أصداء رمضانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فاطمة يوسف عبد الرحيم
    أديب وكاتب
    • 03-02-2011
    • 413

    أصداء رمضانية

    أصداء رمضانيّة

    كلما أعلن عن ثبوت هلال شهر رمضان يطلّ من أعماق ذاكرتي من ذاك الزمن الغابر "مسحراتي الحيّ القديم" بساقه الوحيدة وعكازه المزدوجة الاستناد وطبلته المعلقة في رقبته وقنديله الخافت ينير له أمام خطواته المتعثرة، يشق عتم الليل بترانيم مديحه الصادح، مرددا أصداء رمضانية تنزل السكينة والخشوع في قلوب المؤمنين وموقظا النوّام لتناول وجبة السحور.
    استنفرت ذاكرتي كمّا من الهواجس والكوابيس احتلت تلك المساحة من المخيلة لأفعال وهمية لتلك الشخصّية التي أحدثت شرخا في زمن الطفولة البعيد ،ونداءات أمي المزعجة توقظني من أجل تناول وجبة السحور ومساعدتها للإعداد له، ويا ويلي من معاناة الشهر الفضيل جوع وعطش في النهار، صور خيالية مرعبة في الليل، يحدث ذلك عندما أتوجه نحو النافذة وأتابعه بنظراتي من الشقوق الخشبيّة، أراه عملاقا يشق الظلام بعصاه الطويلة يضرب بها عفريت الليل، هدير طبلته يفجر الأصداء، وكم كانت مرعبة تلك الأصوات حين كانت تلفّها ريح كانون لترميها في أقصى الأفق، فتزمجر وتعوي، ولا تهدأ إلا عندما تبتلع الأرض الأمطار أو تجري السيول في أعطاف الطرقات.
    المنظر الرهيب الذي يجعل الرعب يدبّ في أوصالي، ويثير صراخي في حنايا البيت حين كانت الريح تجعل رداءه المطري الواقي ذا القلنسوة المدببة عرضة للتحليق عاليا، لحظتها لا يتراءى لذهني إلا الجنيّ صاحب العصا الساحريّة وما هي إلا لحظات وستحط تلك العصا على رأسي وتصبح الحكاية التي تقصّها أمي ليلا حقيقة، وأبدأ بالعويل والصراخ.
    احتارت أمي في أمري ،ما الذي يرعبني الى هذا الحد ،تبدأ بتلاوة تعويذاتها إلى أن أهدأ، في البداية اعتقدت أنّها حيل كي لا أصوم في اليوم التالي، فأخذت تزين لي فضائل الصوم، لكّني لم استوعب سوى فرحة العيد والثوب الجديد المعلق في الخزانة والذي أكاد أطير فرحا كلمّا رأيته، حاولت أمي تهدئة حالي لكنّ محاولاتها باءت بالفشل، فسمحت لي بالإفطار، فرحت لكنّ حالة الرعب تسيطرعليّ كلما جن الليل، كان لابدّ من حلّ جذري، استعملت أساليب الترهيب والترغيب معي لتعرف سبب بكائي وخوفي إلى أن اعترفت لها بهواجسي، فما كان منها إلا أن ضحكت من سذاجتي، وقالت كلمتها المعهودة "بسيطة" ،انشغلت أمي في تجهيز كعك العيد مع الجارات، ما أحلى صواني الكعك تدور بالمحبة بين الجيران في الأحياء العتيقة، في الغد يكون العيد ويمتلئ قلبي بالفرح، فلا صوم بعد اليوم ولا كوابيس للمسحراتي ملك الجنّ .
    في الصباح استقبلت العيد بثوبي الجديد، وإذ بطرقات الطبلة ومدائح العيد تسبق طرقات لطيفة على باب بيتنا مناديا :"العيدية يا أهل الخير " تكوّمت خلف الباب باكية لكن أمي أصرّت أن أقدم طبق الكعك مع بعض النقود للمسحراتي قائلة:لا تخافي أنا بجوارك، فتحت أمي الباب واختبأتُ خلف فستانها ومددت ما بيدي إليه ورميته بنظرة مواربة وارتددت مرعوبة إلى الوراء، أنه هو بعكازه وطبلته وردائه المطريّ، لكن أين قنديله الذي يبدد عتمة الظلام ويورق بأزاهير السعادة، فضحكت أمي قائلة :"يا ابنتي، إنّه عمّ بكر صاحب البقالة التي في الزقاق الخلفي، هدأت نفسي المضطربة وفي اليوم التالي حملت نقود العيد وأسرعت إلى عمّ بكر ووقفت في الزاوية أرقبه من بعيد، لحظني من بعيد فنادى علىّ، اقتربت منه،: ما بك ؟: أأنت المسحراتي؟: نعم، لم أرعم بكر إلا من وراء الطاولة، لكنّ المسحّراتي بساق وعكاز،وكأنّه فهم نظراتي الحائرة رفع سطح الطاولة الخشبي وتسمّرت عيناي عند ساقه الوحيدة التي دفن ثانيها في تراب الوطن السليب كجزء منه يحكي حكايا النضال الوطني، وعكازه المستندة إلى جوار معطفه المطري، ثم سألته عن القنديل، قدّمه لي فأخذت أداعب أضواءه وألامس بلوره الشفاف، قال: قلبك مثل هذا القنديل ينوّر بنداءات الطفولة البريئة يا ابنتي، ثمّ مدّ يده إلى كومة الحلوى وأفرغها في جيبي قائلا: لا تخافي ورمضان دوما كريم، أجبته: العيد أحلى .
    واختزنت الذاكرة عبير الأيام الحلوة، ولم أدرِ أنّ الرعب الحقيقي كان في دخان حرب أهلية طحون قضت على الأخضر واليابس وتوالت العتمات والاشراقات في حياتي كأي انسان يبتلى في أماني لم تتحقق وكوابيس أغلقت الرؤى أمامه وما زلت أحنّ إلى قنديل يشق بنورالحبّ عتمات قلبي ويبدد الظلمة من أفقي وابحث عن إضاءاته بين واحات الأمل ويعبق في ذاكرتي بومضات جذلى تعانق روحي التائهة، لكنّه نور الله الذي أشرق قلبي بالإيمان، واليوم أردد ما أجمل أيام زمان! وما لهذا الشهر الفضيل من نكهة محببة وحضور مميز في ذاكرة الطفولة .
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    نعم أختي فاطمة,
    لكن أنا ذاكرتي عن المسحرين أجمل,
    فلم أخافهم أبدا, وفي إحدى السنوات جاءنا
    ثلاثة مسحرين يطلبون العيدية, كل ينسب
    الفضل لنفسه في مسالة تسحيرنا. حضرتك
    المسحراتي خاصتك كان بطلا, وأسفت معك
    لما آلت إليه الأمور بسبب الحرب الأهلية. ولكن
    استعادة الذكريات كانت جميلة, ذكرتني بزمن
    المسحراتية والذين انقرضوا من منطقتنا الآن.
    كل عام وأنت بخير, رمضان كريم ومبارك.
    تحياتي.
    التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 12-08-2011, 21:13.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      واختزنت الذاكرة عبير الأيام الحلوة، ولم أدرِ أنّ الرعب الحقيقي كان في دخان حرب أهلية طحون قضت على الأخضر واليابس وتوالت العتمات والاشراقات في حياتي كأي انسان يبتلى في أماني لم تتحقق وكوابيس أغلقت الرؤى أمامه وما زلت أحنّ إلى قنديل يشق بنورالحبّ عتمات قلبي ويبدد الظلمة من أفقي وابحث عن إضاءاته بين واحات الأمل ويعبق في ذاكرتي بومضات جذلى تعانق روحي التائهة، لكنّه نور الله الذي أشرق قلبي بالإيمان، واليوم أردد ما أجمل أيام زمان! وما لهذا الشهر الفضيل من نكهة محببة وحضور مميز في ذاكرة الطفولة .

