خريف الوهم الجميل .../ آسيا رحاحليه /

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #16
    المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة

    نعم أستاذة آسيا الجميلة, أعجبني هذا الوهم الجميل,
    على الرغم من أنني أكاد أجزم أن النهاية قد تغيرت
    عن تلك التي في ذهنك! استمتعت بقصك وسردك,
    وكم يطيب قص الذكريات, الله يسعدك ويحفظك..
    مودتي وتقديري.
    تحياااتي.
    عزيزتي ريما ..
    تحدث مثل تلك الحكايات ..دائما ..
    شكرا لك و تقبّلي محبّتي و تقديري.
    التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 23-10-2011, 18:31.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • آسيا رحاحليه
      أديب وكاتب
      • 08-09-2009
      • 7182

      #17
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      آسيا رحالية الغالية
      نص ناعم وجميل
      تموجت بالسرد فيه وأنت تصفين ردود أفعال الفتيات وهذا الوهم الكبير الذي يشعرن به اتجاه الأستاذ
      ربما أراد النص أن يفتح أعيننا بأن الفتيات يحببن الرجل أنيقا وعطرا
      لم لا
      كانت المشاعر للفتيات صادقة لأن التعلق بالرجل الأنيق والقريب العمر منهن أمر لابد منه
      تخيلت الفرح الغامر وهن يشمن عطره الأخاذ يسبقه وتلك الرجفة في الصدر حين يقترب
      رائعة كنت آسيا
      العنوان جاء أكثر معبر وله شاعرية تجذب العين
      تكتبين بأنفاس عذبة
      ودي ومحبتي لك سيدتي
      أنت أروع عزيزتي عائدة..
      أثق برأيك و حين ترين جمالا في نص ما فلابد أن يكون جميلا..حقا .
      كوني بخير..لقد قلقت عليك فعلا ..
      محبّتي و أخلص تمنياتي لك .
      يظن الناس بي خيرا و إنّي
      لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

      تعليق

      • مالكة حبرشيد
        رئيس ملتقى فرعي
        • 28-03-2011
        • 4544

        #18
        كنت رائعة اسيا
        ذكرني اسلوبك بروايات الكتاب الكبار الذين تتلمذنا عليهم
        خصوصا في وصف وتحليل التفاصيل الدقيقة
        هذا يجعل القاريء مشدودا الى النص يلتهمه كي يعرف النهاية
        وهذا ليس جديدا عليك ..فقد لاحظت هذا في كل اعمالك
        دمت عزيزتي ودام هذا القلم
        شكرا لك اسيا استمتعت كثيرا هنا

        تعليق

        • إيمان الدرع
          نائب ملتقى القصة
          • 09-02-2010
          • 3576

          #19
          الأديبة الرائعة : آسيا
          جاء النص برائحة بواكير الأمطار ...
          جاء متوشّحاً بأحلى الذكريات
          يحمل فيضاً من جمال وحي قلمك الذي نعرف ..
          استطعت بمهارةٍ فائقةٍ ، رسم لوحةٍ أخّاذة من واقع أيّام الدراسة ..
          ودخلتِ إلى قلوب الفتيات كالنسيم ..فاستنطقتِ ما خفي من بوحها ..
          مبدعة كما أنت دائماً ..
          إليك أحلى أمنياتي ...وتحيّاتي

          تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

          تعليق

          • الهويمل أبو فهد
            مستشار أدبي
            • 22-07-2011
            • 1475

            #20
            المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة


            و ماذا للخريف ؟
            سوى أوهام جميلة - لا ..ليست مرّة - تحفّ بالروح و القلب و تمضي سريعا..
            تتطاير مع الأوراق الصفراء ..
            تتحلّل مع أولى زخّات الأمطار ..
            تتحوّل إلى ..لاشيء .
            و لعلّ فغيدة تودّع الوهم لتستقبل الحقيقة التي لها جمالها أيضا..رغم كل شيء ..
            شكرا لك اخي العزيز و مرحبا بعودتك .

            هذه قصيدة كيتس ..

