قراءة جديدة "فى الشعر الجاهلى "للدكتور طه حسين .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرؤوف النويهى
    أديب وكاتب
    • 12-10-2007
    • 2218

    #31
    أمتن من هذه القصيدة وأرصن قصيدة الحارث بن حلّزة ، وكان لسان بكر ، يقول الرواة ، ومحاميها والذائد عنها بين يدي عمرو بن هند أيضاً . زعموا أن عمرو بن هند أصلح بين القبيلتين المختصمتين بكر وتغلب وإتخذ منهما رهائن ، فتعرّضت رهائن تغلب لبعض الشر وهلكت أو هلك أكثرها ، فتجنت تغلب على بكر وطالبت بدية الهلكى ، وأبن بكر ، وكادت تستأنف الحرب بينهما ، واجتمعت أشرافهما إلى عمرو بن هند ليحكم بينهم ، وأحس الحارث ميل الملك إلى تغلب فنهض فأعتمد على قوسه وأرتجل هذه القصيدة . قالوا وكان به وضح ، وكان الملك قد أمر أن يكون بينه وبينه ستار ، فلما أخذ ينشد قصيدته أخذ الملك يعجب به ويدنيه شيئاً فشيئاً حتى أجلسه إلى جانبه وقضى لبكر .

    ويكفي أن تقرأ هذه القصيدة لترى أنها ليست مرتجلة إرتجالاً وإنما هي قصيدة نظمت وفكر فيها الشاعر تفكيراً طويلاً ورتب أجزائها ترتيباً دقيقاً . وليس فيها من مظاهر الارتجال إلا شيء واحد هو هذا الإقواء الذي تجده في قوله :

    فـملكنا بذلك الناس حتى ملك المنذر بن ماء السماء

    فالقافية كلها مرفوعة إلى هذا البيت . ولكن الإقواء كان شيئاً شائعاً حتى عند الشعراء الإسلاميين الذين لم يكونوا يرتجلون في كل وقت . تقول إن قصيدة الحارث أمتن وأرصن من قصيدة ابن كلثوم . وقد نظمتا في عصر واحد ، إن صح ما يقول الرواة ، فهما مسوقتان إلى عمرو بن هند . فاقرأ هذه الأبيات للحارث وقارن بينهما في اللفظ والمعنى وبين ما قدّمنا لك من شعر عمرو :

    مـلـكُ أضرعَ البريّةَ لا يوجـد فـيـها لما لديه كِفاءُ
    ما أصابوا من تغلبيَّ فمطلول ، عليه إذا أصيب العَفاء
    كتكاليف قومنا إذ غزا المنذر هل نحن لابن هند رِعاء
    إذ أحـلّ الـعلياء قبة مَيْسُون فـأدنى ديارها العوصاء
    فـتـأوّت لـه قَراَضِبةُ من كـل حـي كـأنـهم ألقاء
    فـهداهم بالأسودين وأمر اللـه بَـلْغ تشقى به الأشقياء
    إذ تـمنونهم غرورا فساقتهـم إلـيـكم أمنية أَشْراء
    لـم يـغرّوكُمُ غرورا ولكن رفع الآلُ شخصَهم والضَّحاء

    وأنظر إلى هذه الأبيات يعير فيها الشاعر تغلْب بإغارات كانت عليهم لم ينتصفوا لأنفسهم من أصحابها :

    أعـلـينا جُناح كِنْدة أن يغنـم غـازيهمُ ومنّا الجزاء
    ليس منا المضِّربون ولا قيس ولا جـندل ولا الحذّاء
    أم جنايا بني عتيق فمن يغدر فـإنـا من حربهم برآء
    أم علينا جرّى العباد كما نيط يـجوز المحمّل الأعباء
    وثـمـانون من تميم بايدي هم رماح صدورهن القضاء
    تـركـوهـم مُلَحَّبين وآبوا بـنـهاب يُصم منها الحداء
    أم عـلينا جرّّى حنيفة أم ماجـمعت من مُحارب غبراء
    أم علينا جَرَّى قُضاعة أم ليس عـلينا فيما جنوا أنداء
    ثم جاءوا يسترجعون فلم ترجـع لهم شامة ولا زهراء


    فأنت ترى أن بين القصيدتين فرقا عظيماً في جودة اللفظ وقوّة المتن وشدّة الأسر . على أن هذا لا يغير رأينا في القصيدتين ، فنحن نرجح أنهما منتحلتان . وكل ما في الأمر أن الذين كانوا ينتحلون كانوا كالشعراء أنفسهم يختلفون قوّة وضعفا وشدّة ولينا . فالذي انتحل قصيدة الحارث بن حِلِّزة كان من هؤلاء الرواة الأقوياء الذين يحسنون تخير اللفظ وتنسيقه ونظم القصيد في متانه وأَيْد . ولسنا نتردّد في أن نعيد ما قلناه من أن هاتين القصيدتين وما يشبههما مما يتصل بالخصومة بين بكر وتغلب إنما هو من آثار التنافس بين القبيلتين في الإسلام لا في الجاهلية .

    تعليق

    • عبدالرؤوف النويهى
      أديب وكاتب
      • 12-10-2007
      • 2218

      #32
      (5)

      طَرَفة بن العبد - المُتَلَمِّس

      وشاعران آخران من ربيعة نقف عندهما وقفة قصيرة هما طرفة ابن العبد والمتلمِّس . وإنما نجمعهما لأن القصص جمعهما من قبل .

      فقد زعموا أن المتلمِّس كان خال طرفة . ولم يقف جمع القصص بينهما عند هذا الحدّ بل قد جمعهما في الشيء القليل الذي نعرفه عنهما ؛ ذلك أن لطرفة والمتلمِّس أسطورة لهج بها الناس منذ القرن الأوّل للهجرة . وهم يختلفون في روايتها إختلافاً كثيراً ولكنا نتخير من هذه الروايات أيسرها وأقربها إلى الإنسان :

      زعموا أن هذين الشاعرين هجوا عمرو بن هند حتى أحنقاه عليهما ، ثم وفدوا عليه فتلقاهما لقاء حسنا وكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين وأوهمهما أنه كتب لهما بالجوائز والصِّلات ؛ فخرجا يقصدان إلى هذا العامل . ولكن المتلمِّس شك في كتابه فأقرأه غلاما من أهل الحِيرة فإذا فيه أمر بقتل المتلمِّس ، فألقى كتابه في النهر ، وألحّ على طرفة في أن يفعل فعله فأبى ؛ وأفترق الشاعران : مضى أحدهما إلى الشام فنجا ، ومضى الآخر إلى البحرين فلقى الموت . وكان طرفة حديث السنّ لم يتجاوز العشرين في رأي بعض الرواة ولم يتجاوز السادسة والعشرين في رأي بعضهم الآخر . وقد كثرت الأحاديث حول هذه القصة وأضيفت إليها أشياء أعرضنا عن ذكرها لظهور انتحال فيها وغضب عمرو بن هند على المتلمِّس حين هرب إلى الشام وأفلت من الموت فأقسم لا يطعم حَبَّ العراق . واتصل هجاء المتلمِّس له .

