التصرف بديبلوماسية على مباراة في شد الأيدي و استعراض القوة ورد بصوت أراده خفيضأ و بانجليزية متكسرة
                    -ياسيدي المقامات محفوظة..والقانون على راسي و عيني..لكن هناك اسثناءات كما تعلم..فسلامة السفير و حياته هي مسؤوليتنا نحن أيضا..ولولا أنه وردتنا معلومات عن احتمال وجود قنبلة بالطائرة لما أزعجنا فخامته.
                    -حسنا مادام الأمر بهده الخطورة ..فلا مانع من قيام تعاون و تنسيق فيما بيننا..لكن علي تذكيرك بأن اللوائح واضحة بهذا الشأن و أن..
                    أشار الضابط بسبابته الى ساعته اليدوية مستعجلا حارس الأمن..فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بقنبلة قد تنفجر بين لحظة و أخرى..وسيكون من الغباء بمكان انفاق هذه الثواني الثمينة في استطرادات سخيفة عن القانون الدولي..أفسح الغوريلا الطريق متفهما..
                    فتجاوزه الضابط ..وقد ارتسمت على شفته ابتسامة هازئة..ثم أمر رجاله بالتفرق و البحث في كل الأمكنة..وبالا يستثنوا من تفتيشهم أي موضع.امتثل أفرادالدرك الحربي للأوامر وراحوا يتظاهرون بالبحث عن القنبلة المزعومة فيما كانت نظراتهم مهتمة أكثر بتفحص و جوه المسافرين على متن الطائرة..وأيضا تفحص كل الأماكن التي قد تصلح مخبأ لهارب حريص على أن لاينكشف أمره..
                    فيما توجه رئيسهم رفقة ضابطين الى المقصورة الخاصة التي تلي قمرة القيادة مباشرة..

                    في هذه الأثناء..
                    كان الرئيس يكاد لفرط هلعه و توتره أن يصرخ هاأنذا لرجال الدرك الحربي حتى قبل أن تطأ أقدامهم أرضية المقصورة الفخمة..حيث يختبئ..وقد عانى خوان الأمرين وهو يحاول تهدئته..حتى انه بات يخشى افتضاح أمرهما بسبب نوبة الرعب الحادة التي تلبست الرئيس..كانت فرائسه ترتعد وكأنه أصيب لتوه بنزلة برد حادة والعرق يتفصد من جبينه و ينثال من أطرافه..باختصار كان تجسيدا حيا للمثل القائل كاد المريب أن يقول خذوني..أصاخ خوان السمع.. كان السلم و الممر يتجاوبان بأصداء وقع خطوات عسكرية ثقيلة..راحت تقترب من مكان تواجدهم..كان عليه أن يجد حلا سريعا قبل أن تخور أعصاب الرئيس و يتسبب في كارثة لهما معا..خاصة وأن وصول زبانية التفتيش بات وشيكا..أجال طرفه في أنحاء المكان فلفت انتباهه أنبوب الأوكسجين المتدلي من حافية المقعد الوثيرو المعد لحالات الطوارئ..والذي يعتقد الناس خطأ أنه يساعدهم على التنفس عندما تسوء الأمور داخل الطائرة بينما مهمته هي تخديرهم وجعلهم يسترخون تماما..فجرعة أوكسجين زائدة تجعل الأعصاب تسترخي أكثر مما قد تفعل لفافات الماريخوانا..اذ تجعل المرء يدخل في حالة تصالح و تقبل لأي شيء..حتى الموت الدي قد يسببه سقوط طائرة من حالق..وهدا طبعا يوفر على المضيفات عناء تهدئة روع المسافرين الذين يكونون حينها منشغلين عن الخطر الداهم بعد أطباق الأرز في عالم الخيالات و التوهمات السعيدة

