إليك حبيبتي..
تنقل بعينين منطفئتين حول الرقراق.
غد صارخ بالرقي والأبهة تحضنه ضفتاه.
استدار حوله مرة أخرى، بل مرات،
كمن يبحث عن منفذ ليتسلل منه إلى الداخل،
إلى ذلك الغد المشرق.
لكن أسوارا عالية متينة يستحيل تجاوزها نبتت لعينيه،
واستشعر أياد قوية تمتد إلى كتفيه وتدفعه بعيدا،
تماما، كما فعل قبل قليل الحارس الذي سلمه ملفه،
وأبعده بعنف من جانب باب الشركة التي اشتغل فيها زهاء ستة أشهر..
حدق في ملفه الأخضر الذي يحضنه إلى صدره كطفل عزيز،
لم يرغب أحد غيره في احتضانه أو تبنيه..
تصاعدت حمى جسده واربد الجو أمامه أكثر،
حينما التقطت عيناه صورة حبيبته
ترقص على صدر الرقراق المحتفى به وحده.
وهو الذي طالما شبه نفسه به،
ومضي رفقته يرسم إنجازات غده بألوان الطيف،
ويعد دقائق النضج لينطلق مثل الرقراق ويشيدها على أرض الواقع..
بلغ من النضج عتيا وتوسعت إنجازاته،
وثقل بها رأسه ولم تبد له مساحة شبر لإطلاقها.
أغمض عينيه يبتلع لوعة صباحه،
وحرقة سنوات مضت وهو يجول بملفه من مبنى إلى مبنى
ألقاه بعنف على الرصيف وتطاير الغبار حوله.
ومضى يتعارك مع ربطة عنقه كمن يستجدي هواء هجر فضاءه فجأة.
خلع بذلته، قميصه، فسرواله.
فرشه على الرصيف بدقة.
يبدو على الأرض كمن نام وسحب نفسه من هندامه.
ومكان رأسه، وضع ملفه الأخضر.
رفع رأسه عاليا ويداه تقبضان على سياج الرقراق كمن يتحسس متانته.
حدق مليا في وجه حبيبته المطلة عليه من عال،
ثم خاطبها بهدوء مقبل على الموت برضاه:
حبيبتي،
لو سألوك عني يوما،أجيبي إني هنا كنت والرقراق والصقيع شاهدين معك.
أوراقي هذه عنوان كفاءتي.
أهديها لك .
أنت من أرضعتني حبها وشحذت عزمي لنيلها يوم همست لي:
إنها وحدها تروي عطشك،
وتزيح الضباب عن وجهك،
وتضمن إشراقتك..
وأنت من شهدت كيف أطفأوا وهجها.
خذيها وفتتيها على رؤوسهم الحجرية.
وهندامي هذا، دليل نضجي الذي طالما انتظرته
خذيه.. امسحي به دموعك
وانفضي به الغبار الذي يحجب نضارة وجهك..
وكلما وخزتك ذكرى رحيلي
احضنيه إلى صدرك.. حبيبتي،
لا تعترضي طريقي ولا تبكي لفراقي..
الآن، هنا لا مكان لي..
رماد بارد بعدما كنت شرارة نار.
أناشدك بكل حبي إلى أبنائك أن تلتفتي..
حتى لا يكررون ذات مصيري
وتظلين على أكتاف الغرباء تستندين إلى الأبد.
ألقى فارس نظرة حزينة على ملفه الأخضر النائم على الرصيف..
أيقظه بدمعة باردة انحدرت بِصمت على وجنته اليمنى،
وهم بإلقاء نفسه في اليم حيث ترقص راية بلاده على صدر الرقراق..
أيقظه بدمعة باردة انحدرت بِصمت على وجنته اليمنى،
وهم بإلقاء نفسه في اليم حيث ترقص راية بلاده على صدر الرقراق..
*******
أبي رقراق: نهر مغربي يفصل بين مدينة الرباط وسلا
مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق المشار إليه في القصة يعد الأكبر من نوعه على مستوى شمال إفريقيا.سمية البوغافرية
دجنبر، 2007
تعليق