            (يخاطب الشاعر الخريف وكأنه فتاة جميلة)
            *
            1
            لا تفكّـرْ فيهم ، لك موسيقاكَ أيضاً ،-
            بينما الغيوم المحتبَسة تُـزهِـرُ النهارَ المُحتضَر بلطف ،
            وتلمس جُذاماتِ* الأرض بلون ورديّ ؛
            وفي جوقة مُـوَلـوِلةٍ ينـدب البعوضُ
            فصلاً من الضّباب وعذوبة الإثمار،
            متعاوناً مع صديقِ الشَّمس الصّاعدة الحميمِ جدّاً ؛
            أن تُحَـمِّـلَّ الكرومَ التي تنطلـق بحرية
            حول السّقفِ القَـشّي بثمـارٍ وتصونَها في الأماسيِّ ؛
            أنْ تَـثَـنيَ أشجارَ الكوخ المكسوِّ بالطّحلب بـتـفّـاحٍ ،
            وتجعلَ الفواكهَ كلَّـها ريّـانةً حتّى الصّمـيمَ ؛
            لينتـفخَ اليقطـينُ ، وترتـويَ قشورُ البندق
            بلبٍّ حُـلـوٍ ؛ لتُطـلِقَ تبـرعُـمـاً أكثـرَ ،
            و تستمـرّ أكثـرَ ، أخيراً أزهاراً للنحـل ،
            حتى تظـنَّ أنَّ الأيامَ الدافئـةَ مستمرةٌ دومـاً ،
            حيث الصّيفُ غمـرَ خلايـاها الطَّـريّـةَ .
            2
            من الذي لمْ يـَركَ غالـباً وسْطَ مخزنِـكَ ؟
            وأيٌّ يبحث بين حين وآخر من خارج الوطن ،
            يجدك جالساً غيرَ مُبـالٍ على أرضيّة القمح ،
            وشَعـرُكَ بالرّيح المُغَـربِلة منتصبٌ بلطف ؛
            أو على الحقل غيرِ المحصود تماماً تظهر نائماً ،
            ناعساً من دخان الخشخـاش ، بينما يُـبـقي
            منجلك على سنابل القمح القادمة وأزهارِها المجدولةِ كلِّها :
            وأحياناً مثـلُ لُقّـاطةٍ** تحفـظ بانتظام
            ما تحملـه عَـبْـرَ الغـديـر ؛
            أو بمعصرة التفاح ، بنظرة الصّبور
            تراقب الرواسبَ الأخيرةَ ساعاتٍ وساعاتٍ.
            3
            أين أغاني الربيع ؟ نعم ، أينهـا ؟
            بين صفصاف النهر ، حُمِـلتْ إلى الأعالي
            أو غطستْ ، مثـلَ الريح الخفيفة تعيش أو تموت ؛
            مثل الحُمْلان الكبيرة تثغـو بصوت عالٍ على سفوح التِّلال ؛
            صراصيرُ الوشيع*** تطنطن ؛ والآن بنعومة مُضاعفـةٍ
            يَصفِـرُ العصفورُ المُحَـنّى من حديقة أو حقل ؛
            وتغـرِّد السّـنونـو المتجمِّعة في الفضاء .
            ___________
            * جُذامات : جمع جُذامة وهي ما بقي بعد الحصاد وتكون من نصيب الأغنام.
            ** ما يلتقط من الحصاد .
            *** الوشيع : ستار من شجيرات.
            __________
            ترجمة: د. بهجت عباس
            أشكرك على رفع ترجمة الدكتور بهجت عباس، فهي ترجمة قيمة وجيدة جدا. لكنه غير في الترتيب، ولا أدري إن كان الأمر مجرد خطأ تحريري أو أنه رأى أن مثل هذا التغيير أفضل. بالنسبة للفتاة التي يخاطبها كيتس في قصيدته فهي الخريف الآلهة الأغريقية (آلهة الحصاد)، وتغيير المترجم لعلامات التأنيث حقيقة جعلت القصيدة تفقد شيئا من تيمتها، وكذا كان أيضا تأثير نقل بعض المقطوعة النهائية في الأصل إلى البداية. فبهذا التقديم قيد المترجم الحركة المستمرة من البداية إلى النهاية، فجعل الحركة تتوقف في بدايتها. على العموم هذا رأيي، لكن تظل الترجمة قيمة جدا ومن حيث المعنى موفقة تماما.

