أمتن من هذه القصيدة وأرصن قصيدة الحارث بن حلّزة ، وكان لسان بكر ، يقول الرواة ، ومحاميها والذائد عنها بين يدي عمرو بن هند أيضاً . زعموا أن عمرو بن هند أصلح بين القبيلتين المختصمتين بكر وتغلب وإتخذ منهما رهائن ، فتعرّضت رهائن تغلب لبعض الشر وهلكت أو هلك أكثرها ، فتجنت تغلب على بكر وطالبت بدية الهلكى ، وأبن بكر ، وكادت تستأنف الحرب بينهما ، واجتمعت أشرافهما إلى عمرو بن هند ليحكم بينهم ، وأحس الحارث ميل الملك إلى تغلب فنهض فأعتمد على قوسه وأرتجل هذه القصيدة . قالوا وكان به وضح ، وكان الملك قد أمر أن يكون بينه وبينه ستار ، فلما أخذ ينشد قصيدته أخذ الملك يعجب به ويدنيه شيئاً فشيئاً حتى أجلسه إلى جانبه وقضى لبكر .
ويكفي أن تقرأ هذه القصيدة لترى أنها ليست مرتجلة إرتجالاً وإنما هي قصيدة نظمت وفكر فيها الشاعر تفكيراً طويلاً ورتب أجزائها ترتيباً دقيقاً . وليس فيها من مظاهر الارتجال إلا شيء واحد هو هذا الإقواء الذي تجده في قوله :
فـملكنا بذلك الناس حتى ملك المنذر بن ماء السماء
فالقافية كلها مرفوعة إلى هذا البيت . ولكن الإقواء كان شيئاً شائعاً حتى عند الشعراء الإسلاميين الذين لم يكونوا يرتجلون في كل وقت . تقول إن قصيدة الحارث أمتن وأرصن من قصيدة ابن كلثوم . وقد نظمتا في عصر واحد ، إن صح ما يقول الرواة ، فهما مسوقتان إلى عمرو بن هند . فاقرأ هذه الأبيات للحارث وقارن بينهما في اللفظ والمعنى وبين ما قدّمنا لك من شعر عمرو :
مـلـكُ أضرعَ البريّةَ لا يوجـد فـيـها لما لديه كِفاءُ
ما أصابوا من تغلبيَّ فمطلول ، عليه إذا أصيب العَفاء
كتكاليف قومنا إذ غزا المنذر هل نحن لابن هند رِعاء
إذ أحـلّ الـعلياء قبة مَيْسُون فـأدنى ديارها العوصاء
فـتـأوّت لـه قَراَضِبةُ من كـل حـي كـأنـهم ألقاء
فـهداهم بالأسودين وأمر اللـه بَـلْغ تشقى به الأشقياء
إذ تـمنونهم غرورا فساقتهـم إلـيـكم أمنية أَشْراء
لـم يـغرّوكُمُ غرورا ولكن رفع الآلُ شخصَهم والضَّحاء
وأنظر إلى هذه الأبيات يعير فيها الشاعر تغلْب بإغارات كانت عليهم لم ينتصفوا لأنفسهم من أصحابها :
أعـلـينا جُناح كِنْدة أن يغنـم غـازيهمُ ومنّا الجزاء
ليس منا المضِّربون ولا قيس ولا جـندل ولا الحذّاء
أم جنايا بني عتيق فمن يغدر فـإنـا من حربهم برآء
أم علينا جرّى العباد كما نيط يـجوز المحمّل الأعباء
وثـمـانون من تميم بايدي هم رماح صدورهن القضاء
تـركـوهـم مُلَحَّبين وآبوا بـنـهاب يُصم منها الحداء
أم عـلينا جرّّى حنيفة أم ماجـمعت من مُحارب غبراء
أم علينا جَرَّى قُضاعة أم ليس عـلينا فيما جنوا أنداء
ثم جاءوا يسترجعون فلم ترجـع لهم شامة ولا زهراء
فأنت ترى أن بين القصيدتين فرقا عظيماً في جودة اللفظ وقوّة المتن وشدّة الأسر . على أن هذا لا يغير رأينا في القصيدتين ، فنحن نرجح أنهما منتحلتان . وكل ما في الأمر أن الذين كانوا ينتحلون كانوا كالشعراء أنفسهم يختلفون قوّة وضعفا وشدّة ولينا . فالذي انتحل قصيدة الحارث بن حِلِّزة كان من هؤلاء الرواة الأقوياء الذين يحسنون تخير اللفظ وتنسيقه ونظم القصيد في متانه وأَيْد . ولسنا نتردّد في أن نعيد ما قلناه من أن هاتين القصيدتين وما يشبههما مما يتصل بالخصومة بين بكر وتغلب إنما هو من آثار التنافس بين القبيلتين في الإسلام لا في الجاهلية .
