" وجدانيات" ح 2
برنامج " وجدانيات" / ح2/ في الغرفة الصوتية لملتقى الأدباء والمبدعين العرب/ قراءة وجدانية في قصيدة " أعلى.... من نوايا الليل" للشاعرة القديرة نجلاء الرسول
برنامج " وجدانيات" / ح2/ في الغرفة الصوتية لملتقى الأدباء والمبدعين العرب/ قراءة وجدانية في قصيدة " أعلى.... من نوايا الليل" للشاعرة القديرة نجلاء الرسول
- 2- النص الإبداعي :


أعلى.. من نوايــا الليـــل

تقول الشاعرة عبر نبضها الشعري الموغل في العمق في قصيدة "
أعلـى.... من نوايا الليل :
.
.
كان سهلا ....
أن يهبط الليلُ في البحرِ
أن لا نكون قلق الوميضِ
وأن تكون جماجمنا
حديقة لقوارض الحروبْ
أو.....
نكون القاعة الخالية
وما يكرره الكلام دوما
لأجل ريح تذهب بنوايا الذئاب ليلا
ولـم يكن البحر سوى خيطٍ أبيض يقع على البحر
سيكون وجه رجل الكهوفِ الذي....
فهم جيدا لذة الليل ِ
وترك وجه حيوان بري على الجدار
أجدر أن لا يرى هذا الليل الهابط في البحرِ
قبل الكآبة التي ......
تنهش
نفسها
و
ت
ض
يـ ـ ـ ـ
ع
3- نافذة الرِّيـح/الأنثى/ تبتسم بشموخ لسماعها ما ينويه الليل/الذئب..
في عتمته الصامتة.. :
عبر ذبذبات الرّوح النازفة المنتقلة من عنوان هذا النص المتفرّد بسلاسته العميقة حد ما بعد الصمت والترقّب.. دَخلنا مشدُوهين في محاولة وجدانية منا لنكتشف من خلالها العنوان ذا الآفاق الانزياحية الدلالية الجديدة:
" أعلى... من نوايا الليل.."
العنوان في رأيي.. هو أرض قاحلة تحتاج لأمطار الروح المكثّـفة كي تزرع كلماتها المتفردة ورودا.. تتفتح في قلبها الحاني لتنعشه بحزن مرّ حد اللذة.. وحلم رقيقٍ كرقة الندى على خدّ الوردة / القصيدة..
.. الذات المبدعة هنا قطرة مطرٍ تبحثُ عن أخواتها الكلمات المطرية المنفية داخل جدار العزلة و العالم الرديء الفارغ.. في رحلة الصمت والضيـــاع..
إذن فالعنوان جاء كرسالة غامضة بين مرسل متفرّد في اشتغاله الدلالي/ الذات المبدعة/ إلى مستقبل / القارئ الناقد أو المتلقي الناضج/ متأمّل في هذه الذبذبات الإبداعية وقارئ لها.. ينتقل معها إلى الغوص في عمق بوحها المـُغَـبـَّر فيمسح بحب واعي وجه هذه اللؤلؤة الإبداعية لتصبح في أبهى حلة مما علق بها من ضبابية تحتاج إلى كم كبير من التأمل والتفكير الرزين .. لرصد رقة الذات المبدعة الداخلية رغم ما تخللها من إحساس بالمتمرد و النرجسية الأنثوية التي تليق بها وتسمو معها.. كما الريح التي تعلو على الكون كله وبما فيهم الليل .. وهذا طبيعي كون الذات المبدعة وظفت مفرداتها الطبيعية ومن ضمنها الريح بشكل واعي وعميق فكانت الريح هنا رمز العلو والليل رمز الخضوع والاستسلام.. و البحر رمز الحكمة..
..يا ترى؟ ما ينويه الليل في هذا الفضاء اللازوردي؟ العالي شأنا والراقي فكرا.. ؟
.. عندما نسموا مع الذات المبدعة/الرّيح/ عاليا.. بعيدا عن ليلٍ يجترّ ذئبية نواياه في صمتٍ وسكونٍ وخضوع.. نجد أن فوضى الريّـح هذه مفتوحة تأويلاتها ودلالتها أمام تأمّلنا المذهول... إذ يستحوذ على وجداننا أفُـقُ انتظار ما ستلـِـدُه بُـنيّات أفكار الذات المبدعة.. لنتغلغل شغفا معها في عمق النص الإبداعي لاكتشافه بحب ووعي من خلال ذهن قارئ مبدع كذلك..
تقول الشاعرة:
.
.
كان سهلا ....
أن يهبط الليل في البحرِ
أن لا نكون قلق الوميضِ
وأن تكون جماجمنا
حديقة لقوارض الحروبْ
.. كي نقترب من عالم الذات المبدعة وما نزفته هنا.. لا بأس أن نقترب من عمقها الإنساني وشخصيتها الفريدة.. كصاحبة لهذا النص العميق في دلالاته.. والقريب إلى القلب بإحساسه الصادق النازف...
