قطة ../ هيثم الريماوي ( مادة بحث )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #16
    أتدري أيها المشغول بالأدب
    أني أصبحت لا أثق في تأريخ الأدب
    أصبحت أشك في هو مدون في السجلات
    عن الأدب و الفن
    و يلزم أن نعيد الرؤية من جديد
    أتعرف .. غريب أن تتفاجأ أن الرواية زينب مثلا
    لم تكن الرواية الأولي التي عرفتها العربية
    و ليس هذا اجتهادا
    بل من واقع مواز
    لقد تناسوا عامدين إلي محاولات كثيرة بدأت من منتصف القرن الثامن عشر
    و ما قبل و الله
    و انتهت أيضا قبل جوركي زيدان و باكورة كتاباته ( المملوك الشارد )
    ثم تتالت من بعد أعماله
    ما أمر ( فارس الشدياق ) ، و ( إبراهيم اليازجي ) ، ( شبلي الشميل ) ، و ( نجيب الحداد ) ، و ( و أديب اسحق ) و ( سليم نقاش ) ، و ( فرح أنطوان ) ، و ( مي زيادة ) ، و ( إلياس زيادة )
    و ( لبيبة هاشم )
    و كل هؤلاء كتبوا الرواية
    نظرا لاتصاقهم بالآداب العالمية
    و أعمالهم تتحدث عنهم ، حتى و إن كانت تحمل تعثر البدايات ، إلا أنه ما كان يجب أن تصدر كل هذه الأسماء !
    أظن .. و ربما كان حقيقة أن فن القصة القصيرة جدا له جذور أبعد مما نتصور ، و أن هناك قصورا ما ، في التأريخ ، نظرا للميول و العلاقات ، و غيره من الآفات التي تصيب الأدب ، أو مؤرخ الأدب !

    هنا في هذا الملتقى الكثير من الأطروحات عن القصة القصيرة جدا ، طرحا الأخوة السابقون هنا ، الذين تقلدوا هنا دورا إشرافيا ، أو ابداعيا ، و حتى لا نبدأ من حيث بدأ السابقون !

    هاك توطئة كما أسماها صاحبها د . جمال حمداوي
    سوف أدفع بها هنا
    لنرى .. هل وصلت بنا إلي مرفأ ، و رؤية واضحة للقصيرة جدا كجنس أدبي منفصل بذاته ، و إن ارتبط بعلاقات وثيقة مع الرواية و المسرحية و القصيرة !
    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #17
      مقومات القصة القصيرة جدا عند يوسف حطيني
      تقديم د. جمال حمداوي
      توطئة
      يعدكتاب: «القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق» من أهم الكتب النقديةالعربية المعاصرة التي حاولت أن ترسم إطارا نظريا وتطبيقيا للقصة القصيرةجدا، وذلك بعد كتاب الدكتور أحمد جاسم الحسي:
      «القصة القصيرة جدا». ويعني هذاأن كتاب الدكتور يوسف حطيني هو الكتاب العربي الثاني الذي يقارب القصةالقصيرة جدا، وذلك في ضوء معايير نظرية، ومقاييس نقدية تطبيقية. والكتاب فيالحقيقة تقويم لمجموعة من ملتقيات القصة القصيرة جدا بسورية، تلكالملتقيات العربية التي شارك فيها الدارس باعتباره مشرفا، وناقدا، وباحثا،ومنظرا، وموجها.
      هذا،وينقسم الكتاب إلى قسمين: قسم نظري وقسم تطبيقي. وإذا كان أحمد جاسمالحسين يرى أن جنس القصة القصيرة جدا جنس أدبي عربي حديث، فإن يوسف حطينييرى أن هذا الجنس الأدبي المستقل له جذور عربية تراثية ساهمت في بلورة هذاالفن في أدبنا الحديث والمعاصر. وفي هذا السياق، يقول يوسف حطيني في مقدمةالكتاب: "جاء هذا الكتاب الذي يهدف بكل وضوح إلى إثبات أن القصة القصيرةجدا نوع أدبي مستقل، له أركان تميزه من الأنواع التي تنضوي تحت جنس النثرالحكائي كالقصة القصيرة والرواية وغيرها.
      وعلىالرغم من أن هذا النوع الأدبي قديم جدا، فإنه بدأ بالتلامح، بوصفه نوعاأدبيا قادرا على الامتناع والإقناع، ويتوافر على عناصر وتقنيات تجعله يختلفعلى الشكل الحكائي القديم، ويعد تطويرا له، وبناء عليه.
