مبادئ...ملوّثة
الشمس طفلة صغيرة، تلعب في فراغ، إلاّ من الأشعة الحمراء أو البنفسجية وما تحتهما وما فوقهما، تركض في ميدان ، مع اتساعه ضاق على بني البشر، بتواضعها أقلّ بكثير من أطماعهم التي لا يسعها ميدان قمر أو ملعب شمس، لا يملأ عيونهم تراب الأرض، أو نجوم السماء، ترتفع حرارتها بارتفاع درجة حرارة الجو الملتهب بدعايات الانتخابات المحليّة، واشتعال أعصاب الناخبين، واشتداد لهجة الحوار بين مؤيد أو معارض ....
المعلم يريد أن يصير مديرا ليضيق على زملائه، والمدير يريد أن يصير مفتشا ليفتش على زملائه، وليعين له سكرتيرة تكسر روتين يومه وليله، والفتيات العوانس ينبشن في تراب الأرض، كأن العرسان فطريات يختبئون في ظل حجر أو شجر، ورئيس السلطة يريد كرسيا في البرلمان، ورئيس البلدية رئيسا للحكومة أو وزيرا فيها، شاء من شاء وأبى من أبى، وصاحب المصنع لا تملأ جيوبه الملايين أو آلافها ...
واختلاف الرأي أو السياسة أو الدين لا يفسد الودَّ بيننا، حتى لو اقتتلنا بالعصيّ أو المسدسات أو البنادق أو حتى بالقنابل، تشهد كلُّها بأن الودَّ باق، لنتصالح بعد أن نحمل مرشحنا إلى حلمه على أكتافنا، ليقعد على كرسي السلطة المحلية، أو عضوا في لجنة آباء الصف الثالث الابتدائي، أو قبله أو بعده، أو في لجنة مياه، أو لجنة دينية، أو لجنة تنظيف العمارات متعددة الطوابق لدى الجيران، حتى وإن كان يسكن كوخا.
والقطار في سباق مع الزمن، ومع الشمس، ومع ظلال الأشجار المعترضة على حركته ، ومع أمواج البحر الموازي لخط سكة الحديد التي تبدو كأنها تسونامي وهي تُقْبِل نحوه، وهم أربعة أصدقاء، عاهدوا الله ألاّ يتفرقوا رغم فوهات المسدسات والبنادق والعصيّ ذات الرؤوس المدببة....وأمواج البحر تتلاطم، كأنها تلطم خدود الشاطئ احتجاجا على الطموحات الجوفاء، والأطماع التي لا تشبع، تهجم نحو الشاطئ فيخال المسافر أنها تقصده، هو بالذات ، لتخطفه إلى أعماقها من بين المسافرين بالقطار....وأفكارهم تسبق القطار أيضا، فوق سكة الحديد، أمام القاطرة التي تجرّ أكثر من خمس عشرة عربة مليئة بالمسافرين، تتنبأ بنتائج الانتخابات للسلطة المحلية قبل إجرائها.... اتخذوا ركنا هادئا، بعيدا عن ثرثرة الركاب، وعن رنين الهواتف المحمولة التي تقطع حبل نوم السافرين المتعبين المتوجهين إلى أعمالهم مع أول غارة للشمس في ملعبها، يحاولون كسب ساعة نوم على الأقل ، يسرقونها في غفلة من مطرقة الزمن الذي يدقّ أعصابهم، ومن عقارب الساعة قبل أن تزفّ لهم موعد بدء العمل.
ومع اشتعال لهيب الشمس، والقطار وهو يقترب من المحطة النهائية، ارتفعت أيضا أصوات الأصدقاء من خلال حوارهم الساخن.
قال الأول: مرشحنا يضمن نجاحه نظرا للخدمات الجليلة وتعاونه مع أكثر الأجهزة سرية في البلاد ، فطالما كلفوه بمهمات غاية في السرية في داخل البلاد وخارجها، بعضها كان يستغرق أسابيع، وبعضها يستغرق شهورا، وحان الوقت لمكافأته ، وقد وعدوه بذلك!
وقال الثاني: أكثر ما يهم السلطة العامة في البلاد الاستيلاء على الأراضي، وسحبها من تحت أقدام أصحابها الأصليين، ليصبحوا ضيوفا غير مرغوب فيهم،ومرشحنا سمسر على ارض والده وأعمامه وآهل زوجته، واشترى للدولة العلية عشرات الآلاف من الدونمات في طول البلاد وعرضها، وتربطه علاقات متينة مع كبار الدولة، وقد قالوا له أكثر من مرة اعتبر النجاح في جيبك الصغير.