            شكري مرة أخرى وتقديري لك، ولسوف أضيف لاحقا بعض انطباعاتي العجلى حول "خريف الوهم الجميل"!

            تعليق

            • آسيا رحاحليه
              أديب وكاتب
              • 08-09-2009
              • 7182

              #21
              المشاركة الأصلية بواسطة مالكة حبرشيد مشاهدة المشاركة
              كنت رائعة اسيا
              ذكرني اسلوبك بروايات الكتاب الكبار الذين تتلمذنا عليهم
              خصوصا في وصف وتحليل التفاصيل الدقيقة
              هذا يجعل القاريء مشدودا الى النص يلتهمه كي يعرف النهاية
              وهذا ليس جديدا عليك ..فقد لاحظت هذا في كل اعمالك
              دمت عزيزتي ودام هذا القلم
              شكرا لك اسيا استمتعت كثيرا هنا
              العزيزة مالكة..
              دعيني أعترف لك ..
              كم تبهرني نصوصك و ردودك ..
              التي هي في معظمها نصوص قيّمة حقا ..
              سعيدة حقا برأيك و هو حافز مهم لي ..
              شكرا لك و أدام الله تواصلنا الجميل ..
              محبّتي.
              يظن الناس بي خيرا و إنّي
              لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

              تعليق

              • آسيا رحاحليه
                أديب وكاتب
                • 08-09-2009
                • 7182

                #22
                المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                الأديبة الرائعة : آسيا
                جاء النص برائحة بواكير الأمطار ...
                جاء متوشّحاً بأحلى الذكريات
                يحمل فيضاً من جمال وحي قلمك الذي نعرف ..
                استطعت بمهارةٍ فائقةٍ ، رسم لوحةٍ أخّاذة من واقع أيّام الدراسة ..
                ودخلتِ إلى قلوب الفتيات كالنسيم ..فاستنطقتِ ما خفي من بوحها ..
                مبدعة كما أنت دائماً ..
                إليك أحلى أمنياتي ...وتحيّاتي
                حبيبتي إيمان ..
                رفيقة القص الجميل ..
                أشعر بالفخر حين ينال نص لي إعجابك ..
                أميل دائما إلى الكتابة بطريقة تثير المشاعر و الذكريات ..
                فيكون النص أقرب ما يكون إلى القاريء ..
                أتمنى أن أوفّق في ذلك ..
                شكرا و تقبّلي محبّتي الخالصة .
                يظن الناس بي خيرا و إنّي
                لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                تعليق

                • آسيا رحاحليه
                  أديب وكاتب
                  • 08-09-2009
                  • 7182

                  #23
                  المشاركة الأصلية بواسطة الهويمل أبو فهد مشاهدة المشاركة
                  أشكرك على رفع ترجمة الدكتور بهجت عباس، فهي ترجمة قيمة وجيدة جدا. لكنه غير في الترتيب، ولا أدري إن كان الأمر مجرد خطأ تحريري أو أنه رأى أن مثل هذا التغيير أفضل. بالنسبة للفتاة التي يخاطبها كيتس في قصيدته فهي الخريف الآلهة الأغريقية (آلهة الحصاد)، وتغيير المترجم لعلامات التأنيث حقيقة جعلت القصيدة تفقد شيئا من تيمتها، وكذا كان أيضا تأثير نقل بعض المقطوعة النهائية في الأصل إلى البداية. فبهذا التقديم قيد المترجم الحركة المستمرة من البداية إلى النهاية، فجعل الحركة تتوقف في بدايتها. على العموم هذا رأيي، لكن تظل الترجمة قيمة جدا ومن حيث المعنى موفقة تماما.