      وبهذاالمعنى، فإن تأكيدنا على قدم هذا النوع لا يعني أننا نجتر ما أنجزهالقدماء، بل نقر بما أنجزه، مع الإشارة إلى أننا نحاول استثمار جميع طاقاتالتطور السردي من أجل تحويل الحكاية والخبر والنادرة... إلى قصة تمتلكجدارة الانتماء إلى السرد الحديث".(1)
      وعلىالرغم مما يقال عن القصة القصيرة جدا من قبل الرافضين لها، والمنكرينلأصالتها ووجودها، فإن يوسف حطيني يرى أن هذا الجنس الأدبي قد فرض وجوده،وأصبح ظاهرة فنية وجمالية لا يمكن نفيها، أو المرور عليها مر الكرام. ومنثم، فإن: " هذا الكتاب ينطلق من مقولة أساسية مفادها أن القصة القصيرة جداموجودة بالفعل، على الرغم من الأطياف المختلفة التي تحكم النظرة إليها،وعلى الرغم من أن عناصرها وتقنياتها ماتزال بين أخذ ورد. لذلك، فهو لنيناقش قضية وجودها، بل سينطلق إلى مناقشتها ومحاكمتها بوصفها ظاهرة موجودة،مؤكدا أن إنكارها يذكر بطريقة النعامة في التعامل مع الموجوداتالحسية".(2)
      إذاً،ماهي القضايا الفكرية والفنية والجمالية التي يطرحها كتاب: "القصة القصيرةجدا بين النظرية والتطبيق" ليوسف حطيني؟ وهل استطاع الدارس أن يرسم منهجيةخاصة لمقاربة هذا الجنس الأدبي الجديد /القديم، دون الاعتماد على مقارباتالأجناس الأدبية الأخرى؟ تلكم هي الإشكاليات المطروحة التي سوف نحاولالإجابة عنها في هذه الورقة التالية.
      1- نظرية القصة القصيرة جدا:
      ينطلقيوسف حطيني من أن القصة القصيرة جدا لها جذور في تراثنا السردي العربيالقديم، ولها علاقة وطيدة بالأخبار، والحكايات، والطرائف، والشذرات،والأكاذيب، والمنامات، والمقامات، وغير ذلك مما يبلغ حدا لافتا من القصر. ومن ثم، فهو ينكر تأثر كتاب هذا الفن في حقلنا الثقافي العربي بالآدابالعالمية بشكل مباشر، مادام هذا الفن موجودا في تراثنا السردي. وينحو فيهذا الاتجاه منحى صديقه أحمد جاسم الحسين: " ولابد من التأكيد هنا- يقوليوسف حطيني- أن الإفادة من الثقافة العالمية محمودة دائما بشرط واحد ووحيدهو ألا تمارس هذه الثقافة استلابا من أي نوع على ثقافتنا القديمةوالمعاصرة.
      ومنهنا، فإن القصة القصيرة جدا، بوصفها نوعا أدبيا له أركانه وتقنياته، لايعيبها أن تكون متأثرة بأي أدب عالمي، ولكن واقع الحال يبعد هذا الاحتمالمن وجهين:
      الأول وجودها فعلا في تراثنا العربي الغني بأشكال مختلفة.
      الثانيوجود سرد عربي متميز حديث صالح لأن يتطور وينتج أشكالا سردية جديدة. ولاسيما أن الرواية العربية التي تم استيراد تقنياتها الحديثة من الغرب فيبدايات القرن الماضي لم تقف عند حدود تلك التقنيات، بل عملت على تطويرهابكفاءة ممتازة".(3)
      لكنالسؤال الذي يبدر إلى أذهاننا هو أن مصطلح القصة القصيرة جدا كان موجودافي الثقافة الغربية بهذا الاسم، وخاصة في آداب أمريكا اللاتينية، فمصطلح (microrrelatos) يعني القصة القصيرة جدا، وقد استعمله إرنست همنغواي سنة 1925م. وهذا دليل على أن فن القصة القصيرة جدا فن وافد علينا، وذلك علىالرغم من جذوره التراثية. بمعنى أن نشأة القصة القصيرة، وذلك على مستوىالوعي والمقصدية والنية، غربي النشأة والاصطلاح. كما أن ترجمة كتاب "انفعالات" لنتالي ساروت من الفرنسية إلى اللغة العربية، وذلك من قبلالمترجم المصري فتحي العشري سنة 1971م، كان يحمل فوق ظهر الغلاف مصطلحالقصة القصيرة جدا. ومن المعلوم أن نصوص نتالي ساروت القصيرة جدا قد تمنشرها عام 1932م.
      وإذاأخذنا - مثلا- هذه القصة القصيرة جدا التي كتبها أنطوان تشيخوف، فقد يتبينلنا بأن الكتاب الروس كانوا على علم بتقنيات القصة القصيرة جدا بشكل واع،كما في مثل هذه القصة المعنونة ﺑ"ثروة"، والتي يقول فيها تشيخوف: " منذأربعين عاما، وعندما كنت في الخامسة عشرة، عثرت في الطريق على ورقة من فئةجنيه، ومنذ ذلك اليوم لم أرفع وجهي عن الأرض...
