شركاء في الإصلاح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • توحيد مصطفى عثمان
    أديب وكاتب
    • 21-08-2010
    • 112

    شركاء في الإصلاح

    في كلِّ محنةٍ منحة؛ والعاقل من يبحث عن المنحة ليغتنمها ويرعاها وينعم بفيء ظلالها.
    ومن ألم ومرارة المحنة التي مرَّت وتمرُّ بها سوريَة، وعدد من الدول العربية، تفتَّقت بذرةٌ كنا نحسب أنها سائرة في طريقها إلى الموت بسبب ضعفها وضمورها؛ ورغم أنَّ هذه البذرة لم تزل في بداية تفتُّحها إلا أنَّ عبق أريجها قد أخذ بألباب من عاشوا ردحاً من الزمن يتوقون لتنسُّم عبيرها، فهبُّوا إليها ساعين لحمايتها ورعايتها والتغنِّي بها، كلٌّ على طريقته.

    بذرتنا هذه مكونَّة من فلقتين، تغذِّي كل واحدةٍ منهما الأخرى لتنمو جميعاً وتزهر وتثمر؛ الفلقة الأولى هي: الوطن الآمن، والثانية هي: المواطن الحرُّ، والغلاف الجامع والرابط لهاتين الفلقتين هو: الحبُّ والعطاء.

    ولأن التجارب الإنسانية قد أثبتت عبر امتدادها أهميةَ العمل الجماعي في تحقيق الأهداف العامَّة، وأنَّ الأنبياء أوالعظماء أو الملوك مهما بلغوا من الصلاح لا ينهضون وحدَهم بأممهم، وإنما تنهض الأمَّة بنفسها، وترسم بفعاليتها أبعاد حياتها، وتكتب بيدها تاريخها.
    من هنا حملتنا – أنا وأخوين كريمين هما الأستاذ محمد أديب ياسرجي والأستاذ محمد باسم العباس - دوافعُ عديدة على محاولة الإسهام في رسم معالم سوريَة التي نتطلَّع إليها. وقد تجلَّت محاولتنا هذه في صورة ورقة عمل لمشروعٍ قدَّمناه إلى أبناء وطننا الأعزاء على اختلاف أطيافهم للحوار حوله، وليكون دافعاً لهم لتقديم مشاريعهم ورؤاهم للآخرين.
    وقد اخترنا لمشروعنا عنواناً يعبِّر عن رسالته، وهو (شركاء في الإصلاح)، ثُمَّ أَتبعنا هذا العنوان بما يعبِّر عن أهدافنا فقلنا: (من أجل سورية).

    وإننا إذ نخصُّ سوريَة في مشروعنا هذا فذلك لأننا نعتقد بصلاحيتها لأن تكون نواة لبناء أمَّة منشودة يتسِّع مدى دائرتها ببعديها الماديِّ والمعنويِّ- ليشمل كل المؤمنين بالمبادئ والقيم التي قامت عليها سوريَة عبر التاريخ، وهي مبادئ سنبيِّنهالاحقاً نعتقد أننا نتشارك فيها مع أبناء أمتنا العربية والإسلامية، ويتشارك معنا فيها الكثيرون من أبناء العالم الذين يتطلَّعون إلى هويَّة تجمعهم على اختلاف تبايناتهم.

    إنَّ اعتقادنا بصلاحية سوريَة لأن تكون نواة لبناء الأمَّة المنشودة لا يعني انتقاصاً من أهلية غيرها، بل إنه نابع من اعتقادنا بخصوصيتها التي تميِّزها، وهو تميَّز طبيعيٌّ امتازت به كما امتازت به غيرها عنها، وسيتَّضح ذلك معنا لاحقاً.