                  شكري مرة أخرى وتقديري لك، ولسوف أضيف لاحقا بعض انطباعاتي العجلى حول "خريف الوهم الجميل"!
                  نعم..
                  و قد قارنت ترجمته بترجمة أخرى فوجدت تباينا مهما ..
                  ربما سأقترح النص على مسؤولي الترجمة هنا ..
                  شكرا لك على المعلومة ..عن كيتس و قصيدته ..
                  درست بعض قصائده في الجامعة لكني لا أذكر منها الكثير..
                  مرحبا بك دائما أخي العزيز..
                  بملاحظاتك و انطباعاتك و رأيك الذي هو دائما محل احترام و اهتمام مني.
                  يظن الناس بي خيرا و إنّي
                  لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                  تعليق

                  • الهويمل أبو فهد
                    مستشار أدبي
                    • 22-07-2011
                    • 1475

                    #24
                    خريف الوهم الجميل
                    قراءة أولية


                    في البدء تختلط السماء بالأرض في حركة نشطة دؤوبة، فالأجواء تعبق بعطور الحياة المختلفة ومساحة هذا النشاط واسعة اتساع المسافة بين السماء والأرض. فهنا نرى التربة والطبشور والكراريس وأشجار الكالتوس السامقة على امتداد الطريق ونراها "تنتفض"، كما نرى السماء تتسم بالنشاط نفسه، "فتمطر" ما يناسب الفصل ويجسده: "أوراقا شققها الجفاف وشابها الإصفرار، تلهو بها الرياح قليلا ثم تكدسها أمام البيوت والحوانيت وعلى حواف الأرصفة"! والمشهد في مجمله وحيوته يرتكز على "الخريف" وحيويته:
                    الخريف يعبّق الأجواء برائحة التربة و الطبشور و الكراريس ..أشجار الكالتوس الشاهقة المنتصبة على جنبات الطرق تنتفض , فتمطر السماء أوراقا شقّقها الجفاف و شابها الإصفرار , تلهو بها الرياح قليلا ثم تكدّسها أمام البيوت و الحوانيت و على حوافّ الأرصفة ..
                    من يدقق في هذه الصورة المتحركة لا شك أنه سيلمح فيها حال الخريف، وهي الكلمة الأولى سواء كانت في النص أو العنوان. وإذا رصدنا سمات الحركة والنشاط هنا نجدها متأرجحة بين الحيوية والخمول، بين الحركة والسكون، تماما كمثل ما تمطره السماء: "أوراقا شققها الجفاف... تلهو بها الرياح قليلا ثم تكدسها أمام البيوت والحوانيت وعلى حواف الأرصفة"! ومن يدقق أيضا في هذا المشهد المتحرك/ الساكن يجد مفارقة أخرى: خلو المشهد رغم حيويته من الإنسان، مع أن الأيحاءات كلها تشير إلى وجوده: الطبشور والكراريس والبيوت والحوانيت. بل حتى العنوان نفسه خال من أي إيحاء بالعنصر البشري: "خريف الوهم الجميل"، فنحن هنا مع "الوهم الجميل" في مرحلة "خريفه"، وبسبب بنية العنوان، وربما شعريته، نجد تناسخ الأسماء والصفات. فالصفة/النعت "الجميل" تتوزع بالتساوي على "الوهم" وعلى "الخريف"، وإن كان حظ الخريف من الجمال أكبر، لأن "الجميل" صفة "خريف الوهم": بمعنى أن هذه المرحلة الخريفية من الوهم هي التي تستحق صفة "الجميل"! وهي مفارقة من يدقق في العنوان وحده لا بد أن يلمسها!

                    ثم إن القصة نفسها في تفاصيلها تميل بالجمال إلى "الوهم" بسبب القرب والمجاورة، فيصبح "خريف" سمة كل "وهم جميل"، وهي مفارقة تتفاعل مع المفارقة الأولى لتخلط الجمال والوهم والخريف في بنية متشابكة لا تقبل الانفصال. فـ"خريف الوهم" لا يقل جمالا عن "الوهم الجميل". بل إنني كثيرا ما قرأت العنوان على أنه "وهم الخريف الجميل"، وكأن القصة فعلا تداعب هذا الإيحاء.


