يسعدني أيها الأخوة والأخوات الكرام تقديم عمل وثائقي هام وضخم يحتاج كثير من التركيز والتمعن حتى نتمكن من استخلاص دلالاته ومؤشراته التاريخية المفصلية لأمتنا التي بدأت تصحو من سباتها وأخذت تدفع بكل قوة نحو حركة التغيير السياسي الشامل سعيا لنيل الكرامة والحرية اللذين لا يمكن لأي أمة من دونهما تحقيق أسس التنمية والرخاء والإصلاح الجذري. إنه عمل وثائقي تاريخي وبحثي يسلط الضوء على بدايات مشكلتنا بالشرق الأوسط، وكيف أصبحنا حاليا ألعوبة بيد القوى العظمى المتتالية التي ظنت أنها سترتاح بصيغة التلاعب تلك إلا أنها وجدت نفسها تتورط بوحل لا نهاية لها وشربت من نفس الكأس التي سقتها للآخرين، وتحاول الخروج دون أن تجد إلى ذلك سبيلا.

* البوستر من تصميم أ/ عباس مشالي
Blood And Oil: Middle East in World War I
الدماء والنفط: الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى
ويجب بالبداية التعرف على صنّاع هذا الفيلم الوثائقي الضخم والمثير عن الشرق الأوسط. Blood And Oil: Middle East in World War I من انتاج شركة إينيكوم الأمريكية وبالتعاون مع شركة "ثيرد كوست فيلمز" وذلك بعام 2006، والعمل طرح بأسواق منتجات الديفيدي في الولايات المتحدة ووجد رواجا كبيرا آنذاك. ومعد ومقدم الفيلم هو الاستاذ مارتي كالاجان.
ومارتي كالاجان صحفي أمريكي مخضرم وحاصل على درجة البكالريوس والماجستير بالعلوم التاريخية ومتمرس بتأليف وانتاج البرامج الوثائقية المتخصصة بالشؤون التاريخية والحربية. وكان كالاجان قد أبدى مواقف وآراء معارضة لإدارة الرئيس جورج بوش الابن لا سيما ما يخص شن الحرب على العراق والغزو الذي حدث عام 2003. ويشر إلى أن "إدارة بوش فشلت من أن تتعلم من أخطاء بريطانيا وفرنسا بالماضي" في المنطقة. فعكف مارتي كالاجان على العودة للجذور التاريخية لبداية الصراع بالشرق الأوسط منذ سقوط الدولة العثمانية.
والحقيقة أن قراءة التعليق بصوت مارتي كالاجان نفسه تشد المستمع منذ الوهلة الأولى للفيلم وذلك لوضوحها ودقة الفاظها وتركيز محتواها وتدرجه. ويسهل نوعا ما من تدفق المعلومات والأحداث والتواريخ والوقائع المتتالي عبر مدة الفيلم الطويلة والي تتجاوز الساعة وخمسين دقيقة. ويمكننا أن نطلق على التعليق بصوت كالاجان أنه قراءة أكاديمية بحتة، هي خاصية ضرورية عند شرح المواضيع والدراسات المتشعبة.
والفيلم بشكل عام يقدم ومضات تاريخية متتابعة عن حقبة الحرب العالمية الأولى وذلك على جبهة الشرق الأوسط حصرا. ويسلط الضوء على ظروف تورط الامبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى رغم إمكانية تجنب هذه الكارثة. وكيفية استغلال القوى الأوروبية الكبرى لهذه الذريعة لكي تحقق أهدافها التي طالما سعت لها بالسيطرة على ثروات الشرق الأوسط والعالم العربي، وهذا ما سيذكره الفيلم بلا مواربة.