      واستطيعالآن أن أحصي ممتلكاتي كما يفعل أصحاب الثروات في نهاية حياتهم- فأنا أملك 2917 زرا، و34172 دبوسا، و12 سن ريشة، و13 قلما، ومنديلا واحدا، وظهرامنحنيا، ونظرا ضعيفا، وحياة بائسة".(4)
      هذا،ويرى يوسف حطيني أن القصة القصيرة جدا تختلف كل الاختلاف عن الحكايةالتراثية بجمعها بين الجانبين: الإخباري والجمالي، في حين تقتصر الحكايةالتراثية على الإخبار فقط: "فالحكاية التراثية كانت تكتفي في معظم الأحيانبالجانبين الحكائي والوعظي، أما القصة الحديثة فقد تخلصت في نماذجها الجيدةمن الوعظية، واهتمت باستثمار إنجازات التطور السردي، بمعنى أن السردالقديم كان مهتما بالجانب الإخباري، بينما اهتم السرد الحديث بالجانبين: الإخباري والجمالي في الآونة نفسها".(5)
      ومنهنا، فقد أورد يوسف حطيني كثيرا من النصوص التراثية التي تنتمي إلى السردالقصصي القصير، وذكر منها الحكايات، والأكاذيب، والأخبار، وقصص الحيوانات،وقصص الطفيليين كأشعب وجحا. وكل هذه الحكايات والنصوص القصيرة جدا تحمل فيطياتها قضايا اجتماعية وسياسية، ولاسيما قصص جحا ونوادره الساخرة.
      مماتقدم، "نرى أن السرد القصير جدا ليس جديدا، ولكنه قديم جدا، غير أن الذييميز السرد الحديث عنه أنه - أي القديم- احتفل بالمقولة على حساب الفن، وأنانتماء النص إلى نوع سردي بعينه لم يكن واضحا، إذ اختلط الخبر بالنادرة،واختلط المنام بالأكذوبة، في كثير من النماذج.(6)
      وبعدذلك، يذهب يوسف حطيني إلى أن القصة القصيرة جدا فن أدبي مستقل على الرغممن استفادته من الفنون والأجناس الأدبية الأخرى. والآتي، أن كثيرا منالمبدعين مازالوا يخلطون بين القصة القصيرة جدا والخاطرة والنكتة والنادرة. وأن هذا الفن صعب المراس، ولا يمكن أن يتقنه سوى مبدع تمرس على كتابةالقصة القصيرة. ومن ثم، يطرح التنظير مشكلا عويصا، فلا يجوز بحال منالأحوال تقييد المبدعين بوصفة فنية جاهزة، قوامها: اكتب ولا تكتب... وفيالوقت نفسه، لا ينبغي أن نترك باب هذا الفن على مصراعيه لكل من هب ودب،فلابد من وضع مجموعة من الأركان والشروط لتوجيه هذا الإبداع توجيها صحيحا. وفي هذا النطاق، يقول يوسف حطيني: " وعلى الرغم من أن القصة القصيرة جدابحاجة إلى معايير تميزها من فنون النثر الحكائي الأخرى، فأنا أعتقد أنالحديث مازال مبكرا عن ضبطها بتلك المعايير من خلال مقياس نقدي صارم، صحيحأنني أطرح تصورا نظريا لأركانها، ولكنني لا استطيع أن أفرض هذا التصور علىالمبدعين والنقاد على حد سواء. فثمة خلاف مع الناقد حول هذه العناصر، وثمةخلاف أيضا مع المبدع الذي يمكن أن يطورها.
      غيرأن هذا لا يعني أن الأمور ستبقى عائمة إلى الأبد، لأن السنوات القادمة،فيما أعتقد، ستفرز كثيرا من النصوص التي ستحاور النقد بجدارة، وعندها سيكونالنقد مطمئنا أكثر للمقاييس التي تفرضها النصوص الأكثر تطورا ونضجا.
      ولابدهنا من التأكيد أن وجود إطار نظري يحدد عناصرها لا يمكن أن يكون نهائيا،والمبدع الحقيقي هو الذي يلم بقواعد الفن من أجل أن يتجاوزها لا من أجل أنيتقيد بها تقيدا صارما".(7)
      وأرىشخصيا أن التنظير لهذا الفن الجديد ضروري في هذه المرحلة، وذلك من أجلتوجيه المبدعين توجيها سليما، ولاسيما الذين يخلطون هذا الفن بفنون وأجناسأدبية أخرى. ولابد أيضا من وضع مجموعة من القواعد الثابتة والثانوية لتطويقهذا الفن الجديد، وإرساء معالمه فنيا وجماليا في الحقل الثقافي العربي. وباحترام تلك القواعد، تتحدد موهبة المبدع، وتتفتق عبقريته على العطاءوالإنتاج. وبتكسير تلك القواعد، يتطور هذا الجنس فنيا، ويتقدم إلى الأمام. أما أن نترك الأمور على عواهنها، فسنحكم - بلا محالة- على هذا الفن بالموتوالانهيار والانقراض، كما هو حال القصيدة النثرية التي أصبحت مستباحة بشكلخطير.