                    وهذا التفاعل هو ما نلمحه في حضور الإنسان متجسدا في غيابه. فغياب الأنسان رغم الإيحاء القوي بوجوده يظل وهما آخرا، ولعله أهم "وهم"، إذ سيظهر فجاءة وسريعا (ذكرا وأنثى) مع أول ظهور لخريف مختلف، حيث نجد مدينة (وإن كانت صغيرة) ونجد مدرسة ثانوية جديدة لم يكن سابقا لها وجود! ورغم قصر ومفاجأة هذا الظهور إلا أن له نفس الخصائص الخريفية، فالمدينة "صغيرة" و"رابضة في سكون" وكأنها تنوء بثقل الجبل فوقها:

                    لأوّل مرّة ، يطلّ الخريف بوجه مغاير على المدينة الصغيرة الرّابضة في سكون تحت سفح الجبل.
                    ستفتح الثانوية أبوابها هذه السنة..
                    ورغم هذا السكون وثقل الجبل فإن الحياة ستسري بها حالا، شأن الأوراق المتشققة التي تمطرها السماء، فلكل حياة بداية أو لحظة أولى ليس كمثلها لحظة، وعلينا أن ندرك أن هذه اللحظة الأولى، اللحظة المختلفة التي في تميزها تشبه وجه الخريف المغاير هذا العام، هي نفسها لحظة "خريفية" في خريف هو أيضا ليس كمثله خريف في بيئة اختلفت لحظة حيويتها وحياتها هذه عن كل اللحظات السابقة، وكأنها لحظة ولادة جديدة:
                    حفّت بالجميع مشاعر الإرتياح و الفرح و الترقّب و ما أن انطلقت أولى أيام الدراسة حتى سرى دفء الحياة في شرايين الطرقات والأزقّة و انتعشت دكاكين بيع الحلوى و الشكولاطة و السجائر، و امتلات صدور الفتيات— خاصة— بالبهجة لتمكّنهنّ من تنسّم عبير الحرية بعيدا عن أسوار المنازل ومطالب الأمّهات. ما تزال بعض الأشغال عالقة .. المخابر و المطعم و الملعب غير أنّ معظم القاعات أصبحت على أهبة الإستعداد لاستقبال التلاميذ رغم أنّ أجهزة التدفئة لا تعمل بعد ..
                    ولئن صور هذا المشهد بيئة مفعمة بالحياة والحركة، فإن الفتيات وحدهن تميزن عن الآخرين تماما كما يتميز الخريف بلحظته المختلفة ووجهه المغاير. وعلينا ألاّ ننسى أن هذا الخريف قد تميز منذ البداية، فله "وهم جميل" أو هو "خريف" الوهم الجميل، وهو أيضا "خريف جميل"، كما أنه ليس مثل غيره من فصول السنة الأخرى، بل وتميز عن فصول الخريف نفسها، ولهذا فإن "خبره" لن يكون مثل الأخبار الأخرى، إذ سيكون خبر "الخبر"و "يا له من خبر!" سيكون حقا خبرا مثيرا وسيكون أيضا خبرا "أخيرا" تليه راحة الجميع:
                    ياله من خبر ! أخيرا سيرتاح الأولياء من مشقّة تسفير أبنائهم الناجحين إلى المدينة الساحلية الكبيرة التي تبعد مئات الكيلومترات ..
                    فالحركة والسفر (وما يسفر عنه من مشقة) سيتبدلان راحة للكبار والصغار، وبشكل خاص للناجحين، والمدينة الصغيرة ستظل رابضة تحت سفح جبلها وتتقلص مسافة مئات الكيلومترات إلى باحة مدرسة ثانوية أو قاعة دراسية واحدة، والحيوية والحركة والنشاط كلها ستقع ضمن مجال لحظة الإبصار تحيط بها حدقة العين—راحة تامة في مساحة صغيرة دافئة رغم برودة خريف هذا العام غير العادية. طبعا لا بد لهذا الخريف أن يختلف عن كل ما هو غيره إن في برودته أو في ما سيبعثه في المدينة من "دفء"! فرغم أنه أتى بأجمل الأخبار طرا وأثار البهجة وبعث الحياة في مدينة صغيرة "رابضة"، إلا أن برودته هذه كان لها من "الطالع" سوؤه، فليس فقط "
                    أنّ أجهزة التدفئة لاتعمل بعد"، بل "لسوء الحظ حلّ الخريف باردا جدا في ذلك الموسم من أواخر السبعينيات".