تقول الشاعرة نجلاء الرسول (في حوار سابق أجرته مع القاص والصحفي المبدع رزق فرج رزق ونشر في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب وجريدة الجماهيرية الليبية).... :
" .. حياتي هادئة جدا إلى أقصى درجات الهدوء لا بشر أو تلفاز أو ضوضاء هو عالم السكون الذي أعشقه والذي تأثرت به من قراءتي ل"فيجاي أسواران" زاوية للكتابة وزاوية للرسم وزاوية للفناء. "
عبر ما قالته الشاعرة و الفنانة التشكيلية نجلاء الرسول ( التي ولدت في السعودية.. من أصل باكستاني.. وتنشئة يابانية..) نجد أن هناك علاقة روحية بينها وبين الشعر و التشكيل والسكون /الليل/ والطبيعة و المكان.. بمعنى أنها تستمد روحها العالية عبر الصمت الذي يتوحد مع هذا الفيض الإبداعي السابق الذكر..
كما أنني أرى أنه قصدت (ربما) عبر نقط الحذف بعد مفردة / أعلى/ إلى العلو الكوني وليس علوا عن الليل نفسه.. (إذ ربما تطمح بالعالمية في إبداعها؟؟) و نحس أنها تعتمد من خلال هذا كله فلسفة السكون والصمت لتخترق أعماق الذات الباطنية البشرية وتكتشف السؤال الأكبر بهدف الخلاص ..
ما ساعدها في هذا الوعي الفكري والعمق الإنساني هو ربما تنقلاتها المكانية التي جعلتها أكثر عشقا للاستقرار
و الهدوء الشديد حد التوحد مع الصمت والبحر.... و إنني أسميها العودة إلى الطفولة والبحث عن الذات انطلاقا من الذات نفسها.. فتكون معها ولادة شاعرة.. ثم شاعرة حداثية تفهم سر اللون والكلمة وتبلورها كلمات متفردة موغلة في العمق الليلي والدلالي..
إذن من الطبيعي / كان سهلا/ .. أن سكون الليل/ الذئب/ ..يتوحد مع سكون البحر/ الأنثى/ في هذه النقطة بالذات.. وكأني بها تعطينا نقط التوافق ونقط التنافر.. بينها وبين الليل.. وبينها وبين البحر.. هي الريح الملكة للكون الشعري والطبيعي هذا..
إذن هو ذلك السكون الذي تعشقه وفي نفس الوقت تعلوا معه وعليه بنرجسيتها الشاعرية والأنثوية ...
فهي الأنثى العليا التي ملكت مفاتيح الجمال والأنوثة لتدافع عنها، بشراسة مقاتل ورقـّة فراشة...
هي " أنثى الرّياح" تخترق الغابة الليلية لتحكي لنا بشاعرية شديدة حكاية ألف جثة وجثة.. سقطت تحت أقدام الطغيان... و تخلت عن الحياة الزائفة التي عشش بها البريق لتأكله هي / الرّيح / وتمضي به بعيدا
نحو أفق الانتظار والغموض والمجهول.. و عبر ذبذبات وجدانية داخلية موغلة في الحزن والعمق الوجودي..
..الحقيقة هناك دائما اختيار لدينا في عالم التضاد الذي أنشأته لنا الذات المبدعة بوعي باطني كبير ينم عن ثقافة نفسية واعية.. انطلاقا من تجربتها الذاتية الحياتية المؤلمة و المنتجة لإبداع خرج من عمق اللاوعي / الذات المتمردة التي تهذي وتتوه في عالم الشرود و اللون السوداوي/ الليل/.. لبلورته عبر وعي وإدراك كبير بماهية الأشياء..
وكأني بالمفردات الطبيعية عند الذات المبدعة تتشكل وتتحول حسب الحالة .. نكون أو لا نكون..
فحينا تعشق سكون الليل وحينا تتوه في غموضه وحينا تعلوا عليه وعلى ذئبيته .. وحينا تتمنى وحينا تتأسف ..
و عندها تقرر الجمع بين التضاد.. الذي يشكل لها عالما مجهولا وغامضا.. مما يعني أنها عانت في حياتها كإنسانة قبل معاناتها كذات مبدعة.. فالأولى تترجم الثانية أحرفا وألوانا وكلمات تشكيلية تحتفي بالتجريد وتأتت سكنها على ما هدمته الحروب و رسمته جماجم الشهداء والمنفيين العظماء في خريطة الوعي..
الذات المبدعة هنا تهمس بالحب للوميض / الشعر / وتدرك إمكانية نزول الليل/ الذئب/ إلى البحر/ ليكون وطنا لعمقه.. وتكون هي ملكة متوجة لهذا الوطن العتيق.. الذي تقطنه جماجم شاحبة..
