حمار استحقّ الحرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    حمار استحقّ الحرية

    لم يؤثر في أحد ما أو شيء ما مثل ما فعل ذلك الحمار، ورغم أني ألفته منذ صغري إلا أن قصتي معه لم تبدأ إلا بوفاة أبي يرحمه الله، وكنت قبل ذلك أتعجب من صبر أبي عليه، فهو أعور، عينه اليسرى مطفأة، وكان أبي كثيراً ما يعود إلى البيت ورجله اليسرى تغطيها الكدمات لكثرة اصطدام الحمار بجدار سكة النخيل الضيقة.

    حين كان أبي يسلم روحه بيني وبين أخي الأكبر، شهق شهقة تحشرجت بعدها أنفاسه في حلقه وكأن روحه كانت قد خرجت فاستعادها للحظة ليقضي حاجةً في نفسه، نظر لي ولأخي نظرة استعطاف وقال "أرمد....الله الله في أرمد....الله الله في أرمد"، ثم أسلم روحه وارتخت رقبته على يدي التي كنت أسند بها رأسه، انكب أخي على صدره يبكي وينوح، لكني لم أستطع شيئاً من ذلك، فقد أطار عني عجبي من أبي كل شعور......يوصينا بالحمار وروحه في حلقومه!!!!.
    كان حزن أخي على أبي شديداً، كان يحس بالتقصير بحق أبي خلال السنين الماضية بعد أن انتقل للعيش في مدينة العين الإماراتية المجاورة، حين عدنا من
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #2
    الدفن ذهب لمربط الحمار وأخذ يحتضنه ويقبله وهو يبكي ويندب، والحمار لا يلقي له بالاً فقد كان يجتر بعض الحشائش، طوال أيام العزاء الثلاث التي قضاها أخي في بيتنا لم أكن أفتقده إلا ووجدته يسند رأسه على رقبة الحمار ويبكي، لم أتوقعه بهذه الرقة والرحمة، ربما صدمة موت أبي أيقظت فيه المشاعر الطيبة. في اليوم الثالث تدهورت صحة أخي بشدة وأغمي عليه، حملته للمستشفى وهو يهذي باسم أرمد في غيبوبته، وبمجرد أن أفاق أخذ بيدي وضمها لصدره وهو يقول "أرجوك....الحمار من بقية أبي، أنت تعرف كم كنت مقصراً في حقه، سأتنازل لك عن المزرعة والبيت وكل شيء.....فقط أحضر لي أرمد ليعيش معي في البيت.....أرجوك ....وأعدك أن أرعاه كما أوصانا أبونا".

    فرصة ثمينة بالنسبة لي، سأحصل على كل شيء مقابل حصوله هو على حمار أعور......لا يهمني سبب تعلقه بالحمار وليكن أي شيء. وعدته أن يكون أرمد في بيته من صباح غد وعدت للبيت في البريمي. قبل أن أدخل البيت مررت لأتفقد الحمار في الحظيرة، كان رأسه للأسفل ، ولمّا أحس بي رفع رأسه والتفت ليراني بعينه الصحيحة، حرك أذنيه للأمام ثم للوراء ثم نفخ الهواء بمنخريه عدة مرات.....لاحظت خلو إناء الماء .....لعله لم يشرب أو يأكل منذ يومين

    تعليق

    • سالم الجابري
      أديب وكاتب
      • 01-04-2011
      • 473

      #3
      أو ثلاث بسبب انشغالنا بالعزاء، عجلت بإحضار الماء والعلف، أردت أن أسلمه لأخي غداً وهو في تمام العافية.
      صباحاً أعددت سيارة " البيك أب " على باب الحضيرة، وبعد جهد جهيد استطعت تحميله فيها، انطلقت في الشارع وأنا غير مبال بالصيحات المستهزئة وأصوات تنبيه السيارات التي تطلق علي كلما مررت بأحد، المعاناة كانت أكثر في المركز الحدودي المؤدي لمدينة العين ، كان طابور السيارات طويلاً وبطيء التحرك، وهذا جعلني أتلقى التعليقات السخيفة بكثرة، بل لقد حاول بعض الأطفال الذين نزلوا من إحدى السيارات المجاورة أن يصعدوا ويركبوا فوق أرمد، عدة مرات كان علي أن أنزل وأطردهم، أشد شيء أغاظني هو عندما جائني رجل كان يبيع البطاطس لأصحاب السيارات المصطفة يطالبني بسعر البطاطس ، أنكرت أني أخذت منه شيئاً، لكنه أشار إلى الحمار في الخلف وقال أنه اختطف كيس بطاطس من يده......قضيت وقتاً عصيباً حتى وصلت لكابينة تقديم الجوازات........أخرج موظف الجوازات رأسه من النافذة وهوينظر لأرمد بتعجب، وكأن أرمد استهجن تلك النظرة فأطلق نهقة قوية كادت تصم الآذان، وما هي إلا ثوان حتى اجتمع علينا بعض الضباط، لم أعرف ماذا أفعل وبقيت منكمشاً خلف عجلة القيادة أنظر إليهم، تقدم لي أحد الضباط....

      تعليق

      • سالم الجابري
        أديب وكاتب
        • 01-04-2011
        • 473

        #4
        -إلى أين تذهب بهذا الحمار؟
        -إلى منزل أخي.......هذا حماره.
        -يا أخي هذا المعبر للبشر وليسـ...........
        قطع كلام الضابط نهقة قوية أخرى من أرمد، وضع الضابط إصبعيه في أذنيه وأشار لي بوجهه للدوران والعودة للجانب العماني، لكني أصررت على مقابلة مدير المركز لعله يسمح لي بإدخال أرمد، بعد جدال طويل مع مدير المركز رفض في نهايته مروري بالحمار توجهت كما إلى المعبر التجاري حيث يمكن إدخال الحيوانات، لكني هناك واجهت مأزقاً آخر، قيل لي لابد من شهادة رسمية من السلطات العمانية تثبت خلو أرمد من الأمراض، ثم لابد بعد ذلك من دخوله الحجر الصحي لثلاثة أيام على أقل تقدير.

        أحضرت الشهادة من مكتب التنمية الزراعية، وسلمتهم أرمد على أن يبقى لثلاثة أيام لإجراء الفحوصات، كان أخي يتصل بي يومياً مرتين أو ثلاث يسأل عنه، وأنا أصبّره وأعده أن الأمر سيتم في النهاية على ما يحب ويشتهي........وبعد الأيام الثلاثة كانت الطامة.....أخبرني البيطري في الحجر الصحي أن أرمد مصاب بداء الرمد.

        تعليق

        • سالم الجابري
          أديب وكاتب
          • 01-04-2011
          • 473

          #5
          -وما هو الحل أيها الطبيب.....يمكنك إعطاءه دواء وبعد ذلك يمكنني إدخاله، أليس كذلك؟
          -لا ليس كذلك......داء الرمد الذي يحمله هذا الحمار لا يمكن الشفاء منه، وكما ترى فقد ذهبت عينه اليسرى بسببه.
          -أرجوك، أنت لا تعرف مدى أهمية الأمر، أخي قد يموت إذا لم أستطع إيصال هذا الحمار له.....وقد أوصاه أبي بالعناية به.
          -لا يمكن أن أسمح بدخوله، القانون واضح وليس هناك مجال.
          -اسمع.....أنا مستعد لدفع أي غرامة تطلبها مني.....فقط اسمح لي بإدخاله.
          -يبدو أنك متعود على الرشوة....اخرج أنت وحمارك وإلا أبلغت ضابط المركز.