                    ناول خوان الكمامة البلاستيكية المتدلية من طرف الأنبوب للرئيس وطلب منه تنشق الأوكسجين بعمق..امتثل الرئيس على الرغم من أنه لم يفهم مراد خوان..وعلى كل ففي الساعات الأخيرة كان مذهولا و فاقدا لكل ارادة.. غريقا يائسا و كأي غريق كان مستعدا للتمسك بأدنى قشة..وكان خوان هي القشة الوحيدة المتاحة في ذلك الظرف..لهذا أسلم له الزمام و لو أنه في دخيلته
                    لم يكن واثقا من انه يفعل الصواب.لكن فات أوان التراجع الآن..عليه أن يمضي قدما في خطتهما المجنونة .. ... فمصيره صار رهنا بنجاحها..
                    أخذ نفسا عميقا..فاستبد به احساس عارم
                    بالراحة..كما لو تخفف فجأة من
                    أحمال هائلة كان يرزح تحت نيرها
                    .وينوء تحت ثقلها الضاغظ
                    .جرب نفسا ثانيا..فاصطخب داخله شعور طاغ بالفرح
                    ورغبة ملحة في الضحك..جذب
                    خوان الأنبوب منتزعا الكمامة في عنف
                    لمنعه من أخد نفس آخر
                    كان كفيلا بجعله ينخرط في نوبة
                    ضحك هستيرية كانت لتثير شكوكا قوية
                    حولهما..و أمره بالتزام الصمت.
                    أطل رئيس الشرطة برأسه الدي يحاكي الشمام انتفاخا
                    وشاربه الرمادي الكث..وعينيه اللتان
                    تبدوان متناهيتا الصغر بالنظر لاتساع صفحة
                    وجهه ولضخامة أنفه الأفطس.ورغم ذلك فقد
                    كانت نظراته جريئة نزقة من النوع الذي لايرده حتى طلق الرصاص تنفذ الى الأعماق
                    فتحس بها كما لوكانت موجة صقيع
                    تنخر عظامك.نعم لم يكن رئيس الدرك الحربي
                    بالرجل الذي يسهل خداعه..وقد سبق لخوان أن احتك به في مناسبتين
                    و يمكن الجزم بأنهما ليسا من النوع الذي قد يجعل
                    رئيس الشرطة يحتفظ
                    بفكرة طيبة عنه..المرة الأولى حين دخل
                    في نزاع مع أحد الضباط حول مجالسة
                    في مرقص مصنف..وكادت الأمور أن تتطور الى
                    الأسوأ حين أشهر كلاهما المسدسات في و جه بعضهما البعض.. لولا أن صادفت الواقعة مرور دورية للدرك الحربي
                    بقيادة القائد نفسه..فتم التحفظ على الضابط
                    بعد أن هدد خوان بالاتصال شخصيا
                    بالرئيس..والحق أنها احدى المرات القلائل التي
                    استغل فيها خوان صداقته وقربه من الرئيس
                    وهو على كل حال ليس فخورا بالأمر
                    ..بل لقد بادر بالاعتذار من الضابط بمجرد ما استفاق
                    من آثار الشرب..ولكنه يذكر جيدا النظرة
                    التي بادله اياها رئيس الدورية..
                    كانت نظرة ازدراء حقيقية من النوع الذي
                    قد نوجهه لصرار مقزز يدنو من صحن طعامك.
                    ..لم يفت خوان الانتباه الى ذلك
                    ولكنه عزا الأمر حينها الى السكر الذي تعتعه
                    فالتمس العذر لرئيس الدرك الحربي
                    معتقدا أنه لايستلطف السكارى..
                    ولكن مناسبة أخرى قدمت له دليلا اضافيا على أن رئيس الشرطة العسكرية لا يستلطفه بالمرة
                    سواء أكان صاحيا أم معربدا.
                    ولم يضن نفسه ككثيرا بحثا عن أسباب محتملة
                    لهذا النفور..فقائد الدرك الحربي لم يكن الوحيد
                    الذي ينظر اليه بعين الريبة..
                    فما أكثرهم
                    أولئك الذين كانوا يحسدونه على حظوته
                    عند الرئيس..وما أكثر ما كانوا يرجفون عليه بأصناف الأقاويل و الأباطيل و الشائعات و أنواع الوشايات الكاذبة و المغرضة..
                    ولكن الرئيس كان دوما يقرضهم أذنا من طين و أخرى من عجين
                    حين يتعلق الأمر بخوان
                    أجال القائد نظراته في المقصورة
                    الفارهة بمقاعدها الجلدية الوثيرة
                    وشاشة التلفاز العملاقة..والبار الذي يحوي كل مشروب فاخر قد يخطر ببالك..واضاءتها الفضية الزاهية
                    كانت باختصار أشبه بجناح فندق فخم
                    .بعدها شرع في تفحص و جوه المتواجدين..
                    كانوا قلة يشكلون في معظمهم فريق العمل في السفارة الأمريكية
                    وبعض المراسلين الصحفيين.تطلع القائد بخبث الى خوان
                    الذي مال على أذن السفيركما لو كان يسر اليه
                    حديثا خاصا..والواقع أنه كان يرسل اشارة قوية
                    الى قائد الدرك الحربي مؤداها أنه
                    مقرب جدا من السفير..الأمريكي..
                    وأن أية محاولة للأنتقام منه أو التشفي فيه نظير الأيام الخوالي..