تتابع الشاعرة قائلة:
أو.....
نكون القاعة الخالية
وما يكرره الكلام دوما
لأجل ريح تذهب بنوايا الذئاب ليلا
ولـم يكن البحر سوى خيطٍ أبيض يقع على البحر
..
عبر آلية الحذف التي تمكنت الذات المبدعة من تشكيلها كلوحة في فراغ مبدع.. بدأت في رسم شخصياتها الطبيعية الدلالية.. وتحديد وجوهها المتعددة والمتناقضة..
..القاعة الخالية.. قد تكون الذات المبدعة نفسها التي تعيش الفراغ والعزلة.. وقد تكون هي بداية الطريق إلى المجهول.. وقد تكون المجهول نفسه.. أو قد تكون أو لا تكون.. قلق السياسة الفارغة التي تصم الأذان بلغوها "الحربائي".. وقد تكون المعاناة تحت مقصلة السؤال..؟؟؟؟؟؟؟؟
.. إذن سوف ندخل حالة الفوضى النفسية هذه التي تركتها / القاعة الخالية/ مع الكلام المتكرر في نفوسنا نحن أصحاب الفراغ المزمن و المعاناة المتداولة فيما بيننا.. لتجيء إلينا الريح/ الأنثى/ وتنتصر لنا نحن / الذات الجماعية/ خاصة الإناث.. ضد نوايا الليل الذئبية.. ملك الذئاب.. .. فيقع البحر الوجه الثاني للذات المبدعة بعد الريح/ الأنثى العليا/ على البحر الوجه الآخر /ذات الآخر/ في قلب الليل السفلي.. وهنا يتوحد بحر النور العلوي / خيط أبيض/ مع البحر المعتم السفلي. عند وقوعه على الليل/البحر والتحامه معه...
لنجد أن الذات أضافت لنا مفاهيم جديدة بإبداع دائري.. و انزياحات دلالية وإضافية مبتكرة.. بعيدا عن المفهوم السائد والعادي لهذه المفردات.. فأصبغت صفة النهار على البحر الأول/ الأنثى/ وصفة الليل/ على البحر الثاني /السواد الذي يعانق الأول/ البحر..
وكأني بالأنثى بعد ما تبين لها الخيط الأبيض تتمرد فيقع عندها التلاحم لا الانفصال.. وقد تكون هي نفس معنى الآية القرآنية مصدر التناص...
لكننا نرى أنها وحدت الالتحام مع الاختراق.. أي ما بين قانون البحر / البياض/ أو الاختراق / الليل.. وهنا ينتهي قانون المنع ليقع الاحتفاء بالليل بعد طول غياب للريح/ الأنثى.. في الأعلى..
انه التماهي الحاصل ما بين الذات المبدعة/ الريح = البحر = العلو/ و الليل / الذئب = البحر = الدنو ( الفئة المهمشة) .. مع سبرها أغوار اللاوعي داخلها في طابعه الوجودي.. مع التمرد على مكبوتات غربتها الذاتية في النهار.. لتحررها ليلا عبر ريح علوية.. فتكون قداسة التوحد ما بين الريح و الليل والبحر.. فيتوهج الشعاع الإيحائي والدلالي في النص ليكوِّن لنا رؤية فلسفية غارقة في الصوفية والفلسفة الروحية.. و متأملة في الوجود بنوعيه الوجود الأصغر و الوجود الأكبر ...
كما تضيف لنا الذات المبدعة المفردات المشتقة من الحياة اليومية في شكل جديد وتراكيب لغوية متفردة تنزاح عن المفهوم السائد عندنا..
مما يفتح الباب أمام الدهشة ثم المشاركة التفاعلية الوجدانية ما بين النص الإبداعي الأصيل.. الذات المبدعة.. والقارئ الناقد/ أو المتلقي الناضج.... الذي يرصد أشواق الذات المبدعة وأحلامها التحررية وهزاتها النفسية وعتمتها الصامتة غالبا والمتحركة نادرا.. بتقدير وجداني كبير.
تقول الشاعرة:
سيكون وجه رجل الكهوفِ الذي....
فهم جيدا لذة الليل ِ
وترك وجه حيوان بري على الجدار
أجدر أن لا يرى هذا الليل الهابط في البحرِ
قبل الكآبة التي ......
تنهش
نفسها
و
ت
ض
يـ ـ ـ ـ
ع
بعدما استفدنا من مستوى تطور رمزية القصيدة دلاليا عبر دلالة العلو والوقوع على الشيء.. إذ أعتبر العلو شكل من أشكال التمرد والرفض لدى الذات المبدعة/الريح/ و السقوط أعتبره القبول لدى الليل / الذئب.. لحظة انكساره النفسي أو حبه الشديد للريح الأنثى..