      وتأسيسا على ماسبق، فقد حدد يوسف حطيني مجموعة من العناصر الجوهرية للقصة القصيرة جدا، فقد حصرها في المقومات التالية:
      1- الحكائية أو القصصية: كما في قصة: " فجر" للقاصة ابتسام شاكوش: " اتفقتالكلاب على طرد الليل، اجتمعت بأعداد غفيرة في أعلى التل الكبير، ظلت تنبحمستعجلة الفجر ساعات وساعات، وحين جاء الفجر بموكبه المهيب من الشرق وجدهانائمة".(8)
      وبغياب الحكائية، تضيع القصة القصيرة جدا، وتتحول إلى خاطرة كما في نص: " رسالة" لعماد النداف:
      " حبيبتي
      اشتريت لك ثوبا كحليا..
      سأقدمه لك عندما أعود... أنا الآن أمضي الليلة وحيدا أرقب النجوم...
      اسمعي... هذه النجوم استطيع أن أقطفها لك، وأرميها فوق ثوبك الكحلي، لكي تعرف النجوم أنك القمر".(9)
      وهناكنصوص بعيدة عن فن القصة القصيرة جدا، حيث تسقط في الشاعرية، وتقترب منالشعر أكثر من اقترابها من القصة القصيرة جدا كما عند حياة أبو فاضل: " صداقتنا مذ خلع ألوان الخريف عن شجرة المشمش في حديقتنا. وقفت تحتها صغيرة،مأخوذة، شعري يصافح الورق الراقص والهواء البارد، وصوت أمي طائر من داخلالبيت: " ادخلي، أو ضعي قبعتك على رأسك! " سمعتها وما سمعتها. كنت أعتقدعهد صداقة مع الشمالي الساحر القاسي. فكيف أخفي عنه شعري الطويل داخل جدرانقبعتي؟ "(10)
      ونفسالحكم، ينطبق أيضا على بعض قصص عبير كامل إسماعيل كما في نص: "حضور" الذيتغيب فيه الحكائية أو القصصية: " تقول الحاضرة للغائب: ما أشد وقع حضورك فيالغياب".(11)
      كمايسقط القاص الفلسطيني محمود علي السعيد في النزعة الشعرية؛ مما يفقد قصصهالخاصية الحكائية أو القصصية كما في هذا النص: " الورقة": " في فسحة منفضاء الحلم الأزرق، راق في عينيه الطقس، فاستيقظ قبل زقزقة العصافير يحملمحفظته الشقراء كجدائل غيمات فصل الخريف، يمتطي قطار الريح، يعبق برائحةالفل المتطايرة كشرارات موقد الحطب من شرفات حارات حلب القديمة ذاتالإيقاعات الجمالية الخاصة جدا بفن الهندسة والزخرف، يستقبل صفحات جريدةالجماهير العربية بعشق، يطالع إشكالات الثقافة العصرية عبر حوار طاقة منالشباب الطيب فكرا وثقافة وقشعريرة الشوق على فلسطين تخفق بجناحيها بمسافةطويلة تضم الوطن دفعة واحدة حتى يصحو من دوامة التساؤلات، وقد انفرطت منعقد القصة على صوت فاطمة يرشح من زجاج المقهى. صباح الخير يا حبيبتي".(12)
      2- الوحدة: والمقصود بها وحدة الحبكة والعقدة بشكل خاص؛ "لأن تعدد الحبكاتوالعقد والحوافز المحركة للأحداث، وتكرر النماذج المتشابهة، يمكن أن يقودإلى نوع من الترهل الذي يفقد القصة القصيرة جدا تمركزها".(13) ومن الأمثلةعلى ذلك قصة "قاراقوش" لعدنان كنفاني: "فارمان سلطان شديد اللهجة يقول:
      كل حمار (مهما كان تصنيفه) ينهق في الأماكن العامة يتعرض لعقوبة الخوزقة.
      ساد الهرج والمرج وتزاحمت وحوش الغابة وطيورها وحشراتها تغادر مواطنها هربا..
      قال حمار يخاطب أرنبا هاربا:
      لماذا تهرب والفرمان يخصنا دون سوانا؟
      ضحك الأرنب ساخرا، وأجاب:
      في غابة مثل هذه، كلنا حمير.