                    ستكون غير مأمونة العواقب.
                    حيى قائد الشرطة السفير في أدب جم..معتذرا
                    عن الازعاج الحاصل ولكن السفير لم
                    يتجشم عناء الرد عليه..وهو مافسره القائد بكونه لازال
                    مغضبا لواقعة اقتحام طائرته الخاصة
                    فالسفير لم يكن من الغباء بحيث تنطلي عليه حيلة القنبلة
                    المزعومة..
                    -بالنسبة لأشخاص يبحثون عن قنبلة
                    فأنتم لستم في عجلة من أمركم بالمرة..
                    في حياتي شاهدت أنهارا جليدية تتحرك أسرع مما تفعلون
                    قالها خوان وراح يمج ببطئ تبغه الفاخر
                    -ليس أمر القنبلة و حده مايعنينا بل أيضا الشخص الذي
                    وضعها على متن هذه الطائرة.ألديك أية معلومات بهذا الشأن؟
                    -وما المصادفة العجيبة التي قد

                    تجعلني على اطلاع على معلومات

                    خطيرة كهذه؟
                    -نفس نوع المصادفة التي رمت

                    بك في هذه المقصورة هنا و

                    الآن.

                    -صدقا لا أفهم الى ماذا تلمح؟و

                    لكن ألا تعتقد يا عزيزي بأنك

                    تضيع و قتا ثمينا بتجاذب أطراف

                    الحديث معي..وقت قد ندفع ثمنه

                    انفجارا يعصف بنا جميعا.
                    أشاح الضابط بوجهه عن خوان..

                    وتوجه بصوت جهوري و انجليزية

                    مفخمة..الى بقية المتواجدين.
                    -سأطلب منكم أيها السادة مغادرة
                    الطائرة الى حين انتهاء اجراءات

                    التفتيش..حرصا على سلامتكم
                    قام الجميع عن مقاعدهم و هم

                    يتسخطون ملوحين بأكفهم عاليا

                    علامة على تبرمهم..توجهوا الى

                    الممر المنبعج عن المقصورة ثم

                    غادروا الطائرة عبر السلم

                    المتحرك..تحت حراسة رجال

                    الدرك الذين قادوهم الى ردهة

                    استقبال جانبية وشرعوا في

                    اجراءات التحقق من الهوية.ولم

                    يفت رئيس الدرك أن يستوصي

                    خيرا بخوان مسرا لأحد ضباطه
                    -لا تعد عيناك عن هذا

                    النمس..ولا تتردد في اطلاق

                    النار عليه فيما لو حاول الهرب.
                    سأحرص على استنطاقه شخصيا

                    حال انتهائي من تفتيش الطائرة..

                    فأنا على ثقة بأنه يعلم الكثير بل

                    أكثر مما يسمح لشخص واحد

                    بمعرفته.
                    بدا السفير ذاهلا وهو يتوسط

                    حارسه الشخصي و خوان في

                    الرحلة من الطائرة الى ردهة

                    الاستقبال.وحين أجلساه على احد

                    الكراسي تمطى بجسده و مد

                    رجليه أمامه ثم أسند رأسه الى

                    الخلف..كما لو كان بصدد

                    الاستعداد لأخذ اغفاءة صغيرة
                    شرع بعد ذلك في فتح عينيه

                    طورا و اغلاقهما طورا آخر..كما

                    لو كان يتأرجح بين اليقظة و

                    الغيبوبة..سأل أحد الضباط

                    خوان
                    -هل يشكو السفير من خطب ما؟
                    -لا اطلاقا ..كل مافي الأمر أنه