و إضافة نجد أن الذات المبدعة قد أدخلتنا في رمزية الألوان المحايدة خاصة الأبيض والأسود.. لنجد أنفسنا في آخر نسق من هذه القصيدة المختزلة والمكثفة جدا.. قد دخلنا إلى رمزية تاريخية عن طريق الرجل الحجري / رجل الكهوف/ أي الليل وهو مجسد في شكل إنساني..
كون الذات المبدعة تستقي شعرها عبر نفس حداثي ورمزية تاريخية وصوفية.. الخ.. مما يكسبها تجربة حياتية وإبداعية تخلق لنا إثرها أبعادا شعرية غاية في الرقي الفكري والدلالي.. فتهدم حياة لتخلق أخرى ضمن رؤية فكرية خاصة.. وهذا قصد الخلاص.. بعد رحلة الخروج عن السائد الممكن وتجاوزه نحو المستحيل الإيحائي..مع ارتفاع ذبذبات ودرجات الخيال المجنح لديها.. والجامح لتفجر عبره ثورتها الأنثوية و أحاسيسها الدفينة اليومية..
..نلاحظ إذن في هذه القصيدة النثرية العميقة والغامضة " أعلى.... من نوايا الليل" تماسكا في اللغة الشعرية.. الذي ميزها الترابط و الانزياح الدلالي والإضافي.. مع التناص القرآني الإيحائي.. وروح الصوفية الموغلة في العمق..
و فلسفة الذات الوجودية.. مع وحدة النص الموضوعية و العضوية.. وازدياد عنصر الدهشة في النص الإبداعي الأصيل نسقا بعد نسق..
فكانت رحلتنا من الريح إلى الليل و البحر.. هذا الأخير الذي تختلف بنيته التركيبية عن الريح/ الأنثى العليا/ كونه له دلالة المكان أم الريح فلها دلالة الزمان ويجمعهما القهر والثورة والتمرد والهيجان.....
و قد يكون البحر كذلك هو الذات المبدعة.. وهنا تضيف لنا بتقة صفة تعبيرية ودلالية أخرى ذات خصائص تجريدية إيحائية لديها... ومن إشكالية العلو عند الريح / الأنثى.. إلى إشكالية السكون عند الليل.. و جدلية التمرد عند البحر .. و اللون.. و جدار العودة إلى الماضي السحيق ... / رجل الكهوف / حيوان بري على الجدار/ ..
وطبعا إن دل هذا على شيء إنما يدل على بداية الحلم ونهايته الغامضة الموغلة في القدم بمعنى طال الانتظار حد السأم في قلب الذات المبدعة..
وهنا نجد أن الشاعرة نجلاء الرسول في قصيدتها النثرية خلقت مفاهيم جديدة.. أضافت الكثير لمخزوننا الفكري الدلالي كقراء متسائلين وباحثين عن التأويل المتعدد.. فأصبحت الريح/ الأنثى.. هي ملكة الكون الشعري واللوني.. تغمره من الأعلى بحنانها ودفاعها حد الوقوع عليه.. والبحر هو الحكيم الذي تنزل من علوها هياما به.. لتستفيد من عمقه وتتوحد معه حد الانسجام في تمردهما معا وثورتهما العميقة الدلالة.. وأما الليل فهو الذئب الأنيق الذي يطرد نواياه لعيون الريح عند نزولها في عتمته الصامتة.. لتتشبث هي به و بالبحر الذي يشبهها كذلك.. وكأني بها دائرة تبحث عن قطرة التكوين و التلوين الأولى عند رجل الكهوف.. واشتياقا لبعت الشيء وخلقه في مفهومها المجازي الشعري.. و قد يكون حبا لذات المكان الذي شهد طفولتها وولادتها الإبداعية مع توحدها التشكيلي في رسم/ حيوان بري على الجدار/...
أما بالنسبة لإحساسها الصوفي فهو منغرس في ذاتها كإنسانة مبدعة.. منحدرة من بيئة صوفية حد النخاع .. أما إحساسها بالضياع فهي شاعرة الحداثة بامتياز.. تستكشف بوعي شديد جوهر الذات الإنسانية عبر عقلها الباطني وتجربتها المرة مع الضياع والغربة الذاتية في الحب والمكان والزمان والكون لتحدث المعجزة في قلب الذات المبدعة.. وهي قلق الوميض و الانكماش عن الواقع والعزلة المختارة قصد البحث عن مكن الخلاص.. وكأني بي البحر في ذات المبدعة الشاعرة موجة من القلق و التمرد والحب والجمال و السكينة والغموض وموت الحياة .. وحياة الموت.. انتظارا لهذا الخلاص البعيد القريب.