ويكفي أن تقرأ هذه القصيدة لترى أنها ليست مرتجلة إرتجالاً وإنما هي قصيدة نظمت وفكر فيها الشاعر تفكيراً طويلاً ورتب أجزائها ترتيباً دقيقاً . وليس فيها من مظاهر الارتجال إلا شيء واحد هو هذا الإقواء الذي تجده في قوله :
فـملكنا بذلك الناس حتى ملك المنذر بن ماء السماء
فالقافية كلها مرفوعة إلى هذا البيت . ولكن الإقواء كان شيئاً شائعاً حتى عند الشعراء الإسلاميين الذين لم يكونوا يرتجلون في كل وقت . تقول إن قصيدة الحارث أمتن وأرصن من قصيدة ابن كلثوم . وقد نظمتا في عصر واحد ، إن صح ما يقول الرواة ، فهما مسوقتان إلى عمرو بن هند . فاقرأ هذه الأبيات للحارث وقارن بينهما في اللفظ والمعنى وبين ما قدّمنا لك من شعر عمرو :
مـلـكُ أضرعَ البريّةَ لا يوجـد فـيـها لما لديه كِفاءُ
ما أصابوا من تغلبيَّ فمطلول ، عليه إذا أصيب العَفاء
كتكاليف قومنا إذ غزا المنذر هل نحن لابن هند رِعاء
إذ أحـلّ الـعلياء قبة مَيْسُون فـأدنى ديارها العوصاء
فـتـأوّت لـه قَراَضِبةُ من كـل حـي كـأنـهم ألقاء
فـهداهم بالأسودين وأمر اللـه بَـلْغ تشقى به الأشقياء
إذ تـمنونهم غرورا فساقتهـم إلـيـكم أمنية أَشْراء
لـم يـغرّوكُمُ غرورا ولكن رفع الآلُ شخصَهم والضَّحاء
وأنظر إلى هذه الأبيات يعير فيها الشاعر تغلْب بإغارات كانت عليهم لم ينتصفوا لأنفسهم من أصحابها :
أعـلـينا جُناح كِنْدة أن يغنـم غـازيهمُ ومنّا الجزاء
ليس منا المضِّربون ولا قيس ولا جـندل ولا الحذّاء
أم جنايا بني عتيق فمن يغدر فـإنـا من حربهم برآء
أم علينا جرّى العباد كما نيط يـجوز المحمّل الأعباء
وثـمـانون من تميم بايدي هم رماح صدورهن القضاء
تـركـوهـم مُلَحَّبين وآبوا بـنـهاب يُصم منها الحداء
أم عـلينا جرّّى حنيفة أم ماجـمعت من مُحارب غبراء
أم علينا جَرَّى قُضاعة أم ليس عـلينا فيما جنوا أنداء
ثم جاءوا يسترجعون فلم ترجـع لهم شامة ولا زهراء
فأنت ترى أن بين القصيدتين فرقا عظيماً في جودة اللفظ وقوّة المتن وشدّة الأسر . على أن هذا لا يغير رأينا في القصيدتين ، فنحن نرجح أنهما منتحلتان . وكل ما في الأمر أن الذين كانوا ينتحلون كانوا كالشعراء أنفسهم يختلفون قوّة وضعفا وشدّة ولينا . فالذي انتحل قصيدة الحارث بن حِلِّزة كان من هؤلاء الرواة الأقوياء الذين يحسنون تخير اللفظ وتنسيقه ونظم القصيد في متانه وأَيْد . ولسنا نتردّد في أن نعيد ما قلناه من أن هاتين القصيدتين وما يشبههما مما يتصل بالخصومة بين بكر وتغلب إنما هو من آثار التنافس بين القبيلتين في الإسلام لا في الجاهلية .
تعليق