                    كان يمني نفسه بالنوم أثناء

                    الرحلة..فأخذ حبتي منوم لحظات

                    قبل تشريفكم.
                    -يالسوء حظه.
                    قالها رئيس الشرطة الذي عاد مجددا..وضع يده الخشنة و الضخمة و المكسوة بشعر بني كثيف فوق كتف
                    خوان..ثم تصنع اللطف و الوداعة و هو يهمس لخوان بهذه الكلمات.
                    -عزيزي خوان..لطالما أكبرت فيك ذكائك..صحيح أنني لم أستلطفك يوما ولكنني كنت دوما أعترف
                    بنباهتك..لم أعتبرك يوما مغفلا..والآن حان أوان سدادك لهذا الدين المعنوي..فأنا لا أتوقع منك شيئا أقل
                    من احترامي وعدم اهانة ذكائي..لديك معلومات تهم الأمن القومي للبلد..أفصح لي عنها و سأدعك
                    تمضي في سلام..انظر الى الطائرة هناك..ان كنت تريد الرحيل في سلام فهذه فرصتك التي لن تتكرر..
                    وأنا أقدمها لك في طست من ذهب..تذكر أن لك أعداء كثيرين هنا..وسيكون من دواعي سرورهم أن
                    يروك وأنت تسلخ حيا كشاة..ولا تظنن أن السفير سيكنفك بجناحه..ان حتى لا يأمن على حياته فكيف سيكون بذي نفع لك..و الآن أنت حر و القرار قرارك..أخبرني بمكان اختباء الرئيس..ووفر على كلينا المزيد من
                    النصب و العناء.
                    شعر خوان بعرق بارد ينساب عبر فقرات ظهره..وشط به خياله بعيدا و هو يتخيل حصص التعذيب التي قد يخضع لها على أيدي جلادي الاستخبارات..و الحق أن التعذيب في السجون العربية مدرسة قائمة الذات
                    حتى ان السي اي ايه لا تجد غضاضة في اللجوءالى خدمات أساطين هذا العلم الشيطاني من جلادي الاستخبارات العربية ليقوموا بالعمل القذر نيابة عنهم..تخيل خوان نفسه وقد شد و ثاقه الى دولاب متدل من السقف..وعشرات الهراوات و الكيبلات تنهال على أطرافه..ثم رأى نفسه وهويخضع لجلسة الفلقة
                    وهي الضرب المتواتر و بكل قوة على باطن القدم بأحزمة جلدية أو بعصي غليظة..ضرب لا يتوقف حتى بعد تمزق الأوعية و انفجارها دما..توهمهم و هم يثقبون فقرات ظهره أو أضلاع صدره بسيخ فولاذي حام..
                    أو وهم يطفئون أعقاب السجائر في عنقه أو يكهربون خصيتيه أو وهم يجلسونه فوق أعناق القناني
                    ..تخيلهم و هم ينكأون جراحه ثم يرشونها بالأملاح والمواد القلوية ليضاعفوا شعوره بالألم أضعافا مضاعفة..
                    تصورهم وهم منخرطين بكليتهم في تشريط و جهه بشفرات الحلاقة..وتوهم نفسه و قد شد وثاقه الى آلة العبد الأسود..التي تخرج حال حركتها سيخا معدنيا أسود يخرق أسفل ظهره كخازوق عثماني مرعب..
                    استعرضّ ذهنه هذه الصور المرعبة في ثوان معدودات..وحملق في و جه مخاطبه وقد استبد به الذهول..
                    عليه ببساطة أن يختار بين أحد أمرين ..سلامته هو أو سلامة الرئيس..نعم لقد كان مستعدا لا فتداء رفيق عمره بحياته ..ولكن هؤلاء الوحوش الآدمية كانوا سيجعلون من الموت حلما ورديا بعيد المنال في أقبية تعذيبهم..
                    -هم ماذا قلت؟ أيهما تفضل الطريقة السهلة أم الصعبة؟وصدقني في كلتا الحالتين سأحصل منك على ما أريده؟نعم أنا أتفهم و لاءك لصديقك..ولكن ما يوجد على المحك الآن هو سلامتك أنت..أنت لازلت في مقتبل عمرك..حرام أن تهدر عمرك لتحمي شخصا تخلى عنه حتى الشيطان نفسه.
                    أطرق خوان برأسه ورنا بنظراته الى موطئ قدميه..اللعنة ..ثوان معدودات وكانت الطائرة لتحلق و تمضي بهم بعيدا عن هذا الجحيم..ولكن سوء طالعهم أفضى بهم الى هذا الموقف العصيب..ماذا ستفعل ياخوان هل ستقايضهم سلامتك برأس صاحبك؟ أم ستسلمهم جسدك لينتهشوك حيا..عادت صور التعذيب لتطرق ذهنه مجددا..واتسعت محاجر ناظريه رعبا ..كما لوكان يراها رأي العين..حينها اتخذ قراره..فهو في مطلق الأحوال لم يكن سيتحمل وحشيتهم لأكثر من ساعات معدودات.
                    -حسنا من الواضح أنك لا تترك لي كثير اختيار..أنا مستعد لأخبرك بمكان صيدك الثمين نظير ضمانات قوية
                    بأنك ستتركني أغادر رفقة السفير على متن الطائرة الجيت.
                    -كلي آذان صاغية.
                    رفع خوان كفه و أشار بسبابته في اتجاه و سط الصالة ..استدار قائد الشرطة متتبعا وجهة الاشارة..وقبل أن تقع عيناه على ماكان خوان يلوح صوبه..سمعت أصوات طلق ناري مكثف..أصوات انخلعت لها قلوب الجميع..وأسرع الجميع لاستطلاع الخبر من النوافذ..وكان المشهد الذي عرض لناظريهم رهيبا..رهيبا بحق

