.
.
.
قَهقهةُ الرَّصيفِ
.
قَهقهةُ الرَّصيفِ
الحقيقةُ أني اندهشتُ قليلا. تركتُ يديَّ على مِقبضِ الرِّيح كيْ تعبثا بيديَّ. أنا كنتُ هذا الصَّباح أفتقُ رغوتَه ثمَّ أرتقُها بسُؤال العصافير عن لغةِ الوردِ في مُقلتيَّ. رأيتُ الأغاني على مَفرق الشَّمس تلهو بما خبأ الشعراءُ منَ الجذباتِ، وما وطأ الشعراءُ به لبكاء الشُّرودِ منَ العتباتِ, وهذا الصَّباحُ أنا كنتُ أمشي كما اعتادَ أن يمشيَ الشاعرُ المُختفي في رُؤايَ، كأني على الماء أمشي. فيا أيّهذي الأساطيرُ قولي أكنتُ أنا أم أنا كانَ خيلَ السِّوى في خُطايَ ؟ ويا أيّهذي الأساطيرُ كوني أساطيرَ قلبي لأعرفَ كيفَ أكونُ نِدايَ، وأعرفَ ما يكتبُ الشاعرُ المُختفي في صدايَ، وأعرفَ أنيَ أحدو سُرايَ إلى مُنتهايَ على راحةٍ للصباح. وهذا الصباحُ أفقتُ. وقفتُ. حُيالَ السَّرير إزارٌ تلوَّى. لعليَ طوَّحتُ، أمسِ، به. لم أعدْ أتذكرُ. هلْ كنتُ أحلمُ أنَّ الإزارَ خيوط لمشنقةٍ تتحسَّسُ رأسي لتأخذه ؟ لا. لعلي اقترحتُ على القافياتِ، التي نماها أبو الطيِّبِ المُتنبِّي إليه، التدلي .. لترتديَ العُريَ، فهْيَ لباسٌ له وهْوَ مِنها لباسٌ، وكنتُ اقترحتُ عليها التخلي عن السِّتر فالتفتتْ، بالإزار، إلى ضوءِ قنديلِها حيثما كانَ يلهثُ. بينَ الدُّجنَّةِ والجَذواتِ، اقتباسٌ. كذا قلتُ لي. لا. لعلَّي تَدحْرجتُ منْ سِدرةِ الطين، حين ولجتُ الكلامَ، إلى ذروةِ الحرفِ، فانحلَّ عَقدُ الإزار وما اشتعلَ البردُ، حينَ التَّساقي، فصرنا كما نخلتان، وصارَ الإزارُ سِوارا. أقولُ: ولكنْ لماذا يَدايَ على مِقبضِ الرِّيح تَختلسَان أنايَ لكي يَستفيقَ الصَّباحُ أخيرا كما مُرتآيَ ؟ لماذا اندهشتُ قليلا كأنيَ منْ شاعر ما غوى، أو كأنَّ الصَّباحَ على شفةِ الليل نجمٌ، بأذن القصيدِ هَوى؟ هويتُ أنا فتلقَّفني حجرُ الأين .. ليتَ الفتى حجرٌ .. ليتَ لي حجرا لأباركَ هذي البُحيرةَ بالهذي عندَ فحومل ثمَّ اللوى .. ليتَ هذي البُحيرةَ مني عصاةٌ لتلقفَ إفكَ التجاعيدِ يغفو قليلا ويرفو مساءَ الأناشيد بالقمر المُتحوِّلِ عُمرا أسيلا على مدخلٍ ما استوى .. ليتني حَجرٌ .. قالَ هذا الصَّباحُ .. وكانَ عليلا .. ويا ليتني سَفرٌ .. لأسافرَ بي سلسَبيلا .. فماذا أقولُ أنا: هويتُ وكنتُ على غِيَرٍ قابَ قوسيْن .. أو كنتُ أدنى إليكَ منَ الشاعر المُختفي في رؤاكَ .. وأنأى به مُستحيلا .. وكنتُ هويتُ فلا أذنٌ سمعتْ ثمَّ لا عينَ منه رأتْ .. هنَّ سبعُ سنابلَ .. فاخضوضرَ الصَّوتُ مثلَ النَّدى.. قُصَّ رؤياك. لا. لا تقُصَّ على الخُضرةِ، الآنَ، رؤياكَ واختصِر الأمرَ عند الحديقةِ. لا تقطفِ القولَ قبلَ شموس المعاني، ولا تعرفِ، الآن، ما لستَ تذكرُ. لا ترشفِ الكأسَ .. فالكأسُ مُتكأ للقصيدةِ بينَ مُقطعةٍ يدَها ومُودِعةٍ شهدَها في القفير النديِّ مسيلا .. تراكَ تأملتَ وقفتكَ الرَّعويةَ حين تَمثلتَ: ليتَ الفتى حجرٌ .. وانتبذتَ مكانا قصيا كأنكَ أنتَ تركتَ يديكَ على مِقبضِ الرِّيح .. والرِّيحُ تقفو الصَّباحَ، بأجنِحةٍ مُترنِّحةٍ، بخطى الشاعر المُختفي في خطاكَ ليحنو عليكَ ؟ كأنكَ قلتَ: الحقيقةُ أني اندهشتُ قليلا .. فهذا الصَّباحُ شفيفٌ .. ولكنَّ قهقهةً للرَّصيفِ رمتني بشاردةٍ .. وأبو الطيِّب المُتنبِّئُ حملقةٌ في كتابي الذي يتقرَّى المَعرِّي ..على مِقبضِ الرِّيح .. واردَه، ثم يَقدحُ زندا ليُعربَ ما اغتربَ القولُ منه .. فليتَ الفتى شَذرٌ .. بانتظام مَعانيكَ في اللامعاني قليلا .. حيالَ الرصيفِ قليلا .. قليلا ..
.
.
.
.
تعليق