      والرواة المحققون يعدون هذين الشاعرين من المقلين . بل لم يرو ابن سلاّم للملتمس شيئاً ولم يسم له قصيدة . فأما طرفة فقد قال ابن سلاّم عنه في موضع إنه هو وعَبيد من أقدم الفحول ولم يبق لهما إلا قصائد بقدر عشر . وأستقلّ ابن سلاّم هذه القصائد على الشاعرين وقال إنه قد حمل عليهما حمل كثير . وقد رأيت أنه حين أراد أن يضع عبيدا في طبقته لم يعرف له إلا بيتا واحدا . فأما طرفة فقد عرف له المطولة وروى مطلعها هكذا :


      لَـخـوْلـةَ أطلالُ ببرقة ثهمِد وقفتُ بها أبكي وأبكي إلى الغدِ

      وعرف له الرائية المشهورة :

      * أصحوت اليوم أم شاقتك هر *

      وعرف له قصائد لم يدل عليها . وقال إنه أشعر الناس بواحدة . يريد المعلقة . وبين يدينا ديوان لطرفة يشتمل هاتين القصيدتين وقصيدة أخرى مشهورة ، وهي :

      سـائلوا عنا الذي يعرفنابِخَزَازَى يوم تَحلاق اللمم

      ثم مقطوعات أخرى ليست بذات غَناء . وأنت إذا قرأت شعر طرفة رأيت فيه ما ترى في أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين ولا سيما المضربين منهم من متانة اللفظ وغرابته أحيانا ، حتى لتقرأ الأبيات المتصلة فلا تفهم منها شيئاً دون أن تستعين بالمعاجم . ولكنك مضطر إلى أن تلاحظ أن هذا الشعر أشبه بشعر المضريين منه بشعر الرّبعيين ؛ فنحن لم نجمع شعراء ربيعة عفوا ، وإنما جمعناهم فيما تحدّثنا به إليك في هذا الكتاب إلى الآن لأن بينهم شيئاً يتفقون فيه جميعاً ، هو هذه السهولة التي تبلغ الإسفاف أحياناً ؛ لا نستثني منهم في ذلك إلا قصيدة الحارث حلّزة . فكيف شذ طرفة عن شعراء ربيعة جميعاً فقوى متنه واشتدّ أسره وآثر من الإغراب ما لم يؤثر أصحابه ودنا شعره من شعر المضريين ?

      وأنظر في هذه الأبيات التي يصف بها الناقة :

      وإنى لأُمضي الهمَّ عند إحتضاره بـعوجاء مِرْقالٍ تروح وتغتدي
      أمـونٍ كـألواح الأران نصْأتُهاعـلـى لاحب كأنه ظهر بُرْجُد
      جَـمَـالـيةٍ وَجْناء ترِدي كأنهاسَـفـنّـجةُ تَبْرِي لأزعَر أربَد
      تُـبـاري عِتاقاً ناجياتٍ وأتبعت وظـيـفاً وظيفا فوق مَوْرٍ معبَّد
      تربعت القُفَّين في الشّوْل ترتعي حـدائـقَ مَـوْليّ الأسِرة أغيد
      تَرِيع إلى صوت المُهيب وتتقيبذي خُصَلٍ روعاتِ أكلفّ مُلْبِد
      كـأنّ جـناحَيّ مَضْرَحيّ تكنَّفاحـفافيه شكّا في العسيب بِسْرَد

      تعليق

      • عبدالرؤوف النويهى
        أديب وكاتب
        • 12-10-2007
        • 2218

        #33
        وهو يمضي على هذا النحو في وصف ناقته فيضطرنا إلى أن نفكر فيما قلناه من أن أكثر هذه الأوصاف أقرب إلى أن يكون من صنعة العلماء باللغة منه إلى أي شيء آخر . ولكن دع وصفه للناقة واقـــرأ :

        ولـسـت بـحـلاّل التَِلاع مخافةًولـكـن مـتى يسترفِدِ القومُ أرفد
        فـإن تـبـغـنـي في حَلْقة تلقني وإن تلتمسني في الحوانيت تصطد
        مـتـى تأتني أصبحك كأساً رويّةًوإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد
        وإن يـلـتقِ الحي الجميعُ تُلاقني إلـى ذروة البيت الشريف المصمَّد
        نـدامـاي بـيضُ كالنجوم وقَينةُتـروح إلـيـنـا بين بُرْدٍ ومجسَدِ
        رحـيبُ قِطابُ الجيب منها رفيقةُبـجَـسّ الـندامى بضّةُ المتجرّد
        إذا نـحـن قلنا أسمعينا أنبرت لناعـلـى رِسْـلها مطروقة لم تشدّد
        إذا رجّعتْ في صوتها خلتَ صوتهاتـجـاوُبَ أظـآرَ على رُبَع رَدِي
        فسترى في هذه الأبيات لينا ولكن في غير ضعف ، وشدّة ولكن في غير عنف . وسترى كلاماً لا هو بالغريب الذي لا يفهم ، ولا هو بالسُّوقي المبتذل ، ولا هو بالألفاظ قد رصفت رصفا دون أن تدل على شيء . وأمض في قراءة القصيدة قستظهر لك شخصية قوية ومذهب في الحياة واضح جلي : مذهب اللهو واللذة يعمِد إليهما من لا يؤمن بشيء بعد الموت ولا يطمع من الحياة إلا فيما تتيح له من نعيم بريء من الإثم والعار على ما كان يفهمها عليه هؤلاء الناس :

        وما زال تَشْرابي الخمورَ ولذّتي وبـيعي وإنفاقي طريفي ومُتْلَدِي
        إلـى أن تـحامتني العشيرةُ كلهاوأُفـردت إفـرادَ الـبعير المعَّبد
        رأيـت بـني غَبراءَ لايُنكرونني ولا أهـلُ هذاك الطِّرافِ الممدّد
        ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مُخلّدي
        فـإن كنتَ لا تستطيع دفع منيتي فـدعني أبادرها بما ملكت يدي
        ولولا ثلاثٌ هن من عيشة الفتى وجـدّك لم أحفِلْ متى قام عُوّدي
        فـمـنهن سبقي العاذلاتِ بشربةكُـمَيْتٍ متى ما تُعْلَ بالماء تزبد
        وكَـرِّى إذا نادى المضافُ محنَّباكِـسـيِـد الغضا نبّهته المتورَّد
        وتـقـصـير يوم الدَّجْن معجِبُ بـبـهـكَنةٍ تحت الخِباء المعمَّد

        في هذا الشعر شخصية بارزة قوية لا يستطيع من يلمحها أن يزعم أنها متكلفة أو منتحلة أو مستعارة . وهذه الشخصية ظاهرة البداوة واضحة الإلحاد بنية الحزن واليأس والميل إلى الإباحة في قصد واعتدال . هذه الشخصية تمثل رجلاً فكر وألتمس الخير والهدى فلم يصل إلى شيء ، وهو صادق في يأسه ، صادق في حزنه ، صادق في ميله إلى هذه اللذات التي يؤثرها . ولست أدري أهذا الشعر قد قاله طرفة أم قاله رجل آخر ? وليس يعنيني أن يكون طرفة قائل هذ الشعر . بل ليس يعنيني أن أعرف اسم صاحب هذا الشعر ؛ وإنما الذي يعنيني هو أن هذا الشعر صحيح لا تكلف فيه ولا إنتحال ، وأن هذا الشعر لا يشبه ما قدّمناه في وصف الناقة ولا يمكن أن يتصل به ، وأن هذا الشعر من الشعر النادر الذي نعثر به من حين إلى حين في تضاعيف هذا الكلام الكثير الذي يضاف إلى الجاهليين ، فنحس حين نقرؤه أنا نقرأ شعرا حقاً فيه قوة وحياة وروح .

        وإذاً فأنا أرجح أن في هذه القصيدة شعراً صنعه علماء اللغة هو هذا الوصف الذي قدّمنا بعضه ، وشعرا صدر عن شاعر حقا هو هذه الأبيات وما يشبهها . ولسنا نأمن أن يكون في هذه الأبيات نفسها ما دُسّ على الشاعر دسا وأنتحل عليه إنتحالاً .

        فأما صاحب القصيدة فيقول الرواة إنه طرفة . ولست أدري أهو طرفة أم غيره? بل لست أدري أجاهليّ هو أم إسلاميّ ? وكل ما أعرفه هو أنه شاعر بدوي ملحد شاكّ .

        ولست أحب أن أقف عند القصيدتين الأُخريين ؛ فإن شخصية الشاعر تستخفي فيهما إستخفاء وتعود معهما إلى هذا الشعر الذي وقفت عنده غير مرة والذي يمثل مجد القبيلة وفخرها القديم . وأكبر الظن أن هاتين القصيدتين كقصيدة الحارث بن حِلِّزة وضعتا في الإسلام تخليداً لمآثر بكر بن وائل .

        تعليق

        • عبدالرؤوف النويهى
          أديب وكاتب
          • 12-10-2007
          • 2218

          #34
          فلندع طرفة ولنصل إلى المتلمِّس . وأمر المتلمِّس أيسر من أمر طرفة . فشعره يعود بنا إلى شعر ربيعة الذي قدّمنا الإشارة إليه وإلى ما فيه من رقة وإسفاف وإبتذال . ومن غريب أمره أن التكلف فيه ظاهر ، ولاسيما في القافية ، فيكفى أن تقرأ سينيته التي أوّلها :

          يـا آل بَكرٍ ألا لله أمّكُمُ طالالثَّواء وثوب العجزِ ملبوس .