          وهكذا أعدت تحميل أرمد وانطلقت عائداً للبيت، كنت حائراً في كيفية إدخاله ....... ثم جاءت الفكرة.......فكرت أني لو استطعت طرحه على جنبه وكفت يديه ورجليه ستتسع له سيارة اللاند كروزر بعد أن أفكك المقاعد الخلفية، سأعبر به من معبر البشر ولن يلاحظه أحد. أعدت أرمد للحظيرة

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #6
            وشرعت في تفكيك مقاعد السيارة من فوري، بعد صلاة الفجر في اليوم التالي طلبت من إثنين من الجيران مساعدتي، استغرق الأمر حوالي الساعة وبعدها كان أرمد طريحاً على جنبه مقيد اليدين والرجلين، وحرصت على تكميم فمه بشريط لاصق لكي لا ينهق عند كابينة الجوازات.

            توجهت للمنفذ الحدودي وأنا أقرأ بكل آية ودعاء راجياً أن تعمى أبصارهم عنه، لم أعبأ بالروائح الخبيثة المنبعثة من فضلاته التي لم يتوقف عن إخراجها، اقتربت اللحظة الحاسمة ولم يعد أمامي غير سيارة واحدة دون الوصول لنافذة موظف الجوازات.....فتحت نافذتي استعداداً لتسليمه البطاقة الشخصية، تقدمت السيارة التي أمامي وتقدمت وراءها حتى صرت بمواجهة الموظف، مددت يدي بالبطاقة وأنا أتصنع ابتسامة عفوية......ومع امتداد يدي امتد خرطوم رفيع من سائل أصفر من وراء رأسي عابراً نافذة السيارة إلى نافذة الجوازات ليتلطخ وجه الموظف وثوبه.....عرفت أنها مصيبة كبيرة.....هذه لم أحسب لها حساباً ولم تخطر لي على بال، كان يجب أن ألفّ عضوه الذكري بكيس بلاستيكي لتفادي ما حصل، لكنه كان قد حصل وانتهى الأمر.....أخذ الموظف يتشمم ذلك السائل الذي انهمر عليه كأنه أطلق من مسدس مائي....صار يطلق صيحات التقزز وهو يسأل "ماذا عندك في السيارة"......ارتبكت وأنا أقول أنها عبوة عصير فاسدة انفتقت بفعل الضغط.....لكنه استدعى موظف الجمارك وبعدها اكتشفوا حماراً مقيداً ومكمماً.
            كدت أدخل السجن ذلك اليوم بسبب بولة أرمد، رحم الله أن ضابط المركز المناوب كان رجلاً طيباً ، اكتفى بتوقيعي على تعهد بعدم تكرار فعلتي ووضع اسمي في قائمة التفتيش الدائم......وعدت للبيت بحماري.

            بقيت يومين أفكر في حيلة ما، وأخي لم يكف عن تهديدي بالرجوع في قراره، تخليت عن فكرة تهريبه من خلال المنافذ الحدودية وبدأت أفكر في طريقة يمكن بها اجتياز السياج الممتد على طول الحدود الدولية.....واهتديت لحيلة ذكية للغاية.
            حيث يمتد السياج في الأماكن الصحراوية تزحف كثبان الرمل على بعض أجزائه فتشكل جسراً يمكن المشي عليه بسهولة كبيرة، لكن المخاطرة تكمن في وجود كاميرات المراقبة والدوريات.....فكرت وفكرت.....وتذكرت الراكب الآلي المزود بجهاز اللاسلكي الذي يستخدمونه في سباقات الهجن. خطتي كانت

            تعليق

            • سالم الجابري
              أديب وكاتب
              • 01-04-2011
              • 473

              #7
              أن أبحث عن مكان تغطي فيه الكثبان السياج، أركب الراكب اللآلي على أرمد وأوجهه عن بعد، كما أن أرمد لطول بقاءه مع أبي أصبحت تكفيه الإشارات اللفظية ليتحرك في كل الإتجاهات وهو ما أستطيع فعله أيضاً بجهاز اللاسلكي المرفق بالراكب الآلي، وإن نجح في العبور فسأوجهه ليبتعد عن السياج إلى الداخل وبعد ذلك يمكنني الدخول والبحث عنه ، وأما إن رصدته الدورية فإنهم سيعيدونه أو سيحتجزونه في أسوأ الأحوال.

              اخترت أن أنفذ خطتي في الليل. بعد المغرب كنت أقترب من الكثبان لأختار بقعة مناسبة لاختراق بحر الرمال، عرفت أني لن أستطيع قيادة "البيك أب" في تلك المنطقة ، قررت ترك السيارة وركوب أرمد حتى نقترب من السياج الحدودي، كانت ليلة قمراء، كان يفصلنا عن السياج حوالي ثلاثة كيلومترات من الكثبان المتعرجة، حملت معي الراكب الآلي ومنظار ، بدا أرمد سعيداً وهو يمشي بي بين الكثبان، لكنني كنت أضطر للنزول عنه عندما يتحتم علينا صعود أحدها.

              بعد حوالي الساعة كنت أسير بمحاذاة السياج لأستكشف أنسب مكان للعبور، لم يطل بي الوقت حتى صادفت ما كنت أبحث عنه........توقفت وتركت أرمد في مكانه، خوفاً من كاميرات المراقبة مشيت منحنياً ثم زحفاً حتى اقتربت من المكان المقصود وتأكدت أنه يمكن المشي عليه إلى الجانب الآخر.....لم يبق إلا إعداد الراكب الآلي وتوجيه أرمد به نحو المسار الصحيح.

              الراكب الآلي تركيبه سهل للغاية، له حزام يربط به على ظهر الدابة، وذراعان أمامية وخلفية، الأمامية يوضع بها الزمام ويمكن التحكم به ليتحرك في كل الاتجاهات، الذراع الخلفية لها نهاية جلدية تستخدم لضرب الدابة من الخلف لحثها على الإسراع ويمكن التحكم بعدد الضربات وقوتها.

              هناك أيضاً مكان لتثبيت جهاز اللاسلكي "ووكي توكي" في الراكب الآلي حتى يمكن توجيه أوامر لفظية ، هذا بالذات كان مهماً بالنسبة لي لأن أرمد تعود عليها .........أصبح كل شيء جاهزاً، وكان شكل أرمد وهو بالراكب الآلي فخماً للغاية، حتى أنه بدا فخوراً به ، كان رأسه مرفوعاً وعرفه منفوشاً كأنه حصان عربي.....

              فتحت جهاز اللاسلكي المثبت بظهر أرمد على موجة الإستقبال وتركته لأعتلي فوق أعلى كثيب حيث يمكنني توجيهه ومراقبته، في البداية جربت كل الحركات الممكنة عن بعد، كان أرمد يستجيب لها بسلاسة،إلى الأمام ......إلى اليمين.....إلى اليسار..

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #8
                وحان وقت الإنطلاق....شددت الزمام وأرخيته ثم ضربة خفيفة من الذراع الخلفية...مع أمر بالتقدم عبر اللاسلكي....وتقدم أرمد نحو الهدف ببطئ لكن بثبات.....كنت أراقبه بالمنظار إلى أن غاب عني خلف أحد الكثبان....انتظرت أن يظهر لكنه أبطأ....ضربة بالذراع الخلفي وصيحة قوية "تقدم".....ظهر لكنه يمشي في الإتجاه الخاطئ......عدلت مساره لكنه اختفى خلف كثيب آخر ليظهر مرة أخرى وهو يمشي في الإتجاه المعاكس، حاولت إيقافه بسحب الزمام لكنه أبى التوقف، كنت أراقبه بالمنظار وهو يعاند الراكب الآلي.....ثم حدث مالم يكن ليخطر على بال أحد......صدر صوت من اللاسلكي الذي بيدي يقول "ساريك من هو الحمار اليوم"....وكأن صاعقة ضربتني، وقف شعر جلدي كالأشواك.....أيقنت أن شيطاناً استولى على أرمد وهو يكلمني من جهاز اللاسلكي.....لكن كيف؟؟ جهازي مفتوح على الإرسال فقط، والذي على أرمد مفتوح على الإستقبال فقط!!! تلمست وضعية الزر لأتأكد من مكانه فاكتشفت أني بدلت بين الموضعين ولابد أني فعلت نفس الشيء في الجهاز المثبت على أرمد.....إذن هو شيطان يركب أرمد وها هو متجه نحوي.....أطلقت ساقي هارباً في اتجاه السيارة .....شيطان يتلبس بالراكب الآلي ويركب على حمار ...... كيف سأنجو منه والمسافة بيني وبين السيارة كبيرة.....كلما التفت للوراء رأيته خلفي ، جاءني الصوت مرة أخرى من جهاز اللاسلكي "لماذا يهرب عني يا ترى....مالذي يخيفه"......كاد أن يضحكني مع شدة خوفي، شيطان يطاردني وهو يمتطي حمار....كيف لا أخاف؟!.....ثم قال "أخشى أن يذهب بالسيارة ويتركني هنا".............جعلني هذا أبطئ من عدوي.....ثم قال الصوت "لا أستطيع مواصلة الركض في هذه الكثبان....حوافري تغوص عميقاً"....هذا كلام الحمار لنفسه!!!......هل يمكن وهل يعقل هذا!؟!؟.....حمار يتكلم....هذا بالطبع لا يعقل، لكن يبدو أنه كائن ........