حقيقة شاعرتنا نجلاء الرسول
بحر من الإبداع وليل من السكون وريح تغمر الكون حبا وجمالا..
..

شكرا لوجودكم...
وكونوا بسلام وحب
مودتي التي لا تحصى ..
أختكم الوجدانية المحبة لكم سعاد ميلي:


أعلى.. من نوايــا الليـــل

تقول الشاعرة عبر نبضها الشعري الموغل في العمق في قصيدة "
أعلـى.... من نوايا الليل :
.
.
كان سهلا ....
أن يهبط الليلُ في البحرِ
أن لا نكون قلق الوميضِ
وأن تكون جماجمنا
حديقة لقوارض الحروبْ
أو.....
نكون القاعة الخالية
وما يكرره الكلام دوما
لأجل ريح تذهب بنوايا الذئاب ليلا
ولـم يكن البحر سوى خيطٍ أبيض يقع على البحر
سيكون وجه رجل الكهوفِ الذي....
فهم جيدا لذة الليل ِ
وترك وجه حيوان بري على الجدار
أجدر أن لا يرى هذا الليل الهابط في البحرِ
قبل الكآبة التي ......
تنهش
نفسها
و
ت
ض
يـ ـ ـ ـ
ع
3- نافذة الرِّيـح/الأنثى/ تبتسم بشموخ لسماعها ما ينويه الليل/الذئب..
في عتمته الصامتة.. :
عبر ذبذبات الرّوح النازفة المنتقلة من عنوان هذا النص المتفرّد بسلاسته العميقة حد ما بعد الصمت والترقّب.. دَخلنا مشدُوهين في محاولة وجدانية منا لنكتشف من خلالها العنوان ذا الآفاق الانزياحية الدلالية الجديدة:
" أعلى... من نوايا الليل.."
العنوان في رأيي.. هو أرض قاحلة تحتاج لأمطار الروح المكثّـفة كي تزرع كلماتها المتفردة ورودا.. تتفتح في قلبها الحاني لتنعشه بحزن مرّ حد اللذة.. وحلم رقيقٍ كرقة الندى على خدّ الوردة / القصيدة..
.. الذات المبدعة هنا قطرة مطرٍ تبحثُ عن أخواتها الكلمات المطرية المنفية داخل جدار العزلة و العالم الرديء الفارغ.. في رحلة الصمت والضيـــاع..
إذن فالعنوان جاء كرسالة غامضة بين مرسل متفرّد في اشتغاله الدلالي/ الذات المبدعة/ إلى مستقبل / القارئ الناقد أو المتلقي الناضج/ متأمّل في هذه الذبذبات الإبداعية وقارئ لها.. ينتقل معها إلى الغوص في عمق بوحها المـُغَـبـَّر فيمسح بحب واعي وجه هذه اللؤلؤة الإبداعية لتصبح في أبهى حلة مما علق بها من ضبابية تحتاج إلى كم كبير من التأمل والتفكير الرزين .. لرصد رقة الذات المبدعة الداخلية رغم ما تخللها من إحساس بالمتمرد و النرجسية الأنثوية التي تليق بها وتسمو معها.. كما الريح التي تعلو على الكون كله وبما فيهم الليل .. وهذا طبيعي كون الذات المبدعة وظفت مفرداتها الطبيعية ومن ضمنها الريح بشكل واعي وعميق فكانت الريح هنا رمز العلو والليل رمز الخضوع والاستسلام.. و البحر رمز الحكمة..
..يا ترى؟ ما ينويه الليل في هذا الفضاء اللازوردي؟ العالي شأنا والراقي فكرا.. ؟
.. عندما نسموا مع الذات المبدعة/الرّيح/ عاليا.. بعيدا عن ليلٍ يجترّ ذئبية نواياه في صمتٍ وسكونٍ وخضوع.. نجد أن فوضى الريّـح هذه مفتوحة تأويلاتها ودلالتها أمام تأمّلنا المذهول... إذ يستحوذ على وجداننا أفُـقُ انتظار ما ستلـِـدُه بُـنيّات أفكار الذات المبدعة.. لنتغلغل شغفا معها في عمق النص الإبداعي لاكتشافه بحب ووعي من خلال ذهن قارئ مبدع كذلك..
تقول الشاعرة:
.
.
كان سهلا ....
أن يهبط الليل في البحرِ
أن لا نكون قلق الوميضِ
وأن تكون جماجمنا
حديقة لقوارض الحروبْ
.. كي نقترب من عالم الذات المبدعة وما نزفته هنا.. لا بأس أن نقترب من عمقها الإنساني وشخصيتها الفريدة.. كصاحبة لهذا النص العميق في دلالاته.. والقريب إلى القلب بإحساسه الصادق النازف...