          لتحس تكلف القافية . على أن هذه القصيدة مضطربة الرواية فقد يوضع آخرها في أوّلها ، وقد يروى مطلعها :

          كم دونَ مَيّةَ من مستعمَلٍ قَذّفٍومن فلاة بها تستودع العِيُسُ
          وللمتلمِّس قصيدة أخرى ليست أجود ولا أمتن من هذه القصيدة ، ولعلها أدنى منها إلى الرداءة ، وهي التي مطلعها :

          ألـم تـر أن الـمـرء رهن منيةصريعٌ لعَافي الطيرِ أو سوف يُرْمَس
          فـلا تـقـبـلنْ ضمياً مخافةَ ميتةٍومُـوتَـنْ بـها حراٍّ وجلُدك أملس
          ويقول فيها :

          ومـا الـناس إلا ما رأوا iiوتحدّثووما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا

          وربما كانت ميمية المتلمس أجود ما يضاف إليه من الشعر ، وهي التي أوّلها :

          يعيِّرنى أمي رجال ولا أرى أخـا كـرمٍ إلا بأن يتكّرما

          وأكبر الظن أن كل ما يضاف إلى المتلمِّس من شعر - أو أكثره على أقل تقدير - مصنوع ، الغرض من صنعته تفسير طائفة من الأمثال وطائفة من الأخبار حفظت في نفوس الشعب عن ملوك الحيرة وسيرتهم : في هؤلاء الأخلاط من العرب وغير العرب الذين كانوا يسكنون السواد . ولا أستبعد أن يكون شخص المتلمِّس نفسه قد إخترع إختراعاً تفسيراً لهذا المثل الذي كان يضرب بصحيفة المتلمِّس والذي لم يكن الناس يعرفون من أمره شيئاً ، ففسره القصاص وأستمدوا تفسيره من هذه الأساطير الشعبية التي أشرنا إليها غير مرة .

          وهناك شعراء آخرون من ربيعة كنا نستطيع أن نقف عندهم ونلم بشعرهم إلماماً وننتهي فيهم إلى مثل انتهينا إليه في أمر هؤلاء الشعراء الذين درسناهم في هذا البحث القصير . ولكنا نكتفي بما قدّمنا ؛ فقد ضربنا المثل . ويخيل إلينا أنا قد وضحنا وبينا وأزلنا الحجاب عن كل ما نريد أن نقوله في موقفنا بإزاء الشعر الجاهلي .

          ونحن لم نقصد في هذا الكتاب إلى أن ندرس الشعراء ولا إلى أن نحلل شعرهم وإنما قصدنا إلى أن نبسط رأينا في طريقة درس هذا الشعر الجاهلي وهؤلاء الشعراء الجاهليين . وقد بلغنا من ذلك ما كنا نريد . فأما تتبع الشعراء شاعرا شاعرا ودرس شعرهم قصيدة قصيدة ومقطوعة مقطوعة فقد نفرغ لبعضه في غير هذا الكتاب . ومهما نفعل فلن نستطيع أن ننهض به وحدنا في عام أو أعوام ، بل لابدّ من أن ينهض به معنا الذين يحبون الحق فيسعون إليه ويطلبونه .

          على أنا نريد أن نختم هذا السفر بملاحظتين :

          (الأولى) أن هذا الدرس الذي قدّمناه ينتهي بنا إلى نتيجة إلا تكن تاريخية صحيحة فهى فرض يحسن أن يقف عنده الباحثون ويجتهدوا في تحقيقة ، وهي أن أقدم الشعراء فيما كانت تزعم العرب وفيما كان يزعم الرواة إنما هو يمنيون أو ربعيون . وسواء أكانوا من أولئك أو من هؤلاء فما يروى من أخبارهم يدل على أن قبائلهم كانت تعيش في نجد والعراق والجزيرة أي في هذه البلاد التي تتصل بالفرس إتصالاً ظاهرا والتي كان يهاجر إليها العرب . من عدنان وقحطان على السواء .

          إذاً فنحن نرجح أن هذه الحركات التي دفعت أهل اليمن من ناحية وأهل الحجاز من ناحية أخرى إلى العراق والجزيرة ونجد ، في عصور مختلفة ولكنها لا تكاد تتجاوز القرن الرابع للمسيح ، قد أحدثت نهضة عقلية وأدبية ، لما كان من اختلاط هذين الجنسين العربيين فيما بينهما ومن اتصالهم بالفرس .

          ومن هذه النهضة نشأ الشعر أو قل إذا كنت تريد التحقيق ظهر الشعر وقوي وأصبح فناً أدبياً . وقد ذهب هذا الشعر ولم يبق لنا منه شيء إلا الذكرى ، ولكن لم يكد يأتي القرن السادس للمسيح حتى تجاوزت هذه النهضة أقطار العراق والجزيرة ونجد وتغلغلت في أعماق البلاد العربية نحو الحجاز فمست أهله . ومن هنا ظهر الشعر في مضر ومن إليهم من أهل البلاد العربية الشمالية . فالشعر كما ترى يمني قوي حين إتصلت القحطانية بربيعة. ولكنا لن نعرفه ولم نصل إليه إلا حين تغلغل في البلاد العربية وأخذته مضر عن ربيعة . ومن هنا نستطيع أن نقول إنا تعمدنا الوقوف ببحثنا عند هذا الحدّ الذي انتهينا إليه ؛ فلنا في شعر مضر رأى غير رأينا في شعر اليمن وربيعة ، لأننا نستطيع أن نؤرّخه ونحدّد أوليته تقريباً ، ولأننا نستطيع أن تقبل بعض قديمه دون أن تحول بيننا وبين ذلك عبقة لغوية عنيفة .

          وإذاً فنحن نستطيع أن نستأنف هذا البحث في سفر آخر . وسترى أن الشعراء الجاهليين من مضر أدركوا الإسلام كلهم أو أكثرهم فليس غريباً أن يصح من شعرهم شيء كثير .

          (الثانية) أن الذين يقرءون هذا الكتاب قد يفرغون من قراءته وفي نفوسهم شيء من الأثر المؤلم لهذا الشك الأدبي الذي نردّده في كل مكان من الكتاب . وقد يشعرون ، مخطئين أو مصيبين ، بأننا نتعمد الهدم تعمدا ونقصد إليه في غير رفق ولا لين . وقد يتخوفون عواقب هذا الهدم على الأدب العربي عامة وعلى القرآن الذي يتصل به هذا الأدب خاصة .

          فلهؤلاء نقول أن هذا الشك لا ضرر منه ولا بأس به ، لا لأن الشك مصدر اليقين ليس غير ، بل لأنه قد آن للأدب العربي وعلومه أن تقوم على أساس متين . وخير للأدب العربي أن يزال منه في غير رفق ولا لين ما لا يستطيع الحياة ولا يصلح لها من أن يبقى مثقلا ًبهذه الأثقال التي تضر أكثرها مما تنفع ، وتعوق عن الحركة أكثر مما يمكن منها .

          ولسنا نخشى على القرآن من هذا النوع من الشك والهدم بأسا ؛ فنحن نخالف أشدّ الخلاف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة إلى الشعر الجاهلي لتصح عربيته وتثبت ألفاظه . نخالفهم في ذلك أشدّ الخلاف لأن أحدا لم ينكر عربية النبي فيما نعرف ، ولأن أحدا لم ينكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه تتلى عليهم آياته . وإذا لم ينكر أحد أن النبي عربىّ وإذا لم ينكر أحد أن العرب فهموا القرآن حين سمعوه ، فأي خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الجاهلي أو هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين? وليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع في أن المسلمين قد احتاطوا أشدّ الإحتياط في رواية القرآن وكتابته ودرسه وتفسيره حتى أصبح أصدق نص عربي قديم يمكن الإعتماد عليه في تدوين اللغة العربية وفهمها . وهم لم يحفلوا برواية الشعر ولم يحتاطوا فيها ، بل انصرفوا عنها في بعض الأوقات طائعين أو كارهين ، ولم يراجعوها إلا بعد فترة من الدهر وبعد أن عبث النسيان والزمان بما كان قد حفظ من شعر العرب في غير كتابة ولا تدوين . فأيهما أشد إكبار للقرآن وإجلالاً له وتقديساً لنصوصه وإيماناً بعربيته القاطعة على تلك العربية المشكوك فيها ، أم ذلك الذي يستدل على عربية القرآن بشعر كان يرويه وينتحله في غير احتياط ولا تحفظ قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق ومنهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث ?