      سوف نرفع هذا الذى اجتزأته لنحافظ على كونها قصة و ربما نحتاج إلى كشط هنا أو هناك لجملة أو أكثر
      لتكون كما نحب لها أن تكون .. رمضان و المسحراتي و الذاكرة التى لا تنام !

      صادفت خطأ رسم خطأ آخر فى أول العمل
      لا أدري .. ربما تداخل علي

      كانت الرحلة معك ( فاطمة ) جميلة جدا ، و اللغة لها نكهة و جمال أظنه كان جديدا !

      تقبلي خالص احترامي و تقديري
      رمضان كريم و طيب

      بوركت


      sigpic

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        عدت ثانية ( آسف )
        العنوان أستاذة فاطمة غير مناسب ،
        أكيد الآن أنت معك أكثر من عنوان
        مثل ( ملك الجن ) أو عفريت الليل و رمضان أو ......... !!
        سوف يكون أنسب !

        تقديري لك
        sigpic

        تعليق

        • فاطمة يوسف عبد الرحيم
          أديب وكاتب
          • 03-02-2011
          • 413

          #5
          العزيزة ريما أشكر لك هذا التعليق المميز ، وحقيقة أن المسحراتي شخصية تراثية قد أخذت تنقرض والسبب أن الناس في رمضان لم تعد تنام وهم يتابعون المسلسلات ليت أيام زمان تعود وشكرا لحضورك المحبب

          تعليق

          • فاطمة يوسف عبد الرحيم
            أديب وكاتب
            • 03-02-2011
            • 413

            #6
            الأستاذ ربيع
            تحية أخوية وكل عام وأنت بخير وتقبّل الله طاعاتكم وأشكر لك هذا الحضور وكذلك القراءة النقدية البناءة للنص وإن شاء الله آخذ برأيكم عند طباعة المجموعة القصصية الجديدة

            تعليق

            • إيمان الدرع
              نائب ملتقى القصة
              • 09-02-2010
              • 3576

              #7
              الزميلة الغالية فاطمة :
              وصلتْ أصداء رمضان بأبهى حللها
              فحرّكت الذكريات
              وأنعشت وريقات الطفولة بكلّ تجلّياتها...
              بهجتها ، مخاوفها ، أفراحها ،دهشتها ..
              نعم قد نخاف من أشياء ونحن صغار ..
              نبني عليها افتراضات واهمة ..تكبر في مخيّلتنا البكر
              ولمّا نقترب منها نعرف : أنها محض أوهام ، أو فرط حساسيّة بريئة تضخّمت بلا مبرّر ..
              لقد أعدتني إلى ذكريات خلتْ ...
              وكأني أسمع الآن طبلة المسحراتي، ولكنها تبكي بشدّة ، ولا أعرف السبب
              تحيّاتي ...وأعذب أمنياتي زميلتي وصديقتي المقرّبة فاطمة ..

              تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

              تعليق

              • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                أديب وكاتب
                • 03-02-2011
                • 413

                #8
                الراقية إيمان
                تحية أخوية حارة وبعد
                تعليقك ممتع أعطى النص جمالية خاصة وكأنه صقل الذكريات وألبسها ثوبا بهيا أشكرك عزيزتي وكل عام وأنت بخير وتقبّل الله طاعتكم

                تعليق

                يعمل...
                X