قال الثالث: في هذه البلاد كل شيء يُشترى بالمال، الرجال والنساء والأطفال والمبادئ، حتى كراسي السلطة تباع وتُشترى بالمال، ولكل شيء سعره، ومرشحنا بذر المال على الناخبين كما تبذر القمح في الحقل،وقد ضمن بماله أكثرية مؤكدة.
قال الأول موجها كلامه للثالث: الناس يتساءلون عن مصدر هذا المال!!!
ابتسم الثاني ابتسامة ذات معنى، وغمز بعينه، وأراد أن يقول شيئا قاطعه الثالث قائلا:
هي حكمة قالها قبلنا ميكيافيللي "الغاية تبرر الوسيلة " وقَبِلَها العالم الذي يتعامل معها كمبدأ.
ومع تسارع سخونة الحوار يسير القطار بسرعة كبيرة، كأنه يريد أن يتخلّص من الحوار، والأرض على جانبي القطار تركض بنفس السرعة إلى الخلف، كأنها تهرب من الحوار،وصديقهم الرابع يتابع الأرض في حركتها ،كأنه يستعطفها لتحمله معها، وقد تعب الثلاثة من الجدل، وتعب الرابع من الصمت، لم يقل شيئا ...أخذ الثلاثة ينظرون إليه ، ينتظرون منه أن يقول شيئا، لم يكن معهم، كان في عالم آخر، وحين ألحّوا عليه، التفت إليهم كمَن استيقظ من نوم متعب بالكوابيس، وبدا كأنه انتُشِل من ضيق، وحين تمالك نفسه قال:
حديثكم مُضحك ومؤلم، لم يذكر أحد منكم مشاكل الناس، ولا آلامهم، فعلا كلكم ميكيافيللي،
مرشحنا لا يريد كرسيا في سلطة أو برلمان، ولا يريد وزارة، ولا مديرا في شركة،..ولا يعد بشيء غير نه سيبذل ما باستطاعته لخدمة الناس.
وكان القطار قد أوشك على الوصول إلى المحطة الأخيرة، وأخذت الأرض تبطئ رويدا رويدا حتى توقفت عن الحركة، وتفرق الأصدقاء الأربعة بعد أن تعاهدوا على البقاء على الود رغم اختلاف المواقف والعصيّ والمسدسات والبنادق والقنابل
وبعد أسبوعين جرت الانتخابات وفاز المرشح الذي لم يعد بشيء، لأن الأجهزة السرية أو المديرية أو الشرطة لا تريده، لكنه قدم استقالته قبل مرور سنة حين رأى أن الأبواب مقفلة أمامه ولم يستطع إنجاز شيء.....
المعلم يريد أن يصير مديرا ليضيق على زملائه، والمدير يريد أن يصير مفتشا ليفتش على زملائه، وليعين له سكرتيرة تكسر روتين يومه وليله، والفتيات العوانس ينبشن في تراب الأرض، كأن العرسان فطريات يختبئون في ظل حجر أو شجر، ورئيس السلطة يريد كرسيا في البرلمان، ورئيس البلدية رئيسا للحكومة أو وزيرا فيها، شاء من شاء وأبى من أبى، وصاحب المصنع لا تملأ جيوبه الملايين أو آلافها ...
واختلاف الرأي أو السياسة أو الدين لا يفسد الودَّ بيننا، حتى لو اقتتلنا بالعصيّ أو المسدسات أو البنادق أو حتى بالقنابل، تشهد كلُّها بأن الودَّ باق، لنتصالح بعد أن نحمل مرشحنا إلى حلمه على أكتافنا، ليقعد على كرسي السلطة المحلية، أو عضوا في لجنة آباء الصف الثالث الابتدائي، أو قبله أو بعده، أو في لجنة مياه، أو لجنة دينية، أو لجنة تنظيف العمارات متعددة الطوابق لدى الجيران، حتى وإن كان يسكن كوخا.