    مكوِّنات المشروع (شركاء في الإصلاح):

    القسم الأول- مفاهيم أساسيَّة في فلك الإصلاح.
    القسم الثاني- الإصلاح في سوريَة: معوِّقاته ومعززاته.
    القسم الثالث- منطلقات الإصلاح وغاياته ووسائله.
    القسم الرابع- سوريَة التي نريد: تصوُّر عامٌّ.
    الملحق 1-نظرات في إصلاح القطاع التربوي.
    الملحق 2-نموذج أولي ميداني لتفعيل دور المواطن في عملية الإصلاح.

    وقد أَتبعنا هذا المشروع بملحقين آخرين مستقلين، قدَّمنا في كل واحدٍ منهما تفصيلاً في جانبٍ محدَّد:
    الملحق الأول- مفهوم الأمَّة السورية، نواةً لبناء الأمَّة المنشودة.
    الملحق الثاني- دراسة تحليلية ... (لإحدى مواد الدستور السوري).
    وهنالك ملحقات أخرى قيد الإعداد، ليكتمل المشروع إجمالاً وتفصيلاً بإذن الله.

    سأعرض في المشاركات القادمة بعض ما جاء في المشروع من نقاط قد يفيد طرحها هنا، على أن أقوم بتحميله كاملاً في وقت قريب إن شاء الله. أما الملحق الثاني الذي قدَّمنا فيه دراسة عن إحدى مواد الدستور السوري فسأقوم بعرضه في وقت لاحق بعد الانتهاء من جلسات الحوارالوطني القادم بمشيئة الله.

    التعديل الأخير تم بواسطة توحيد مصطفى عثمان; الساعة 19-07-2011, 20:43.
    وطني... محلُّ تكليفي، ومختبَر صلاحي

  • توحيد مصطفى عثمان
    أديب وكاتب
    • 21-08-2010
    • 112

    #2
    شركاء في الإصلاح
    القسم الأول- مفاهيم أساسية في فلك الإصلاح


    لا يزال مفهوم الإصلاح - رغم تداوله الواسع - مفهوماً غير محدَّد المعالم في أذهان الكثيرين ممَّن يتحدَّثون عنه، وإذ يحاول بعضهم تحديدَه فإنَّه يفعل ذلك عن طريق تسمية بعض مجالاته أو النقاط التي ينبغي أن يعالجها، ومن هنا رأينا أن نقدِّم لهذا المشروع ببيان نظري لمفهوم الإصلاح، وبعض المفاهيم الضرورية التي تدور في أفلاكٍ متقاطعةٍ معه، إضافة إلى تحديد المعالم المميزة للإصلاح كما يراها هذا المشروع، وبيان ضرورته وأبعاده وأهدافه.

    أولاً – ما هو الإصلاح ؟

    يرتبط مفهوم الإصلاح - كمصطلح - بشكل وثيق بمفهومين اثنين لا ينفصلان عنه، ويشكِّلان بالإضافة إليه منظومةً متكاملةً، وهما مفهوم (الصلاح) ومفهوم (العمل).
    أمَّا الصلاح فهو: أهليَّة الإنسان للقيام بالعمل على الوجه الذي يحقِّق الأهداف المنشودة من العمل، ولهذه الأهليَّة جوانب متعددة، أهمها:

    الجانب الفكري: الذي هو امتلاك تصوُّرٍ صحيح عن أجزاء العمل وأهدافه وغايته.
    والجانب النفسي: الذي يشمل الإرادة والعزيمة بصورة أساسيَّة.
    والجانب المادِّي: الذي يعني القدرة على الإنجاز.

    وأمَّا العمل، فنعني به: مجموعة النشاطات التي يقوم بها الإنسان منفرداً أو ضمن جماعة والتي تهدف إلى تحويل التصوُّرات إلى واقع ملموس على الأرض.
    والعمل الصالح: هو العمل الموافق للتصوُّر المحدَّدة غايته، والتي هي جعل الواقع أكثر نفعاً ومناسبةً للإنسان، حمايةً ورعايةً.
    وقد ارتبط العمل الصالح في الموروث الديني بالإيمان؛ للتأكيد على ضرورة صحَّة التصوُّر وغايته.

