قصة للأطفال: منظار التفاؤل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بلال نكديل
    أديب وكاتب
    • 20-12-2010
    • 36

    قصة للأطفال: منظار التفاؤل

    هذه القصة موجهة للفئة العمرية 12 سنة فما فوق
    منظار التفاؤل
    بقلم: بلال نكديل


    على ضفاف البحيرة الزرقاء تعالت صيحات الضفدع فتفوت وهو يلكم الصخرة الكبيرة ويركلها برجله..يعاتبها ويخطرها: سأصعد فوقك هذه المرّة، أنت لا تعرفين من أكون، أنا فتفوت القوي، سترين ماذا سأفعل..

    رجع خطوات إلى الوراء ثم قفز إليها بقوة لكنه التطم بها وتدحرج إلى الأسفل فأصيب بجروح بليغة.. بدأ يرتجف ويتأوه: آه ..آه...أي ..لا عليك يا فتفوت.. تكبر وتنساها..أي .. أي.. يجب تسلق هذه الصخرة.. سأحاول مرة أخرى ..

    انطلق يقفز ويجري وعندما اقترب منها قفز عاليا "أوووب" ، وصل إلى سطحها فصاح منتشيا: واو ... واو.. ها أنا فوقك يا مسكينة، الآن صرت تعرفين من هو الضفدع فتفوت، أليس كذلك؟.

    توجه إلى حافتها الممتدة داخل البحيرة الزرقاء ووقف عند نهايتها ثم نظر إلى أسفل. لقد كانت مرتفعة جدا عن سطح الماء، لكنه قرر أن يقفز، فأغمض عينيه وألقى بنفسه إلى البحيرة..

    تناثر الماء فقلب قشة صنوبر كان يتنقل بها الضفدع زرزر الذي لا يجيد السباحة ، فأطلق صيحات النجدة: أنقذوني ..النجدة.. إنني أغرق .. النجـدة، أنـقذوني..

    سمع الضفدع همام استغاثة زرزر فقفز في البحيرة وسبح إليه فأخرجه بمساعدة فتفوت إلى الشاطئ ..

    انفجر زرزر يسعل: أه ..أه أه ..كدت تقتلني بتهورك يافتفوت، كدت أن أغرق بسببك.

    - ضحك فتفوت: هيهيه.. وقال: أنا لم أرَ في حياتي ضفدعا لا يجيد السباحة، ما هذا الهراء؟..

    - زرزر: أنا لا أحب السباحة في الأماكن العميقة، لن أجازف بحياتي مثلك..

    - فتفوت: هل رأيت يا همام ضفدعا يخاف من المياه العميقة؟!، قل.. قل له يا صديقي أن مياه البحيرة لم تعد عميقة، المياه تجف يا زرزر.. بعد مدة سنسبح في الوحل بدل المياه، عندها ستتخلص مني..هل يسعدك هذا ؟، قل .. قل لي ..هل هذا يريحك؟.

    - زرزر: المياه تجف ؟! أنا لم أرَ هذا.. !!

    - فتفوت: ها ها ها، كيف يمكنك يا عزيزي أن ترى هذا وأنت لا تغطس إلى الأعماق؟، قل.. قل لي كيف..؟.

    - همام: هيا يا فتفوت دعك من تهكمك، نحن الآن في مشكلة، مياه البحيرة تتناقص يوما بعد يوم.. ألا تستوعبان هذا، إذا نقص الماء نقص الغذاء ، وستصبح حياتنا مهددة..

    - فتفوت: آه .. نعم .. لقد سمعت أحد الصيادين يقول أنه بعد بضع سنوات ستجف هذه البحيرة وتنعدم فيها الحياة، ستصبح سبخة كئيبة المنظر..

    - همام: إذن سنرحل من هذه البحيرة، لا يمكننا البقاء هنا يا رفاق..

    - فتفوت: هيه.. يا للروعة.. سنرحل.. سنرحل.. هيا نرحل الآن..هيا..هيا..

    - زرزر: نرحل؟! لماذا نرحل يا همام؟ فالكثير من الضفادع تعيش في مثل هذه السباخ..