                    تعليق

                    • عبد العالي لشكر
                      عضو الملتقى
                      • 10-06-2011
                      • 11

                      #11
                      ج11
                      كان أحد رجال الشرطة العسكرية يدنو من الصالة الجانبية الصغيلرة مخلفا وراءه خيطا رفيعا من دماء كانت تنثال بغزارة من جهة أذنه اليسرى التي تمزقت و تدلت الى جانب بفعل رصاصة طائشة أصابته
                      لشقوته..لتواجده في المكان الخطأ و في الزمان الخطأ..راح المسكين يتلوى ألما و هو ينقل الخطو في اتجاههم بجهد بدا خرافيا بالنظر الى و ضعه الحرج ..كان يتحرك بمشقة ويكاد يجر نفسه جرا كما لوكان قرصانا يحرك ساقه الخشبية فوق رمال متحركة..فيما يده اليسرى منصرفة الى لزق طرف الأذن المتدلي
                      مجتهدة لحبس الدماء التي كانت تفيض بغزارة كمياه صنبور مفتوح عن آخره..كان وجهه و قد خضبته الدماءاللزجة يشبة رأس حبار كبير منفر..استمر في تقدمه لكنه لم يفلح الا في قطع نصف المسافة قبل أن يتهاوى أرضا و قد هده الأعياء و بلغ منه التعب كل مبلغ.
                      وعلى مقربة من الطائرة الجيت فالكون كان جنديان آخرين ممددين أرضا و غارقين و سط بركة من الدماء القانية.
                      وتواصل الطلق المكثف و استمر سيل الرصاص المنهمر ولعلعت كرات النار الصغيرة الذائبة داخل الطائرة
                      وفي محيطها كما لو أن أرضية المنصة الشرقية للمطار استحالت على حين غرة ميدانا لحرب ضروس و ساحة لمعركة عسكرية حامية الوطيس.
                      من حيث كان يرقب الطائرة..خلف اطار احدى نوافذ الردهة الجانبية..لم يسع القائد معرفة حقيقة
                      ما يجري هناك في الطائرة و حولها..أخرج مسدسه البيريتا و استند الى حافة النافدة مؤثرا الأنتظار دقائق أخرى لعل أحد جنوده يأتيه بالخبر اليقين عن حمام الدم الذي استمرت فصوله لثوان عديدة أخرى..
                      أما بقية المتواجدين فيالصالة فقد ارتموا أرضا و اضعين أيديهم فوق رؤوسهم لحمايتها من شظايا زجاج النوافذ الذي كان يتطاير بين الفينة و الأخرى..
                      لم يطل انتظار القائد كثيرا..فقد مرق أحد الضباط عبر فتحة الباب الذي كان شبه موصد..ودخل و هو يلهث..
                      أجال نظراته و حين و قعتا على القائد الذي كان يوليه جانبه اقترب منه و صفق بقوة بحذائه العسكري مؤديا التحية العسكرية و طالبا الأذن للحديث.
                      استدار القائد نحوه مطلقا زفيرا قويا
                      -أخيرا..استرح أيها الضابظ..وأخبرني ماذا يحدث بحق الله خارجا؟
                      -سيدي القائد..سيديالقائد..لقد عثرنا عليه ..لقد عثرنا عليه.
                      قالها الجندي وهو بالكاد يستجمع أنفاسه المتقطعة وقد بلغ منه الانفعال غايته القصوى.
                      -خذنفسا عميقا أيها الجندي و استرخ..و الآن أخبرني
