تُومَا
بدأ أصحاب المحلات بإدخال بضاعتهم المعروضة فوق الرصيف إلى داخل دكاكينهم
تهيؤاً للإغلاق . كما فعَلَ مِثلهُمْ أيضاً أصحاب البَسْطات والباعة المتجولون , فها هم
يلملمون حاجاتهم المتناثرة هنا وهناك ويرصوها فوق بعضها البعض بلا أدنى ترتيب .
فالغد آت , وهو كالأيام التي مضت برتابتها المعهودة.
كان تُجّار الصاغة والصيارفة , أوائل من أغلقوا محالَّهم . تبعهم باعة المواد
الغذائية والخضار , فهُمْ بالعادة يتريثون حتى يحين موعد انصراف الناس إلى بيوتهم
قبيل بدء توقيت منع التجوّل الذي فرضه جيش الاحتلال على هذه المدينة فيتخلصون
من بضاعتهم قبل أن يصيبها التلف , إمّا ببيعها بأرخص الأثمان , أو بالتصدُّق بها لمن
لا يملك قوت يومه .
الأطباء والصيادلة غالباً ما يَبيتُون داخل عياداتهم وصيدلياتهم وذلك تحسُّباً لأيّ طارئ
إذ أن التنقُّلَ خلال منع التجول ولأي سبب , يُعَرِّض صاحبه لخطر القتل . وغالبا يُقدِّمونَ
خدماتهم لمن يحتاج دون مقابل مساهمة منهم في رفع المعاناة عن أهلهم .
ها هي الساعة تقترب من الثامنة مساءً , وهو موعد بدء مَنع التجوُّل.
مُعظم المحلات مُغلقة والسابلة بالطرقات يتناقصون مع مرور الوقت .
كانت مريم تجلس فوق دِكّة معدنية بالقرب من محل والدها , تنتظره إلى حين الانتهاء
من عمله فترافقه في طريق العودة إلى المنزل.
دنا السمكري من ابنته وقال لها بحنان :
ــ مريم , لا تنتظريني اليوم وانصرفي إلى المنزل الآن , سوف أتأخر قليلاً حتى أنجز
ما بيَدي .
أجابته وهي تنظر نحوه :
ــ لا بل سوف أنتظرك يا أبي .
هزَّ رأسهُ بالإيجاب قائلاً :
ــ حسناً , لكن ابقي هنا بجانبي .
استرسلت مريم في الدلال قائلة :
ــ أبي ,هل تسمح لي بزيارة الكنيسة ريثما تُنهي الشغل الذي بيدك ؟
تردد بين القبول والرفض , حتى آنس منها رغبة جامحة لزيارة الكنيسة .
فقال برجاء :
ــ افعلي ولا تغادريها حتى آتي إليك .
الكنيسة مقابل محل السَمْكري , وعلى بعد خطوات منه , كثيرا ما كان يتأملها وقد أستأثر
به ظل تمثال السيّدة العذراء الواقف بأعلاها وهو يموج مع حركة يده القابضة على فرد
الأكسجين المشتعل , وكأنها مريم العذراء حقيقةً .
خاطب السمكري صَبِيَّهُ آمراً :
ــ أشعِلْ فرد الأكسجين بسرعة حتى أنتهي من لَحْمْ هذين البرميلين قبل موعد منع التجول .
عَصَّبَ السمكري عينيه بالنظارات الواقية وبدأ يلحم البرميل الأول . أنهى لحمهُ بوقت
أقصر مِمّا توقع . جال ببَصَرِه يبحثُ عن صبيه كي يُجهِّز له البرميل الثاني . فشاهده على
بعد أمتار وكأنه خالي الذهن عن الواجبات المنوط به فعلها فصرخ غاضباً :
ــ ناولني البرميل الثاني يا ولد .
وقف الصبي أمام معلمه وهو يلهث ككلب حراسة , أشار بيده نحو الكنيسة وهو يقول :
ــ معلمي , الناس يتراكضون بالشوارع ويهرولون نحو الكنيسة .
صفع المعلم صبيه برفق قائلاً له :
ــ لم يأزف موعد منع التجول بعد . ماذا دهاهم ؟ هل يُلاحقهم الجنود ؟
ــ سمعتُهم يقولون أن العذراء قد ظهَرَتْ فوق سطح الكنيسة .
