كابوس فوق السحاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أمين خيرالدين
    عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
    • 04-04-2008
    • 554

    كابوس فوق السحاب

    كابوس فوق السحاب


    ما أن وضعت رجلها في باب الطائرة حتى تذكّرت والديها..أدارت رأسها إلى الوراء فلم تر شيئا....الكل توارى عن عينيها خلف البناء الضخم.. دخلت فابتلعها بطن الطائرة.
    وعندما جلست على كرسيّها في جوف الطائرة الواسع.. أغمضت عينيها لتُبْقي على أجمل لوحة محبة فارقتها قبل لحظات، حين ودّعت أختها التي رافقتها حتى شباك المغادرين..
    ابتلعتها الطائرة. وسرعان ما ابتلعها ظلام كثيف.. غاصت به، ظلام ثقيل، يضجّ بموسيقى صاخبة، يمزق الآذان.. رأت من خلال كثافته بحرا يمتد إلى اللانهاية، يطلُّ من أفقه وجه أبيها المحفور في ذاكرتها منذ فقدته وأمَّها عندما كانا عائدين من سهرة حفلة زفافها، في حادث طرق أليم.. يومها ركضت نحوهما، وهي تمسك في ذيل فستان سهرتها..وتمنت لو تنتصر على القدر، تحدّته ..لكنه كما ينتصر على الجميع، انتصر عليها، وصلت متأخرة للحظات، بعد ان فارقا الحياة...ومنذ تلك النكسة لم يندمل جرحها، وطيف أبيها يطلّ عليها بزيارات ليلية، يضيء ليلها الكثيف كما يضيء الأمل النفوس الميتتة، ويوقف شلال دموعها التي لا تنقطع.
    أحست أن الظلام ثقيل على صدرها، وأن أرجلها ملتصقة بأرض الطائرة، وأنها تركض في بحر ماؤه لا تبلل ثيابها، كالعرق المتصبب من وجهها وعنقها وكتفيها شبه العاريتين. نظرت نحو أبيها في الأفق البعيد ...لوّح لها بيده..فلوّحت له بيديها الاثنتين...رفع يديه يحثّها أن تترك الطائرة لتاتيه بسرعة أسرع من سرعتها
    حاولت أن تصرخ، فلم تسمع صوتها..حركت رجلها فلم تتحرك، حركت يدها فأبت أن تطيعها.. كأنها أصيبت بشلل...!!!
    سألته عن أمها، وهي متوقعة أنه لن يسمعها، فخيّل لها أنه قال " إنها تستظل بظل شجرة قريبة من بيت،بُنيَ من أجلهما ،بعد وصولهما، على ضفة نهر يجري بين الأشجار والبساتين، تحيط به حوريات جميلات،وطيور متنوعة الألوان والأحجام، وبلابل تغرد، وورود برّيّة وجويّة ، وأزهار بديعة الألوان تعجز ريشة أمهر الرسامين عن نقشها،
    ازداد شوقها للوصول إليه، فحاولت مرة ثانية تحريك أرجلها، لكن الماء أعاقها... استغاثت فلم يسمع أحد استغاثتها، أدارت عنقها نحو اليمين، ثم نحو اليسار، كأنها تفتش عمن يزيح هذا الكابوس عن صدرها،أو يفك القيد عن رجليها، أو يميل بها عن هذا البحر الذي تحس انها تغوص فيه حتى وسطها، ويشلّ الحركة من قدميها....
    بدأت تخرج أصواتا مسموعة.. غير مفهومة... كأنها تبكي بكاء مغموما، ومناداة مبهمة.. نفضت جسمها المبلول بعرقها، فاصطدم بجسم زوجها الجالس على يسارها... لم يوقضها .. تركها تعيش الحلم، وترك الحلم يمتص حزنها، كما كان يتركها كل مرة، تفرغ هذا الحزن المشحون بكابوس كلّما زارها في ليالي الشتاء الباردة، فيغمر جسمها بالعرق رغم البرد، وفي ليالي الصيف الحارة ليسبح جسمها في عرق الكابوس لا عرق الحرّ ...
    وعندما هدأت هزّها برقة المحب، المتفهم، حتى استفاقت... وما أن فتحت عينيها حتى أحست أن جسمها يهتزّ، رافقتها ارتعاشه الخائف الذي وصل مرحلة الأمان حين لامست عجلات الطائرة أرض المطار
    مسكها زوجها من يدها، وسار معها إلى باب الطائرة.. وحين وضعت رجلها على أرض المطار، لم تلتفت إلى الوراء..انطلقت على أرض صلبة لا سراب فيها ولا ظلام تريد أن تطير لملاقاة أبنائها الذين كانوا بانتظارها...
    [frame="11 98"]
    لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