      وانطلق يركض على غير هدى".(14)
      ومنالأمثلة الدالة على هذه الوحدة القصصية قصة: " تقمص" لعبير كامل إسماعيل: " عندما أحرقوا جسده انتقاما.. أخذت رماده، مزجته بتراب حديقة منزلها.. بعدشهور نبتت ياسمينة بيضاء، امتدت.. وامتدت حتى سورت قصور المدينة كلها".(15)
      3- التكثيف: يرى يوسف حطيني أن التكثيف من: " أهم عناصر القصة القصيرة جدا،ويشترط فيه ألا يكون مخلا بالرؤى أو الشخصيات، وهو الذي يحدد مهارة القاص،وقد يخفق كثير من القاصين أو الروائيين في كتابة هذا النوع الأدبي، بسببعدم قدرتهم على التركيز أو عدم ميلهم إليه".(16)
      ومنأهم الأمثلة القصصية على خاصية التكثيف قصة: "تمساح" لمحمود شقير: "تمساحباهت الجلد، مسترخ تحت شمس الظهيرة، مرتاح لبلادته التي لا توصف، يرقببسكينة ودعة، المرأة وهي تتعرى ببطء لذيذ، يرقب بالسكينة وبالدعة نفسها،الرجل وهو يتمسح بالمرأة التي تبدو مثل فريسة سهلة المنال، التمساح وهومسترخ تحت شمس الظهيرة، يذرف الدموع، شفقة على المرأة التي ركضت، ضاحكة،مستثارة نحو حافة الماء، وهي لاتدري أنها تغوي تمساحين اثنين في وقتواحد".(17)
      لاأعتقد أن هذه القصة في منظوري الشخصي مثالا لقصة مكثفة، بل هي زاخرةبتفاصيل وجزئيات وصفية كان بالإمكان تجنبها، والاقتصاد فيها تكثيفا وتركيزاوتبئيرا. لكن أهم قصة تصلح للتكثيف قصة طلعت سقيرق تحت عنوان: " الفاعل": "اصطف الطلاب.. دخلوا بنظام، جلسوا على مقاعدهم بهدوء، قال المعلم: درسنااليوم عن الفاعل.. من منكم يعرف الفاعل؟؟ رفع أحد الطلاب إصبعه.. وقف.. تثاءب.. قال: الفاعل هو ذلك الذي لم يعد موجودا بيننا.. ضحك الطلاب، وبكىالمعلم.".(18)
      ومنالنماذج المسيئة إلى فكرة التكثيف قصة "بيتان" لمحاسن الجندي، وذلك بسببالتكرار والتطويل والإسهاب" اختلفا فيما بينهما، ولم يطيقا العيش معا، ثمأعلنا الطلاق وبكى الأطفال..
      أراد كل منهما أن يعمر بيتا مريحا للأولاد:
      اشترت أرضا قريبة من القلب واشترى مساحة قريبة من العقل المتسلط.
      شيدت غرفة صغيرة من الصدق والعفوية، وبنى غرفة شاسعة من الكذب والادعاء..
      بنت غرفة من الحرية، وبنى غرفة من التربية الصارمة.
      ملأت مطبخها بفواكه الحنان والتضحية، وملأ مطبخه بفواكه الحب المطعمة بفاليوم الخوف والأنانية.
      سيجتبيتها المنمنم بورود الجرأة والتفاؤل والفرح، وسيج بيته بسياج الكآبةوالتسلط... حينها طار الأولاد صوب البيت الصغير على جناحي فرح إنسانيلاتشوبه شائبة".(19)
      4- المفارقة: تعد المفارقة من أهم عناصر القصة القصيرة جدا، ولايمكنالاستغناء عنها، وتعتمد على: " تفريغ الذروة، وخرق المتوقع، ولكنها فيالوقت ذاته ليست طرفة، وإذا كانت هذه القصة تضحك المتلقي، في بعض الأحيان،فإنها تسعى إلى تعميق إحساسه بالناس والأشياء، ولعل إيجاد المفارقة أن يكونأكثر جدوى في التعبير عن الموضوعات الكبيرة، كالعولمة والانتماء ومواجهةالذات".(20)
      وإذاكان أحمد جاسم الحسين يعتبر المفارقة من التقنيات الثانوية التي تحضروتغيب، فإنني - شخصيا- أتفق مع يوسف حطيني الذي عدها ركنا ضروريا للقصة

      القصيرة جدا، فشعرية القصة القصيرة جدا تتمثل في هذه المفارقة المكثفة
      sigpic

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #18
        القائمة على التضاد، والتنافر، والتقابل، والسخرية، والباروديا، والتهجين. وفي هذا الصدد، يقول يوسف حطيني: "ولابد من الإشارة هنا إلى أن ضرورة وجودالمفارقة فيها هي إحدى نقاط الخلاف مع الدكتور أحمد جاسم الحسين، فأناأراها عنصرا لازما، أما هو فيراها تقنية ممكنة الاستخدام. وقد درست من أجلحسم رأيي حول هذه المسألة مئات النصوص المتوفرة، منطلقا من أن النص القصصيهو الذي يفرز أدواته التي تناسبه، وثبت لدي أن ما قرأته من القصص الناجحةحتى الآن يعتمد اعتمادا كبيرا على المفارقة. ولاشك أن الحل لا يكونبالإقحام القسري لها، بل بالبحث عن صيغ سردية مناسبة؛ لأن المفارقة هيالأقدر على رفع إحساس المتلقي بالقصة القصيرة جدا التي لا يمكن أن تكونناجحة أبدا بدونها".(21)
        ومنالأمثلة على خاصية المفارقة قصة: " مفاجأة" لجمانة طه: " ملأت كفها بحفنةمن تراب الوطن. حدقت فيه، وجدته مملوءا دبابات وأسلاكا شائكة".(22)
        ومن القصص المفارقة الأخرى قصة محاسن الجندي: "رن الهاتف... قال بضع كلمات وهم بمغادرة مكان عمله.