          أما نحن فمطمئنون إلى مذهبنا مقتنعون بأن الشعر الجاهلي أو كثرة هذا الشعر الجاهلي لا تمثل شيئاً ولا تدل على شيء إلا ما قدّمنا من العبث والكذب والانتحال ، وأن الوجه - إذا لم يكن بد من الاستدلال بنص على نص - إنما هو الاستدلال بنصوص القرآن على عربية هذا الشعر لا بهذا الشعر على عربية القرآن .



          18 مارس سنـــــة 1926
          انتهى الكتاب

          تعليق

          • عبدالرؤوف النويهى
            أديب وكاتب
            • 12-10-2007
            • 2218

            #35
            [align=justify]
            استهلال لابدمنه


            عندما شرعت فى الكتابة عن "الحرية بين عصرين وإلى أى مدى يقبل المجتمع الأفكار الغير تقليدية والمعتادة والمألوفة ؟

            أزعم أن كل جديد فى الأفكار والاختراعات يُلاقى صعوبة منذ الوهلة الأولى وقد لاتقبله العقول _آنذاك_ بسهولة ويسر ويخطرنى ما قرأته من مقاومة أهل الحجاز ،فى بداية قيام الدولة السعودية ، لإدخال خدمة التليفون ومعارضةالشيوخ والفقهاء،والفتوى بتحريمها .

            ما أقصده وأسعى إليه أن الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصاديةوالدين والعقائد عوامل فعالة فى قبول أو رفض منجزات العلم وجديد الأفكار .
            فعندما أصدر الدكتور طه حسين كتابه"فى الشعر الجاهلى سنة 1926م قامت الدنيا ولم تقعد،وصدرت المقالات والكتب تهاجم بضراوة وقسوة ماكتبه طه حسين .
            كما أزعم "وهذا رأيى استقيته من الظروف المحيطة به" أن النواحى السياسية ،كانت إحدى العوامل الرئيسية فى طى صفحة كتاب طه حسين وحفظ التحقيق معه وعدم محاكمته وصدور تقرير النيابة العامة بذلك.
            وليس خافياً على الدارسين الكرام ،موضوع كتاب " الإسلام وأصول الحكم "للشيخ على عبدالرازق ،وما أثاره طرد الشيخ على عبدالرزاق من هيئة علماء الأزهر ،وكان ذلك قبل نشر كتاب"فى الشعر الجاهلى " فلايُعقل وفى خلال سنوات قلائل أن تكون هناك محاكمات للأفكار والمطاردة لها حتى وإن تنكبت السبيل ..
            وفى ظنى أن استقرار الأمور واستتباب الأمن العام هدف يسعى إليه الحكام بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة للحفاظ على عروشهم وامتيازاتهم ،سيما وأن مصر محتلة احتلالاً دام طويلاً ،والحاكم بأمره المندوب السامى البريطانى يهمه انقسام الشعب وشغله بأمور كثيرة حتى يتفرغ للنهب والسرقة .
            كانت مصر فى بداية صحوة وطنية وظروف عالمية متغيرة ،الحرب العالمة الأولى ،سقوط الأمبرطورية العثمانية ،ثورة الشعب سنة 1919م،نجاح الثورة البلشفيةسنة 1917م حروب العرب للاستقلال من حكم العثمانيين ،صراع القوى العظمى على تقسيم الكعكة العثمانية ، ربما كل هذه الأسباب مجتمعة أو بعضاً منها ،مع الشأن الداخلى المتردى والقمع الاستعمارى والفقر والمرض والجهل ،من الأسباب التى أحاطت بوأد فتنة "فى الشعر الجاهلى "فى المهد ،فليس ببعيد ثورة الأزهر على أحد علمائه والحكم بطرده من معيته.

            حاولت وبجهد جهيد كتابة تقرير النيابة العامة ،ووفقنى الله وسأنشره كاملاً ،فلم أجده فى مايو2007م ،منشوراً فى أى موقع ،مما حدانى إلى كتابته رغم كثرة صفحاته .وسأوالى نشره تباعاً،لكى يصبح متاحاً مع كتاب الشعر الجاهلى ..

            وسأبدأ بإذن الله ،مواصلة قراءاتى لحرية الفكر والابداع فى عصرين مابين 1926م وبين 1995م أى حوالى 69سنة،جرت فى النهر مياه كثيرة .
            هل تغيرت العقول وقبلت ماكان يُرفض أم هى على حالها لم تتغير وما الأسباب والدواعى التى أحاطت بهذا الجمود ؟؟
            فهل السياسة لها دور فى إذكاء الصراع الفكرى أو وأده فى مهده ؟؟؟

            [align=justify]
            ومن الملاحظ ..أنه وفى عصرين مختلفين، أن تكون الكلمة الفاصلة للقضاء والنيابة العامة فى مواضيع فكرية بحتة ..وهذا مما يثير الدهشة ،فلم يثبت أن أى من الجهتين قد أحالت الكتاب"فى الشعر الجاهلى أو مفهوم النص" إلى لجنة علمية محكمة من كبار العلماء "كل فى تخصصه "لكتابة تقرير علمى موضوعى ،وإنما تصدرت المشهد بالكامل ولم تستعن بأهل الخبرة ،كما تقضى بذلك نصوص وأحكام القانون ،واعتبرت نفسها هى الخبير الأعلى فى مواضيع علمية شائكة ،هى أبعد ماتكون عنها وخارج نطاق تخصصهاالعلمى .!!!!!وكأن التفكير "هو اجتهاد بشرى ،قد يُخطئ وقديصيب "جريمة معاقب عليها ،مثلها مثل القتل والضرب والسرقة وجزاؤها السجن أو الغرامة !!!!
            [/align]



            أسئلة كثيرة ..ربما تكون محط اهتمام القراء الأفاضل والفضليات .
            [/align]

            تعليق

            • عبدالرؤوف النويهى
              أديب وكاتب
              • 12-10-2007
              • 2218

              #36
              قَرارُ النيابة


              فى


              كتاب الشعر الجاهلى


              ****************************











              مطبعة الشباب


              شارع عبدالعزيز خلف جامع العظام



              ************************************************** *


              الطبعة الأولى


              1927

              تعليق

              • عبدالرؤوف النويهى
                أديب وكاتب
                • 12-10-2007
                • 2218

                #37
                [align=justify] نحن محمد نور رئيس نيابة مصر

                من حيث أنه بتاريخ 30مايو سنة 1926 تقدم بلاغ من الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالى بالأزهر لسعادة النائب العمومى يتهم فيه الدكتور طه حسين الأستاذ بالجامعة المصرية بأنه ألف كتاباًاسماه (فى الشعر الجاهلى )ونشره عى الجمهور وفى هذا الكتاب طعن صريح فى القرآن العظيم 0
                حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوى الكريم إلى آخر ما ذكره فى بلاغه 0
                وبتاريخ 5يونيه 1926 أرسل فضيلة شيخ الأوهر لسعادة النائب العمومى خطابا يبلغ له به تقريرا رفعه علماء الجامع الأزهر عن كتاب ألفه طه حسين المدرس بالجامعة المصرية اسماه (فى الشعر الجاهلى )كذب فيه القرآن صراحة وطعن فيه على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى نسبه الشريف واهاج بذلك ثائرة المتدينين وأتى فيه بما يخل بالنظم العامة ويدعو الناس للفوضى وطلب اتخاذ الوسائل القانةنية الفعالة الناجعة ضد هذا الطعن على دين الدولة الرسمى وتقديمه للمحاكمة وقد أرفق بهذا البلاغ صورة من تقرير أصحاب الفضيلة العلماء الذى أشار إليه فى كتابه وبتاريخ 14سبتمبر 1926تقدم إلينا بلغ آخر من حضرة عبد الحميد البنان أفندى عضو مجلس النواب ذكر فيه أن الأستاذ طه حسين المدرس بلجامعة المصرية نشر ووزع وعرض للبيع فى المحافل والمحلات العمومية كتابا اسماه (فى الشعر الجاهلى ) طعن وتعدى فيه علىالدين الإسلامى وهودين الدولة بعبارات صريحة واردة فى كتابه سيبينه فى التحقيقات 0
                وحيث أنه نظرا لتغيب الدكتور طه حسين خارج القطر المصرى فقد أرجأنا التحقيق إلى ما بعد عودته فلما عاد بتاريخ 19أكتوبر 1926 فأخذنا أقوال المبلغين جملة بالكيفية المذكورة بمحضر التحقيق ثم استجوبنا المؤلف وبعد ذلك أخذنا فى دراسة الموضوع بقدر ما سمحت لنا الحالة 0
                وحيث قد اتضح من أقوال المبلغين أنهم ينسبون للمؤلف أنه طعن على الدين الإسلامى فى مواضع أربعة من كتابه :

