الصباح الفلسطينيّ
ككلّ صباح ينهض متكاسلا
يغسل وجهه الصباحيّ
غير منْتبه لصِبْية لا صباح لهم
يفتح نافذة على حقل تفاح بلا رائحة
وينتبه كلما تثاءب
أنّ جرافة مرّتْ من هنا
دخلتْ من تلّ الزعتر
لورقة الزيتون
وداست حلما كان يلعب حافيا
* * *
الصباح الفلسطينيّ
ككل صباح يتحسس مفتاح بيته
ويطوف بالجدران أنْ اصمدوا
صامد .. صامد .. صامد
صاح جدار شرقيّ
واتكأ يتضرّع للشرق
كنهر يراوغ قاربا
.. ثم اسْتقام
نفض شيئا من صديد
نفض شيئا من صديد
كان يُغلّف مسْمارا
شُدَّ إليه الحصان
انتزع من صدره حجرا
وصوّب لنجمة زرقاء
كانت تتقيّأ أشْلاء طفل
فقدتْه أمه منذ شهر
* * *
الصباح الفلسطينيّ
ككلّ صباح
ينهض قبل الصباح قليلا
ربما قبل تحليق الزقزقات قليلا
قبل الثغاء والصياح والنقيق
دقيق جدا في مواعيده هذا الصباح
ثمة تلة يطلّ منها على المدى
ويحرس أطفاله العشرة
من أنياب الأناجيل
و وهم البطولة الزائفة
* * *
الصباح الفلسطينيّ
ككلّ صباح
يتحسس أطفاله العشرة
ذات صباح ...
رأى روح طفله في غيمة شاردة
رأى صورته في إطار على الجدار
ورأى أطفاله التسْعة يتناقصون
توضّأ بآيات الله وأقسم
أنْ يدفن إصبعا مع كلّ طفل
عاد بكفنه منتصرا
من ذات التلة
كلما سمع الزغاريد
قطع إصبعا ورفعه كنعش
ليدفنه مع الطفل الموالي
فجأة لم يجد أصابع ليرفع شارة النصر
* * *
الصباح الفلسطينيّ
وقدْ ظلّ وحيدا
بلا أحد يقاسمه الصمود
وبلا عبور
من ضفة النحيب لقطاع الرفض
كان يركض بأصابع من شوك
يراوغ حلما ميتا أو ضحكة مقيّدة من دمها
فيما الرصاصة لا تعتذر لدمعة
تشبثتْ بمربعات الرصيف
وفيما ظل الصباح عاريا كنهر
ابتسمت طائرة تبيض حِمم الموت
وألقتْ إسفلتا
ظلّ ينهش كبد الصباح الفلسطينيّ
* * *
الصباح الفلسطينيّ
نبتتْ فوق قبره زيتونة
أصلها ثابت في الجسدْ
وحباتها تقطر كرها
وتصّاعد للسماء
لا زيت لنا الآن غيْر الدماء
فاشْهدي يا أصابع قطعتْ
أنّ الشهادة عنوان هذا البلدْ
تعليق