                توقفت أنتظره على رأس أحد الكثبان ومازالت الرهبة تملأ قلبي منه، ظهر من بعيد وهو يجاهد للمشي وانتزاع قوائمه التي تغوص عميقاً في الرمل، مشا حتى وصل بأسفل الكثيب ونظر لأعلى، ظهر صوته في جهاز اللاسلكي وهو يقول "الحمد لله أنه لم يذهب.....ماذا يفعل هناك في الأعلى"......نعم صرت على ثقة حينها أن أرمد هو من يتكلم .
                ناديت عليه من أعلى " لقد سمعتك يا أرمد وأعرف أنك تتكلم.....سمعتك في جهاز اللاسلكي المثبت على ظهرك"
                التفت في اتجاه ظهره ثم قال
                -إذن إنكشف سري بعد طول كتمان.

                لدقيقة وقفت جامداً يغمرني إحساس أني في حلم، كانت رهبتي كبيرة منه، هو أيضاً بقي صامتاً وينظر لأسفل يطوح رأسه ذات اليمين وذات الشمال، انقطع الصمت حين رفع رأسه وقال
                -ماذا تنوي أن تفعل؟.........هل ستتركني؟
                صوته المستجدي المستعطف أشعرني بالطمأنينة، نزلت من على الكثيب واقتربت منه حتى استطعت رؤية لمعان عينيه في ضوء القمر، قلت له
                -من أنت؟!؟!........هل أنت إنسان على صورة حمار؟!؟!.......أخبرني.
                -بل أنا حمار ومن نسل حمار.
                -لكن الحمير لا تتكلم.
                -ها أنا أتكلم معك الآن.......معلومتك هذه عن الحمير خاطئة.....سألتك ماذا تنوي أن تفعل معي ولم تجبني؟

                تعليق

                • سالم الجابري
                  أديب وكاتب
                  • 01-04-2011
                  • 473

                  #9
                  -لابد أنك تعرف أني كنت أريد أن أعطيك لأخي......وكونك حمار ناطق لا يغير من الأمر شيئاً، بدلاً عنك سأحصل على البيت والمزرعة.
                  -لكني لا أريد أن أعيش عند أخيك، لقد تعودت على العيش في زريبتي.
                  -أخبرني بكل شيء، أنا أعرف كم يحب أخي المال.......لماذا أنت أثمن عنده من البيت والمزرعة؟!؟!......وهل يعرف أنك تتكلم؟
                  -هذه أسئلة يستطيع أخوك أن يجيب عليها وليس أنا.
                  -إذن فلا فرق عندي ، سأسلمك له.
                  -لا أستطيع منعك من هذا.......لكن هل لي أن أرشدك لطريقة سهلة للعبور بي نحو الجانب الآخر من الحدود غير التي كنت تنوي أن تفعلها؟
                  -وما عيب هذه الطريق؟!.
                  -عيبها أني رأيت حماراً ميتاً بقرب السياج ، كان مصاباً برصاصة في رأسه، لابد أن الشرطة تطلق النار على الحمير السائبة، لو حدث وأطلقت رصاصة على رأسي فلن تحصل أنت على شيء.
                  -وهل لديك سبيل آخر؟
                  -نعم.......هناك طريق جبلي في الجهة الشمالية ينتهي بمنفذ صغير للمشاة يستخدمه أصحاب العزب ، المتعب في الأمر أني سأضطر أن أحملك على ظهري مسافة طويلة وفي طريق صعبة.
                  وهكذا اتفقنا أنا وأرمد على أن نعود للبيت ونخرج غداً من الفجر، في الفجر حملت له بعض الحشائش ليأكلها قبل الخروج، لكنه رفضها وطلب أن يأكل برسيماً وتمراً، شعرت بغيظ......
                  -حمار وتشترط نوع الطعام..!!!!
                  -وماذا في ذلك!!!....لقد حملت على ظهري السماد والتراب لسنين طويلة من أجل زراعة هذا البرسيم والنخيل، أليس من حقي أن آكل منها؟!.
                  -التمر والبرسيم سيجعلانك تشعر بالعطش، خصوصاً وأن الرحلة طويلة، لذلك قدمت لك الحشائش.
                  -أبوك أيضاً كان سيقول نفس الشيء.

                  تركته يأكل وذهبت لأفطر وأجهز الماء والطعام للرحلة، انطلقنا بعد الفجر بساعة، سرنا لما يقرب الساعة في اتجاه الجبال ولم نبلغها بعد، وأرمد لم يتكلم، أحسست بالملل
                  -مالك صامت يا أرمد؟
                  -هل تريدني أن أتكلم؟
                  -الكلام يسلي يا أرمد.....أم أنك لم تكتشف هذا بعد؟
                  -أعرف ذلك، لقد تكلمت مع أبيك لسنين طويلة......لكن فقط عندما يطلب مني ذلك.
                  -أبي كان مربياً صالحاً.......ليتك كنت تفقه شيئاً عن الحب يا أرمد، لكنت كلمتك عن قلبي الذي حطمته حسناء قاسية متجبرة.
                  -لعلك تقصد ريم!
                  -ويلك يا حمار....كيف عرفت أنها ريم ؟؟؟؟؟
                  -أنا كما قلت حمار، وأذناي كبيرتان.....أسمع ما يقال هنا وهناك.
                  -ممممم.....حسناً يمكنك المشي....هل يضايقك لو دخنت فوق ظهرك؟
                  -يمكنك أن تفعل ما تريد، بالمناسبة........أبوك كان يكره شيئين......أحدهما التدخين.
                  -أعرف أنه كان يكره التدخين، و ما هو الأمر الآخر؟
                  -كنت دوماً أتمنى أن أرتدي نظارة شمسية، لكنه رفض أن يشتري لي واحدة.
                  -وهل فعلاً خطر في بالك أن ترتدي نظارة شمسية؟!؟!........لاشك أنها ستكون بدعة كبيرة في عالم الحمير.
                  -هذا بالضبط ما قاله أبوك.
                  -دعنا من أبي فقد مات يرحمه الله وعد بنا لحديثنا السابق عن ريم.
                  -كما تريد.....أنت مفتون بها بشدة.
                  -آهـ يا أرمد.....يحق لها ذلك فجمالها باستطاعته فتنة الحمير قبل البشر...لكنها لم تكن قاسية من قبل، كانت تسقيني الشهد والسكر وأصبحت تسقيني المر والعلقم!!!!ليتني أعلم السر.
                  -ربما للأمر علاقة بما كان منك مع تلك المرأة.