                    هذا هو المشهد جغرافيا واجتماعيا وفكريا، مشهد ليس كمثله مشهد، ولحظاته ليس كمثلها لحظات، وأخباره يالها من أخبار، وفصله (الخريف) ليس كمثل الفصول ولا كمثل باقي فصول الخريف. تميز مطلق، ولحظته لن تتكرر لأن لا شبيه له ولحظته لحظة أولى لا يمكن تكرارها. حتى التفاصيل المعرفية نفسها تفاصيل أولى وأولية لم يسمع بها حتى من يدعي الثقافة، ولا من بدأ مشوارها. بلزاك نفسه، أشهر من نار على علم، يدخل القاعة غريبا، ويخطئ البعض بلفظ اسمه ويستدرك البعض (
                    باز ..بال ..بالزاك ..على ما أعتقد)، الأمر فعلا غريب، فاللحظة لحظة أولى:

                    الإسم غريب . لم يمر بفريدة قبل اليوم . لم تلاحظه في كتب ابن خالها الذي كانت تعتبره أكبر مثقفي العائلة ..فقد سافر كثيرا واقتنى كتبا عديدة كانت تجد متعة في تصفّحها بفضول كلّما زارته في بيته.

                    حتى الحصة كان لا بد أن تكون حصة أولي وأولية، إذ كانت (
                    أول حصة في اللغة الفرنسية)، واستاذها فرنسي ليس كمثله حتى فرنسي آخر، وصفاته كلها توحي بأنه الأول من نوعه، وكذا كانت أيضا فريدة شأن الخريف والخبر والمدينة الصغيرة حتى في اسمها "فريدة"! فهل من المصادفة أن تبرز "نعيمة" فجأة ولمرة أولى أو حيدة، فتقاسم فريدة "الطاولة الأولى

                    في هذا الخريف، إذن، الكل أول وأولي، الكل لحظة بداية. الكل متميز، مختلف، والأحداث نفسها في البدء فريدة متميزة. والحال أن لكل بداية لحظه نهاية، أو لعلنا نقول كل بداية هي في الأصل لحظة تكرار، لأن البداية "المطلقة" لا يمكن تكرارها، حتى في مختبر. إذ في تكرارها سيتغير المكان أو الزمان وستكون لحظة تالية وما أن بدأت الأحداث تأخذ مسار التكرار، حتى اقتربت النهاية وافتقدت اللحظة الأولى لحظتها — نقطة البداية نفسها كانت نقطة تكرارها، ولم يُجْدها نفعا سرعة دوارن عجلة الزمن، ولا يبرر التشبث بلحظة أولى غير "الأحلام" أو الجنون، أو الاثنين معا:

                    دارت عجلة الدراسة بسرعة أكثر، و مرّت الأيام بسيطة و سهلة كأحلام المجانين، حلوة، بريئة و صادقة كعيون الأطفال.
                    فالدوران عدو الاختلاف والتميز، وسرعته لا تؤكد غير الثبات. ومع صورة دوران العجلة بسرعتها، كان لابد أن تتحول اللحظة الأولى الفريدة إلى تكرار ثابت، كان لا بد أن تختفي كل لحظة أولى وأولية ليستقر ويبدأ التكرار، وكان لا بد أن يختفي كل ما هو أول وأولي فيحل المألوف والرتيب، وتظهر الرتابة والتكرار حين يرث أميل زولا تركة بلزاك فتسود الواقعية بدل طرافة وغرابة اللحظة الأولى. ومثل هذه نقيض تام لهذا الخريف وسماته المختلفة كليا.

                    ولما كان الخريف يتحلى بكل سمات الاختلاف المطلق، كان لابد أن تكون نهايته أيضا ليس كمثلها نهاية. فهذا الخريف المتميز قد اكتمل، ومهامه المختلفة تمت وانتهت. لقد فقد الخريف كل سمات الاختلاف التي ميزته، فكانت نهايته مغايرة كبرده غير العادي هذا العام. فهو "يبدو/بدا" تحت ستار المطر لا ليستقر بل ليغادر، ويتخلى عن اختلافه:

                    كانت تمطر و بدا أنّ الخريف أتمّ مهامه و حمل زاده من آمال المزارعين و أحلام القرويين و أوهام القلوب العذراء، و قَفَلَ مغادرا، فاسحا الطريق أمام موسمٍ شتويٍ رماديٍ كئيب، مودّعا المدينة الصغيرة الرابضة في سكون تحت سفح الجبل.