                      -لقد كشفنا مخبأه سيدي ..كان متواريا في احدى خزانات المطبخ الثانوي الملاصقة لقمرة القيادة..
                      لقد ابتدر رجالنا باطلاق نيرانه الكثيفة من مدفعه الآلي..موزعا طلقاته على من كان منهم داخل الطائرة أو خارجها عبر طلة -فتحة-في جدار المطبخ الصغير..مما اضطرنا الى الرد عليه بالمثل..ولقد أرديناه بعد لأي قتيلا..لقد أصدرت أوامر سيدي بعدم الأقتراب من الجثة الى حين تشريفكم.
                      -اللعنة..ألم يكن بامكانكم احكام الظوق حوله أكثر لألجائه الى الأستسلام..مانفعه الآن و قد صار جثة هامدة.
                      تحرك القائد مغادرا موضعه في اتجاه الطائرة ..صعد السلم وعبرالممر الضيق وتجاوز المقصورة الوسطى
                      الرءيسية التي عجت بأفراد الشرطة العسكرية..اقترب من باب المطبخ الصغير فلمح الجثة منكفئة على و جهها غائرة وسط بقعة كبيرة من الدم المتجمد..وقف القائد عند عتبة المطبخ و كأنه يتهيب الولوج اليه..ثم أعمل مرامي نطراته في كل أنحاءالكابينة الصغيرة و كأنها مسلاط ضوئي يقوم بعملية مسح لرجائها..
                      كما لو كان بصدد تخزين كل التفاصيل الممكنة عن هذه اللحظة التاريخية الكبرى..قبل أن يسمر ناظريه
                      على الجثة في سترتها الجلدية الأنيقة والتي لم يكن ثمنها ليقل قبل الحادث عن ألف دولار أما الآن فهي لا تكاد تساوي شروي نقير لفرط الثقوب التي أحدثتها الرصاصات بها..
                      كان القتيل ممددا طولا على بطنه ووجهه يستقبل أرض الحجرة الصغيرة غارقا و سط بركة من الأحمر
                      القاني الذي بدأ سيرورة تحولهالبطيئ الى الأسود الغامق بفعل عملية التخثر الحتمية.
                      يالها من نهاية بائسة لرئيس كانت الأرض تهتز تحت و قع خطواته التابتة ..فكر القائد في دخيلته..
                      أهذا قائد الأمة الملهم؟أهذا زعيمها المفدى؟أهذا الّذي كان الناس يخرجون بالآلاف لتحية موكبه؟
                      خطا خطوة أخرى مقتربا من الجثة أكثر و قلبه يكاد لشدة الفرح يرقص طربا..وأطرافه ترتعش انفعالا
                      ..صحيح أنه كان يمني نفسه بالقبض على الرئيس حيا..ليستمتع بنظرات الانكسار و الذل وهي ترتسم في عينيه..وليسوقه في مهانة مصفدا بالأغلال و مكبلا بالقيود كأي لص نكرة أو مجرم خامل الذكر..
                      ولكن مهما يكن من أمر فهذا أفضل من لاشيء..بقليل من الذكاء سيحوله الى مصدر فخر كبير..وسيتذكره الجميع على أنه القائد العسكري العظيم الذي أحبط محاولة الرئيس للهرب..أو بالأحرى محاولة أمريكا لتهريبه..نعم سينظر اليه كبطل قومي..نعم كان القائد على موعد مع الشهرة و المجد و الفخار..خطوة أخرى ويدخل الى التاريخ من البوابة الذهبية المخصصة للزعماء و العطماء الخالدين..لكن قبل أن يخطو
                      أمر أحد مساعديهباحضاركاميرا رقمية لتصوير الحدث..امتثل الضابظ في التو و الحال..وشرع القائد يتحدث