لم يُفاجأ المعلم بما تقوَّلَ به صبيه , كما أدرك حاجة هؤلاء الناس للهذيان في بعض الأحيان
فقال لصبيه وهو يُشير نحوهم :
ــ مساكين هؤلاء الناس , من شدّة الظلم الواقع عليهم بدأوا يخلطون الواقع بالتمنيات .
ــ ولكن يا معلمي الكُلْ رآها تتحرك وقد حيَّتهم , الجميع قال ذلك , المسلمون قبل
المسيحيين .
تهيؤاً للإغلاق . كما فعَلَ مِثلهُمْ أيضاً أصحاب البَسْطات والباعة المتجولون , فها هم
يلملمون حاجاتهم المتناثرة هنا وهناك ويرصوها فوق بعضها البعض بلا أدنى ترتيب .
فالغد آت , وهو كالأيام التي مضت برتابتها المعهودة.
كان تُجّار الصاغة والصيارفة , أوائل من أغلقوا محالَّهم . تبعهم باعة المواد
الغذائية والخضار , فهُمْ بالعادة يتريثون حتى يحين موعد انصراف الناس إلى بيوتهم
قبيل بدء توقيت منع التجوّل الذي فرضه جيش الاحتلال على هذه المدينة فيتخلصون
من بضاعتهم قبل أن يصيبها التلف , إمّا ببيعها بأرخص الأثمان , أو بالتصدُّق بها لمن
لا يملك قوت يومه .
الأطباء والصيادلة غالباً ما يَبيتُون داخل عياداتهم وصيدلياتهم وذلك تحسُّباً لأيّ طارئ
إذ أن التنقُّلَ خلال منع التجول ولأي سبب , يُعَرِّض صاحبه لخطر القتل . وغالبا يُقدِّمونَ
خدماتهم لمن يحتاج دون مقابل مساهمة منهم في رفع المعاناة عن أهلهم .
ها هي الساعة تقترب من الثامنة مساءً , وهو موعد بدء مَنع التجوُّل.
مُعظم المحلات مُغلقة والسابلة بالطرقات يتناقصون مع مرور الوقت .
كانت مريم تجلس فوق دِكّة معدنية بالقرب من محل والدها , تنتظره إلى حين الانتهاء
من عمله فترافقه في طريق العودة إلى المنزل.
دنا السمكري من ابنته وقال لها بحنان :
ــ مريم , لا تنتظريني اليوم وانصرفي إلى المنزل الآن , سوف أتأخر قليلاً حتى أنجز
ما بيَدي .
أجابته وهي تنظر نحوه :
ــ لا بل سوف أنتظرك يا أبي .
هزَّ رأسهُ بالإيجاب قائلاً :
ــ حسناً , لكن ابقي هنا بجانبي .
استرسلت مريم في الدلال قائلة :
ــ أبي ,هل تسمح لي بزيارة الكنيسة ريثما تُنهي الشغل الذي بيدك ؟
تردد بين القبول والرفض , حتى آنس منها رغبة جامحة لزيارة الكنيسة .
فقال برجاء :
ــ افعلي ولا تغادريها حتى آتي إليك .
الكنيسة مقابل محل السَمْكري , وعلى بعد خطوات منه , كثيرا ما كان يتأملها وقد أستأثر
به ظل تمثال السيّدة العذراء الواقف بأعلاها وهو يموج مع حركة يده القابضة على فرد
الأكسجين المشتعل , وكأنها مريم العذراء حقيقةً .
خاطب السمكري صَبِيَّهُ آمراً :
ــ أشعِلْ فرد الأكسجين بسرعة حتى أنتهي من لَحْمْ هذين البرميلين قبل موعد منع التجول .
عَصَّبَ السمكري عينيه بالنظارات الواقية وبدأ يلحم البرميل الأول . أنهى لحمهُ بوقت
أقصر مِمّا توقع . جال ببَصَرِه يبحثُ عن صبيه كي يُجهِّز له البرميل الثاني . فشاهده على
بعد أمتار وكأنه خالي الذهن عن الواجبات المنوط به فعلها فصرخ غاضباً :
ــ ناولني البرميل الثاني يا ولد .
وقف الصبي أمام معلمه وهو يلهث ككلب حراسة , أشار بيده نحو الكنيسة وهو يقول :
ــ معلمي , الناس يتراكضون بالشوارع ويهرولون نحو الكنيسة .