                  تعليق

                  • سالم الجابري
                    أديب وكاتب
                    • 01-04-2011
                    • 473

                    #10
                    -ماذا ؟!؟!؟....لم يكن مني شيء مع أي أحد أيها الحمار الجاهل، فأنا كما يعلم الجميع مثال للإستقامة والورع.....المشكلة أنك حمار وإلا لرأيت كيف هو قدري بين البشر، قل لي يا صاحب الأذنين الكبيرتين، ماذا سمعت عني ؟
                    -أنت تقول لاشيء!!!! إذن أنا لم أسمع شيء.
                    -حسناً لنسمع منك أنت إذن.....هل تعرف الحمير الحب؟
                    -بخلاف الإجابة التي تنتظرها.....نعم ، الحمير تحب، أنا الذي يمشي بك فوق ظهره الآن كان لي في شبابي قصة حب.
                    -أحقاً ما تقول!!!! يا للعجب......قصها علي أرجوك وسأنزل وأمشي بجانبك إن كان ذلك يريحك.
                    - يمكنك البقاء فوق ظهري، لقد تعودت الأمر........قصتي كانت يوم كنت حراً في البرية...
                    -قبل أن تكمل.....عندما تقول "حراً"....هل تتكلم بمنطق الحمير أم بمنطق البشر؟
                    -هل ترى فرقاً ؟
                    -هناك فرق كبير أيها الحمار، ما نفع الحرية للحمير؟!!؟.......يوم كنت حراً كما تقول لم يكن هناك من يعتني بك، ويعلفك، ويسقيك، ويأويك......فما قيمة حريتك حينها!.
                    -ولم يكن هناك من يركب ظهري أيضاً.....أظننا متفقين على هذا.
                    -كيف يمكن أن أتفق مع منطق الحمير؟!.....اترك هذا الجدل وعد لسرد قصة حبك.....حب الحمير!!.
                    -كما تريد.....كنت يوماً أرعى في أحد الوديان، أتتني مع الريح رائحة من أعلى الوادي، أعرف تلك الرائحة.....رائحة أنثى تطلب الذكر....تنشقت الرائحة كأنها مسك فُتّ في منخري، تتبعت الرائحة حتى أشرقت عيناي برؤية أنثى بيضاء صغيرة ترتع لوحدها، نصبت أذنيّ ورفعت رأسي وفرجت رجلي ،نفخت بمنخري لأعلمها بوجودي......ليتك رأيت وقفتي حينها، لقد سحرتها تلك الوقفة وأمالت أذنيها للخلف في إشارة لي لأتبعها، ركضتْ، وركضتُ خلفها، كانت تقصد المنطقة المفتوحة من الوادي، عرفت أن نارها متقدة وأنها تتعجل اللقاء، كانت تسبقني بأقل عن عشرين خطوة، وما إن بلغت براحة الوادي حتى وقفت واستعدت.......كانت رائحتها في تلك اللحظة تتدفق في الهواء كالحمم، وقفت ورفعت رأسي وأغمضت عيني أستنشق تلك النار حتى بلغ بركاني غايته وقارب على الإنفجار......لكن........يا للأسف.....ما إن فتحت عيني حتى كان هناك حمار آخر قد بدأ بإطفاء نيران تلك الجميلة.......يبدو أنه كان مختفياً خلف صخرة كبيرة على جانب الوادي.

                    -هل هذا كل شيء؟!!؟
                    -نعم هذه كل القصة.
                    -آهـ....نسيت أنك حمار وأن فتاة الوادي تلك كانت حمارة.....كنت مخطئاً ، توقعت قصة حب حقيقية.....أتعرف أني بدأت أحسدك....بهذا الشكل تستطيع أن تحب كثيراً دون أن تتحمل أي أعباء.

                    -جاء دورك الآن لتخبرني عن قصة حبك.
                    -هاها.....هل أنت جاد.....لابد أن أكون مجنوناً لأحكي قصة حبي لحمار بأذنين طويلتين.
                    -لكنك استمعت لقصة حبي للتو.......ألم أكن ذات الحمار؟!!؟
                    -كانت قصتك سيئة ومحبطة للغاية..........بدلاً عن ذلك، أخبرني كيف يمكنك الكلام والتفكير وأنت حمار من نسل حمار!!!.....لماذا أنت دون بقية الحمير.
                    -هل تستكثر علي هذا الأمر؟!........بالطبع هناك سبب وقصة، لكني لن أخبرك بشيء ....... فلابد أن أكون حماراً مجنوناً لأحكي شيئاً كهذا لإنسان.
                    أغاظني رده ذاك فسكت عنه، واصلنا السير حتى كدنا نصل لأول الطريق الجبلي وبدأت مقعدتي تؤلمني بسبب عدم اعتيادي على الركوب ، قررت أنني بحاجة لبعض الراحة استعداداً للوعورة في الجزء المتبقي من الطريق. توقفنا في ظل سمرة لبضع دقائق، شربنا بعض الماء وأكلنا بعض التمر، وأنا أنظر له تخيلته بالنظارة الشمسية فضحكت حتى استلقيت على قفاي وهو ينظر لي ببلاهة الحمير دون أن ينطق. استأنفنا السير، فضلت أن أمشي بجانبه لأريح مقعدتي، ثم اضطررت للركوب بعد أن صارت الطريق حجرية وصعب علي المشي عليها.
                    ما كان يشغلني في لحظات الصمت تلك هو عجبي من هذا الحمار المتكلم، وفي الجانب الآخر رغبة أخي في الحصول عليه والتخلي عن كل شيء في المقابل، من المؤكد أن لدى هذا الحمار ما هو أثمن من البيت والمزرعة، وإلا لما طمع فيه أخي.....قررت محاولة استدراجه
                    -اسمع يا أرمد.....أنت لا تريد أن أسلمك لأخي.....وأنا أيضاً أريدك أن تبقى معي لكن...
                    -لكنك تريد البيت والمزرعة، وهو اشترط عليك تسليمي له....أليس كذلك؟
                    -نعم هو كذلك....لابد أن عندك شيئاً يريده وهو ثمين بلاشك!!!
                    -وهل ترى عندي أي شيء ثمين....نعم أذناي جميلتان لكنهما لا تصلحان له؟!
                    -أرمد......أنا متأكد أن للأمر علاقة بقدرتك على الكلام.....أخبرني ولا تراوغ.
                    -إن أخبرتك بما تريد فهل ستخبرني بقصتك مع ريم وتلك المرأة الأخرى؟
                    -ما هو سر اهتمامك الآن بقصة حبي لريم؟!
                    -أريد معرفة الفرق بين حب البشر وحب الحمير.
                    -سأخبرك بما تريد يا أرمد، لكن أخبرني أولاً أنت؟
                    -حسناً......قل لي قبل كل شيء ....... هل تؤمن بالأساطير؟
                    -إني أركب فوق واحدة منها الآن.
                    -إذا كنت تعتبرني أسطورة فهذا يشعرني بالفخر.

                    تعليق

                    • سالم الجابري
                      أديب وكاتب
                      • 01-04-2011
                      • 473

                      #11
                      -قلت لك أن تكف عن المراوغة .....هيا أخبرني بالسر.
                      -سأخبرك ..... لكنني تعبت من الصعود والنزول على هذه الحجارة الصلدة وأنت مستريح على ظهري كالعروس.......ما رأيك لو جلسنا قليلاً.
                      -لا مانع يا أرمد.....نحن بحاجة للراحة على كل حال، ولا تمن عليّ بظهرك النحيل هذا، لقد آلمتني مقعدتي من عظم ظهرك الناحل.