        سأله منذر عن السبب، فأجاب باختصار المستعجل:
        - تلك التي كانت تحدثني على الهاتف مدة شهر كامل، ولم أعرف اسمها أو شكلها، أعطتني موعدا في الشارع المجاور..
        قال منذر:
        - وكيف ستتعرف عليها...؟
        - قالت إنها ستلبس ثوبا أزرق، وغطاء أبيض، وستحمل في يدها اليمنى، وردةحمراء. وعندما دخل غرفة النوم ليغير ملابسه رأى منذر على السرير ثوبا أزرقوغطاء رأس أبيض.. أما الوردة..".(23)
        وغالبا ما تعتمد المفارقة على النكتة والطرفة والإدهاش والمفاجأة، ولكن المفارقة لا تعني النكتة الساخرة بأي شكل من الأشكال.
        5- فعلية الجملة: تعتمد القصة القصيرة جدا على عنصر الفعلية في تحريكالأفعال، وتسريع الحبكة السردية سواء أكانت تلك الجمل جملا فعلية أم جملاتفيد الفعلية، مثل: الجمل الاسمية التي خبرها فعل. كما في قصة: "انفتاح" للكاتبة الكويتية ليلى العثمان: "سألت الزهرة رفيقتها:
        - لماذا تفتحت قبلي؟
        قالت الرفيقة بانتشاء:
        - فتحت قلبي للنور والمطر قبلك".(24)
        وإليكمقصة: "الجامعة" للكاتب السعودي ناصر سالم الجاسم تعتمد على الجمل الاسميةكثيرا ؛ مما أثر سلبا على حبكتها السردية، وإيقاعها الفني والجمالي: "السوررفيع، الباب موصد، النوافذ علوية زجاجية عاكسة، موظفو الأمن عند بوابةالخروج ببذلاتهم الأنيقة يطابقون الأسماء في البطاقات المحددة، ويطلونبرؤوسهم داخل السيارات من خلال نوافذ السائقين، وينظرون إلى الأجسادالجالسة والحلي الفارة من سواد العباءات السوداء والحقائب الجلدية الموضوعةفوق كل حجر، والرجال في المواقف المكشوفة للشمس ينتظرون ويدخنون ويقرؤونالصحف اليومية بدون شهوة، كنت منتظرا معهم، وأسأل نفسي: كم جميلة بداخل هذاالمبنى؟ كم عاشقة خلف هذا السور؟ كم خائنة في قاعة المحاضرات تناقشبارتياح؟ كم حبلى واقفة في طابور الكافيتيريا تمد يديها أمام بطنها تخشىالإجهاض؟ وكم...؟ وكم...؟"(25) وعليه، فالدكتور يوسف حطيني يحدد خمسة أركانللقصة القصيرة جدا، ولكن ثمة أركان أخرى، وإن كنت لا أرى أن الوحدة ركنا،لأنه يوجد في جميع الأجناس الأدبية، فليس هناك فن أو جنس أدبي لا يتوفر علىوحدة موضوعية أو عضوية أو اتساق أو انسجام سواء على مستوى الحبكة أو علىمستوى الخطاب أو الدلالة. وأتفق مع الدارس في تأكيد باقي العناصر الأخرى. بيد أن ثمة أركان أخرى تعتمد عليها القصة القصيرة جدا، مثل: التسريع، وقصرالحجم، والإدهاش، والإرباك، والمفاجأة.
        هذا،وقد حاول بعض المبدعين السوريين، ألا وهو الأستاذ نبيل المجلي، جمع بعضأركان القصة القصيرة في منظومة على غرار أراجيز النحو والفقه والعلوم(26)
        سرد قصير متناه في القصر
        كالسهم، بل كالشهب تطلق الشرر
        كتبها الأوائل الكبار
        وليس يدرى من هو المغوار
        قد ميزتها خمسة الأركان
        حكاية غنية المعاني
        وبعدها يلزمنا التكثيف
        ووحدة يحفظها حصيف
        واشترط الناس لها المفارقة
        وأن تكون للحدود فارقة
        وجملة فعلية بها كمل
        بناؤها.. وحقه أن يكتمل
        وثمةمجموعة من التقنيات التي تحضر وتغيب، وتشترك فيها مع الفنون والأجناسالأدبية الأخرى، مثل: التناص (أسماء الأعلام والأمكنة...)، والتلوينالأسلوبي (النفي، والإثبات، والاستدراك...)، والتشخيص (قصص على ألسنةالحيوانات والجمادات)، ووضع العنوان في خدمة النص، وتشغيل الحوار المشهدي،وتوظيف الإيقاع النحوي والتركيبي والموضوعي، واستخدام الألوان في أكثر منقصة، كما في قصة: " ألوان" لهيمي المفتي: " لا تزال، ومنذ أن أبدى إعجابهالخجول بفمها البكر الممتلئ، تطلي شفتيها كل يوم بلون جديد...