    - همام: إننا نبحث عن أفضل مكان للعيش يا زرزر، لن نرضا بحياة السباخ الذليلة حيث مطاردة الجرذان وافتراس الثعابين، سنرحل إلى بحيرة النور، لقد سمعت عنها الكثير، إنها أجمل بحيرة في العالم..

    - زرزر: لكنها بعيدة ، سنهلك دون الوصول إليها، أنا سأبقى هنا وأنتظر مصيري المحتوم..

    - فتفوت: أنت هكذا يا زرزر، تختلق عقبة في كل فرصة جديدة، أنا سأرحل الآن وإن كنت وحدي..

    - همام: انتظر يا فتفوت سنخبر جميع ضفادع البحيرة وننظم رحلتنا، فإذا اتبعنا الخريطة سنصل خلال شهر..

    - زرزر وفتفوت : خلال شهر؟!!

    - همام: نعم نعم، خلال شهر.. إنني أعلم أنها مدة طويلة، لكننا سنسلك الطريق الأقل خطرا، أنا أعرف طرقا مختصرة إلا أنها خطرة، حيث تربص الثعابين والطيور الجارحة، لن نمكنهم منا يا رفاق، هاه.. ماذا قلتم..؟

    - فتوت: أنا المهم أن أرحل..

    - زرزر : أنا..أنا..

    - همام: لا تتردد يا زرزر، حياة الضفادع في خطر..!

    التفت زرزر إلى فتفوت وهو يصرخ :أنا موافق، لكن عليك أن لا تمشي أمامي أثناء الرحلة، هل فهمت يا هذا؟

    نظر فتفوت مندهشا إلى زرزر..سكت الجميع لبرهة، ثم انفجروا بالضحك.. واتفقوا على إخبار جميع الضفادع، والرحيل بعد يوم غد..


    في فجر اليوم الموعود إلتقى الجميع عند الصخرة الكبيرة، وسلكوا الطريق نحو بحيرة النور يطوونه بترانيمهم..

    في أحد الأيام وطأت أقدامهم جبلا شاهقا يناطح السحاب، كثيف الأشجار، مدجج بالمسالك الوعرة، حيث بدأ الليل يتسلل، وضوء الشمس يتلاشى حين مالت للغروب..


    قال زرزر: أين نبيت يا رفاق لقد أقبل الليل.؟

    أخرج فتفوت البوصلة وفتح الخريطة يقرأ : هذا الشمال .. هذا الغرب .. هذا الشرق.. فجأة انقدح نظره يفحص الخريطة وصاح: توقفوا توقفوا، لقد ضللنا الطريق يا رفاق .. اتبعنا الطريق الخطأ.. ضللنا الطريق..

    زرزر يقفز مفزوعا : ها قد صدق تنبؤي، قلت لكم لن نصل البحيرة.. قلت لكم سنهلك..

    تعالت أصوات الضفادع هنا وهناك وارتسمت في وجوههم علامات الدهشة والحيرة..

    تقدم همام وسط الحشود نحو فتفوت، ولما وصل إليه وجده يمسك بالخريطة وهو يتمتم ويماهي بإصبعه باحثا عن الطريق الصحيح..


    همام: ماذا تفعل يا فتفوت؟!

    فتفوت: لقد سلكنا الطريق الخطأ، أنظر إلى الخريطة، بحيرة النور في جهة الشرق، بينما سلكنا نحن طريق الغرب.. أنظر..!


    تأمل همام جيدا في الخريطة.. أمسكها من الجانبين وقلبها ثم صوب نظره نحو فتفوت وقال: ألا تكف عن هذا يا صديقي ..؟

    تلعثم فتفوت: أنا ..أنا ..لم ألحظ أني أقرأ الخريطة بالمقلوب يا همام، ثم امتثل إلى الصمت وهو يفرك رأسه ويبتسم خجلا..



    قضى الضفادع ليلتهم على سفح الجبل بعدما تيقنوا أنهم سلكوا الطريق الصحيح.. وفي الصباح تابعوا سيرهم إلى هدفهم المنشود..

    ومع توالي الأيام والأحداث بدأ التعب ينال منهم.. افترسهم الجوع والعطش عندما جاوزوا أعتاب أرض بور، شاحبة بالاصفرار، حيث لا ماء ولانبات..

    زرزر: كم بقي لنا لنصل يا همام؟.