صفع المعلم صبيه برفق قائلاً له :
ــ لم يأزف موعد منع التجول بعد . ماذا دهاهم ؟ هل يُلاحقهم الجنود ؟
ــ سمعتُهم يقولون أن العذراء قد ظهَرَتْ فوق سطح الكنيسة .
لم يُفاجأ المعلم بما تقوَّلَ به صبيه , كما أدرك حاجة هؤلاء الناس للهذيان في بعض الأحيان
فقال لصبيه وهو يُشير نحوهم :
ــ مساكين هؤلاء الناس , من شدّة الظلم الواقع عليهم بدأوا يخلطون الواقع بالتمنيات .
ــ ولكن يا معلمي الكُلْ رآها تتحرك وقد حيَّتهم , الجميع قال ذلك , المسلمون قبل
المسيحيين .
(طرقع) صوت الصفعة على خد الغلام حتى ظنَّهُ أحد المارّة صدى طلق سلاح ناري .
ــ طُوبَى للَّذينَ يؤمنون دون (أن)يَروْا .
انتهى
لم يكتف السمكري بالصفعة فقط , بل أخذ أذن صبيه وفركها بين أصابع يده قائلاً له :
ــ وهل للظُلم ديانة كي يُفرق بين مسيحي ومسلم وكأنه يُنَقِّي عدس؟ بالأيمان يستظل الكُلّ
يا ولد المسيحي والمسلم وحتى اليهودي . دعْكَ منهم وأشعل فرد الأكسجين كي ألحم البرميل الثاني .
تعصَّبَ ثانيةً بنظارته الواقية , وبدأ يلحم البرميل الثاني .
هاج الجمع فتخالطوا مثل ذرات الغبار . هَلَّلَ بعضهم منشداً " السلامُ عليكِ يا مريم ... "
في حين هَلَّلَ آخرون" الله أكبر ... "
رفع المعلم النظارة الواقية عن عينيه , فرآهُم وقد اختلط المسيحي بالمسلم , والمُصدِّق بالمتشكَّك يركعون ويقبلون الأرض ويرشمون الصليب فوق صدورهِم .
انتابته فرحة ما بعدها فرحة , فتساءل وقد ساور الشك قلبه: ربما , ولِما لا ؟
ألقى نظره نحو تمثال العذراء وما حوله , فلم يلحظ سوى السكون وقد تسيَّدَ الموقف .
عاد كي يُتمّ ما بدأه قبل قليل , توهّجَ المكان بالنور المنبعث من شعلة فرد الأكسجين , فهاج الناس وماجوا مرة أخرى , رأى ظل تمثال السيدة العذراء يتحرك فعلاً على برج الكنيسة المرتفع شامخاً فوقها، كلما توهّجَت نار فرده وهذا الأمر ليس غريباً عليه فهو يراه يومياً . ولكن الشك كان قد صار له طبعاً .
ضحكَ في سرّه وأنجزَ عملهُ بين صيحات التهليل والتكبير . وإذ بجنود الاحتلال يهرولون
نحو ساحة الكنيسة يفرقون تجمع الناس بغلظة وقسوة لا مبرر لهما .
تذكَرَّ ابنته مريم , فارتعد قلبه وهو يتساءل: أين هي يا تُرى ؟
أخذ يركض كالمجنون يبحث عنها بلا فائدة .
كانت مريم بين الجموع عندما حضر جنود الاحتلال .
ــ أين أهرب ؟ سألت نفسها .
كان الطريق سالكاً إلى الكنيسة , عَبَرَتْ باحتها وصَعَدَتْ السلم المؤدي إلى السطح .
وجدت نفسها قرب تمثال السيدة العذراء , فتوارَتْ خلفه إلى حين انصراف الجنود .
أسْبَلَتْ جفنيها من التعب حتى غلبها النوم , تناهى إلى أذنيها هاتف وكأنه صوت من السماء
قائلاً :
ــ "هنيئاً لمن يروم الأمان ويستظل بي " .
انتفضت الصبية وكأن كائناً سماوياً قد حلَّ في جسدها .
مسكين السمكري, إنه في حالة يُرثى لها, ويبدو كما لو أنه بركان على وشك الانفجار.
مهما فعل السمكري الآن , فهو على حق , تمتمَ بصوتٍ مسموع قائلاً :
ــ لن أغادر المكان حتى أجد مريم .
كانت نبرة صوته تلائم الموقف , فقد كانت تلعلع من بلعومه كعاصفة مدوية .