    وبناءً عليه فإنَّ الإصلاح هو: تحسين العمل والارتقاء به، وذلك عن طريق تصحيح ما وقع فيه من فساد، وتعزيز ما صَلَح منه وتأكيده، ومن ثمَّ تنمية ذلك العمل الصالح وتطويره وترقيته، وصولاً إلى تحقيقٍ أمثل للأهداف والغايات.

    ب- الإصلاح المقصود في هذا المشروع:

    يبدو أنَّه من نافلة القول التأكيدُ على أنَّ الإصلاح المقصود هو في النهاية (رؤيةٌ وعملٌ):
    رؤيةٌ تفصيليَّة ناقدة للواقع ومكوِّناته، وأخرى استشرافيَّة علميَّة للمستقبل وآفاقه، وعملٌ يربطما بينهما، بهدف تعديل الواقع وتحقيق المستقبل.

    وبناءً على ذلك نعرِّف الإصلاح المقصود هنا بأنه:
    العمل المبرمج الهادف إلى الارتقاء بشأن سورية: دولةً وأمَّةً ومشروعاً حضاريَّاً:

    دولةً: بتعزيز سيادتها وأمنها واستقلالها؛ وبناءالمؤسسات الدستورية فيها بناء سليماً بما يحقِّق للمواطنين المشاركة الفاعلة في إدارة شؤون بلدهم.
    وأمَّةً: عبر بناء مواطنين أحرار، مكفيِّين ماديَّاً ومعنويَّاً، وتعزيز شعورهم بالانتماء والرابطة الوطنية القائمة على مبادئ العدل والعطاء والسماحة ونبذ التطرف.
    ومشروعاً حضارياً: بتنشيط مساهمتها في خدمة الإنسانية؛ وتقديمها أنموذجاً للتعايش السلميِّ الآمن والمتفاعل مع بيئته.

    ثانياً- مفاهيم مرتبطة:

    وهي مجموعة من المفاهيم التي ترتبط بالإصلاح ويرتبط بها، لتشكِّل معاً منظومةً متكاملةً تحمل الرؤية التي يقوم عليها هذا المشروع.

    1- الوطن: مكانٌ صالحٌ للاستقرار والنموِّ، يرتبط معه الإنسان بعقدٍ يتضمن عهداً من الإنسان ووعداً من المكان.

    2- المواطن: إنسانٌ يرتبط مع المكان الذي ارتضاه محلاً لاستقراره ونموّه بعهدٍ على أن يقدِّم عمله الصالح فيه، تهيئةً وحمايةً ورعايةً، في مقابل أن يحقق المكان وعده بأن يَفيء عليه بخيره، كفايةً وأماناً.

    3- المواطَنة: مفاعَلةٌ ما بين ثلاثة أطراف هي المواطن الفرد والوطن ومجموع المواطنين، يَنظم ما بينها عقدٌ يتضمن حقوقاً وواجباتٍ متبادلة (عهدٌ ووعدٌ)، وهي حقوقٌ وواجباتٌ دستوريَّة، تحدِّدها قوانين يتوافق عليها مجموع المواطنين.

    4- الدولة: هي الشخصية الاعتبارية المنبثقة عن الاختيار الحرِّ للمواطنين، اختياراً يفوّضها بالولاية العامَّة على المكان والإنسان معاً، لتقوم بدور الضامن والراعي للعقد القائم ما بينهما.

    4- الحريَّة: هي القدرة على الاختيار، المنعتقةُ من كل عائقٍ يمنع العمل الصالح؛ سواءٌ أكان العمل في مراحله الأولى تفكيراً وتصوراً وتخطيطاً؛ أم في مراحله التالية إرادةً وعزماً؛ أم في مراحله النهائيَّة تنفيذاً وجَنياً لثماره.