تقول الشاعرة نجلاء الرسول (في حوار سابق أجرته مع القاص والصحفي المبدع رزق فرج رزق ونشر في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب وجريدة الجماهيرية الليبية).... :
" .. حياتي هادئة جدا إلى أقصى درجات الهدوء لا بشر أو تلفاز أو ضوضاء هو عالم السكون الذي أعشقه والذي تأثرت به من قراءتي ل"فيجاي أسواران" زاوية للكتابة وزاوية للرسم وزاوية للفناء. "
عبر ما قالته الشاعرة و الفنانة التشكيلية نجلاء الرسول ( التي ولدت في السعودية.. من أصل باكستاني.. وتنشئة يابانية..) نجد أن هناك علاقة روحية بينها وبين الشعر و التشكيل والسكون /الليل/ والطبيعة و المكان.. بمعنى أنها تستمد روحها العالية عبر الصمت الذي يتوحد مع هذا الفيض الإبداعي السابق الذكر..
كما أنني أرى أنه قصدت (ربما) عبر نقط الحذف بعد مفردة / أعلى/ إلى العلو الكوني وليس علوا عن الليل نفسه.. (إذ ربما تطمح بالعالمية في إبداعها؟؟) و نحس أنها تعتمد من خلال هذا كله فلسفة السكون والصمت لتخترق أعماق الذات الباطنية البشرية وتكتشف السؤال الأكبر بهدف الخلاص ..
ما ساعدها في هذا الوعي الفكري والعمق الإنساني هو ربما تنقلاتها المكانية التي جعلتها أكثر عشقا للاستقرار
و الهدوء الشديد حد التوحد مع الصمت والبحر.... و إنني أسميها العودة إلى الطفولة والبحث عن الذات انطلاقا من الذات نفسها.. فتكون معها ولادة شاعرة.. ثم شاعرة حداثية تفهم سر اللون والكلمة وتبلورها كلمات متفردة موغلة في العمق الليلي والدلالي..
إذن من الطبيعي / كان سهلا/ .. أن سكون الليل/ الذئب/ ..يتوحد مع سكون البحر/ الأنثى/ في هذه النقطة بالذات.. وكأني بها تعطينا نقط التوافق ونقط التنافر.. بينها وبين الليل.. وبينها وبين البحر.. هي الريح الملكة للكون الشعري والطبيعي هذا..
إذن هو ذلك السكون الذي تعشقه وفي نفس الوقت تعلوا معه وعليه بنرجسيتها الشاعرية والأنثوية ...
فهي الأنثى العليا التي ملكت مفاتيح الجمال والأنوثة لتدافع عنها، بشراسة مقاتل ورقـّة فراشة...
هي " أنثى الرّياح" تخترق الغابة الليلية لتحكي لنا بشاعرية شديدة حكاية ألف جثة وجثة.. سقطت تحت أقدام الطغيان... و تخلت عن الحياة الزائفة التي عشش بها البريق لتأكله هي / الرّيح / وتمضي به بعيدا
نحو أفق الانتظار والغموض والمجهول.. و عبر ذبذبات وجدانية داخلية موغلة في الحزن والعمق الوجودي..
..الحقيقة هناك دائما اختيار لدينا في عالم التضاد الذي أنشأته لنا الذات المبدعة بوعي باطني كبير ينم عن ثقافة نفسية واعية.. انطلاقا من تجربتها الذاتية الحياتية المؤلمة و المنتجة لإبداع خرج من عمق اللاوعي / الذات المتمردة التي تهذي وتتوه في عالم الشرود و اللون السوداوي/ الليل/.. لبلورته عبر وعي وإدراك كبير بماهية الأشياء..
وكأني بالمفردات الطبيعية عند الذات المبدعة تتشكل وتتحول حسب الحالة .. نكون أو لا نكون..
فحينا تعشق سكون الليل وحينا تتوه في غموضه وحينا تعلوا عليه وعلى ذئبيته .. وحينا تتمنى وحينا تتأسف ..
و عندها تقرر الجمع بين التضاد.. الذي يشكل لها عالما مجهولا وغامضا.. مما يعني أنها عانت في حياتها كإنسانة قبل معاناتها كذات مبدعة.. فالأولى تترجم الثانية أحرفا وألوانا وكلمات تشكيلية تحتفي بالتجريد وتأتت سكنها على ما هدمته الحروب و رسمته جماجم الشهداء والمنفيين العظماء في خريطة الوعي..
الذات المبدعة هنا تهمس بالحب للوميض / الشعر / وتدرك إمكانية نزول الليل/ الذئب/ إلى البحر/ ليكون وطنا لعمقه.. وتكون هي ملكة متوجة لهذا الوطن العتيق.. الذي تقطنه جماجم شاحبة..
تتابع الشاعرة قائلة:
أو.....