ويجعل العمل من الامبراطورية العثمانية مركزا للأحداث التي تقسمت حسب كل جبهة خاضت بها الامبراطورية العثمانية القتال. بمعنى أن على الأخوة المتفرجين إدراك التدرج التاريخي لكل جبهة عبر كل مرحلة معينة من الحرب. فعندما يتحدث الفيلم عن الجبهة الجنوبية في العراق فإنه يتحدث حسب تطور المعارك المندلعة، ثم ينتقل للجبهة في القوقاز، ثم للجبهة في مضيق الدردنيل، ثم للجبهة في مصر وفلسطين، ثم يعود مرة أخرى للجبهة في العراق حسب التطور الزمني للوقائع بالحرب. ولا شك بأن مارتي كالاجان اعتمد في منهجه على أن الدولة العثمانية هي التي تمثل الشرق الأوسط بشكل أساس. وقد يجادل بعض الأخوة الأفاضل أن الدولة العثمانية لم تكن هي التي تعبر عن الصورة العامة بالشرق الأوسط الذي يغلب عليه العالم العربي لا سيما أنه بتلك الفترة وما قبلها بدأت تلك الامبراطورية الشاسعة بالتفسخ والتحلل. قد يكون هذا المنظور سليما من الناحية الشكلية، لكنني أميل للفكرة التي تزعم أن سبب الانحلال السياسي الذي عانت منه الدول العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية يبرهن على أنها (أي العثمانية) كانت تشكل نوعا من المرجعية التي يستظل بها العالم الاسلامي والعربي وكانت بمثابة درع واق من التدخلات الخارجية والتي تريد نهش العالم العربي (تابع لاحقا موقف السلطان عبد الحميد الثاني من فلسطين). وكانت النتيجة المتمثلة على مدار 90 عام تقريبا من سقوط الخلافة ما نراه حاليا من أنظمة هزيلة لا تمثل شعوبها إطلاقا. وهذا ما سنتناوله بردنا التالي بإذنه تعالى. ولهذا فإن رؤية مارتي كالاجان لا تبتعد كثيرا عن الصحة برأيي الشخصي من ناحية مركزية المشهد بالدولة العثمانية في تلك الفترة المصيرية تحديدا.
الحقيقة أن هذا الفيلم على أهميته التاريخية، لم يكن ضالتي التي أسعى لها كما توقعته. ذلك أنني كنت أبحث عن عمل وثائقي يتحدث عن مشكلة الدول الكبرى في الخليج العربي من ناحية السيطرة على مصدر الطاقة الرئيسي بالعالم، النفط. ورغم أن الفيلم تطرق مرارا لبداية ظهور النزعة الغربية بالهيمنة على النفط، إلا إنه لم يركز بحديثه على مرحلة ظهور المشايخ بالشريط النفطي بالخليج العربي كدول ثرية وفاحشة الغنى بحيث مكـّنها ذلك من تبوأ مركز مهم بالمحافل الدولية بعد أن كانت تقبع بمنطقة منسية ومهجورة من العالم No Man's Land. والواقع إنني وجدت لاحقا وبعد ترجمتي لهذا العمل الضخم ضالتي المنشودة التي تتمثل بفيلم آخر بنفس العنوان Blood and Oil والمأخوذ عن فكرة الكاتب والأكاديمي الاستراتيجي بروفيسور مايكل كلير وهو متخصص بشؤون الشرق الأوسط والفيلم من إخراج جيريمي إيرب. وسأعمل أيضا بحول الله على ترجمته سواء عثرنا له على نص مترجم أم سماعيا، وهذا سيصب في صالح الأخوة متابعي الوثائقيات الذين سيشهدون صيفا ساخنا من ناحية البرامج التاريخية والسياسية بإذنه تعالى. وهنا المقطع الدعائي لفيلم البروفيسور مايكل كلير.