    5- الأمن: هو العوامل الذاتيَّة التي تؤمِّن للذَّات استقرارها ونموَّها دون خوف أو وجل؛ سواءً أكانت الذّات فرداً أم أمَّةً.

    6- الأمان: هو العوامل الخارجية التي تنعكس على الذَّات- فرداً أو أمة - فتؤثِّر في تحقيق استقرارها ونموَّها.

    7- السلام: وصول العالم، ونعني به الإنسان في الدرجة الأولى، إلى الكمال والتمام معاً من حيث الأمن والأمان.
    أمَّا مرادنا من الكمال فهو بلوغ الأمن والأمان أقصى نسب التغطية كمَّاً، بحيث يغطي كافة الجوانب التي تحتاجها الذات؛ وأمَّا مرادنا من التمام فهو مدى مناسبة الأمن والأمان للإنسان نوعاً، بحيث يرتقي بكل جانب نحو أعلى الدرجات مناسبةً.

    8- الشعب: اجتماع عدد من الناس تحت نظامٍ واحدٍ يخضعون له، فإن ارتفع عنهم هذا النظام تفرَّقوا وعادوا شُعَباً، أي جماعات يشكِّل كل واحد منها شُعبةً قائمةً بذاتها.

    9- الأمَّة: اجتماع الإنسان مع الإنسان على فكرةٍ تتضمن منطلقاً ومرجعاً وغايةً، تحدِّد هذه الفكرة ما تمتاز به الأمَّة على بقية الأمم ودورها في الحياة، سواءٌ أكان سلبياً أم إيجابياً.

    فالأصل في اجتماع الشعب - كما رأينا - النظامُ الموضوع عليه، والذي قد يكون قسريَّاً أو نابعاً من مصلحة، فإذا ارتفعت القوة الفارضة أو انتفت المصلحة عاد أفراد الشعب كلٌّ إلى أصله.
    ونضرب لذلك مثلاً الشعب اليوغسلافي الذي جمعته قوة حكم "تيتو" والذي كان يضمُّ قوميات متعددة على رأسها الصِّرب والكروات بالإضافة إلى البوسنيين المسلمين، فلما انهار الحكم الشيوعي تفرَّق هذا الاجتماع، وعادت كلُّ شعبة لتستقلَّ بنفسها.
    كما يصدق الأمر نفسه على شعب الاتحاد السوفييتي السابق، الذي تفرَّق مع انهيار الدولة المركزية الشمولية.

    أمَّا الأمَّة فالأصل في وجودها الفكرةُ المعبِّرة عن تصوُّرها لدورها في الحياة، والتي تتميَّز بهذا الدور.
    يترافق وجود هذه الفكرة مع قيام نظام يحكمها، وهو الشكل الأرقى للأمَّة؛ كما نجد قديماً في حالة الأمَّة الإسلامية التي قامت على فكرة التوحيد، وكما نجد حديثاً في حالة الأمَّة السويسرية التي تقوم على فكرة الحرية والعدالة.

    وقد لا تتمتع الأمَّة بنظامٍ ضابطٍ لطارئ يعرض لها، إلا أنها تبقى قادرة على إفراز هذا النظام المتوافق مع فكرتها، بزوال الطارئ وارتفاعه،كما نجد تاريخياً في حالة انهيار نظام الخلافة العباسية على يد التتار، لكنَّ الأمَّة بقيت رغم الهزيمة العسكرية،
    واستطاعت أن تحوِّل الغزاة ليدخلوا في دينها خلال سنوات.