                      وهكذا توقفنا تحت سدرة في أحد الوديان، كانت الشمس قد اقتربت من كبد السماء وكان لابد من الراحة على كل حال، قدمت له بعض الماء والتمر وجلست بقباله أنتظر أن يفرغ ، بعد أن أكل فاجأني بأمر
                      -لا أظنك تريدني أن أتبول هنا أمامك، خذني لقرب تلك السمرة هناك.
                      -ألا تستحي؟!.....إذهب لوحدك وافعل ما تريد ثم ارجع لهنا.
                      -لا أستطيع......لقد تعودت على أن يقودني أحد ..... إما أن تأخذني وتعيدني أو أفعلها هنا.
                      وهكذا أخذته ليقضي حاجته ثم عدنا لمكاننا الظليل تحت السدرة وشرع أرمد في الكلام
                      -هل سمعت يوماً بأسطورة أحجار المعرفة؟
                      -لا لم أسمع بها......ماهي؟.
                      -تقول الأسطورة أن الشجرة التي أكل منها آدم في الجنة هي شجرة المعرفة، قطف من ثمارها وأكل فاكتسب المعرفة، فصار لزاماً عليه حينها تحمل المسئولية فأهبط إلى الأرض. كان قد بقي عنده بعض تلك الثمار فألقاها وهو نادم على أكلها، ولأنها لا تنمو على الأرض فقد تحجرت مع مرور الزمن وانتشرت في الأرض، وأيما كائن ابتلع شيئاً من تلك البذور المتحجرة تفتقت المعرفة في ذهنه كعيون الماء الجارية.
                      -وهل ابتلعت أنت أحد تلك الأحجار يا أرمد؟
                      -ربما.
                      -ربما!!!!!!.....ماذا تعني بربما؟
                      -أعني أني لست متأكداً .....في أحد الأيام التي أنهكني العمل مع أبيك وأخذ مني الجوع كل مأخذ هربت منه للصحراء، وأخذت في أكل كل ما بدا لي يشبه طعامي، وفي صباح غدي صرت أنا الذي أكلمك الآن......ربما ابتلعت حجراً دون أن أشعر من شدة الجوع وكان هو حجر المعرفة.
                      -وماذا يحدث للحجر عندما يبتلعه أحد؟
                      -تقول الأسطورة أن الحجر يذوب في الجسم وينتقل أثرة إلى الذرية من الأب إلى الإبن.
                      -هذا يعني لو أنك تزوجت بحمارة فستنجب جيلاً من الحمير الناطقة المفكرة!؟
                      -هذا ما تقوله الأسطورة.
                      -لا عجب إذن أن يتخلى أخي عن كل شيء مقابل أن يحصل عليك....لعله سيتخلى عن أحد أبناءه أيضاً في سبيل ذلك.....كم برأيك يساوي حمار ذكي متكلم ..... لكن كيف عرف أخي هذا السر، هل تعتقد أن أبي أخبره ؟
                      -بل الخطأ كان خطأي أنا.......كان أخوك معجب بانقيادي السهل لأبيك، وكان يريد حماراً مثلي لأولاده، قبل سنوات جاء بحمارة أنثى وطلب من أبيك أن يبقيها معي لليلة أو ليلتين في الحظيرة حتى ألقحها، مع جمالها وشبابها واستدارتها التي تتسمر في وسطها العين إلا أني كنت واثقاً أني لن أتهور معها، مر اليوم الأول دون أن أقترب من تلك الأنثى المسكينة التي كانت تطلب مني اللقاح وأنا أصدها، في اليوم الثاني لم يقدم لي أبوك شيئاً للأكل، بقيت أتضور من الجوع حتى المساء، ثم جائني بطعام غريب لم أذق مثله من قبل، التهمته بشراهة كبيرة بسبب الجوع، وليتني لم أفعل. لقد فعل ذلك الطعام فيّ فعله، كان أخوك قد وضع فيه دواء جعلني أُجنّ، لم أقدر على منع نفسي عن تلك الأنثى، رويتها عدة مرات حتى خاف عليها أخوك وأخرجها من الحظيرة. عرفت أني وقعت في مكرهم لكن لم يكن باليد حيلة. بقيت بعدها أنتظر أخبار ولادة ابني من تلك الأنثى، وجائت الأخبار كما توقعت. ولد الصغير ذكياً ناطقاً، ولما فطن أخوك للأمر أراد أن يكتم أمره فعزله في عزبة منفصله في الصحراء ومنع كل أحد من رؤيته، وفي صباح أحد الأيام وجده ميتاً بسبب لدغة أفعى، ورغم الألم الذي خلفه موته في قلبي إلا أنه أراحني من شعور عظيم بالذنب.
                      -اسمع يا أرمد.....ما رأيك؟....سأنسى أمر تسليمك لأخي، لكن لي شرط...سأحضر لك من الإناث ما تشاء وتنجب لي حميراً مثلك ناطقين أذكياء.
                      -لا أقبل.
                      -لا تقبل؟!!؟.....هل أنت مجنون؟....سأشيد لك حظيرة فاخرة ومكيفة، وسأقدم لك أجود أنواع العلف والتمر وكل ما تشاء.....ولن أكلفك بأي عمل سوى تلقيح الإناث....لا يمكنك أن ترفض هذا.
                      -بل أرفض.....وأرفض.....وأرفض، ذلك بالضبط ما يريده أخوك مني.
                      -يا للعجب...ولماذا ترفض.
                      -أرفض لأني لا أريد أن يعيش أبنائي عبيداً لكم، تعلفونهم وتركبون على ظهورهم.
                      -لكن هذا شأن الحمير دوماً يا أرمد.
                      -نعم...هذا شأن الحمير، وليتني بقيت حماراً مثل بقية الحمير ولم أبتلع حجر المعرفة، لكنت الآن سعيداً بحياتي.
                      -إذن سأسلمك لأخي.
                      -أنت وما تريد......إن كنت تذكر فقد وعدتني بأن تروي لي قصتك مع ريم.
                      -أعترف أنك عكرت مزاجي ولم يعد لائقاً به الكلام عن جميلة مثل ريم، لكني لا أمل الحديث عنها في كل وقت. تعرف أني معالج شعبي، وأكثر زبائني من النساء....أعالجهن من العين والمس والسحر وأكتب لهن الحجب.
                      -أعرف كل هذا، كما أعرف أن لك الكثير من الكرامات والأشياء العجيبة التي يتناقلها الناس عنك.

                      تعليق

                      • سالم الجابري
                        أديب وكاتب
                        • 01-04-2011
                        • 473