لكن بكل الأحوال، سيبقى فيلمنا اليوم لمارتي كالاجان بضخامته وتوسع رؤيته، يشكل أهمية كبرى للراغبين بالتعرف على أصول الصراع الدائر بالشرق الأوسط انطلاقا من بداية القرن العشرين، ولكن علينا ألا ننسى أن جذور الصراع تمتد لما هو أقدم من تلك الحقبة بكثير، وعلينا كذلك ألا نتغافل عن إن هذا الصراع يمثل بحقيقته الصراع الأزلي ما بين الغرب والشرق، ومن يتجاهل هذه الحقيقة سينتهي به المطاف إلى الحال الذي انتهى به الشريف حسين بن علي: الوقوع بالخديعة الكبرى. وهذا رد بسيط على من يدعون بعدم وجود فكرة المؤامرة بالحياة السياسية الدولية. بل إن مارتي كالاجان يتجاوز حد فكرة المؤامرة بالتفكير الغربي ليعرض أنهم أصبحوا يدبرون المكائد والدسائس السياسية Political Intrigue وهذا من طبائع الأمور بعالم المصالح الدولية والسياسية، ولا يعد غريبا ومستنكرا إلا بذهن الضعفاء الذين يربطون سوء الأحوال العامة بشيوع نظرية المؤامرة. وهذا المنظور بالواقع يحاول تغطية العيوب والعورات الفكرية التي لا تريد أن ترى الصورة بشكل شامل وهي ببساطة أنك كدولة وأمة لا بد أن تعمل للاستقلال والتنمية والإصلاح داخليا، ولا بد بنفس الوقت أن تحمي مصالحك الكبرى خارجيا وتحصن مكتسابتك الداخلية من أخطار تضارب مصالح الدول الأخرى مع مصالحك، وهنا يأتي دور المؤامرة.
وبالنهاية، أنصح الأخوة الراغبين بمشاهدة الفيلم الوثائقي الدماء والنفط: الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى، أن يكونوا مستعدين تماما لهذا الأمر، حيث أن مشاهدته تتطلب تركيزا دقيقا لكمية المعلومات المتتالية ولطول مدة الفيلم التي استغرقت مدة ساعة و53 دقيقة. فأعانكم الله على هذه الرحلة التاريخية المكثفة.
أسلوب ترجمة الفيلم سماعيا
ليس لهذا العمل الوثائقي أي نص بأي لغة. فتمكنت بعون من الله من إعداد الترجمة كالعادة عبر صديق المترجمين برنامج Subtitle Workshop. ولكن ما زاد على ذلك هو استعانتي بالنسخة المدبلجة للفيلم والتي عرضتها قناة العربية الإخبارية (ويمكنكم تنزيل النسخة المدبلجة من هنا)، والترجمة التي قدمت بالدبلجة كانت ذات مستوى طيب بشكل عام حسب المشاهِد التي شاهدتها من نسخة الدبلجة. على أنني لا بد أن أوضح للأخوة المشاهدين حقائق هامة بهذا الصدد. ومنها أن استعانتي بالدبلجة كانت تنحصر ببعض اسماء المواقع والشخصيات، ورغم هذا وقعنا (ترجمتي مقابل الدبلجة) ببعض الاختلافات الجغرافية البديهية فهم قد ترجموا مصطلح Judean Hills "بجبال جدعون" وهذا لا يتطابق مع الاسم العربي للمنطقة الجبلية المقاربة لغزة وهي "مرتفعات الخليل". ثم أننا اصطدمنا بمكان تاريخي وأثري معروف بالعراق ألا وهو موقع Ctesiphon فالدبلجة أسمته على أنه مدينة المدائن. ورغم أن المدائن قريبة جدا بل قد تكون بنيت على أطلال ذلك الموقع المعروف تاريخيا، إلا أن الاسم التاريخي المعروف للمكان هو "طيسفون" حيث أنني وجدت الكثير من المصادر العراقية لا زالت تذكر هذه التسمية الغابرة والأثرية. بينما لم يتسنّ لي التأكد من دقة تسمية المعركة التي انتصر بها الجنرال ألنبي على القوات العثمانية ودخل بعدها فلسطين غازيا ومحتلا بنهاية العام 1918 حيث سميت "معركة مجدو"، ورغم أنني وجدت تسمية عبية للمعركة باسم معركة سهل نابلس إلا إنني لم أجد ما يؤزّر من هذه التسمية بمصادر أخرى متنوعة. ولهذا كنت أتحرى الدقة قدر الإمكان بالمصطلحات الجغرافية العربية حتى لا أقع ببراثن أخطاء نقل الترجمة المعتادة.
