شكر وعرفان .. وخاطرة
أراني عاجزاً عن شُكر كل من واساني بهذا المُصاب بالعزاء أو الدعاء ، فأسأل الله العليّ القدير لكم جميعاً أن يشكر سعيَكم ، ويجزيكم الخير ، ولا يحزنكم على عزيز ، آمين . أمّا أختي في الله الغالية جداً الأديبة الداعية بدور مصطفى التي بادرتْ إلى نشر الخبر مُعزّيةً داعيةً فأرجو الله أن يكونَ لها من كل دعاء نصيب ثقيل في ميزان حسناتها يوم الدين .
========
أرجو أن تسمحوا لي بنشر هذه الخاطرة هنا ، وقد كتبتُها يومَ المُصاب ، وهي على كلّ حال لا تخلو من قصّة قصيرة .
رحلتِ يا أمّاه ..
[align=justify]
رحلتِ أمسِ إلى بارئكِ يا أمّاهُ دونَ أنْ أراكِ ... ومنذُ عام ..
رحلتِ وقدْ أخبرتِني بصوتِكِ المُتعبِ الحنون قبلَ يومٍ من رحيلك أنك تشعرين بأنّكِ لنْ تريني مرة أخرى .. وبكيتِ .. وأبكيتِني ..كانتْ مُعايدتنا الأخيرة بُكاءً يُشبه الوداعَ الأخير !
اتصالٌ سريعٌ بكلمتين من أخي الملتاع " أمّك ماتَتْ " أغلقَ عليّ نافذةَ النور، وأسدلَ الستور !
آخر كلماتك في أذني أسمعها الآن ، وستبقى إلى يوم الدين مرافقتي ..كلماتُكِ التي طالما أعانتني وأراحتني من شقاء الأيّام ، وسكبتْ عليّ من ربّي الرضا والتوفيق :
( الله يرضى عليك يا مصطفى قد ما تعبت عليك )
( الله يصبّ عليك الرضا صبّ )
( الله يبعت لك أحنّ منّي عليك ، ويبعد عنّك أولاد الحرام )
أمّاهُ مَنْ سيدعو لي بعدكِ بهذا القلب ؟! أمّاهُ مَنْ سيدعو لي بهذا اللسان ؟!
أمّاهُ بعدَكِ منْ سيسكبُ على نفسي الحنان في غربتي اللهيبة ؟! ومَنْ سيبلل ريقي بالأمان ؟!
أمّاهُ بَعدكِ من سيعدّ لي الأيام الباقية لعودتي كل عام ؟ ومن ذا الذي سأعود إليه ؟ !
وممن سأستمدّ الدعاءَ والرضا لأبقى مُوفّقاً مَحميّاً من الله في أتون هذه الحياة ؟!
لطالما شعرتُ يا أمّاهُ – ومنذ سنوات ، وقدْ هدّكِ جهادُ الأيام عبرَ السنين – بأنّكِ ضيفٌ يتهيّأ للرحيل ، وكنتُ كلّما ضممتِني يومَ العودةِ من إجازتي إلى هذه الصحراء أحسستُ بأنّها الضمّةُ الأخيرة ، وأنّها النظرةُ الأخيرة ، وأنّها القُبلةُ الأخيرة على تلك اليد التي هدهدتني وأطعمتني وسقتني ، وخاطت لي ثيابي والتي– على ضعفها – كانت تُعدّ لي (المونة ) في غيابي لأعودَ بها آخر الصيف إلى البلد البعيد ..
وحين كنتُ أنظرُ في عينيكِ الدامعتين أقرأ ألفَ وداع ، وأطعمُ أمرّ فراق ، وأغوص في بحر من الحنان .... آهٍ لو أنني كنتُ غرقتُ فيه ومتّ غرقاً !!
عيناكِ !!
عيناكِ اللتانِ انسلّ منهما النظرُ إلاّ قليلاً عبرَ سنواتِ السهر وراء ماكينة الخياطة لتُعيلي سبعة أيتام .. عيناكِ اللتانِ خجلتا أن تنظرا إلى الرجال بعدَ رحيل زوجٍ في الأربعين .. عيناكِ اللتان لم تعرفا التوسّلَ إلاّ إلى الله ، ولا الرجاء إلا منه ..
أمّاهُ رحلتِ ولم أقبّلْ خدّيكِ ولا جبينكِ بعدَ غسلك ! ولم أقرأ لكِ سورة يس ! ولم أحققْ لكِ دعاءك ورجاءك : ( تقبرني بإيديك ) !!
أمّاه أكره أنا الآن يديّ هاتين الجاحدتين لأنّهما لم تتشرّفا بحمل جسدكِ الطاهر البارد الضئيل وأكرههما لأنهما لم تنزلاك إلى مثواكِ الأخير ..!!
أكرهُ عينيّ لأنهما لم تجودا فوقَ قبرك الحبيب .. وأكره لساني ..لأنه لم يبتهل بالدعاء لكِ عندَه .. على حين كان الناس يدعون !
آه يا أماه ..هل أعود ؟
هل أعود لأحضن قبركِ وأشمّ تُربته ؟!!
من يدري كيف وأين ومتى يموتُ الغريب !!
أرجو يا أمّاه رب العالمين أن يكون لقاؤنا قريباً ..هناك في جنة النعيم
آمين .. آمين .. آمين
[/align]
تعليق