        لونتهمابالأحمر القاني يوما، وبالأرجواني يوما، ثم رسمت خطوطا قاتمة على حدودالشفاه لتبدو أكثر اكتنازا، وطلتها بلون الرماد الشهي...
        جربتاللون الناري، المرجاني، الخمري، التوتي، البرتقالي، الزهري، الفوشيا... وحين انتهت التشكيلة المتوافرة في السوق، أخذت تمزج بين أصابع الشفاهالمختلفة فتأتي بألوان جديدة لا اسم لها ولا تشبه غيرها...
        الألوانالصارخة في الشفتين تبهره بجديدها كل يوم، وتغتصب إعجابه الجريء السافر... أما كل ما تأتي به الشفتان من ابتسامات، وكل مايصدر عنهما من كلمات أوقبلات، بل كل ما يحيط بهما من ملامح، فقد فقد لونه."(27)
        ويبرزسليم عباسي في لوحة الغلاف الأخير من مجموعته القصصية: (البيت بيتك) (28) مجموعة من الأركان، فيحصرها في: الحكائية، والمفارقة، والسخرية، والتكثيفالذي يشمل اللغة والحدث والوصف والشخصيات،. كما يتطرق إلى التقنيات،فيستحضر منها: الأنسنة، والرمز، والإيماء، والتلميح، والإيهام، والخاتمةالمتوهجة الواخزة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظللخاتمة صدمتها. إن سليم عباسي حسب يوسف حطيني: "يخلط بين الأركانوالتقنيات. ويبدو أن الخلط بين الأركان والتقنيات ليس مشكلة عباسي وحده، بلهي مشكلة كتاب القصة القصيرة جدا ونقادها على حد سواء".(29)
        وعلىالرغم من قصر القصة القصيرة جدا، فإنها تطرح أسئلة كبيرة، فلقد: "أثبتكثير من القصص القصيرة جدا أن هذا النوع الأدبي قادر، بكفاءة، على حملالهموم الكبيرة: الاجتماعية، والوطنية والقومية والإنسانية، إذ إن المتابعلها يدرك مدى حضور قضية فلسطين، والصراع العربي الإسرائيلي، والموقف من سعيالنظام العالمي الجديد إلى فرض هيمنته على العالم، وغير ذلك من القضايا،مما يثبت أن قصر القصة لا يعني بالضرورة قصر الرؤيا كما حاول بعض الكتاب أنيستنتج".(30)
        ويعنيهذا أن القصة القصيرة جدا قصة ملتزمة ذات مواقف متنوعة تجاه الذاتوالموضوع، وتجاه نفسها فيما يسمى بالميتاسردي. بيد أن ثمة قصصا قصيرة جدافارغة من حيث المعنى والمضمون والرسالة، حيث: " تحولت القصة القصيرة جداإلى ملحة أو طرفة لاهدف لها إلا الإضحاك، وقد تجلى ذلك في بعض قصص أحمدجميل الحسن، من مثل قصة: "مانع" التي يقول فيها: " خطت له رسالة طويلة جدا،ملأتها بالأشواق والقبل، والرموز والتصريحات، وختمتها:
        حبيبي:
        منشدة حبي لك لم استعمل حبوب منع الحمل معك، مثلما كنت استعملها معغيرك".(31) وبعد ذلك، قدم يوسف حطيني نظرة عامة حول مجموعة من ملتقياتالقصة القصيرة جدا، وهي تنعقد بدمشق منذ عام 2000م. وهكذا، فقد أشادالملتقى الأول بتجارب كل من ناتالي ساروت، وكالفينو، ووليد إخلاصي، وزكرياتامر. وقد شارك في الملتقي الأول للقصة القصيرة جدا عدد كبير من المبدعينوالنقاد، ونستحضر منهم: عبد الله أبو هيف، وقاسم المقداد، ونبيل اللو،ولبانة مشوح، وجمانة طه، وأحمد جاسم الحسين، ويوسف حطيني، ومحمد جمالالطحان، ومية الرحبي، وسليمان حسين، ووليد معماري، ودلال حاتم، وسعادمكارم، وعماد نداف، وعدنان كنفاني، وسلوى الرفاعي، وابتسام شاكوش،وآخرين... وقد شارك في الملتقي الثاني للقصة القصيرة جدا، الذي استضافهالمركز الثقافي الروسي بدمشق ما بين 5و13 غشت 2001م، ما يزيد عن خمسينمبدعا وناقدا، منهم: رياض عصمت، وعبد الله أبو هيف، وعادل فريجات، ولبانةمشوح، والشاعر عبد القادر الحصني، وعبد الكريم عبد الصمد، وهيمى المفتي،ووفاء خرما، وابتسام شاكوش... وآخرون.(32)
        أماالملتقى الثالث: "فقد شهد تطورا لافتا، حين أدخل في برنامجه، إضافة إلىالمشاركات القصصية والتعليقات النقدية، قراءات من الأدب العالمي، اختارهامجموعة من المترجمين عن الروسية والتركية والبلغارية".(33)
        أماالملتقي الرابع فقد كان مابين10 و14 غشت من عام 2003م في المركز الثقافيالروسي بدمشق، كما انعقد كذلك مابين 17 و20 من غشت 2003م بصالة المركزالثقافي العربي بمدينة حلب: "فقد تم إلغاء التعليقات النقدية التي تعارفتعليها المتقيات السابقة، بعد أن وجهت ملاحظات للقائمين على الملتقى، مفادهاأن النقاد ليسوا أوصياء على هذه التجربة الجديدة، غير أن عتبا تم توجيههللقائمين عليه أيضا، بسبب غياب التعليقات عنه. غير أن الجديد في الملتقىالرابع والأخير هو امتداده إلى حلب، حيث لاقى ترحيبا واسعا ومشاركة فعالة،بفضل مساعدة الدكتور محمد جمال الطحان وإشرافه".(34)
        ومايهمنا في هذه الملتقيات الدراسات النقدية التي أدلى بها النقاد كدراسةالدكتورة لبانة المشوح التي حصرت أركان القصة القصيرة جدا في: الحكائية،والتكثيف، والإدهاش.