والحقيقة الأخرى التي سيدركها الأخوة المشاهدون أن الفيلم المدبلج تم انتقاص ما يزيد عن 15 دقيقة من الفيلم الأصلي الذي قمنا بترجمته، وهو بالتأكيد ما سيثير فضول الساعين للنسخة الكاملة وغير المقتطعة وهذا ما سيجدونه بالفيلم المترجم. ورغم أن بعض المشاهد المحذوفة ليست بتلك الأهمية الكبيرة ذلك أنها تعرض قراءات لشهادات بعض الجنود من المعارك، إلا أن بعضا من المشاهد المحذوفة الأخرى مثـّل أهمية من ناحية اتساق التسلسل التاريخي وتدرجه الزمني.
فأتمنى لكم جميعا الاستفادة والاستزادة من هذا الفيلم الوثائقي الهام .
وهنا الفلم كاملا عبر اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=Hg2h8...layer_embedded
وللمزيد من النقاش حول هذا الموضوع الرجاء قراءة الرد التالي -->

ومارتي كالاجان صحفي أمريكي مخضرم وحاصل على درجة البكالريوس والماجستير بالعلوم التاريخية ومتمرس بتأليف وانتاج البرامج الوثائقية المتخصصة بالشؤون التاريخية والحربية. وكان كالاجان قد أبدى مواقف وآراء معارضة لإدارة الرئيس جورج بوش الابن لا سيما ما يخص شن الحرب على العراق والغزو الذي حدث عام 2003. ويشر إلى أن "إدارة بوش فشلت من أن تتعلم من أخطاء بريطانيا وفرنسا بالماضي" في المنطقة. فعكف مارتي كالاجان على العودة للجذور التاريخية لبداية الصراع بالشرق الأوسط منذ سقوط الدولة العثمانية.
والحقيقة أن قراءة التعليق بصوت مارتي كالاجان نفسه تشد المستمع منذ الوهلة الأولى للفيلم وذلك لوضوحها ودقة الفاظها وتركيز محتواها وتدرجه. ويسهل نوعا ما من تدفق المعلومات والأحداث والتواريخ والوقائع المتتالي عبر مدة الفيلم الطويلة والي تتجاوز الساعة وخمسين دقيقة. ويمكننا أن نطلق على التعليق بصوت كالاجان أنه قراءة أكاديمية بحتة، هي خاصية ضرورية عند شرح المواضيع والدراسات المتشعبة.
والفيلم بشكل عام يقدم ومضات تاريخية متتابعة عن حقبة الحرب العالمية الأولى وذلك على جبهة الشرق الأوسط حصرا. ويسلط الضوء على ظروف تورط الامبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى رغم إمكانية تجنب هذه الكارثة. وكيفية استغلال القوى الأوروبية الكبرى لهذه الذريعة لكي تحقق أهدافها التي طالما سعت لها بالسيطرة على ثروات الشرق الأوسط والعالم العربي، وهذا ما سيذكره الفيلم بلا مواربة.
ويجعل العمل من الامبراطورية العثمانية مركزا للأحداث التي تقسمت حسب كل جبهة خاضت بها الامبراطورية العثمانية القتال. بمعنى أن على الأخوة المتفرجين إدراك التدرج التاريخي لكل جبهة عبر كل مرحلة معينة من الحرب. فعندما يتحدث الفيلم عن الجبهة الجنوبية في العراق فإنه يتحدث حسب تطور المعارك المندلعة، ثم ينتقل للجبهة في القوقاز، ثم للجبهة في مضيق الدردنيل، ثم للجبهة في مصر وفلسطين، ثم يعود مرة أخرى للجبهة في العراق حسب التطور الزمني للوقائع بالحرب. ولا شك بأن مارتي كالاجان اعتمد في منهجه على أن الدولة العثمانية هي التي تمثل الشرق الأوسط بشكل أساس. وقد يجادل بعض الأخوة الأفاضل أن الدولة العثمانية لم تكن هي التي تعبر عن الصورة العامة بالشرق الأوسط الذي يغلب عليه العالم العربي لا سيما أنه بتلك الفترة وما قبلها بدأت تلك الامبراطورية الشاسعة بالتفسخ والتحلل. قد يكون هذا المنظور سليما من الناحية الشكلية، لكنني أميل للفكرة التي تزعم أن سبب الانحلال السياسي الذي عانت منه الدول العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية يبرهن على أنها (أي العثمانية) كانت تشكل نوعا من المرجعية التي يستظل بها العالم الاسلامي والعربي وكانت بمثابة درع واق من التدخلات الخارجية والتي تريد نهش العالم العربي (تابع لاحقا موقف السلطان عبد الحميد الثاني من فلسطين). وكانت النتيجة المتمثلة على مدار 90 عام تقريبا من سقوط الخلافة ما نراه حاليا من أنظمة هزيلة لا تمثل شعوبها إطلاقا. وهذا ما سنتناوله بردنا التالي بإذنه تعالى. ولهذا فإن رؤية مارتي كالاجان لا تبتعد كثيرا عن الصحة برأيي الشخصي من ناحية مركزية المشهد بالدولة العثمانية في تلك الفترة المصيرية تحديدا.