                        #12
                        -الحمد لله أنك تعرف هذا........إذن لتعلم قدري حين أمتطي ظهرك وأشعر بالفخر واشكر النعمة.
                        -لكنني لست كذلك على الإطلاق....بل أشعر أني حمار.
                        -هذا لأنك فعلاً حمار......ولو وضعوا أذكى عقل في رأسك لبقيت حماراً.
                        -هل لي أن أسألك سؤالاً..........عندما كنت أركض خلفك بالأمس والراكب الآلي على ظهري، لماذا كنت تهرب مني؟
                        -اعتقدت لبعض الوقت أن شيطاناً دخل في الراكب الآلي ويحاول أذيتي وهو يمتطيك.
                        -شيطان!!!! لكنك لا يجب أن تخاف من الشياطين.....ما هي أخبار صديقك الشيطان الأحمر .
                        -ويلك أيها الحمار، وكيف تعرف هذا الأمر؟!؟!.
                        -أذناي كبيرتان كما ترى......وبما أني حمار كما تقول فأنا أسمع حتى كلام الجن والشياطين.
                        -هيا أخبرني بما سمعت.
                        -قد لا يعجبك خبري وتغضب مني.
                        -قلت لك أخبرني.
                        -حسناً ...... إذا كانت هذه مشيئتك....سمعت من بعض الجن أنك اجتهدت في تعلم العلوم الخفية وترويض الجن على يدي أحد المعلمين، وقد أظهرت نبوغاً في ذلك الأمر، كان حلمك هو أن تصل لاستصحاب الشيطان الأحمر ذو القوة العجيبة الذي كان يصحب معلمك ويظهر له ما كان الناس يحسبونه كرامات، وعندما حضرت المعلم الوفاة قال لك أن تنتظر عند بابه إلى أن تأتيك دابة فتركب عليها في الليلة التي تلي وفاته، في تلك الليلة انتظرت حتى منتصف الليل......جاء جمل أحمر ضخم وبرك لك......ركبت عليه وارتفع بك بين السماء والأرض.....ثم هبط في صحراء خالية وطلب منك النزول......وإذا بالجمل الأحمر قد صار رجلاً ضخماً......طلب أن يفعل بك ما كان يفعله بمعلمك لقاء ما سيقدمه لك، و....
                        -أسكت أيها الحمار الغبي القذر ال.....
                        لقد أثار جنوني حينها، وبدأت أضربه ضرباً شديداً على كل أنحاء جسمه وهو ناكس رأسه، لم أتوقف حتى كلّت يدي وتكسر كل ماستطعت أن أضربه به. بعد أن هدأت جلست وأسندت ظهري لجذع السدرة، الآن لا يمكن أن أسلمه لأحد خشية أن يفشي ذلك السر الذي يعرفه عني، وبعد تفكير طويل قررت أن لاحل سوى قتله والتخلص منه، ولو كان معي سلاح لقتلته حينها في وقفته تلك، إلا أني وجدت نفسي مضطراً للعودة به وتدبير أمر قتله في البيت. دون أن أكلمه أمسكت بلجامه وقدته متبعاً الطريق التي جئنا منها، كان الوقت عصراً والشمس في وجوهنا، لم أستطع الركوب عليه بسبب إحساسي بالألم في موضع الجلوس، خرجنا من الجبال إلى السهل وقد احمرت الشمس، حينها بدأ هاتفي في استقبال الرسائل النصية والمكالمات، وأكثرها كان من أخي الملح في طلب الحمار.....إحدى تلك الرسائل النصية كان يقول فيها أنه ينتظرني في البيت ليأخذ أرمد بنفسه، وهذا عنى لي حينها أني لا أستطيع العودة للبيت قبل التخلص من أرمد، غربت الشمس وربطت أرمد في جذع سمرة، كانت المرة الأولى التي أربطه فيها منذ أن عرفت حقيقته، ورغم أنه لم ينطق بشيء إلا أنه من المؤكد أنه كان يدرك سوء نيتي به.
                        جلست على مسافة منه أفكر في أي وسيلة للتخلص منه، تمنيت لو تأتيه الذئاب أو الضباع فتنهش لحمه حت تأتي عليه، طال بي التفكير حتى شعرت بالجوع والعطش، كان الماء والتمر ما يزال على ظهره فذهبت إليه، أخذت الماء والتمر وهممت بالابتعاد، رفع رأسه قليلاً وقال
                        -الليل طويل والكلام يسلي........متى ستفي بوعدك عن قصة ريم؟
                        كنت أنوي تجاهله لكن شوّقني الكلام عن ريم، وما الضير في تمضية بعض الوقت معه حتى أسكن جوعي ببعض التمر والماء، وبما أني سأقتله وأتخلص منه على كل حال فأستطيع أن أحكي قصة ريم دون إخفاء شيء كما كنت أنوي من قبل.
                        -لا بأس يا أرمد.....أظن أن لدينا الوقت للاستمتاع بذكرها تلك الجميلة. ذات يوم جاءت جارتنا أم علي تتبعها إمرأة حسناء بدت في الأربعين من عمرها، وجهها كأنه قمر رغم أمارات البؤس والفقر. لم أستطع رفع عيني عنها حتى رأيت الشمس التي كانت تمشي وراءها، كانت تلك هي ابنتها وحبيبتي ريم، كانت تبدو في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، جسمها ممتلئ وثمارها في أول نضوجها النضوج. جلست المرأتان أمامي وهي وراء أمها، كنت أختلس النظر لها متحاشياً نظرات أمها. بدأت جارتنا أم علي تبكي وتندب حظ تلك المرأة، قالت إن زوجها يهجرها لأيام عديدة ولم يعد ينفق عليها وعلى ابنتها، وأنه وقع في حبائل امرأة أخرى. طلبت من جارتنا أن تخرج لأسأل المرأة عن خاصتها مع زوجها، ولما خرجت سألت المرأة إن كان زوجها يطارحها حين يأتي البيت، حينها نظرت في عين ريم فرأيت البسمة المطموسة وسطها، ردت علي الأم بأن زوجها لا يأتي إلا كل أسبوعين أو ثلاثة، وأنه لا يبقى سوى يوم أو يومين ولا يقربها أثناء ذلك.
                        أخبرتها أن زوجها قد ربط عنها بسحر، صنعت لها بخوراً لتتبخر به عندما يأتي وكتبت لها شيئاً تذيبه في الماء وتستحم به. اعتذرت أنها فقيرة جداً ولاتستطيع أن تدفع لي شيئاً فبينت لها أني لا أطلب شيئاً وأن ذلك كان لوجه الله، سألتها عن بيتها فعرفت أنها تسكن في أحد البيوت القديمة بالقرب من المزارع.
                        في المساء أخذت بعض المواد الغذائية وذهبت لبيت المرأة كما وصفته لي، أوقفت سيارتي في زاوية البيت المظلمة وطرقت الباب، فتح الباب وأطلت الجميلة بوجهها، زادني لهفتي عليها لمعان عينيها، خفضت بصري بعد أن أوجعني جمالها في قلبي، أخبرتها أني أحضرت لهم شيئاً، تبسمت والتفتت للداخل تنادي أمها، جاءت الأم، ولما رأت ما أحضرته أمطرتني بالشكر والدعاء، كانت الأشياء ثقيلة ولذلك كان علي أن أدخلها بنفسي، كان الفقر يسكن بكل مكان من ذلك البيت، وضعت الأشياء في المطبخ، يكاد أن لا يكون به شيء، عند باب المطبخ من الخارج لاحظت موقداً للنار، وكأنهم يستعملون الحطب بدل الغاز، كل الغرف مظلمة باستثناء مصباح وحيد عند باب المطبخ يضيء ساحة البيت، بعد أن انتهيت من إدخال كل شيء عزمت علي الأم لأخذ فنجان قهوة، أشفقت عليها لظني أن ليس لديها قهوة، لكنها أصرت وأسرعت لفرش حصير قديم وسط الساحة، لم تترك لي خيار سوى الجلوس، جلست ريم على طرف الحصير، لم أعرف أين اختفت الأم، نظرت لريم فإذا بها قد احتضنت ركبتيها إلى صدرها في جلسة طفولية، قالت
                        -شكراً لك يا عمي.
                        -لا تشكريني، هذا واجب علينا....أين ذهبت أمك؟
                        -لابد إنها ذهبت لتحضر قهوة من عند جارتنا، كل شيء نحضره عند الجيران، إنهم طيبون ولاندري لولاهم كيف كنا سنعيش.....حتى الكهرباء قطعت عنّا فزودنا الجيران بوصلة لإضاءة هذا المصباح.
                        -ليس عليك أن تقلقي بعد اليوم، ما دمت موجوداً فلن تحتاجي لشيء ؟
                        -شكراً لك يا عمي.....أنت ساعدتنا بما فيه الكفاية.
                        -لا تخجلي مني وليس عليك أن تناديني "يا عمي"....أنا ما زلت في الثلاثين .... نادني حميد؟
                        -أخجل أن أناديك باسمك....أنا اسمي ريم.