    أخرج همام البوصلة وفتح الخريطة يقرأ: هذا الشرق.. هذا الجبل الكبير.. هذه بحيرة النور: إذا تابعنا السير ولم نتوقف كثيرا سنصل خلال أربعة أيام..


    أنهى الضفادع مسيرة ثلاثة أيام، وفي فجر يوم جديد انطلقوا يواصلون رحلتهم، فسقط البعض مغمى عليهم أثناء السير من شدة الإرهاق والتعب.. أسرعوا إليهم وأسعفوهم كي يواصلوا الطريق..

    نادى همام في جموع الضفادع: لا تيأسوا يا رفاق.. تشجعوا.. لم يبقى لنا الكثير.. نحن على مشارف بحيرة النور.

    رفع فتفوت المنظار يستطلع مكان البحيرة يمينا وشمالا لكنه لم يرَ شيئا فصاح متذمرا: أين هي بحيرة النور يا همام؟.. أنا لا أرى إلا الظلام فقط..الظلام في كل مكان..!

    تنهد همام مستاء من تصرفات فتفوت فهو لم ينزع الغطاء الحاجب للرؤية من عدسة المنظار، وبعد تبادل للنظرات فيما بينهما تنبّه ونزع الغطاء، لكن زرزر خطف منه المنظار وانطلق يمشي يستطلع البحيرة إلى أن توقف في تلّ عال ونادى: همام.. همام.. إنني أرى البحيرة بالمنظار، إنني أراها بعيدة، بعيدة جدا.. يا إلهي قلت لك سنهلك دون الوصول إليها.. ماذا سنفعل الآن.. لقد انتهينا..


    كان همام يقف وراء زرزر ، فتبسم وأخذ منه المنظار.. عكسه إلى جهة العدسات الكبيرة ثم أعاده إليه..

    رفعه زرزر إلى عينيه يستكشف به، ومن شدة الفرح سقط من يده على الأرض عندما رأى البحيرة قريبة جدا..

    ربّت همام على كتفه وقال: يمكنك أن تراها دون منظار يا صديقي، إنها قريبة فعلا..

    انطلق زرزر إلى فتفوت يعانقه ويرقص: ها قد وصلنا يا فتفوت، ها قد وصلنا..


    التفت همام إلى جموع الضفادع مبشرا: هيا يا رفاق تقدموا.. تقدموا.. مرحبا بكم في أجمل بحيرة في العالم..
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    السلام عليكم
    وقصة هامة تلفت نظرنا لاهمية الصبر للوصول للهدف المنشود
    سلمت لنا دوما

    تعليق

    • رؤى يوسف عيسى
      • 07-08-2011
      • 1

      #3
      لا يأس مع الصبر ..كم اجملها من قصة للتفاؤل شكرا لك

      تعليق

      • بلال نكديل
        أديب وكاتب
        • 20-12-2010
        • 36

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
        السلام عليكم
        وقصة هامة تلفت نظرنا لاهمية الصبر للوصول للهدف المنشود
        سلمت لنا دوما
        نعم أختي، لكن لا يتم الصبر إلا بالتفاؤل، ويقسم التفاؤل في علم النفس إلى تفاؤل واقعي وتفاؤل غير واقعي، وينطبق هذا على التشاؤم كذلك.
        وتضمنت القصة الفروق الفردية في النظر للأحداث " تفاؤل، تشاؤم، تهور ( تفاؤل غير واقعي) " ، وبينت نتائج كل توجه ...
        لن تدرك الغايات إلا لذي تفاؤل..
        شكرا لك دوما أستاذتي..

        تعليق

        • بلال نكديل
          أديب وكاتب
          • 20-12-2010
          • 36

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة رؤى يوسف عيسى مشاهدة المشاركة
          لا يأس مع الصبر ..كم اجملها من قصة للتفاؤل شكرا لك
          السلام عليكم..
          ولا يدوم الصبر إلا بالتفاؤل، أما اليأس فيورث العجز، وهو حال بعض الناس في هذا الزمن، لذلك يصابون بالعجز المكتسب Learned Helplessness، نتيجة تكرارانفعالات اليأس والتشاؤم، إنه من اخطر الاضطرابات التي تصيب الفرد والمجتمع..
          شكرا لمرورك أختي..

          تعليق

          يعمل...
          X