وبينما كان يُحَدِّق في تمثال العذراء , بدت عيناه كما لو أنها تحرق الأرض فتُشِع نوراً
ينبئ عمَّا عُرِفَ عنه من حزم .
أشعل فردة وهو لم يزل يحدِّقُ في التمثال , إنه على يقين أن الناس سوف تعود للتجمهر أمام
الكنيسة حين يتمَوَّج ظل التمثال من فِعْل تَوَهُّج شعاع فرد اللحم الذي بيده .
وحتماً , مريم سوف تكون بينهم , هكذا كان يهذي , ويهمس لنفسه وهو يلوِّح بالفرد
المشتعل وكأنه يشير لأحدهم بالخروج من مخبئه.
تدفقت الجماهير كسيل جارف مُهلّلين مُكبِّرين, وإذا بالجنود يطلقون الرصاص بكل اتجاه ,
وصوب أي شيء يتحرك , فوقع نظرهم على تمثال السيدة العذراء , فبدا لهم وكأنهُ يتحرك
أطلقوا عليه وابلا من الرصاص , فنفر الدم من التمثال وسط تعجب وخشوع الجماهير,
ووسط رعب الجنود اللذين فروا مذعورين .
وعلى مرأى من الجماهير بدا التمثال وكأنه يسقط فوق أرض الكنيسة , فهرولوا نحوه
مذهولين. صرخ أحدهم :
ــ هذه مريم بنت السمكري توما .
هرع توما يشق صفوف الجماهير فبدا كمن يصارع الموج بيديه العاريتين حتى اقترب من
موقع سقوط ابنته . رفعها بين يديه ونظر نحو السماء , فتراءت له السيدة العذراء فوق
سطح الكنيسة . شاهد وهو يرنو إليها بتوسل , نقطة من دم ابنته تنفلت من عين التمثال
وكأنها دمعة تسقط . تَتَبَّعَهَا بنظره حتى استقرت فوق جسد الصبية . فَدَبَّتْ بها الحياة ثانية .
لاحت في عيني توما نظرة امتنان وشكر. بسط راحتيه وركع بخشوع قائلاً :
ــ " آمَنْتُ بِكَ يا ربّي "
وتَجَسَّدَ امتنانه وإيمانه في ظل تراتيل المنشدين داخل الكنيسة وهم يترنمون :
ــ وهل للظُلم ديانة كي يُفرق بين مسيحي ومسلم وكأنه يُنَقِّي عدس؟ بالأيمان يستظل الكُلّ
يا ولد المسيحي والمسلم وحتى اليهودي . دعْكَ منهم وأشعل فرد الأكسجين كي ألحم البرميل الثاني .
تعصَّبَ ثانيةً بنظارته الواقية , وبدأ يلحم البرميل الثاني .
هاج الجمع فتخالطوا مثل ذرات الغبار . هَلَّلَ بعضهم منشداً " السلامُ عليكِ يا مريم ... "
في حين هَلَّلَ آخرون" الله أكبر ... "
رفع المعلم النظارة الواقية عن عينيه , فرآهُم وقد اختلط المسيحي بالمسلم , والمُصدِّق بالمتشكَّك يركعون ويقبلون الأرض ويرشمون الصليب فوق صدورهِم .
انتابته فرحة ما بعدها فرحة , فتساءل وقد ساور الشك قلبه: ربما , ولِما لا ؟
ألقى نظره نحو تمثال العذراء وما حوله , فلم يلحظ سوى السكون وقد تسيَّدَ الموقف .
عاد كي يُتمّ ما بدأه قبل قليل , توهّجَ المكان بالنور المنبعث من شعلة فرد الأكسجين , فهاج الناس وماجوا مرة أخرى , رأى ظل تمثال السيدة العذراء يتحرك فعلاً على برج الكنيسة المرتفع شامخاً فوقها، كلما توهّجَت نار فرده وهذا الأمر ليس غريباً عليه فهو يراه يومياً . ولكن الشك كان قد صار له طبعاً .
ضحكَ في سرّه وأنجزَ عملهُ بين صيحات التهليل والتكبير . وإذ بجنود الاحتلال يهرولون
نحو ساحة الكنيسة يفرقون تجمع الناس بغلظة وقسوة لا مبرر لهما .
تذكَرَّ ابنته مريم , فارتعد قلبه وهو يتساءل: أين هي يا تُرى ؟
أخذ يركض كالمجنون يبحث عنها بلا فائدة .
كانت مريم بين الجموع عندما حضر جنود الاحتلال .