    التعديل الأخير تم بواسطة توحيد مصطفى عثمان; الساعة 19-07-2011, 20:36.
    وطني... محلُّ تكليفي، ومختبَر صلاحي

    تعليق

    • توحيد مصطفى عثمان
      أديب وكاتب
      • 21-08-2010
      • 112

      #3


      ثالثاً- هل الإصلاح ضرورة ؟

      تؤكِّد مسيرة المجتمعات البشرية على أنَّ الإنسان ظل دائماً يسعى إلى تطوير واقعه وتحسين ظروف حياته، وهو ما يؤكِّد أنَّ الإنسان مفطورٌ بطبعه وتكوينه على الإصلاح، لا يصرفه عن ذلك إلا شبهةٌ أو مصلحة موهومة، وأنَّ الحياة والمعرفة الإنسانيَّة لم ولن تتنامى وتتطوَّر إلا بهذا النشاط الإصلاحيِّ.
      وغنيٌّ عن البيان أن الإصلاح كان عنواناً لمسيرة العظماء الذين خلَّدت الإنسانيَّة ذِكرهم وأعمالهم، وكان على رأس هؤلاء أنبياء وفلاسفة ومربُّون وعلماء من شتى الأمم والجماعات الإنسانيَّة.
      وبناءً عليه يغدو الإصلاح ضرورةٌ إنسانية، وليس مجرَّد رغبة أو تطلُّع شخصي أو ظرفي، وبالتالي لا يمكن الوقوف في وجهه أو محاولة عكس اتجاهه، ومن ذلك التوهم بإمكانية المحافظة على أيِّ وضع قائم بأية وسيلة، سلميَّة أو عنيفة.

      رابعاً- أبعاد الإصلاح:

      بناء على ما سبق من أن مفهوم العمل ينطبق على عمل الجماعة كما ينطبق على العمل الفرديِّ، يتضح أنَّ الإصلاح عملٌ ذو بُعدين:

      بُعدٌ ذاتيٌّ: يتعلق بالمراجعة التي يقوم بها كلُّ فرد لما صدر عنه من نشاطات بهدف تدارك السلبيات وتحسين الفعالية الذاتيَّة (التنميةالذاتيَّة).
      وبُعدٌ بَينيٌّ: يتَّصل بمشاركة هذا الفرد في تقويم مجمل الإنتاج العامّ والمساهمة في تصحيحه والارتقاء به، كما يتَّصل بالعلاقة القائمة فيما بين الموطنين، وذلك من خلال تقييم هذه العلاقة وتقويمها، والارتقاء بها وزيادة فعاليتها (إصلاح ذات البين).

      خامساً- معالم الإصلاح:

      قدَّمنا فيما سبق تعريفاً عامَّاً لمفهوم الإصلاح، ونحاول في هذه الفقرة تحديد الإصلاح الذي نتصوَّره من خلال بيان معالمه الأساسية التي لا يكون إصلاحاً حقيقياً بدونها، في رأينا. وهذه المعالم هي:

      1- الإصلاح المنشود إصلاح شامل:
      فلا يجوز قصر الإصلاح على جانب بعينه، كجانب النظام السياسيِّ مثلاً على الرغم من أهميته، بل ينبغي أن يشمل كلَّ نواحي المجتمع، ابتداءً من عملية تكوين المواطن، وانتهاء بقمَّة هرم المجتمع المتمثِّل في نظام الحكم.
      وعليه ينبغي أن يسير الإصلاح التربويّ والاجتماعيّ والدينيّ والاقتصاديّ والقانونيّ والإداريّ... جنباً إلى جنب مع الإصلاح السياسيّ، وإلا خرجنا بـ (وهم إصلاح)، أو بعبارة أخرى: إصلاحٍ قشريٍّ ظاهري لا جذور حقيقيَّةً له في نفوس أبناء الأمَّة.