                الأول –أن المؤلف قد أهان الدين الإسلامى بتكذيب القرآن فى إخباره عن إبراهيم واسماعيل حيث ذكر فى ص26من كتابه "للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها .ونحن مضطرون إلى أن نرى فى هذه القصة نوعا من الحيلة فى اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى إلى آخر ماجاء فى هذا الصدد"


                الثانى – ما تعرض له المؤلف فى شأن القراآت السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعا وأنه فى كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه مع أن معاشر المسلمين يعتقدون أن كل هذه القراآت مروية عن الله تعالى على لسان النبى صلى الله عليه وسلم
                [/align]
                0

                تعليق

                • عبدالرؤوف النويهى
                  أديب وكاتب
                  • 12-10-2007
                  • 2218

                  #38
                  [align=justify] الثالث-ينسبون للمؤلف أنه طعن فى كتابه على النبى صلى الله عليه وسلم طعنا فاحشا من حيث نسبه فقال فى ص27من كتابه "ونوع آخر من تأثير الدين فى انتحال الشعر واضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم النبى من ناحية أسرته ونسبه فى قريش فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبى يجب أن يكون صفوف بنى هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بنى عبد مناف وأن يكون بنوعبد مناف صفوة بنى قصى وأن تكون قصى صفوة قريش وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنانية كلها " وقالوا إن تعدى المؤلف بالتعريض بنسب التبى صلى الله عليه وسلم والتحقيرمن قدره تعد على الدين وجرم عظيم يسىء المسلمين والإسلام فهو قد إجترأ على أمر إذ لم يسبقه إليه كافر ولامشرك 0

                  الرابع- أن الأستاذالمؤلف أنكر إن للإسلام أوليه فى بلاد العرب وأنه دين إبراهيم إذ يقول فى ص 80"أما المسلمون فقد أرادوا أن يتثبتوا أن للإسلام أولية فى بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبى وأن خلاصة الدين الإسلامى وصفوت هى خلاصة الدين الحق الذى أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل-إلى أن قال فى ص81وشاعت فى العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجد دين إبراهيم ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذاقد كان دين العرب فى عصر من العصور ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون وانصرفت إلى عبادة الأوثان إلى آخر ماذكره فى هذا الموضوع 0

                  ومن حيث أن العبارات التى يقول المبلغون أن فيها طعنا على الدين الإسلامى إنما جاءت فى كتاب فى سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذى ألف من أجله فلأجل الفصل فى هذه الشكوى لايجوز انتزاع تلك العبارات من موضعها والنظر إليها منفصلة وإنما الواجب توصلا إلى تقديرها تقديرا صحيحا بحثها حيث هى فى موضعها من الكتاب ومناقشتها فى السياق الذى وردت فيه وبذلك يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسؤليته تقديرا صحيحاً0
                  [/align]

                  تعليق

                  • عبدالرؤوف النويهى
                    أديب وكاتب
                    • 12-10-2007
                    • 2218

                    #39
                    عن الأمر الأول
                    [align=justify]

                    من حيث إنه ما يلفت النظر ويستحق البحث فى كتاب (فى الشعر الجاهلى ) من حيث علاقته بموضوع هذه الشكوى ، إنما هو ما تناوله المؤلف بالبحث فى الفصل الرابع تحت عنوان (الشعر الجاهلى ) واللغة من ص24إلى ص30

                    ومن حيث إن المؤلف بعد أن تكلم فى الفصل الثالث من كتابه على أن الشعر المقال بأنه جاهلى لايمثل الحياة الدينية والعقلية للعرب الجاهليين وأراد أن يقدم أبلغ ما لديه من الأدلة على عدم التسليم بصحة الكثرة المطلقة من الشعر بعيد كل البعد عن أن يمثل اللغة العربية فى العصر الذى يزعم الرواة أنه قيل فيه 0

                    وحيث إن المؤلف أراد أن يدلل على صحة هذه النظرية فرأى بحق من الواجب عليه أن يبدأ بتعرف اللغة الجاهلية فقال : ولنجتهد في تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هي ، أو ماذا كانت في العصر الذي يزعم الرواة أن شعرهم الجاهلي هذا قد قيل فيه . أما الرأي الذي اتفق عليه الرواة أو كادوا يتفقون عليه فهو أن العرب ينقسمون إلى قسمين : قحطانية منازلهم الأولى في اليمن ، وعدنانية منازلهم الأولى في الحجاز .وهم متفقون على أن القحطانية عرب منذ خلقهم الله فطروا على العربية فهم العاربة ، وعلى أن العدنانية قد اكتسبوا العربية اكتسابا ، كانوا يتكلمون لغة أخرى هي العبرانية أو الكلدانية ، ثم تعلموا لغة العرب العاربة فمحت لغتهم الأولى من صدورهم وثبتت فيها هذه اللغة الثانية المستعارة . وهم متفقون على أن هذه العدنانية المستعربة إنما يتصل نسبهم باسماعيل بن ابراهيم . وهم يروون حديثا يتخذونه أساسا لكل هذه النظرية ، خلاصته أن أول من تكلم بالعربية ونسى لغة أبيه اسماعيل بن ابراهيم .
                    وبعد أن فرغ من تقرير ما اتفق عليه الرواة فى هذه النقطة قال:
                    إن الرواة يتفقون أيضا على شيىء آخر ،وهو أن خلافاً قوياً بين لغة حمير وبين لغة عدنان مستندا إلى ماروى عن أبى العلاء من أنه كان يقول :ما لسان حمير بلساننا ولالغتهم بلغتنا ، على أن البحث الحديث قد أثبت خلافا جوهريا بين اللغة التى كان يصطنعها الناس فى جنوب البلاد العربية واللغة التى كانوا يصطنعونها فى شمال هذه البلاد وأشار إلى وجود نقوش ونصوص تثبت هذا الخلاف فى اللفظ وفى قواعد النحو والتصريف بعد ذلك حاول المؤلف حل هذه المسألة بسؤال إنكارى
                    فقال :إذا أبناءاسماعيل قد تعلموا اللغة العربية من العرب العارية فكيف بعد ما بين اللغتين لغة العرب العرب العارية ولغة العرب المستعربة ،
                    ثم قال إنه واضح جدا لمن له المام بالبحث التاريخى عامة ويدرس الأقاصيص والأساطير خاصة أن هذه النظرية متكلفة مصطنعة فى عصور متأخرة دعت إليها حاجة دينيةأو اقتصادية أو سياسية 0
                    ثم قال بعد ذك : للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها .


                    وظاهر من إيراد هذه العبارة أن يعطى دليله شيئا من القوة بطريقةالتشكك فى وجود إبراهيم واسماعيل التاريخى وهو يرمى بهذا القول إنه مادام اسماعيل وهو الأصل فى نظرية العرب العاربة والعرب المستعربة مشكوكا في وجوده التاريخى فمن باب أولى ما ترتب على وجوده مما يرويه الرواة 0 أراد المؤلف أن يوهم لرأيه أساسا 0
                    فقال :ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى
                    ثم أخذ يبسط الأسباب التى يظن أنها تبرر هذه الحيلة إلى ان قال :
                    أمر هذه القصة إذن واضح . فهي حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب ديني ، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضا ، وإذن فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل بها عند ما يريد أن يعترف أصل اللغة العريبة الفصحى . وإذن فنستطيع أن نقول أن الصلة بين اللغة العربية الفصحى التي كانت تتكلمها العدنانية واللغة التي أنت تتكلمها القحطانية في اليمن إنما هي كالصلة بين اللغة العربية وأي لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة ، وإن قصة العاربة والمستعربة وتعلم اسماعيل العربية من جرهم ، كل ذلك حديث أساطير لا خطر له ولا غناء فيه .
                    [/align]

                    تعليق

                    • عبدالرؤوف النويهى
                      أديب وكاتب
                      • 12-10-2007
                      • 2218

                      #40
                      [align=justify] هنا يجب أن نلاحظ على الدكتور مؤلف الكتاب0

                      (1) أنه خرج من بحثه عاجزا كل العجز عن أن يصل إلى غرضه الذى عقد كل هذا الفصل من أجله ؛وبيان ذلك أنه وضع فى أول الفصل سؤالا وحاول الإجابة عليه وجواب هذا السؤال فى الواقع هو الأساس الذى يجب أن يرتكز عليه فى التدليل على صحة رأيه هو يريد أن يدلل على ان الشعر الجاهلى بعيد كل البعد عن أن يمثل اللغة العلربية فى العصر الذى يزعم الرواة أنه قيل فيها وبديهى أنه للوصول إلى هذا الغرض يتعين على الباحث تحضير أمور ثلاثة :

                      (1)الشعر الذى يريد أن يبرهن على أنه منسوب بغير حق للجاهلية 0
                      (2)الوقت الذى يزعم الرواة أنه قيل فيه 0
                      (3)اللغة التى كانت موجودة فعلا فى الوقت المذكور وبعد أن تهيأ له هذه المواد يجرى عملية المقارنة فيوضح الاختلافات الجوهرية بين لغة الشعر وبين لغة الزمن الذى روى أنه قيل فيه ويستخرج بهذه الطريقة الدليل على صحة ما يدعيه – لهذا تتضح أهمية السؤال الذى وضعه بقوله : لنجتهد فى تعرف اللغة الجاهلية هذه ماهى ?
                      أو ماإذا كانت فى العصر الذى يزعم لرواة أن شعرهم الجاهلى هذا قد قيل فيه ?)
                      وتتضح أيضا أهمية الإجابة عليه 0

                      ولكن الاستاذ المؤلف وضع السؤال وحاول الاجابة عليه وتطرق فى بحثه إلى الكلام على مسائل فى غاية الخطورة صدم بها الامة الاسلامية فى أعز ما لديها من الشعور ولوث نفسه بما تناوله من البحث فى هذا السبيل بغير فائدة ولم يوفق فى الإجابة بل قد خرج من البحث بغير جواب اللهم إلا قوله : أن الصلة بين اللغة العدنانية وبين اللغة القحطانية إنما هى كالصلة بين اللغة العربية وأى لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة وبديهى أن ما وصل إليه ليس جوابا على السؤال الذى وضعه وقد نوقش فى التحقيق فى هذه المسئلة فلم يستطع رد هذا الاعتراض ولايمكن الاقتناع بما ذكره فى التحقيق من أنه كتب الكتاب للاخصائيين من المستشرقين بنوع خاص وان تعريف هاتين اللغتين عند الاخصائيين واضح لايحتاج إلى أن يذكر لأن قوله هذا عجز عن الجواب كما أن قوله أن اللغة الجاهلية فى رأيه ورأى القدماء والمستشرقين لغتان متباينتان لايمكن أن يكون جوابا على السؤال الذى وضعه لأن غرضه من السؤال واضح فى كتابه إذ قال (ولنجتهد فى تعرف اللغة الجاهلية هذه ماهى) وقد كان قررمن قبيل ذلك (فنحن إذا ذكرنا اللغة العربية نريد بها معناها الدقيق المحدود الذي نجده في المعاجم حين نبحث فيها عن لفظ اللغة ما معناه ، نريد بها الألفاظ من حيث هي ألفاظ تدل على معانيها ، تستعمل حقيقة مرة ومجازا مرة أخرى ، وتتطور تطورا ملائما لمقتضيات الحياة التي يحياها أصحاب هذه اللغة ).
                      فبعد أن حدد هو بنفسه معنى اللغة الذى يريده فلايمكن أن يتقبل منه ما أجاب به من أن مراده أن اللغة لغتان بدون أن يتعرف واحد منهما 0

                      فالمؤلف إذن فى واحدة من اثنتين إما أن يكون عاجزا وإما أن يكون سيىء النية قد جعل هذا البحث ستارا ليصل بواسطته إلى الكلام فى تلك المسائل الخطيرة التى تكلم عنها فى هذا الفصل وسنتكلم فيما بعد عن هذه النقطة عند الكلام على القصد الجنائى
                      [/align]
                      .

                      تعليق

                      • عبدالرؤوف النويهى
                        أديب وكاتب
                        • 12-10-2007
                        • 2218

                        #41
                        [align=justify] (2) أنه استدل على عدم صحة النظرية التى رواها الرواة وهى تقسيم العرب إلى عاربة ومستعربة وتعلم إسماعيل العربية من جرهم ، بافتراض وضعه فى صيغة سؤال إنكارى 0
                        إذا كان أبناء إسماعيل قد تعلموا العربية من أولئك العرب الذين نسميهم العاربة فكيف بعد ما بين اللغة التى كان ا صطنعها العرب العاربة واللغة التى كان يصطنعها العرب المستعربة ، يريد المؤلف بهذا أن يقول" لو كانت نظرية تعلم إسماعيل وأولاده العربية من جرهم صحيحة لوجب أن تكون لغة المتعلم كلغة المعلم 0

                        وهذا الإعتراض وجيه فى ذاته ولكنه لايفيد المؤلف فى التدليل على صحة رأيه ، لأنه نسى أمرا مهما لايجوز غض النظر عنه 0
                        هو يشير إلى الاختلافات التى بين لغة حمير ولغة عدنان ، وهو يقصد بلغة عدنان التى كانت موجودة وقت نزول القرآن لأنه يرى من الاحتياط العلمى أن يقرر أن أقدم نص عربى للغة هو القرآن ، وهو يعلم أن حمير آخر دول العرب القحطانية ، وقد مضى زمن طويل جدا أى أنه قد انقضى من الوقت الذى تعلم فيه اللغة العربية من جرهم إلى الوقت الذى اختاره المؤلف للمقارنة بين اللغتين زمن يتعذر تحديده ، ولكنه على كل حال زمن طويل جدا لايقل عن عشرين قرنا ، فهل يريد المؤلف مع هذا أن يجد الاختلافات التى بين اللغتين دليلا على عدم صحة نظرية الرواة غير حاسب حسابا للتطور الواجب حصوله فى اللغة بسبب مضى هذا الزمن وما يستدعيه توالى العصور من تتابع الحوادث واختلاف الظروف 0

                        إن الأستاذ قد أخطأ فى استنتاجه بغير شك 0ونستطيع إذن أن استنتاجه لا يصلح دليلا على فساد نظرية الرواة التى يريد أن يهدمها وأنه إذا ما ثبت وجود اختلاف مهما كان مداه بين اللغتين فإن هذ لاينفى صحة الرواية التى يرويها الرواة من حيث تعلم إسماعيل العربية من جرهم ، ولايضيرها أن الأستاذ المؤلف ينكرها بغير دليل لأن طريقة الإنكار والتشكك بغير دليل سهلة جدا فى متناول كل إنسان عالما كان أو جاهلا 0