الحقيقة أن هذا الفيلم على أهميته التاريخية، لم يكن ضالتي التي أسعى لها كما توقعته. ذلك أنني كنت أبحث عن عمل وثائقي يتحدث عن مشكلة الدول الكبرى في الخليج العربي من ناحية السيطرة على مصدر الطاقة الرئيسي بالعالم، النفط. ورغم أن الفيلم تطرق مرارا لبداية ظهور النزعة الغربية بالهيمنة على النفط، إلا إنه لم يركز بحديثه على مرحلة ظهور المشايخ بالشريط النفطي بالخليج العربي كدول ثرية وفاحشة الغنى بحيث مكـّنها ذلك من تبوأ مركز مهم بالمحافل الدولية بعد أن كانت تقبع بمنطقة منسية ومهجورة من العالم No Man's Land. والواقع إنني وجدت لاحقا وبعد ترجمتي لهذا العمل الضخم ضالتي المنشودة التي تتمثل بفيلم آخر بنفس العنوان Blood and Oil والمأخوذ عن فكرة الكاتب والأكاديمي الاستراتيجي بروفيسور مايكل كلير وهو متخصص بشؤون الشرق الأوسط والفيلم من إخراج جيريمي إيرب. وسأعمل أيضا بحول الله على ترجمته سواء عثرنا له على نص مترجم أم سماعيا، وهذا سيصب في صالح الأخوة متابعي الوثائقيات الذين سيشهدون صيفا ساخنا من ناحية البرامج التاريخية والسياسية بإذنه تعالى. وهنا المقطع الدعائي لفيلم البروفيسور مايكل كلير.
لكن بكل الأحوال، سيبقى فيلمنا اليوم لمارتي كالاجان بضخامته وتوسع رؤيته، يشكل أهمية كبرى للراغبين بالتعرف على أصول الصراع الدائر بالشرق الأوسط انطلاقا من بداية القرن العشرين، ولكن علينا ألا ننسى أن جذور الصراع تمتد لما هو أقدم من تلك الحقبة بكثير، وعلينا كذلك ألا نتغافل عن إن هذا الصراع يمثل بحقيقته الصراع الأزلي ما بين الغرب والشرق، ومن يتجاهل هذه الحقيقة سينتهي به المطاف إلى الحال الذي انتهى به الشريف حسين بن علي: الوقوع بالخديعة الكبرى. وهذا رد بسيط على من يدعون بعدم وجود فكرة المؤامرة بالحياة السياسية الدولية. بل إن مارتي كالاجان يتجاوز حد فكرة المؤامرة بالتفكير الغربي ليعرض أنهم أصبحوا يدبرون المكائد والدسائس السياسية Political Intrigue وهذا من طبائع الأمور بعالم المصالح الدولية والسياسية، ولا يعد غريبا ومستنكرا إلا بذهن الضعفاء الذين يربطون سوء الأحوال العامة بشيوع نظرية المؤامرة. وهذا المنظور بالواقع يحاول تغطية العيوب والعورات الفكرية التي لا تريد أن ترى الصورة بشكل شامل وهي ببساطة أنك كدولة وأمة لا بد أن تعمل للاستقلال والتنمية والإصلاح داخليا، ولا بد بنفس الوقت أن تحمي مصالحك الكبرى خارجيا وتحصن مكتسابتك الداخلية من أخطار تضارب مصالح الدول الأخرى مع مصالحك، وهنا يأتي دور المؤامرة.