والقطار في سباق مع الزمن، ومع الشمس، ومع ظلال الأشجار المعترضة على حركته ، ومع أمواج البحر الموازي لخط سكة الحديد التي تبدو كأنها تسونامي وهي تُقْبِل نحوه، وهم أربعة أصدقاء، عاهدوا الله ألاّ يتفرقوا رغم فوهات المسدسات والبنادق والعصيّ ذات الرؤوس المدببة....وأمواج البحر تتلاطم، كأنها تلطم خدود الشاطئ احتجاجا على الطموحات الجوفاء، والأطماع التي لا تشبع، تهجم نحو الشاطئ فيخال المسافر أنها تقصده، هو بالذات ، لتخطفه إلى أعماقها من بين المسافرين بالقطار....وأفكارهم تسبق القطار أيضا، فوق سكة الحديد، أمام القاطرة التي تجرّ أكثر من خمس عشرة عربة مليئة بالمسافرين، تتنبأ بنتائج الانتخابات للسلطة المحلية قبل إجرائها.... اتخذوا ركنا هادئا، بعيدا عن ثرثرة الركاب، وعن رنين الهواتف المحمولة التي تقطع حبل نوم السافرين المتعبين المتوجهين إلى أعمالهم مع أول غارة للشمس في ملعبها، يحاولون كسب ساعة نوم على الأقل ، يسرقونها في غفلة من مطرقة الزمن الذي يدقّ أعصابهم، ومن عقارب الساعة قبل أن تزفّ لهم موعد بدء العمل.
ومع اشتعال لهيب الشمس، والقطار وهو يقترب من المحطة النهائية، ارتفعت أيضا أصوات الأصدقاء من خلال حوارهم الساخن.
قال الأول: مرشحنا يضمن نجاحه نظرا للخدمات الجليلة وتعاونه مع أكثر الأجهزة سرية في البلاد ، فطالما كلفوه بمهمات غاية في السرية في داخل البلاد وخارجها، بعضها كان يستغرق أسابيع، وبعضها يستغرق شهورا، وحان الوقت لمكافأته ، وقد وعدوه بذلك!
وقال الثاني: أكثر ما يهم السلطة العامة في البلاد الاستيلاء على الأراضي، وسحبها من تحت أقدام أصحابها الأصليين، ليصبحوا ضيوفا غير مرغوب فيهم،ومرشحنا سمسر على ارض والده وأعمامه وآهل زوجته، واشترى للدولة العلية عشرات الآلاف من الدونمات في طول البلاد وعرضها، وتربطه علاقات متينة مع كبار الدولة، وقد قالوا له أكثر من مرة اعتبر النجاح في جيبك الصغير.
قال الثالث: في هذه البلاد كل شيء يُشترى بالمال، الرجال والنساء والأطفال والمبادئ، حتى كراسي السلطة تباع وتُشترى بالمال، ولكل شيء سعره، ومرشحنا بذر المال على الناخبين كما تبذر القمح في الحقل،وقد ضمن بماله أكثرية مؤكدة.
قال الأول موجها كلامه للثالث: الناس يتساءلون عن مصدر هذا المال!!!
ابتسم الثاني ابتسامة ذات معنى، وغمز بعينه، وأراد أن يقول شيئا قاطعه الثالث قائلا:
هي حكمة قالها قبلنا ميكيافيللي "الغاية تبرر الوسيلة " وقَبِلَها العالم الذي يتعامل معها كمبدأ.
ومع تسارع سخونة الحوار يسير القطار بسرعة كبيرة، كأنه يريد أن يتخلّص من الحوار، والأرض على جانبي القطار تركض بنفس السرعة إلى الخلف، كأنها تهرب من الحوار،وصديقهم الرابع يتابع الأرض في حركتها ،كأنه يستعطفها لتحمله معها، وقد تعب الثلاثة من الجدل، وتعب الرابع من الصمت، لم يقل شيئا ...أخذ الثلاثة ينظرون إليه ، ينتظرون منه أن يقول شيئا، لم يكن معهم، كان في عالم آخر، وحين ألحّوا عليه، التفت إليهم كمَن استيقظ من نوم متعب بالكوابيس، وبدا كأنه انتُشِل من ضيق، وحين تمالك نفسه قال:
حديثكم مُضحك ومؤلم، لم يذكر أحد منكم مشاكل الناس، ولا آلامهم، فعلا كلكم ميكيافيللي،
مرشحنا لا يريد كرسيا في سلطة أو برلمان، ولا يريد وزارة، ولا مديرا في شركة،..ولا يعد بشيء غير نه سيبذل ما باستطاعته لخدمة الناس.
وكان القطار قد أوشك على الوصول إلى المحطة الأخيرة، وأخذت الأرض تبطئ رويدا رويدا حتى توقفت عن الحركة، وتفرق الأصدقاء الأربعة بعد أن تعاهدوا على البقاء على الود رغم اختلاف المواقف والعصيّ والمسدسات والبنادق والقنابل
وبعد أسبوعين جرت الانتخابات وفاز المرشح الذي لم يعد بشيء، لأن الأجهزة السرية أو المديرية أو الشرطة لا تريده، لكنه قدم استقالته قبل مرور سنة حين رأى أن الأبواب مقفلة أمامه ولم يستطع إنجاز شيء.....
تعليق