                        على أننا نلاحظ أيضا على هذا المؤلف أنه لم يكن دقيقا فى بحثه ، وهو ذلك الرجل الذى يتشدد كل التشدد فى التمسك بطرق البحث عن أمرين ، الأول ما روى عن أبى عمروبن العلاء من أنه كان يقول :ما لسان حمير بلساننا ولالغتهم بلغتنا0
                        والثانى قوله :ولدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف فى اللفظ وفى قواعدالنحو والتصريف أيضا )0
                        أما عن الدليل الأول فإن ما رواه أبو عبدااله بن سلام الجمحى مؤلف طبقات الشعراء عن أبى عمرو بن العلاء : ما لسان حمير وأقاصى اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا )0 وقد يكون للمؤلف مأرب من وراء تغيير هذا النص الذى نريد أن نلاحظه هو أن ابن سلام ذكر قبيل هذه الرواية فى الصفحة نفسها ما يأتى : وأخبرنى يونس عن أبى عمر ،قال : العرب كلها ولد إسماعيل إلا حمير وبقايا جرهم )0
                        راجع ص8 من كتاب طبقات الشعراء طبعة مطبعة السعادة 0

                        فواجب على المؤلف إذن وقد اعتمد صحة العبارة الأولى أن يسلم أيضا بصحة العبارة الثانية ، لأن الراوى واحد والمروى عنه واحد0وتكون نتيجة ذلك أنه فسر ما اعتمد عليه عمرو بن العلاء بغير ما أراده بل فسر بعكس ما اراد ه ويتعين إسقاط هذا الدليل 0
                        وأما عن الدليل الثانى فإن المؤلف لم يتكلم عنه بأكثر من قوله : ولدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف)
                        [/align]
                        0

                        تعليق

                        • عبدالرؤوف النويهى
                          أديب وكاتب
                          • 12-10-2007
                          • 2218

                          #42
                          [align=justify]
                          فأردنا عند استجوابه أن نستوضحه ما أجمل فعجز ، وليس أدل على هذا العجز من أن نذكر هنا مادار فى التحقيق من المناقشة بشأن هذه المسئلة .

                          س- هل يمكن لحضرتكم الآن تعريف اللغة الجاهلية الفصحى وعلى لغة حمير وبيان الفرق بين لغة حمير ولغة عدنان ومدى هذا الفرق وذكر بعض أمثلة تساعدنا على فهم ذلك ?

                          ج- قلت إن اللغة الجاهلية فى رأيى ورأى القدماء والمستشرقين لغتان متباينتان على الأقل ،أولهما لغة حمير وهذه اللغة قد درست ووضعت لها قواعد النحو والصرف والمعاجم ،ولم يكن شىء من هذا معروف قبل الاكتشافات الحديثة ، وهى كما قلت مخالفة للغة العربية الفصحى التى سألتم عنها مخالفة جوهرية فى اللفظ والنحو وقواعد الصرف ، وهما إلى اللغة الحبشية القديمة أقرب منها إلى اللغة العربية الفصحى ، وليس من شك فى أن الصلة بينها وبين لغة القرآن والشعر كالصلة بين السريانية وبين هذه اللغة القرآنية 0
                          فأما إيراد النصوص والأمثلة فيحتاج إلى ذاكرة لم يهبها الله لى ، ولابد من الرجوع إلى الكتب المدونة فى هذه اللغة 0
                          س- هل يمكن لحضرتم أن تبينوا لنا هذه المراجع أو تقدموها لنا ?
                          ج- أنا لا أقدم شيئا 0

                          س- هل يمكن لحضرتكم أن تبينوا إلى أى وقت كانت موجودة اللغة الحميرية ومبدأ وجودها إن أمكن ?
                          ج- مبدأ وجودها ليس من السهل تحديده ولكن لاشك فى أنها كانت معروفة تكتب قبل القرن الأول للمسيح وظلت تتكلم إلى ما بعد الإسلام ،ولكن ظهور الإسلام وسيادة اللغة القرشية ق محيا محوا هذه اللغة شيئا فشيئا كما محيا محوا غيرها من اللغات المختلفة فى البلاد العربية وغير العربية وأقروا مكانها لغة القرآن 0

                          س- هل يمكن لحضرتكم أن تذكروا لنا مبدأ اللغة العدنانية ولو بوجه التقريب ?
                          ج- ليس من السهل معرفة مبدأ اللغة العدنانية وكل ما يمكن أن يقال بطريقة عملية هو أن لدينا نقوشا قليلة جدا يرجع عهدها لى القرن الرابع للميلاد ، وهذه النقوش قريبة جدا من اللغة العدنانية ولكن المستشرقين يرون أنها لهجة قبطية وإذن فقد يكون من احتياط العلم أن نرى أقدم نص عربى يمكن الاعتماد عليه من الوجهة العلمية إلى الآن إنما هو القرآن حتى نستكشف نقوشا أظهر وأكثر مما لدينا 0

                          س- هل تعتقدون حضرتكم أن اللغة سواء كانت اللغة الحميرية أو اللغة العدنانية كانت باقية على حالها من وقت نشاتها أو حصل فيها تغيير بسبب تمادى الزمن والاختلاط ?
                          ج- ما أظن أن لغة من اللغات تستطيع أن تبقى قرونا دون أن تتطور ويحصل فيها التغيير الكثير
                          [/align]
                          0

                          تعليق

                          • عبدالرؤوف النويهى
                            أديب وكاتب
                            • 12-10-2007
                            • 2218

                            #43
                            [align=justify] ونحن مع هذا لا نريد أن ننفى وجود اختلاف بين اللغتين ولانقصد أن نعيب على المؤلف جهله بهذه الأمور فإنها فى الحقيقة مازالت من المجاهل ما وصل إليه المستشرقون من الاستكشافات لا ينير الطريق ، وإنما الذى نريد أن نسجله عليه هو أنه بنى احكامه على أساس ما زال مجهولا ، إذإنه يقرر بجرأة فى آخر الفصل الذى نتكلم بشأنه ((والنتيجة لهذا البحث كله تردنا إلى الموضوع الذي أبتدأنا به منذ حين ، وهو أن هذا الشعر الذي يسمونه الجاهلي لا يمثل اللغة الجاهلية ولا يمكن أن يكون صحيحا . ذلك لأننا نجد بين هؤلاء الشعراء الذين يضيفون إليهم شيئا كثيرا من الشعر الجاهلي قوما ينتسبون إلى عرب اليمن إلى هذه القحطانية العاربة التي كانت تتكلم لغة غير لغة القرآن ، والتي كان يقول عنها أبو عمرو بن العلاء : إن لغتها مخالفة للغة العرب ، والتي أثبت البحث الحديث ، أن لها لغة أخرى غير اللغة العربية .
                            فمتى قال أبو عمرو بن العلاء إنها لغة مخالفة للغة العرب 0لقد أشرنا إلى التغيير الذى أحدثه المؤلف فيما روى عن أبى عمرو حيث حذف من روايته (وقلنا قد يكون للمؤلف مآرب من وراء هذا التغيير ، فهذا هومأربه ، إن الأستاذ حرّف فى الرواية عمداً ليصل إلى تقرير هذه النتيجة 0
                            ويقول المؤلف أيضاًوالتى أثبت البحث الحديث أن لها لغة أخرى غير اللغة العربية – وقد أنّا فيما سلف أنه عجز عن إثبات ما يدعيه – ومن الغريب أنه عندما بدأ البحث اكتفى بأن قال :ولدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف فى اللفظ وفى قواعد النحو والتصريف أيضاً، ولكنه انتهى بأن قرر بأن البحث الحديث أثبت أن لغة أخرى غير اللغة العربية 0
                            قرر الأستاذ فى التحقيق أنه لاشك فى اللغة الحميرية ظلت تتكلم إلى مابعد الإسلام ، فإن كانت هذه اللغة هى لغة أخرى غير اللغة العربية كما يوهم أنه انتهى به بحثه فهل له أن يفهمنا كيف استطاع عرب اليمن فهم القرآن وحفظه وتلاوته ?
                            نحن نسلم بأنه لابد من وجود اختلافات بين لغة حمير وبين لغة عدنان ، بل ونقول إنه لابد من وجود شىء من الاختلافات بين بعض القبائل وبين البعض الآخر مممن يتكلمون لغة واحدة من اللغتين المذكورتين ، ولكنها على كل حالل اختلافات لاتخرجها عن العربية وهذه الاختلافات هى التى قصدها أبو عمرو بن العلاء بقوله : ما لسان حمير بلساننا ، والمؤلف لا يستطيع أن ينكر الاختلاط الذى لابد منه بين القبائل المختلفة خصوصا فى أمة متنقلة بطبيعتها كالأمة العربية ، ولابد لها جميعا من لغة عامة تتفاهم بها هى اللغة الأدبية ، وقد أشار هو بنفسه إليها فى ص17من كتابه حيث قال عن القرآن : ولكنه كان كتابا عربيا لغته هى اللغة العربية الأدبية التى كان يصطنعها الناس فى عصره أى فى العصر الجاهلى ، 0وهذه اللغة الأدبية هى لغة الكتابة ولغة الشعر ، والمؤلف نفسه عندما تكلم فى الفصل الخامس عشر عن الشعر الجاهلى واللهجات بحث فى ص37،36،35 بحثا يؤيد هذا المعنى وإن كان يدعى بغير دليل أن الإسلام قد فرض على العرب جميعا لغة عامة واحدة هى لغة قريش مع أنه سبق من أن ذكر فى ص17 أن لغة القرآن هى اللغة العربية التى كان يصطنهعا الناس فى عصره أى فى العصر الجاهلى فلم لاتكون لهذه اللهجة الأدبية السيادة العامة من قبل نزول القرآن بزمن طويل وكيف يستطيع هو هذا التحديد وعلام يستند ?
                            يتضح مما تقدم أن عدم ظهورخلاف فى اللغة لايدل فى ذاته حتما ً على عدم صحة الشعر 0ونحن لانريد بما قدمنا أن نتولى الدفاع عن صحة الشعر الجاهلى إذ إن هذه المسئلة ليست حديثة العهد ابتدعها المؤلف وإنما هى مسئلة قديمة قررها أهل الفن والشعر كما قال ابن سلام صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات وهو يحتاج فى تمييزه إلى خبير كاللؤلؤ والياقوت لا يعرف بصنعة ولاوزن دون المعاينة ممن يبصره – ولكن الذى نريد أن نشير إليه إنما هو الخطأ الذى اعتاد أن يرتكبه المؤلف فى أبحاثه حيث بدأ بافتراض يتخيله ثم ينتهى بأن يرتب عليه قواعد كأنها حقائق ثابتة كما فعل بين لغة حمير وبين لغة عدنان ثم فى مسئلة إبراهيم وإسماعيل وهجرتهما إلى مكة إذ بدأ فيها بإظهار الشك ثم انتهى باليقين بدأ بقوله (للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي ، فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها)
                            [/align]