نكون القاعة الخالية
وما يكرره الكلام دوما
لأجل ريح تذهب بنوايا الذئاب ليلا
ولـم يكن البحر سوى خيطٍ أبيض يقع على البحر
..
عبر آلية الحذف التي تمكنت الذات المبدعة من تشكيلها كلوحة في فراغ مبدع.. بدأت في رسم شخصياتها الطبيعية الدلالية.. وتحديد وجوهها المتعددة والمتناقضة..
..القاعة الخالية.. قد تكون الذات المبدعة نفسها التي تعيش الفراغ والعزلة.. وقد تكون هي بداية الطريق إلى المجهول.. وقد تكون المجهول نفسه.. أو قد تكون أو لا تكون.. قلق السياسة الفارغة التي تصم الأذان بلغوها "الحربائي".. وقد تكون المعاناة تحت مقصلة السؤال..؟؟؟؟؟؟؟؟
.. إذن سوف ندخل حالة الفوضى النفسية هذه التي تركتها / القاعة الخالية/ مع الكلام المتكرر في نفوسنا نحن أصحاب الفراغ المزمن و المعاناة المتداولة فيما بيننا.. لتجيء إلينا الريح/ الأنثى/ وتنتصر لنا نحن / الذات الجماعية/ خاصة الإناث.. ضد نوايا الليل الذئبية.. ملك الذئاب.. .. فيقع البحر الوجه الثاني للذات المبدعة بعد الريح/ الأنثى العليا/ على البحر الوجه الآخر /ذات الآخر/ في قلب الليل السفلي.. وهنا يتوحد بحر النور العلوي / خيط أبيض/ مع البحر المعتم السفلي. عند وقوعه على الليل/البحر والتحامه معه...
لنجد أن الذات أضافت لنا مفاهيم جديدة بإبداع دائري.. و انزياحات دلالية وإضافية مبتكرة.. بعيدا عن المفهوم السائد والعادي لهذه المفردات.. فأصبغت صفة النهار على البحر الأول/ الأنثى/ وصفة الليل/ على البحر الثاني /السواد الذي يعانق الأول/ البحر..
وكأني بالأنثى بعد ما تبين لها الخيط الأبيض تتمرد فيقع عندها التلاحم لا الانفصال.. وقد تكون هي نفس معنى الآية القرآنية مصدر التناص...
لكننا نرى أنها وحدت الالتحام مع الاختراق.. أي ما بين قانون البحر / البياض/ أو الاختراق / الليل.. وهنا ينتهي قانون المنع ليقع الاحتفاء بالليل بعد طول غياب للريح/ الأنثى.. في الأعلى..
انه التماهي الحاصل ما بين الذات المبدعة/ الريح = البحر = العلو/ و الليل / الذئب = البحر = الدنو ( الفئة المهمشة) .. مع سبرها أغوار اللاوعي داخلها في طابعه الوجودي.. مع التمرد على مكبوتات غربتها الذاتية في النهار.. لتحررها ليلا عبر ريح علوية.. فتكون قداسة التوحد ما بين الريح و الليل والبحر.. فيتوهج الشعاع الإيحائي والدلالي في النص ليكوِّن لنا رؤية فلسفية غارقة في الصوفية والفلسفة الروحية.. و متأملة في الوجود بنوعيه الوجود الأصغر و الوجود الأكبر ...
كما تضيف لنا الذات المبدعة المفردات المشتقة من الحياة اليومية في شكل جديد وتراكيب لغوية متفردة تنزاح عن المفهوم السائد عندنا..
مما يفتح الباب أمام الدهشة ثم المشاركة التفاعلية الوجدانية ما بين النص الإبداعي الأصيل.. الذات المبدعة.. والقارئ الناقد/ أو المتلقي الناضج.... الذي يرصد أشواق الذات المبدعة وأحلامها التحررية وهزاتها النفسية وعتمتها الصامتة غالبا والمتحركة نادرا.. بتقدير وجداني كبير.
تقول الشاعرة:
سيكون وجه رجل الكهوفِ الذي....
فهم جيدا لذة الليل ِ
وترك وجه حيوان بري على الجدار
أجدر أن لا يرى هذا الليل الهابط في البحرِ
قبل الكآبة التي ......
تنهش
نفسها
و
ت
ض
يـ ـ ـ ـ
ع
بعدما استفدنا من مستوى تطور رمزية القصيدة دلاليا عبر دلالة العلو والوقوع على الشيء.. إذ أعتبر العلو شكل من أشكال التمرد والرفض لدى الذات المبدعة/الريح/ و السقوط أعتبره القبول لدى الليل / الذئب.. لحظة انكساره النفسي أو حبه الشديد للريح الأنثى..