      2-الإصلاح يبدأ من بناء الإنسان:
      ذلك أنَّ الإنسان هو الذي يقوم بالإصلاح، كما إنَّه هدف الإصلاح، وبالتالي لا يمكن أن يكون أيُّ إصلاحٍ سياسيّ أو اقتصاديّ أو غيره إصلاحاً ناجعاً إلا إذا استند أساساً إلى رؤية تتَّخذ من بناء الإنسان محوراً لها.
      فأيُّ إصلاح يرتجى، وأيُّ حريَّة تُبتغى في ظل فكرٍ لا يكون الإنسان رائزَه ومداره ؟! ولعلَّ ذلك ما دفع مصلحاً إماماً كالشيخ محمد عبده إلى أن يعلن تطليق السياسة، مُتمنياً لو تُتاح له مدرسةٌ يربي فيها خمسين طفلاً وَفق المنهج الذي آمن به للإصلاح !
      وعندما نقول إنَّ الإصلاح يبدأ من الإنسان فهذا لا يعني تأخير العمل في المجالات الأخرى، ولكن أن يغدو بناء الإنسان محوراً للعمل الإصلاحيِّ القائم معاً في المجالات جميعاً.

      3-الإصلاح رؤية مبرمجة:
      لابدَّ لهذا الإصلاح - حتى يؤتي ثماره - من أن يكون مدروساً بشكل علميٍّ، وأن تقوم على التخطيط له مؤهِّلاتٌ وطنيَّة مقتدرة، تضع في اعتبارها المصالح الوطنيَّة والحاجات الحقيقيَّة للناس، لامطالب القوى الخارجية ومصالحها.
      كما يُبنى على معرفةٍ بالواقع وما فيه من نقاط القوَّة والضعف، وعلى استشرافٍ علميٍّ للمستقبل وآفاقه كما أسلفنا، إذ لا يليق بالعمل الإصلاحي أن يتَّصف بالارتجال أو الانفعال، بل هو عملٌ فاعلٌ ذو مبادرة، بعيدٌ عن التهوُّر والثوران كما هو بعيدٌ عن التباطؤ والتهاون، ولكنه سريعٌ غير متسرِّع.

      4-الإصلاح عمليَّةٌ مستمرَّة:
      الإصلاح عمليَّةٌ دائمةٌ تنمو في إطارٍ صاعدٍ، لا تنتهي فيه دورة حتى تبدأ دورة أخرى من حيث انتهت السابقة، وهذا هو سرُّ التطور والازدهار، إذ ليس في الإصلاح - كما إنه ليس في العلم - قناعةٌ ولا جمودٌ عند الواقع مهما بلغ من الحُسْن، لأن مطالب الإنسان متجدِّدة، ولذلك كان الإصلاح عمليَّة متوالية تتنامى ما دامت الحياة، وما دام الإنسان عاملاً فيها.

      5-الإصلاح مسؤوليَّة وطنيَّة عامَّة، الإصلاح شراكة:
      ينبغي أن تشترك في القيام بالإصلاح كلُّ أطياف المجتمع، وأن يسهم في تحقيقه ومراقبته ونقده كلُّ مواطن، بحسب موقعه ومؤهلاته، فليس الإصلاح مسؤوليَّةَ الحكومة لوحدها، ولا مسؤوليَّةَ المثقَّفين، ولا مسؤوليَّةً فرديَّةً، بل هو مسؤوليَّةٌ وطنيَّةٌ يتشارك في حملها الجميع.

      معنى الشراكة في الإصلاح:
      وهنا لابدَّ من تحديدٍ دقيقٍ لمعنى الشراكة التي بُني عليها هذا المشروع، فالشراكة تقوم على أربعة أمور:

      أ- رؤيةٌ نظريَّة: يتَّفق جميع المساهمين في الإصلاح على خطوطها الرئيسة وملامحها الاستراتيجيَّة؛ ولا يضير هذا الاتفاقَ شيئاً اختلافُ الشركاء في الأمور التفصيلية والخطوات الإجرائية.

      ب- التكامل في العمل: ونعني به أن يكون عمل الفرد مكمِّلاً لعمل الآخر نوعاً ومستوىً، بما يحقِّق للدولة والأمَّة كفايتها؛ فالتعدُّد والتنوُّع أصلان يقوم التكامل عليهما.

      ج- التكافل في العمل: وهو مسؤوليَّة كلُّ شريك تجاه جوانب النقص أو الضعف الموجودة عند بقية الشركاء، إذ يغطي كلُّ واحد منهم ما لدى الآخر من تلك الجوانب بمسؤولية وحبٍّ.