                            تعليق

                            • عبدالرؤوف النويهى
                              أديب وكاتب
                              • 12-10-2007
                              • 2218

                              #44
                              [align=justify] إلى هنا أظهرالشك لعدم قيام الدليل التاريخى فى نظره ،كما تتطلبه الطرق الحديثة ثم النتهى بأن قرر فى كثير من الصراحة :إن ضعف هذه القصة إذن واضح فى حديثة العهد ظهرت قبل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب دينى 000إلخ
                              فما هو الدليل الذى انتقل به من الشك إلى اليقين ?

                              هل دليله هو قوله : ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى . وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية ويثبتون فيه المستعمرات00إلخ
                              أن ظهور الإسلام وما كان من الخصومة العنيفة بينه وبين وثنية العرب من غير أهل الكتاب ، قد اقتضى أن تثبت الصلة الوثيقة بين الدين الجديد وبين الديانتين القديمتين : ديانة النصارى واليهود وإنه مع ثبوت الصلة الدينية يحسن أن تؤيدها صلة مادية 00إلخ

                              إذا كان الأستاذ المؤلف يرى أن ظهور الإسلام قد اقتضى أن تثبت الصلة بينه وبين ديانتى اليهود والنصارى ،وأن القرابة المادية الملفقة بين العرب وبين اليهود لازمة لإثبات الصلة بين الإسلام وبين اليهودية فاستغلها لهذا الغرض ،فهل له أن يبين السبب فى عدم اهتمامه أيضا بمثل هذه الحيلة لتوثيق الصلة بين الإسلام والنصرانية ?
                              وهل عدم اهتمامه هذا معناه عجزه أو استهانته بأمر النصرانية ?
                              وهل من يريد توثيق الصلة مع اليهود بأى ثمن ،حتى باستغلال التفليق هو الذى يقول عنهم فى القرآن :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا "0
                              إن الأستاذ ليعجز حقا عن تقديم هذا البيان إذ إن كل ماذكره فى هذه المئلة إما هو خيال فى خيال وكل ما استند إليه من الأدلة هو :
                              1-فليس ببعيدأن يكون 00
                              2- فما الذى يمنع 000
                              3- ونحن نعتقد 000
                              4- وإذن فليس ما يمنع قريشا من أن تقبل هذه الأسطورة
                              5- وإذن فنستطيع أن نقول 000

                              فالأستاذ المؤلف فى بحثه إذا رأى إنكار شىء يقول لادليل عن الأدلة التى تتطلبها الطرق الحديثة للبحث حسب الخطة التى رسمها فى منهج البحث وإذا رأى تقرير أمر لايدلل عليه بغير الأدلة التى أحصيناها له وكفى بقوله حجة 0

                              [/align]







                              تعليق

                              • عبدالرؤوف النويهى
                                أديب وكاتب
                                • 12-10-2007
                                • 2218

                                #45
                                [align=justify] سئل الأستاذ فى التحقيق عن أصل هذه المسئلة (أى تلفيق القصة ) وهل هى من استنتاجه أو نقلها ?0
                                فقال:
                                (( فرض فرضته أنا دون أن أطلع عليه فى كتاب آخر وقد أخبرت بعد أن ظهر الكتاب أن شيئا مثل هذا الفرض يوجد فى بعض كتب المبشرين ،ولكن لم أفكر فيه حتى بعد ظهور كتابى )0

                                على أنه سواء كان هذا الفرض من تخيله كما يقول أو من نقله عن ذلك المبشر الذى يستتر تحت اسم هاشم العربى فإنه كلام لايستند إلى دليل ولاقيمة له ،على أننا نلاحظ أن ذلك المبشر مع ماهو ظاهر من مقاله من غرض الطعن على الإسلام كان فى عباراته أظرف من مؤلف كتاب الشعر الجاهلى لأنه لم يتعرض للشك فى وجود إبراهيم وإسماعيل أبو العرب العدنانيين ،وقال إن حقيقة الأمر فى قصة إسماعيل أنها دسيسة لفقهاء قدماء اليهود للعرب تزلفا إليهم 0000إلخ 0

                                كما نلاحظ أيضا أن ذلك المبشر قد يكون له عذره فى سلوك هذا السبيل لأن وظيفته التبشير لدينه وهذا غرضه الذى يتكلم فيه ولكن ماعذر الأستاذ المؤلف فى طرق هذا الباب وماهى الضرورة التى ألجأته إلى أن يرى فى هذه القصة نوعا من الحيلة 00000إلخ000

                                وإن كان المتسامح يرى له بعض العذر فى التشكيك الذى أظهره أولا اعتمادا على عدم وجود الدليل التاريخى كما يقول فما الذى دعاه إلى أن يقول فى النهاية بعبارة تفيد الجزم :إن هذه القصة إذن واضح فهى حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام واستغلها الإسلام لسبب دينى واضح 00000إلخ0

                                مع اعترافه فى التحقيق بأن المسألة فرض افترضه???

                                يقول الأستاذ إنه إن صح افتراضه فإن القصة كانت شائعة بين العرب قبل الإسلام فلما جاء الإسلام استغلها وليس مايمنع أن يتخذها الله فى القرآن وسيلة لإقامة الحجة على الخصوم المسلمين كما اتخذ غيرها من القصص التى كانت معروفة وسيلة إلى الإحتجاج أو إلى الهداية ?وهاشم العربى يقول فى مثل هذا : ولما ظهر محمد رأى المصلحة فى إقرارها فأقرها وقال للعرب إنه إنما يدعوهم إلى ملة جدهم هذا الذى يعظونه من غير أن يعرفوه فسبحان من أوجد هذا التوافق بين الخواطر 0
                                [/align]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X