                        تعليق

                        • سالم الجابري
                          أديب وكاتب
                          • 01-04-2011
                          • 473

                          #13
                          -لا لا تخجلي أرجوك......هل تدرسين؟
                          -لا...تركت الدراسة حين تزوجت قبل سنتين.
                          -أنتِ متزوجة!؟!؟.
                          -زوجني أبي لرجل غريب، بقي معي لشهرين ثم اختفى.....بعدها عرفت أنه توفي.
                          فاجأتني الأم بدخولها وأنا أنظر في ذلك الجمال الخجول . جائت بالقهوة والتمر ووضعتها أمامي، لم تترك دعاءً إلا ودعت لي به، كانت في غاية الإمتنان لما أحضرته لهم، سألتها عن موعد قدوم زوجها فقالت أن ليس له موعد محدد، قد يأتي مرة في الشهر أو مرتين. سألتها إن كانت تريد شيئاً فسكتت، ثم نظرت لريم وكدت أذوب في عينيها، التفتت لأمها وأخبرتها أني سأتكفل بإعادة الكهرباء، فرحت الأم المسكينة وبدت كالطفلة وهي تشكرني.
                          في الليلة الثانية ذهبت حاملاً اسطوانة غاز جديدة، وكنت قد دفعت فاتورة الكهربا في الصباح فكان البيت مضاءً بخلاف الليلة السابقة، دخلت وأشرق قلبي بتلك الجميلة، في هذه المرة اقتربت مني أكثر وبدت مرتاحة في جلستها، خرجت الأم كما يبدو لبيت جارتها فكانت فرصة لأعطيها قلادة ذهبية اشتريتها لها، عندما أخرجتها من جيبي ومددت بها يدي شهقت من الفرحة
                          -هذه لي أنا؟!؟!؟!
                          -نعم لك ياريم.....هيا خذيها.
                          -هل تعلم أني حتى في زواجي لم أحصل على شيء ذهبي.
                          أخذتها وقد سالت دموع الفرحة الصافية من عينيها ثم ظلت تنظر لها بإعجاب.
                          -هل أستطيع أن أرتديها؟
                          -بالطبع تستطيعين.....هي لكِ، فقط احرصي أن لا تراها أمك.
                          لفت القلادة حول عنقها وحاولت شبك طرفيها خلف رقبتها، كانت تستعجل ذلك فلم تفلح وسقط غطاء رأسها على كتفيها، اقتربت مني واستدارت نحوي برقبتها، كاد عقلي يطير بها وبالكاد استطعت شبك طرفي القلادة. عادت لجلستها وهي تتلمس حرف القلادة بين ثمار صدرها. صحوت من غيبوبتي على صوت اصطدام الصحن بالباب عند دخول امها.
                          أدمنت حب تلك الصغيرة، كل ليلة أذهب لها حاملاً شيئاً ما، وسقط بيننا حاجز الحياء، صارحتها بهيامي بها وما كانت تمكنني من نفسها إلا بقدر ما يزيد لهيبي، في إحدى الليالي حملت لها ثوباً جميلاً، عزمت أن لا أعطيها إياه حتى تمكنني من نفسها ولو بثيابها، عندما جلسنا استأذنت أمها لتغسل الثياب وطلبت من ريم أن تقدم لي واجب الضيافة، دخلت ريم للمطبخ لتعد القهوة وأنا أنظر لها من مجلسي في وسط الساحة، كانت تتعمد إشعال ناري، مرة باستدارتها ومرة بمص إصبعها الذي لفحته حرارة النار.....لم أطق صبراً، حملت الثوب لها ودخلت، أطار الثوب عقلها حين فردته على طولها، استدارت به في اتجاه الباب حيث اشعاع المصباح، لم أطق صبراً عليها فاحتضنها من الخلف.....سكنت فلم تتحرك أو تتكلم.....ثم أسندت وجهها لجانب الباب وضمت يدها لصدرها وكأنها أسلمت لي.....ثوانٍ قليلة....ولو طالت لثوانٍ أخرى لكانت كافية.....طفرت القهوة التي كانت على النار وسقط غطاء الإبريق على الأرض ووقع صوته علينا كالقنبلة،صرخت ريم من المفاجأة.... فكت يدي عنها وطلبت مني الخروج من المطبخ قبل أن تأتي أمها، خرجت وأنا أترنح من سكرتها وعدت لمجلسي.
                          تلك الليلة أصابني الجنون، وربما لو صادفت حمارة من جنسك لكنت أتيت عليها.......هل مازلت تستمع لي يا أرمد؟
                          -بالطبع.....لم يفتني حرف واحد.....لكني أنتظر الجزء المهم لأعلق عليه.
                          -وهل كل ما حكيته حتى الآن لا يستحق التعليق؟
                          -من وجهة نظر حمار مثلي لا......أنت حتى الآن لم تصب الهدف.
                          -آهـ......نسيت أنك حمار ولا هم لك سوى الحُفر.
                          -وما عيب الحُفر!!!!! أليس كل شيء يخرج من حُفرة ويدخل في حُفرة؟!؟!.
                          -تحتك الأرض واحفر قدر ما تشاء ودعني أكمل القصة ......عدت في الليلة التالية بهدية أثمن لريم، ولم أنسَ أمها هذه المرة، صارت تغرقني بهواها أكثر كلما كانت الهدية أغلى، وكان طول غياب الأم أيضاً مناسباً لهديتها........صحيح أني كنت أنفق كل ما عندي عليها لكن لم يهمني ذلك.......همي بدأ منذ حوالي الشهر، يومها أتتني ريم وأمها صباحاً، تحرجت من وجودهما وطلبت منهما الإنصراف إلا أنهما رفضتا الذهاب قبل الحديث معي، كانت ريم تبكي وأمها مغتمة بشدة، سألت الأم
                          -ماذا أتى بكما إلى هنا ولماذا ريم تبكي ؟
                          -لقد أتى أبوها البارحة بعد أن ذهبت، كان شديد الغضب بعدما سمعه من ترددك الدائم علينا في الليل، سأل عنك فأخبرناه أنك تساعدنا وتعيننا على أمورنا وأنك رجل فاضل، لكنه كان شديد الغضب وأخذ يضربني ويضرب ريم.......لقد هربنا من البيت بثيابنا فقط وها نحن بين يديك الآن وليس لنا بعد الله إلا أنت......لا أهل لنا غيرك ولا أحد يرحمنا على الأرض سواك.
                          كنت أخاف أن يراهما أحد عندي فأفتضح، أعطيتهما بعض المال وواعدتهما في المساء عند المستشفى، قضيت طول النهار أبحث عن بيت للإيجار في مكان لا يعرفني فيه أحد حتى أتردد على ريم بسهولة، وجدت بيتاً في إحدى الحارات القديمة، وفي المساء أوصلتهما للبيت وأعطيتهما بعض المال لشراء الضروريات. استقرت أمورنا مرة أخرى، ولكن فقط حتى حين، ذات ليلة لمّا اختليت بها بكت......
                          -ماذا يبكيكِ يا حبة الرمان؟
                          -حميد....أنا حامل.....كنت أشك منذ بضعة أيام لكني اليوم تأكدت.
                          كأن قطعة خرسانية سقطت على رأسي من سقف الغرفة......وكأنه يوم الحساب، ذبلت كل نقطة في جسمي وأحسست أني كبرت مئة سنة، بل لقد خرجت من عندها وظهري قد انحنى. لم أعد لها إلا بعد ثلاثة أيام، فوجئت بوجود سيارة أمام الباب، لابد أنه أبوها قد اهتدى للبيت مؤخراً، بقيت في السيارة أراقب من بعيد.....انتظرت لفترة طويلة حتى انقضى أكثر من نصف الليل، ثم خرج من البيت شاب في مقتبل العمر، لم يغلق الباب وراءه، أسرعت للدخول، صادفت ريم وهي قادمة لإغلاق الباب.....فاجأها دخولي، كانت ترتدي رداءً فاضحاً....سألتها من يكون الخارج، قالت إنه أخوها ولم تذكر لي يوماً أن لها أخ.....ثم ظهر ابن عمها.....وابن عمتها...وغيرهم كثيرون مرّوا وشربوا من غديرها وأنا أراقب.....عرفت ما كان يجري، ومع ذلك رضيت وسكت ودفعت لها إيجار البيت واستدنت المال لشراء الهدايا، لكنها تطلب المزيد والمزيد، وقد تطردني إن جئتها خالي اليدين.........المصيبة الكبرى حين تضع مولودها........أي فضيحة ستلحق بي حينها!!!!.....هذه هي قصة ريم يا أرمد.
                          -لكنها ناقصة......إنك لم تأت ِ بالجزء الأهم...... بداية القصة.
                          -بل أتيت بها كلها، لعلك كنت حينها تفكر في حمارة الوادي ولم تسمعني؟!؟!؟
                          -سأذكرك بشيء......هل تذكر زوجة مهدي التاجر عندما أتتك في إحدى الليالي لتتطبب عندك.........هل لازلت تذكرها؟!؟!.
                          -حمار خبيث!!! ....ما أشد حبك لهذه الأمور.....بالطبع أذكرها....
                          في إحدى الليالي عدت للبيت لأجد سيارة فارهة أمام الباب، وما ان نزلت من سيارتي حتى فتح باب تلك السيارة ونزلت مليحة زوجة مهدي التاجر، كنت أعرفها وهي لا تعرفني، رغم أن أولادها في سن الزواج إلا أنها مازالت تخطف البصر، جاءتني رائحتها مع الهواء فاشتقت لها..... سلمت علي وسألتني إن كان البيت هو بيت الشيخ حميد
                          -نعم وصلتي.....هذا هو البيت وأنا الرجل المقصود......تفضلوا للداخل.
                          -أنا أنتظر هنا منذ بعض الوقت، كدت أذهب......أخيراً أتيت، لقد أتيت من مكان بعيد.
                          دخلت المرأة مع سائقتها الفلبينية، وبعد عدة تلميحات فهمت منها أن زوجها لم يعد يعاشرها وتشك بأنه يعاشر أخريات غيرها، وضعت بعض البخور لأشعل أنوثتها وخرجت عنها لفترة قصيرة، دهنت يدي ووجهي بالصندل لأزيد من تأثيري عليها، عدت فإذا هي قد ارتخت في جلستها، أخبرتها أني حسبت لها ولزوجها وأن السحر قد عمل لها وليس لزوجها
                          -لي أنا يا شيخ....من عمله لي؟.

