يواصل الشاعر المبدع محمد مثقال الخضور مسيرته الشعرية بخطى ثابتة, فيتحفنا بقطعة فنية جديدة, بعنوان يضع القارئ منذ الوهلة الأولى في عمق هواجس الشاعر, وبمحتوى يمرر قلق الذات الوجودي, فالضياع والموت والحياة مضامين شعرية تزخر بها القصيدة... مما يشي بفكر إنساني وقلق وجودي عميق.
فلا أرى القارئ لهذا النص وكل نصوص محمد الخضور إلا متأثرا ومندهشا بما لم يكن يتوقعه, متغلغلا في أعماق عالمه الشعري وبراعة التصوير والصياغة اللغوية الفريدة, التي ينسجها من الكلمات المألوفة لكن بتركيبات وعلائق جديدة تحمل معاني ودلالات جديدة هي تعبيرعن رؤيا الشاعر وصوته الداخلي.
فلا أرى القارئ لهذا النص وكل نصوص محمد الخضور إلا متأثرا ومندهشا بما لم يكن يتوقعه, متغلغلا في أعماق عالمه الشعري وبراعة التصوير والصياغة اللغوية الفريدة, التي ينسجها من الكلمات المألوفة لكن بتركيبات وعلائق جديدة تحمل معاني ودلالات جديدة هي تعبيرعن رؤيا الشاعر وصوته الداخلي.
استوقفني المقطع الأخير من القصيدة لما يتضمنه من معاني ورؤيا عميقة ولما يخلفه التصوير في النفس من تأثير, يقول الشاعر:
هنا .. في "غيابت الجب"
نلتقي ـ مصادفة ـ مع الوقت
نتحسس نواياه..
ونبحث عمن يبيعنا.. للحياة
استمد الشاعر مادته التعبيرية من المرجعية الدينية, واستثمر قصة يوسف عليه السلام, واتخذ منها رموزا للكشف عن مأساة الذات وأحلامها الدفينة, وعن جدلية اليأس والأمل كتيمة محورية في هذا الفضاء الشعري الخصب.
فالذات يتملكها الضياع ويتهددها الموت بفعل ما أحاط بها من محن وعنف الزمن وقهره, إلى حد العجز والاستسلام (التواجد في غيابت الجب). الذات متجاذبة بين إيقاع اليأس/ الأمل ـ الموت/ الحياة.
يوسف الصديق رمز للقيم والجمال والصدق والنقاء... تآمر عليه إخوته غيرة, فألقوه في غيابت الجب بنية التخلص منه, وواجه مصيرا صعبا: الخوف والموت... فجاء الملاك ليطمئنه وأتى ببشارة النجاة.
غيابت الجب في القصيدة ترمز لعنف الزمن, وكل ما يحيط بالذات من مخاوف وضياع, فالواقع ينذر بالموت, فتكاد الذات تفقد كل الآمال بالعودة إلى الحياة, لأنها تواجه مصيرا صعبا. وعندما تصادف الوقت, تستعيد الأمل وتكشف عن الحلم الدفين والرغبة في العودة إلى الحياة مرة ثانية.
ويتناسل المعنى في هذا المقطع بشكل متسلسل ومتدرج: تتواجد الذات في وضع مأساوي, ثم تصادف الوقت, والوقت هو هنا بمثابة الملاك الذي يأتي بالبشارة لحياة جديدة, بعد العجز والاستسلام, فتستجمع الذات قوتها, وتتحسس نوايا الوقت, هل ينوي البقاء أم الذهاب؟ ثم تتخفف من حملها الثقيل, من أحزانها ويأسها استعدادا لحياة جديدة خالية من المآسي.
ولعل القبض على المعنى كاملا, يقتضي استحضار قضية بيع يوسف بثمن بخس: دراهم معدودة, يقول الله عز وجل في سورة يوسف: "وشروه بثمن بخس دراهم معدودة", وفي ذلك سوء تقدير لقيمته العليا, وإن كان في بيعه خلاصه ونجاته من بطش إخوته وفي بيع الإنسان إهانة وعبودية... إن الذات في القصيدة ليست في أحسن حال, هي في محنة, فاقدة للقوة والقيمة, وتتطلع للنجاة وتطلب فرصة جديدة.
وقد وظف الشاعر كلمة "يبيعنا" في القصيدة بحمولة دلالية قائمة على المفارقة, فهي دالة على سوء تقدير قيمة الإنسان من جهة, ودالة أيضا على فرصة جديدة للنجاة, وذلك لتعميق الإحساس بالضياع وفقد القيمة, ويصل إلى التعبير عن عبثية الحياة وإقرار عدم تقدير من هم أجدر بالتقدير والرفعة.
قصائد محمد الخضور هي نوع رصين من الشعر, يشي بعمق في الطرح والتأمل الفلسفي في الحياة والوجود, وبراعة التصوير وشموخه, وهو ما يخلق فرادة تجربته الشعرية وخصوصيتها.
كل الشكر والتقدير أيها الشاعر المتألق على هذا الإبداع الخلاق
كل الشكر والتقدير أيها الشاعر المتألق على هذا الإبداع الخلاق
تعليق