                    غادر الخريف لأنه فقد اختلافه، لعل اختلافه كان أيضا "وهما" مهما أو جميلا، ليترك كل شيء كما كان، وإن كان هناك ثمة زيادة (مدرسة ثانوية) نفعها آيل للنهاية:


                    (
                    و دخل مدير الثانوية و برفقته أستاذ مسنٌ قليلا ، في ملامحه قسوة ، لحيته كثّة و يضع نظارات طبية سميكة و خرج المدير وكان الأستاذ الجديد يقول كلاما لكن فريدة لم تسمع شيئا .
                    نظرت [فريدة] إلى الخارج من خلال النافذة الزجاجية المستطيلة و شردت في لوحات الطبيعة و أشجار الكالتوس و... غامت سماء عينيها..)!

                    لقد عادت الأمور إلى دورتها الطبيعية دون أن يثمر الحقل ويحل الحصاد رغم حضور المزارعين، ولا الحصاد المعرفي تحقق إذ لم تتح الفرصة لـ"بذار" أميل زولا أن ينمو ولم يتسنى له أن يكشف موروث بالزاك الواقعي، وكذا فشلت آلهة الخريف ديميتر/فريدة أن تخصب الحقل! فكان الأمر كله خريف (الوهم الجميل؟) تجسد شاخصا في
                    مسيو جون بيار... أستاذ مسنٌ قليلا ، في ملامحه قسوة ، لحيته كثّة و يضع نظارات طبية سميكة! ومع سماكة النظارات الطبية، لعلنا نسأل: هل كانت مصادفة أن تنظر فريدة خلال النافذة الزجاجية فتغيم "سماء عينيها"؟
                    التعديل الأخير تم بواسطة الهويمل أبو فهد; الساعة 25-10-2011, 11:49.

                    تعليق

                    • آسيا رحاحليه
                      أديب وكاتب
                      • 08-09-2009
                      • 7182

                      #25
                      أخي العزيز أبو فهد ..
                      ما تفضّلت به من قراءة للقصة يؤكّد لي مرّة أخرى أهمية القاريء المبدع في العملية الإبداعية ..
                      بل إنّك فتحت عينيّ و نبّهتني لتساؤلات و أفكار قد تكون غابت عن ذهني أثناء كتابة النص ..
                      و هذا هو دور القاريء الجيد المبدع الذي يكون تحليله كالمرآة تعكس جماليات النص و تكشف أسراره ..
                      لا أدري كيف أشكرك حقا على ما أوليت النص من اهتمام ..
                      تحيتي وخالص تقديري و امتناني.
                      يظن الناس بي خيرا و إنّي
                      لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                      تعليق

                      • الهويمل أبو فهد
                        مستشار أدبي
                        • 22-07-2011
                        • 1475

                        #26
                        المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                        أخي العزيز أبو فهد ..
                        ما تفضّلت به من قراءة للقصة يؤكّد لي مرّة أخرى أهمية القاريء المبدع في العملية الإبداعية ..
                        بل إنّك فتحت عينيّ و نبّهتني لتساؤلات و أفكار قد تكون غابت عن ذهني أثناء كتابة النص ..
                        و هذا هو دور القاريء الجيد المبدع الذي يكون تحليله كالمرآة تعكس جماليات النص و تكشف أسراره ..
                        لا أدري كيف أشكرك حقا على ما أوليت النص من اهتمام ..
                        تحيتي وخالص تقديري و امتناني.