ــ أين أهرب ؟ سألت نفسها .
كان الطريق سالكاً إلى الكنيسة , عَبَرَتْ باحتها وصَعَدَتْ السلم المؤدي إلى السطح .
وجدت نفسها قرب تمثال السيدة العذراء , فتوارَتْ خلفه إلى حين انصراف الجنود .
أسْبَلَتْ جفنيها من التعب حتى غلبها النوم , تناهى إلى أذنيها هاتف وكأنه صوت من السماء
قائلاً :
ــ "هنيئاً لمن يروم الأمان ويستظل بي " .
انتفضت الصبية وكأن كائناً سماوياً قد حلَّ في جسدها .
مسكين السمكري, إنه في حالة يُرثى لها, ويبدو كما لو أنه بركان على وشك الانفجار.
مهما فعل السمكري الآن , فهو على حق , تمتمَ بصوتٍ مسموع قائلاً :
ــ لن أغادر المكان حتى أجد مريم .
كانت نبرة صوته تلائم الموقف , فقد كانت تلعلع من بلعومه كعاصفة مدوية .
وبينما كان يُحَدِّق في تمثال العذراء , بدت عيناه كما لو أنها تحرق الأرض فتُشِع نوراً
ينبئ عمَّا عُرِفَ عنه من حزم .
أشعل فردة وهو لم يزل يحدِّقُ في التمثال , إنه على يقين أن الناس سوف تعود للتجمهر أمام
الكنيسة حين يتمَوَّج ظل التمثال من فِعْل تَوَهُّج شعاع فرد اللحم الذي بيده .
وحتماً , مريم سوف تكون بينهم , هكذا كان يهذي , ويهمس لنفسه وهو يلوِّح بالفرد
المشتعل وكأنه يشير لأحدهم بالخروج من مخبئه.
تدفقت الجماهير كسيل جارف مُهلّلين مُكبِّرين, وإذا بالجنود يطلقون الرصاص بكل اتجاه ,
وصوب أي شيء يتحرك , فوقع نظرهم على تمثال السيدة العذراء , فبدا لهم وكأنهُ يتحرك
أطلقوا عليه وابلا من الرصاص , فنفر الدم من التمثال وسط تعجب وخشوع الجماهير,
ووسط رعب الجنود اللذين فروا مذعورين .
وعلى مرأى من الجماهير بدا التمثال وكأنه يسقط فوق أرض الكنيسة , فهرولوا نحوه
مذهولين. صرخ أحدهم :
ــ هذه مريم بنت السمكري توما .
هرع توما يشق صفوف الجماهير فبدا كمن يصارع الموج بيديه العاريتين حتى اقترب من
موقع سقوط ابنته . رفعها بين يديه ونظر نحو السماء , فتراءت له السيدة العذراء فوق
سطح الكنيسة . شاهد وهو يرنو إليها بتوسل , نقطة من دم ابنته تنفلت من عين التمثال
وكأنها دمعة تسقط . تَتَبَّعَهَا بنظره حتى استقرت فوق جسد الصبية . فَدَبَّتْ بها الحياة ثانية .
لاحت في عيني توما نظرة امتنان وشكر. بسط راحتيه وركع بخشوع قائلاً :
ــ " آمَنْتُ بِكَ يا ربّي "
وتَجَسَّدَ امتنانه وإيمانه في ظل تراتيل المنشدين داخل الكنيسة وهم يترنمون :
ــ طُوبَى للَّذينَ يؤمنون دون (أن)يَروْا .
انتهى
إذ كان التلاميذ مجتمعين ثانية داخل البيت وتوما معهم
حَضَرَ يسوع والأبواب مغلقة , ووقف في الوسط وقال :
" سلامٌ لكمْ "
ثم قال لتوما :
هات إصبعك إلى هنا , وانظر يدي , وهات يدك وضعها في جنبي .
ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمنا
فهتف توما
" ربي وإلَهي "
فقال له يسوع :
ألأنك رأيتني آمنت ؟ طوبى للذين يؤمنون دون أن يروا
" سلامٌ لكمْ "
ثم قال لتوما :
هات إصبعك إلى هنا , وانظر يدي , وهات يدك وضعها في جنبي .
ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمنا
فهتف توما
" ربي وإلَهي "
فقال له يسوع :
ألأنك رأيتني آمنت ؟ طوبى للذين يؤمنون دون أن يروا
إنجيل متى
تعليق