و إضافة نجد أن الذات المبدعة قد أدخلتنا في رمزية الألوان المحايدة خاصة الأبيض والأسود.. لنجد أنفسنا في آخر نسق من هذه القصيدة المختزلة والمكثفة جدا.. قد دخلنا إلى رمزية تاريخية عن طريق الرجل الحجري / رجل الكهوف/ أي الليل وهو مجسد في شكل إنساني..
كون الذات المبدعة تستقي شعرها عبر نفس حداثي ورمزية تاريخية وصوفية.. الخ.. مما يكسبها تجربة حياتية وإبداعية تخلق لنا إثرها أبعادا شعرية غاية في الرقي الفكري والدلالي.. فتهدم حياة لتخلق أخرى ضمن رؤية فكرية خاصة.. وهذا قصد الخلاص.. بعد رحلة الخروج عن السائد الممكن وتجاوزه نحو المستحيل الإيحائي..مع ارتفاع ذبذبات ودرجات الخيال المجنح لديها.. والجامح لتفجر عبره ثورتها الأنثوية و أحاسيسها الدفينة اليومية..
..نلاحظ إذن في هذه القصيدة النثرية العميقة والغامضة " أعلى.... من نوايا الليل" تماسكا في اللغة الشعرية.. الذي ميزها الترابط و الانزياح الدلالي والإضافي.. مع التناص القرآني الإيحائي.. وروح الصوفية الموغلة في العمق..
و فلسفة الذات الوجودية.. مع وحدة النص الموضوعية و العضوية.. وازدياد عنصر الدهشة في النص الإبداعي الأصيل نسقا بعد نسق..
فكانت رحلتنا من الريح إلى الليل و البحر.. هذا الأخير الذي تختلف بنيته التركيبية عن الريح/ الأنثى العليا/ كونه له دلالة المكان أم الريح فلها دلالة الزمان ويجمعهما القهر والثورة والتمرد والهيجان.....
و قد يكون البحر كذلك هو الذات المبدعة.. وهنا تضيف لنا بتقة صفة تعبيرية ودلالية أخرى ذات خصائص تجريدية إيحائية لديها... ومن إشكالية العلو عند الريح / الأنثى.. إلى إشكالية السكون عند الليل.. و جدلية التمرد عند البحر .. و اللون.. و جدار العودة إلى الماضي السحيق ... / رجل الكهوف / حيوان بري على الجدار/ ..
وطبعا إن دل هذا على شيء إنما يدل على بداية الحلم ونهايته الغامضة الموغلة في القدم بمعنى طال الانتظار حد السأم في قلب الذات المبدعة..
وهنا نجد أن الشاعرة نجلاء الرسول في قصيدتها النثرية خلقت مفاهيم جديدة.. أضافت الكثير لمخزوننا الفكري الدلالي كقراء متسائلين وباحثين عن التأويل المتعدد.. فأصبحت الريح/ الأنثى.. هي ملكة الكون الشعري واللوني.. تغمره من الأعلى بحنانها ودفاعها حد الوقوع عليه.. والبحر هو الحكيم الذي تنزل من علوها هياما به.. لتستفيد من عمقه وتتوحد معه حد الانسجام في تمردهما معا وثورتهما العميقة الدلالة.. وأما الليل فهو الذئب الأنيق الذي يطرد نواياه لعيون الريح عند نزولها في عتمته الصامتة.. لتتشبث هي به و بالبحر الذي يشبهها كذلك.. وكأني بها دائرة تبحث عن قطرة التكوين و التلوين الأولى عند رجل الكهوف.. واشتياقا لبعت الشيء وخلقه في مفهومها المجازي الشعري.. و قد يكون حبا لذات المكان الذي شهد طفولتها وولادتها الإبداعية مع توحدها التشكيلي في رسم/ حيوان بري على الجدار/...
أما بالنسبة لإحساسها الصوفي فهو منغرس في ذاتها كإنسانة مبدعة.. منحدرة من بيئة صوفية حد النخاع .. أما إحساسها بالضياع فهي شاعرة الحداثة بامتياز.. تستكشف بوعي شديد جوهر الذات الإنسانية عبر عقلها الباطني وتجربتها المرة مع الضياع والغربة الذاتية في الحب والمكان والزمان والكون لتحدث المعجزة في قلب الذات المبدعة.. وهي قلق الوميض و الانكماش عن الواقع والعزلة المختارة قصد البحث عن مكن الخلاص.. وكأني بي البحر في ذات المبدعة الشاعرة موجة من القلق و التمرد والحب والجمال و السكينة والغموض وموت الحياة .. وحياة الموت.. انتظارا لهذا الخلاص البعيد القريب.
حقيقة شاعرتنا نجلاء الرسول
بحر من الإبداع وليل من السكون وريح تغمر الكون حبا وجمالا..
..

شكرا لوجودكم...
وكونوا بسلام وحب
مودتي التي لا تحصى ..
أختكم الوجدانية المحبة لكم سعاد ميلي:
تعليق