                          تعليق

                          • سالم الجابري
                            أديب وكاتب
                            • 01-04-2011
                            • 473

                            #14
                            -لا ترتاعي، هو سحر ضعيف ويمكن فكه بسهولة، من عمله لك أراد لزوجك أن يكرهك.....كان يصور له صورتك قبيحة كلما نظر إليك.
                            -أرجوك فكه عني يا شيخ ولك مني ما تريد.
                            بدأت أهمهم.....وتلوت بعض الطلاسم.....ثم هززت رأسي وصحوت من غيبوبتي، طلبت منها إخراج السائقة الفلبينية لأن الجان الذي يأتيني لا يحب غير المسلمين. خرجت السائقة ، وضعت المزيد من البخور واقتربت منها، وضعت يدي على رأسها وتلوت عليها ما أتلو لإخراج الجن والشياطين.....لكن لم يحدث شيء
                            -هذا الشيطان يخشى الخروج منك.
                            -لماذا يا شيخ؟
                            -أنت على طهارة، ويخاف أن يحترق إن حاول الخروج......لابد أن تكوني جنباً......لكن لا تقلقي سأتدبر الأمر......
                            عدت للطلاسم ومسحت على وجهها بالصندل....بدأت ترتخي شيئاً فشيئاً...قربت وجهي من وجهها فكانت بغيتها مني أكثر من بغيتي لها......بعد سويعة كان الشيطان قد خرج منها وزال عنها الكدر والخوف....خرجت وهي مبتهجة بعد أن أعطتني بعض المال، طلبت منها أن تعود إن لم يعد زوجها لطبيعته. ما رأيك أيها الحمار، لابد أنك توافقني أني أصبت الهدف هنا وبسرعة.
                            -أوافقك أن الهدف أصيب....لكنك كنت مجرد أداة، من أصاب الهدف هو ذلك الشيطان الأحمر.
                            -لا تأتي على ذكره مرة أخرى وإلا ضربتك أكثر مما ضربتك حين ذكرته أول مرة.
                            -أمرك....لن أذكره......هل تذكر حين قلت لك أن لأمر ريم علاقة بالمرأة الأخرى؟.......أنت أنكرت الأمر.
                            -نعم أذكر......هل تقصد مليحة زوجة التاجر!........ومالها ومال ريم؟!؟!
                            -لو كنت حماراً لعذرتك......مليحة عندما ذهبت عنك وجدت في نفسها ما فعلته بها وهي في سكرتها.....أرادت أن ترد لك الدين، فاستأجرت ساقطتين هما ريم وتلك المرأة التي حسبتها أمها، دفعت لهما المال ورسمت لهما الخطة ليوقعا بك........هذه هي بداية قصتك مع ريم يا.......
                            -إقطع.... وإلا اقتلعت لك عينك الصحيحة.
                            -غضبت؟!؟!؟..... إني أعذرك....من يجد نفسه مخدوعاً وهو يظن نفسه ذكياً لابد أن يغضب، لكن هذا لن يفيد بشيء، ريم مازالت هناك تنتظر المزيد من المال وتهددك بالفضيحة، ماذا ستفعل؟.......ستقتلها مثل ما تنوي أن تقتلني...تلك أهداف أخرى لشيطانك الأحمر يريد أن يصيبها بك.
                            -ما أدراك أني أنوي قتلك؟
                            -عندما ربطتني عرفت، لكني أتمنى قبل ذلك أن أريك شيئاً رآه أبوك مني قبل موته.
                            -ماهو......هيا أرني.
                            -يمكنك النظر إليه عند كاحل رجلي اليسرى.

                            استدرت خلفه لأنظر عند كاحله، وما إن طأطأت رأسي حتى عاجلني برفسة قوية على جبهتي أحسست معها أن دماغي ارتجّ في جمجمتي.......غبت عن الوعي، رأيت في غيبوبتي حياتي الماضية، رُدّت علي كل أفعالي أمامي، وكنت أفزع من نفسي وأنا أراها تقترف كل تلك الأمر، حاولت إيقافها لكنها أبت إلا أن تمضي حتى تم العرض للنهاية......أموال أكلتها بالباطل، تقيأت عندما رأيت نفسي آكلها.....أعراض انتهكتها، تمنيت لو تقطّع جزء مني وتتوقف تلك المشاهد التي كنت أراها....كل هذا وذلك الشيطان الأحمر راكب فوق ظهري ويطوق بيديه رقبتي، كان يتعاظم وينتفخ كلما ارتكبت شيئاً.....
                            صحوت وقد بدأت أنوار الصبح بشق الظلمة، وأحسست أن روحي قد اشتاقت للنور بعد الظلمة ، وتمكنت مني قناعة أن النور في الحقيقة، ولابد من مواجهتها.....خلال تأملي كنت أنظر لأرمد وهو يتشمم الأرض بحثاً عن شيء يأكله، أحسست نحوه بعاطفة قوية، وتذكرت وصية أبي عند موته، حملت له ما تبقى من التمر وقدمته له، كنت أمسح على رقبته وهو يأكل، عندما انتهى قال
                            -نومك كان قلقاً هل كنت ترى أحلاماً مزعجة؟
                            -لا......لقد رأيت أني أطلقك لتذهب حراً طليقاً.
                            -آهـ....لكني حمار وتعودت على أن يقودني أحد....لا تصلح الحرية لمثلي.
                            -بل تصلح....الحرية فطرة، ولابد أنها فيك، فقط جربها ولن تستغني عنها.
                            -هل أنت متأكد.....ألا تخشى أن أفضي لأحد بأسرارك؟
                            - أنا متأكد، ولم أعد أخشى الحقيقة.
                            خلعت الزمام عن ارمد وأنا أحس أني أخلع الظلمة عن روحي وعقلي، انطلق حتى اعتلى تلة قريبة والتفت نحوي من فوقها يودعني ثم اختفى وراءها، لم أره بعدها إلا بعد مرور سنة، كانت الأمطار قد هطلت وخرجنا إلى البرّ للفرجة ، مر بنا قطيع مسرع من الحمير، لم تخطئ عيناي ذلك الحمار في المقدمة......كان هو أرمد بعينه.

                            النهاية.

                            تعليق

                            يعمل...
                            X