      د- الثقة المتبادلة بين الشركاء: والتي تُبنى من خلال العمل والوضوح والمسؤوليَّة ونبذ التسلط.

      وبناءً على هذه الفكرة التي نعتقد بها جازمين، آمنَّا بأنه لا يمكن إنجاز إصلاحٍ حقيقيٍّ إذا اتخذ أحدُ أطياف المجتمع موقف المطالب بالإصلاح أو المراقب له أو الناقد لخطواته فقط، بل يجب على السوريين جميعاً الانضواء معاً في شراكةٍ فاعلةٍ من أجل سورية، ومن أجل إطلاق عمليَّة الإصلاح المنشود، بغضِّ النظر عن الموقع أو المسؤوليَّة الوظيفيَّة.

      سادساً- السَّلام غايةً للإصلاح:

      إذا أردنا إجمال مايسعى الإصلاح إلى الوصول إليه في غايةٍ واحدةٍ، قلنا إنَّ هذه الغاية الجامعة هي إقامة (السَّلام)...السَّلام الذي لا يخرج من تحت مظلَّته الوارفة بالخير أيُّ إنسان، بل أيُّ شيء، وقد قدمنا فيما سبق تعريفنا الذي اخترناه للسَّلام وهو: وصول العالم، ونعني الإنسان بالدرجة الأولى، إلى الكمال والتَّمام من حيث الأمن والأمان.

      وهكذا يغدو الإصلاحُ الوسيلةَ التي لا تُستبدل بها أية وسيلةٍ أخرى من أجل بلوغ كمال الأمن والأمان كمَّاً وتمامهما نوعاً، بتدارك الخلل واستجلاب الخير وتطوير الواقع، حمايةً للإنسان ورعايةً له, مادةً ومعنىً.

      وإشاعة السَّلام في سورية وبين أهلها ليس إلا نقطةَ انطلاقٍ لعمل سورية وأبنائها في العالم، وهو عنوانٌ لرسالتها الإنسانيَّة التي ينبغي وَعيها ووضعها نُصبَ أعين السوريين جميعاً، بحيث ندرك أن تخلُّفَنا عن عمليَّة الإصلاح، أو إعاقتها من باب أولى، ليس جريمةً نرتكبها بحقِّ بلدنا وأنفسنا فحسب، بل هو في الوقت عينه جريمةٌ بحقِّ الإنسانية جميعاً، وبحق رسالة السَّلام التي كانت بلادنا مهداً لها عبر التاريخ.

      وهنا لا بدَّ من التنويه إلى أن السلام لا يعني بحالٍ من الأحوال الخنوع أو التفريط بالحقوق الذي يهدِّد العدالة، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، لذا كان لابدَّ للسَّلام من أن يكون محمولاً على قوَّةٍ موجَّهة نحو مَنحيين:

      الأول: كفُّ الأذى بردع كلِّ من يهدِّد السَّلام، وحمايته من كل ما يمكن أن يقوِّض أركانه أو يمسَّها بسوء.

      والثاني: إفشاء السَّلام بالعمل على رفع الظلم بكل أشكاله وتجلِّياته، وردِّ العدوان من أيَّة جهة صدَر وبأي شكل وحيثما كان.

      ويتمُّ هذا من خلال منظومةٍ متكاملةٍ من التشريعات والقوانين والأحكام العادلة التي تسري على الجميع دن استثناء؛ ومن خلال جيشٍ وطنيٍّ مؤهَّل على أعلى مستوى، ويتمتع بالقوَّة الماديَّة والمعنويَّة العالية.
      التعديل الأخير تم بواسطة توحيد مصطفى عثمان; الساعة 21-07-2011, 00:23.
      وطني... محلُّ تكليفي، ومختبَر صلاحي

      تعليق

      يعمل...
      X