                      كما لو كان في بث مباشر من احدى الفضائيات..باسطا الكلام عن حيثيات العملية..مضيفا اليها من أخيلته تفاصيل أخرى كانت لتزيد جرعة الاثارة فيها..ناسبا الفضل كله الى شخصيته الأستثنائية و قوة شكيمته و طول مراسه وحنكته و شجاعته..رافعا بذلك قيمة أسهمه في بورصة الاعلام و الشهرة و المجد..وكان و هو يتحدث يتخيل شريطه المصور و قد بث في كل فضائيات المعمور..محطما أرقاماقياسية في نسب المشاهدة في التلفاز و على النت..ويتوهم نفسه ضيفا على قناةcnn
                      والجزيرة و العربية..ثم حانت اللحظة الحاسمة..لحظة تصوير الرئيس قتيلا مضرجا في دمائه صريعا تحت
                      جزمة القائد العسكرية..دنا القائد من الجثة ..ولكن حرصا منه على بريستيجه لم يجشم نفسه مذلة الأنحناء بالقرب منها ليكفيها على ظهرها..بل فعل ذلك بحذائه العسكري كما لو أنه يقلب عنزة جرباء نافقة أو كلبا عقورا دهسته سيارة مسرعة..
                      كان الوجه مخضبا عن آخرهدما متجمدا..ولم يكن بالأمكان تبين ملامحه تحت قناع الدم ذاك..استدار القائد و أمر أحد الجنود باحضار بعض الماء و المناشف و قطعة اسفنج و صابون..سكب الماء و طفق يمرر قطعة الصابون و الأسفنج مسحا و تدليكا..
                      وشيئا فشيئا راحت تقاسيم الوجه تنجلي و تتبدى..الأنف المعقوف..العينان الواسعتان..الحاجبان الكثان..
                      وكان كل ملمح جديد يؤكد ما طرق باب ذهن و ادراك القائد بعنف..رفع القائد من وتيرة سكبه للماء و غسله للوجه..وقد بلغ به الأنفعال مداه..
                      دنا حامل الكاميرا الرقمية الذي بدأ يتصرف كما لوكان كاميرامان حقيقي محترف يعمل لصالح يوسف شاهين..محولا عدستها عن الجثة و مصوبا اياها نحو وجه القائد..ليصور و يخلد ابتسامة النصر النهائي و هي تضيئ باشراقتها ملامح هدا الوجه الدي ما عهده مذ رآه الا عابسا مقطبا..وارتسم وجه القائد في مرمى العدسة..وفغر فاه الكاميرامان و اتسعت عيناه دهشة وهو يرى محيا القائد يتلون بتلك الألوان العجيبة و ....يتبع غدا

                      تعليق

                      • ربيع عقب الباب
                        مستشار أدبي
                        طائر النورس
                        • 29-07-2008
                        • 25792

                        #12
                        الروائي الجميل
                        أرجو ألا تنزل العمل كاملا إلا إذا كان فى كتاب مطبوع
                        و ذلك خوفا على حقوق النشر و الطباعة .. أنت تعلم ما أقصد
                        يكفى ما أنزلته ، و ليكن الرأى حيث قدمت من لغة و فكرة .. و لنبتعد عن المعالجة الكبري للاحداث !!

                        خالص احترامي
                        لو لم يكن عملك يستحق ما قلت هذا !!
                        sigpic

                        تعليق

                        يعمل...
                        X