    لكني لم أستطع أن أحب ظالما
    [/frame]
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    وصف جلي واضح لهذا الكابوس,
    كنت معها فيه بكل لحظة, وعشت أحاسيسها,
    أعجبني ما قد قرأت, يسلموا الأيادي.
    تحياااتي.
    التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 07-07-2011, 17:45.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • إيمان الدرع
      نائب ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3576

      #3
      واخيراً انتهى الكابوس ..
      ومشتْ على أرضٍ صلبةٍ
      لاقتْ فيها أولادها ، تقوّيها يد زوجها المخلص ..
      الأستاذ القدير أمين خير الدين :
      أعجبني جدّاً هذا السّرد الرّائع ...
      لفت انتباهي توصيفك الدقيق للحالة النفسيّة التي تنتابها
      عندما تأتي على تذكّر والديها اللذين قضيا في حادث سيرٍ..
      كنت موفّقاً جدّاً في رصد الكابوس الذي تعاني منه بطلة القصّة ...
      سلمتْ يداك أخي الغالي
      ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي ..

      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

      تعليق

      • أمين خيرالدين
        عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
        • 04-04-2008
        • 554

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
        وصف جلي واضح لهذا الكابوس,
        كنت معها فيه بكل لحظة, وعشت أحاسيسها,
        أعجبني ما قد قرأت, يسلموا الأيادي.
        تحياااتي.
        الكاتبة ريما الريماوي
        عسى ألا اكون اتعبتك
        وأنت تعيشين الأحاسيس الحزينة لحظة
        بلحظة
        شكرا عميقا لمرورك الكريم
        دمت
        و
        تحياتي
        [frame="11 98"]
        لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

        لكني لم أستطع أن أحب ظالما
        [/frame]

        تعليق

        • أمين خيرالدين
          عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
          • 04-04-2008
          • 554

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
          واخيراً انتهى الكابوس ..
          ومشتْ على أرضٍ صلبةٍ
          لاقتْ فيها أولادها ، تقوّيها يد زوجها المخلص ..
          الأستاذ القدير أمين خير الدين :
          أعجبني جدّاً هذا السّرد الرّائع ...
          لفت انتباهي توصيفك الدقيق للحالة النفسيّة التي تنتابها
          عندما تأتي على تذكّر والديها اللذين قضيا في حادث سيرٍ..
          كنت موفّقاً جدّاً في رصد الكابوس الذي تعاني منه بطلة القصّة ...
          سلمتْ يداك أخي الغالي
          ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي ..

          الكاتبة المبدعة
          إيمان الدرع
          شكرا لله انني استطعت أن أحظى بإعجاب
          كاتبة مبدعة قديرة
          مشهود لها
          نتعلم منها
          ونستمتع بقراءة نصوصها
          كلماتك شهادة تقدير
          ومرورك شرف
          شكرا لك على هذا المرور
          وعلى هذه الكلملت الراقية
          تحيات


          تعيشين...... ويسلم الووووطن
          التعديل الأخير تم بواسطة أمين خيرالدين; الساعة 08-07-2011, 12:23.
          [frame="11 98"]
          لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

          لكني لم أستطع أن أحب ظالما
          [/frame]

          تعليق

          يعمل...
          X