                        المبدعة آسيا

                        سعدت بقراءة القصة، ولك الشكر على ما أمتعتيني به من قراءة، وكم تمنيت لو لم تضطرني أمور الحياة اليومية للتعجل! كان بودي لو أنني تطرقت إلى التهيئة لعرض الواجب (جيرمينال) وأهميته في القصة، وإلى مسيو جيل ومغادرته المفاجئة (شأن الخريف نفسه)، وإلى حركة القصة في البداية إلى سكون هذه الحركة في النهاية وفريدة ساكنة شاردة الذهن وقد استخدمت النافذة الزجاجية نظارة تحاكي نظارة بيار السميكة، والكثير من الإيحاءات الثرية التي بها توشح النص. (على أية حال فقد حررت بعض فقرات قراءتي واستبدلت بعض عباراتها التي اعتقدت أن غموضها قد يحول دون قراءتها-- لكن بقي الهيكل والاتجاه العام نفسه).

                        تحياتي لك وتقديري، وإلى مزيد من الانتاج المبدع

                        تعليق

                        • آسيا رحاحليه
                          أديب وكاتب
                          • 08-09-2009
                          • 7182

                          #27
                          نعم..أخي الكريم ..
                          و أتمنى أن تحظى نصوصي دائما بشرف قراءاتك ..
                          أحببتُ جدا كيف نظرتَ إلى فكرة الخريف و ربطتها بالمرور السريع لمسيو جيل و لحكاية الوهم نفسه ..
                          و كيف أشرت إلى فكرة السرعة و السكون و فرادة كل شيء بدءً من برودة الخريف إلى الثانوية الجديدة إلى الأستاذ ..
                          إلى مشاعر الفتيات و أوهامهن ..
                          كنت أردت أن أتوسّع في إعطاء رؤية عن - جرمينا ل- و صراع الطبقة العاملة في فرنسا..
                          لكني رأيت أنّ النص لا يحتمل ذلك ..و التركيز كان على ولادة الوهم و تلاشيه ..
                          شكرا لك مرّة أخرى و تقبّل خالص تقديري.
                          يظن الناس بي خيرا و إنّي
                          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                          تعليق

                          • صالح صلاح سلمي
                            أديب وكاتب
                            • 12-03-2011
                            • 563

                            #28
                            نص رائع لقاصه تملكت الحرف والحرفه
                            قرأت لك مقابله مع احدى الصحف السودانيه
                            كنت مقنعه حقا.. وتعرفين ماذا تريدين في مسيرتك
                            اتمنا لك التوفيق.. وحبذا لوحظيت بقرائة مجموعتك(ليله تكلم فيها البحر)
                            التعديل الأخير تم بواسطة صالح صلاح سلمي; الساعة 31-10-2011, 15:29.

                            تعليق

                            • آسيا رحاحليه
                              أديب وكاتب
                              • 08-09-2009
                              • 7182

                              #29
                              المشاركة الأصلية بواسطة صالح صلاح سلمي مشاهدة المشاركة
                              نص رائع لقاصه تملكت الحرف والحرفه
                              قرأت لك مقابله مع احدى الصحف السودانيه
                              كنت مقنعه حقا.. وتعرفين ماذا تريدين في مسيرتك
                              اتمنا لك التوفيق.. وحبذا لوحظيت بقرائة مجموعتك(ليله تكلم فيها البحر)
                              شكرا لك من كل قلبي أخي العزيز صالح صلاح سلمي ..
                              شرّفني ذلك الحوار الذي أجراه معي الأخ القدير عبد المنعم حسن محمود
                              و الذي نفتقده هنا ..
                              اترك لي عنوانك على الخاص و سأحاول ان ارسل لك المجموعة بكل سرور.
                              تحيّتي و احترامي.
                              يظن الناس بي خيرا و إنّي
                              لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                              تعليق

                              • صالح صلاح سلمي
                                أديب وكاتب
                                • 12-03-2011
                                • 563

                                #30
                                السلام عليكم.. انا لم اقصد ان تقومي انت بارسال المجموعه.
                                ساحاول الحصول عليها بطريقتي الخاصه من شركات اقوم بمراسلتها.
                                لااريد ان اكلفك.. الشحن باهض بعض الشيء.. انت كتبت ..والباقي نتحمله نحن القراء
                                اشكرلك اهتمامك اخيتي العزيزه
                                التعديل الأخير تم بواسطة صالح صلاح سلمي; الساعة 31-10-2011, 18:11.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X