وبالنهاية، أنصح الأخوة الراغبين بمشاهدة الفيلم الوثائقي الدماء والنفط: الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى، أن يكونوا مستعدين تماما لهذا الأمر، حيث أن مشاهدته تتطلب تركيزا دقيقا لكمية المعلومات المتتالية ولطول مدة الفيلم التي استغرقت مدة ساعة و53 دقيقة. فأعانكم الله على هذه الرحلة التاريخية المكثفة.
أسلوب ترجمة الفيلم سماعيا
ليس لهذا العمل الوثائقي أي نص بأي لغة. فتمكنت بعون من الله من إعداد الترجمة كالعادة عبر صديق المترجمين برنامج Subtitle Workshop. ولكن ما زاد على ذلك هو استعانتي بالنسخة المدبلجة للفيلم والتي عرضتها قناة العربية الإخبارية (ويمكنكم تنزيل النسخة المدبلجة من هنا)، والترجمة التي قدمت بالدبلجة كانت ذات مستوى طيب بشكل عام حسب المشاهِد التي شاهدتها من نسخة الدبلجة. على أنني لا بد أن أوضح للأخوة المشاهدين حقائق هامة بهذا الصدد. ومنها أن استعانتي بالدبلجة كانت تنحصر ببعض اسماء المواقع والشخصيات، ورغم هذا وقعنا (ترجمتي مقابل الدبلجة) ببعض الاختلافات الجغرافية البديهية فهم قد ترجموا مصطلح Judean Hills "بجبال جدعون" وهذا لا يتطابق مع الاسم العربي للمنطقة الجبلية المقاربة لغزة وهي "مرتفعات الخليل". ثم أننا اصطدمنا بمكان تاريخي وأثري معروف بالعراق ألا وهو موقع Ctesiphon فالدبلجة أسمته على أنه مدينة المدائن. ورغم أن المدائن قريبة جدا بل قد تكون بنيت على أطلال ذلك الموقع المعروف تاريخيا، إلا أن الاسم التاريخي المعروف للمكان هو "طيسفون" حيث أنني وجدت الكثير من المصادر العراقية لا زالت تذكر هذه التسمية الغابرة والأثرية. بينما لم يتسنّ لي التأكد من دقة تسمية المعركة التي انتصر بها الجنرال ألنبي على القوات العثمانية ودخل بعدها فلسطين غازيا ومحتلا بنهاية العام 1918 حيث سميت "معركة مجدو"، ورغم أنني وجدت تسمية عبية للمعركة باسم معركة سهل نابلس إلا إنني لم أجد ما يؤزّر من هذه التسمية بمصادر أخرى متنوعة. ولهذا كنت أتحرى الدقة قدر الإمكان بالمصطلحات الجغرافية العربية حتى لا أقع ببراثن أخطاء نقل الترجمة المعتادة.
والحقيقة الأخرى التي سيدركها الأخوة المشاهدون أن الفيلم المدبلج تم انتقاص ما يزيد عن 15 دقيقة من الفيلم الأصلي الذي قمنا بترجمته، وهو بالتأكيد ما سيثير فضول الساعين للنسخة الكاملة وغير المقتطعة وهذا ما سيجدونه بالفيلم المترجم. ورغم أن بعض المشاهد المحذوفة ليست بتلك الأهمية الكبيرة ذلك أنها تعرض قراءات لشهادات بعض الجنود من المعارك، إلا أن بعضا من المشاهد المحذوفة الأخرى مثـّل أهمية من ناحية اتساق التسلسل التاريخي وتدرجه الزمني.
فأتمنى لكم جميعا الاستفادة والاستزادة من هذا الفيلم الوثائقي الهام .
وهنا الفلم كاملا عبر اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=Hg2h8...layer_embedded
وللمزيد من النقاش حول هذا الموضوع الرجاء قراءة الرد التالي -->
تعليق