
النص:
===
===
المشاركة الأصلية بواسطة محمد شعبان الموجي
مشاهدة المشاركة
الرؤيـة:
====
====
نظرة "برقية" للعنوان تحيلنا إلى عمق يكشف لنا أن "برقنا" ليس خلّبا!
نعم؛ فالعنوان "غفلة عاشقة" يحمل غيما، يكفي أن تسوقه "رياح السفر في المبنى" ليمطر معنى رائقا.
فمنذ البدء يراوغنا الكاتب بتاء تأنيث مع إضافة تحيلنا إلى ماض يحمل سؤالا إلى حاضر يرافقنا في ألق؛ ليوصلنا إلى آخر مفردة "العاشق" حيث تتبخر تاء التأنيث (تحترق) وتحلّ (ألـ) التعريف؛ فإذا بنا في "غفلة" منّا تتهادى رؤانا بين فقدان العاشقة، واحتراق العاشق!
فالغفلة لم تكن من العاشق الذي سأل، وإنما من العاشقة التي أجابت، وبين السؤال والجواب تكمن لحظة "الهيمان"!
كما أنّ استعمال كلمة "عاشقة" مع اقترانها بالغفلة يوحي بصراع داخلي بين "الأنا" و"الأنا الأعلى" في سفرهما في دنيا البوح الشفيف، واصطدامهما بالآخر بشقيه المارد، والعاشق، وكما أن "الأناتيْن" تتصارعان في "الأنا العاشقة الغافلة، فإن الآخر يستعر داخله وجهان: مارد داخله، وعاشق خارجه، وهذا ما يبرز لنا وعيا في نسبة الظل لأصله، وتمكنا شائقا من أداة لا يتقنها الكثير تتمثل في "آلية القبض على اللحظة الهاربة" وهنا نقصد بها العنوان، فقد وفق الكاتب ببراعة في صياغة عنوان حمل من المعاني ما يوسع آفاق القراء على تنوع رؤاهم!
وبما أنّ العشق يتعالى على المكان عادة، فنراه في سفر دائم لا يوقع به إلا الزمن، ولا يقصم "ظهره" سوى النبضات النائمة، لذلك اختار الكاتب عبارة:
(في لحظة عشق ...) لينتقل بنا عبر الزمن من الحاضر إلى الماضي؛ ليحترق المستقبل على أبواب عشق متمرد تحرسه غفلة هائمة!
هل لاحظتم معي كيف أورد الكاتب علامة الحذف(...) بعد كلمة (عشق) النكرة؟!
إنه يعرّفها بإضافة خفيّة محذوفة!
إضافة تحمل المكان الغائب في الزمان، وتشعرنا أنّ تلك اللحظة هي التي نقلت العاشقة من حالة الصمت - البوح (المحذوفة) إلى حالة الصوت-الاعتراف(المحكية)، والانتقال من البوح إلى الحكاية جاء سلسا متناسقا مع اقتران الشوق بالعشق حيث كانت "الغفلة"!
(حكت له قصة)
ثم ينقلنا الكاتب إلى "الحكاية":
(المارد اللعين الذي أحرقته بعد أن ظل يراودها عن نفسها ...)
هل لاحظتم معي استعمال الصفة مع كلمة المارد؟!
لِمَ لَمْ تكتف بذكر "العاشق المارد"؟!
إنّ الكاتب يشعرنا بأن لها "مارديْن" أحدهما "لَعِين" والآخر "مغلّف بالحنين"!
وهذه الصفة (اللعين) هزّت "المارد" الجديد، وأربكته!
هنا تبدأ حالة "اليقظة" من "الغفلة" "العشقية!
وهنا تستثيره "العاشقة" وتبذر فيه "شوقا" للسؤال، وكيف لا يسأل، وهو يرى نفسه في المارد، ويرى "مارد" الرغبة ينسلّ من نفسه إلى مصباح لم يوفق في إنارة ظلمته!
وتعود "الغفلة" منها إليه، فبعد أن جمعتهما في لحظة، فرقتهما في أخرى، وهنا تبرز "حنكة" الكاتب في استعمال لفظة لها دلالة متصلة بما بعدها اتصالا يجمعها بما قبلها دون أن يفصلها عنهما!
فكما أن "الرغبة الجسدية" أوقعته في "لحظة العشق" يبدو أنّ "الرغبة النفسية-الروحية" أوصلته إلى "لحظة الغفلة" فـ:
(سألها ...)
سؤال غفلة أوقعها في حرج الإجابة، فهي لم تتوقع سؤاله، ولم تحك له؛ ليسألها، فلعلها كانت تنتظر منه سفرا في الخيال، لا يقظة في سؤال، لذلك ارتبكت، وارتكبت في لحظة "يقظة" واهنة ما كانت تخشاه!
فلفظة:
(بتلعثم)
سببها اضطراب داخلي، وصدام طفا على سطح ذاكرتها المتعبة فـ:
(قرأت له التعويذة...)
ويعود الكاتب في لفتة ذكية؛ ليفصل بين متتابعين، وبين علة، وسبب بعلامة حذف، وكأنه يريد أن يبين لنا أن الاحتراق لم يكن فجئيا حادثا، إذ قد سبق باحتراق عشقي متواصل عبر اللحظات "الحميمية"، فاحتراقه لم يكن مفاجئا لها، ولعلها أرادت ذلك، فها هي بعد أن أحرقت هي "المارد اللعين" تشهد "احتراقا ذاتيا لماردها-عاشقها، فالعلاقة بين الحرق، والاحتراق هي علاقة الحقيقي بالافتراضي، أو الواقع بالخيال، وكأن الكاتب يقول لنا: أحرقت "العاشقة الغافلة" عاشقها "الافتراضيّ"؛ فاحترق "العاشق الغافل" الحقيقيّ(بمساعدة)، وهنا تكمن روعة القفلة في قول الكاتب:
(فاحترق العاشق!)
...
لم يقل "فأُحرِق" لأنه بوعي انتقل من الفعل المتعدي(أحرق) المحتاج لمفعول به وهو (المارد اللعين) إلى فعل لازم مستغن عن غيره(احترق) وهو ما يدل أيضا على الذوبان العشقي حدّ المطاوعة في الاحتراق الذاتي، وهو ما ساعد في إشعارنا بالانتقال من القصد إلى المفاجأة ، من العلم، إلى الحلم، وهذا ما يؤكد ما سبق وأشرنا إليه من تمكن الكاتب وحسن اختياره لمفردات القصّ لديه!
فكأنه باستعمال الوزن "أفعل" في (أحرق) أراد أن يلمح لنا منذ البداية أن هناك "تعدية وصيرورة" وعدم اقتصار "الإزالة" على ذلك "المارد اللعين" وحده! وهنا تذكرت قول أحد أساتذتي: (إذا ذكر مسمار في أول قصة كاتب بارع؛ فانتبه إذ قد يكون ذلك المسمار هو ما سيعلق به حبل يشنق به البطل نفسه في نهايتها!)
...
هذا جزء مما رأيته!
ألا ترون معي أننا كنا مع لوحة شائقة سافر بنا الكاتب عبرها من إطار حالم إلى داخل انتفضت فيه الألوان بين الحقيقة، والخيال؟!
تعليق