(5)
المُراقـَب
عاد في وقتٍ متأخرٍ , متعباً إلى منزله . أدار المفتاح بفوهة الباب . هُيئ له أنه سمع حركة خافتة داخل الشقة ؛ ما كان ليميزها لولا قوة ملاحظته . تنبهت كافة حواسه دفعة واحدة , و استُنفرت كل قواه , أغلق الباب خلفه في هدوء , مشى على أطراف أصابعه , و ظهره ملتصق بالحائط , أخذ يفتش عن أداةٍ يدافع بها عن نفسه , أمسك بأحد التماثيل الرخامية في يده , تسلل إلى غرفة نومه , فتح الباب بحذر , امتدت يده تبحث عن مفتاح الإنارة . أضاء الغرفة فجأةً نورٌ ساطع غشى عينيه , فأغمضهما للحظة , ثم فتحهما دفعةً واحدة , وجد كل شئ في مكانه كما تركه..!!
- إلى هذه الدرجة هم ماهرون و دقيقون جداً.. إنهم لم يتركوا أي أثر يدل عليهم.. يبدو أنهم متمرسون في هذا العمل..!!
تكرر الأمر في كل غرف الشقة ؛ إلا أنه لم يجد أحداً البتة , لكنه متأكدٌ أن هناك من يراقبه..!!
- أين يمكن أن يكونوا اختبئوا..؟!
.. تمدد على سريره , القلق يعصف برأسه , و شيءٌ من الخوف يعتمل في قلبه . كيف يستطيع النوم , و هو يحس بأن هناك من يرصد كل حركاته , و يحصي عليه خلجاته..؟! حتى صوت أنفاسه يسمعه عالياً , وكأن شخصاً آخراً بجانبه , يشاركه فراشه. انتابه فجأة هاجسٌ , بات يقيناً..!!
- لابد أنهم وضعوا كاميرات مراقبة .. كي يتجسسوا عليّ..!!
هب مذعوراً ؛ يفتش الثريا المعلقة , كل أركان الحجرة , و زوايا السقف ؛ لكنه لم يجد شيئاً ؛ فازداد توتره . كيف يستطيع أن يبدل ملابسه , و هو يعلم أن هناك من يراقبه..؟!
- حتى الحمام .. بالتأكيد لم يسلم من عبثهم .. و وضعوا فيه كاميرات أيضاً..!!
..إنه لا يتصور أن يراه أحدٌ عارياً , كما ولدته أمه..!!
- أين أختبئ منهم ..؟!
.. فكر أن يتصل بالشرطة ؛ ترى ماذا سيقول لهم ..؟! إنه لا يملك دليلاً واحداً عليهم . سيتهمونه بإزعاج السلطات , ثم سيتركونه وحده معهم , و لن يستمعوا ثانية إليه ..!! قرر أن يتصل بأحد أصدقائه , يطلب منه أن يبيت معه , إلا أنه خشى أن يسخر منه , و من خوفه ؛ في مثل هذا العمر ..!! لربما يتجسسون أيضاً على تليفونه , و يستمعون إلى مكالماته ؛ و هو الذي يتحدث الساعات الطوال , و يفشي أسرار عمله , و مغامرات زملائه..!!
أسقط في يده , و لم يدر ماذا يفعل..؟! لم يطرق النوم أجفانه , فظل مستيقظاً طوال الليل ؛ حتى سمع آذان الفجر ؛ كأنه يسمعه لأول مرة ..!! جاء الصوت عالياً مدوياً في هدأة الليل , فأفاق من شروده , أحس بأن الرهبة ماعادت تساوره , زال ذلك الخوف الذي تَكتّم أنفاسه , أحس بنورٍ يشرح قلبه . ذهب ليتوضأ دون خوف ؛ أن يأتيه أحدٌ من خلفه , و لا من أمامه , عن يمينه أو شماله , من فوقه أو من تحته . شرع يصلي بكامل خشوعه , و مطلق خضوعه .
أسقط في يده , و لم يدر ماذا يفعل..؟! لم يطرق النوم أجفانه , فظل مستيقظاً طوال الليل ؛ حتى سمع آذان الفجر ؛ كأنه يسمعه لأول مرة ..!! جاء الصوت عالياً مدوياً في هدأة الليل , فأفاق من شروده , أحس بأن الرهبة ماعادت تساوره , زال ذلك الخوف الذي تَكتّم أنفاسه , أحس بنورٍ يشرح قلبه . ذهب ليتوضأ دون خوف ؛ أن يأتيه أحدٌ من خلفه , و لا من أمامه , عن يمينه أو شماله , من فوقه أو من تحته . شرع يصلي بكامل خشوعه , و مطلق خضوعه .
.. فلم يرهم بعد ذلك اليوم , لكنهم كانوا يرونه..!!
تعليق