        وبناءعلى ما سبق، يقدم يوسف حطيني نظرة متفائلة إلى مستقبل القصة القصيرة جدابأنها ستحظى بمكانة كبيرة في الأيام المقبلة. وفعلا، لقد تحقق لهذا الفنالجديد ما كان يصبو إليه كل من أحمد جاسم الحسين، ويوسف حطيني من انتشاروتوسع وازدهار: "إن مستقبل القصة القصيرة جدا يبدو لي مرهونا- يقول يوسفحطيني- قبل كل شيء بالحاجة إلى إقناع القارئ بجدوى هذا النوع الأدبي عبرإعطائه مزيدا من الدور للقارئ وتحريضه ورفع مستوى وعيه الفكري والجمالي.
        ونحن - بالتأكيد- بحاجة إلى مزيد من المجموعات المتميزة، لأن النصوص الرديئة لاترسخ نوعا أدبيا، ولأن النقاد، ولو اجتمعوا، لا يستطيعون كتابة قصة أوقصيدة، ولا يستطيعون أن يفرضوا نوعا أدبيا لا تدعمه نصوص مميزة قابلةللحذو.
        إنملتقيات القصة القصيرة جدا لا تزعم أنها تقدم إجابات نهائية للمتسائلين،لأن المشاركين فيها جميعا يزعمون أنهم في طور التجريب، وربما كان من المبكرالحكم على هذه التجربة، ونحن هنا لا نطلب من المشككين بجدوى هذه التجربةأن يهللوا لها، ولكننا نطمح على أن يعطوها فرصة لتقول ما لديها، وفي ظني أنالمستقبل سيكون للتجديد؛ لأن الجديد من ضرورات الحياة ومتطلباتها".(35)
        وفييومنا هذا، فقد شرقت القصة القصيرة جدا وغربت بشكل لافت للانتباه، فأضحتظاهرة أدبية تثير المبدعين والنقاد والقراء على حد سواء، وذلك بين مدافع،ومتردد، ورافض.
        2- تطبيقات نقدية حول القصة القصيرة جدا:
        خصصيوسف حطيني القاص السوري زكريا تامر بدراسة نقدية تتناول عوالمه الفنيةوالتخييلية في ماكتبه من قصص قصيرة جدا. ومن ثم، تمتاز القصص القصيرة جداعند زكريا تامر بمجموعة من الخصائص والسمات، كالنزعة الإنسانية، والميل إلىالأصالة والتفرد والتجديد، واستعمال لغة سردية متميزة، وتشغيل التكثيف،واستعمال الجملة الفعلية، وتعقيد الواقع البسيط، والمزج بين الحلم والواقع،واستخدام الأسطورة، والانطلاق من هموم مختلفة اجتماعية، ووطنية، وقومية،وإنسانية.
        وعليه، "يؤمن زكريا تامر ودون مواربة بأن الحكائية شرط كل نثر قصصي، وعلى الرغممن استخدام مجموعة من التقنيات القصصية التي يتيحها التلاعب بالنظاماللغوي، فإن القاص لا يركن لهذه التقنيات، مستسلما لغوايتها، بل يضعهاجميعا في خدمة الحكاية، وعلى الرغم مما يشار على أن زكريا تامر هو شاعرالقصة العربية القصيرة، فإنه بقي قاصا لأنه عرف كيف يفيد من شعرية الحكاية،ويخيل إلي أن أهم الفروق بين الشعرية الحكائية، والحكائية الشعرية، إضافةإلى الإيقاع، أن الأولى تضع إمكانات الحكاية في خدمة الشعر، أما الثانيةفلأنها تضع الصورة واللغة والمجاز والأسطورة والحلم والكابوس والتوتراللغوي... في خدمة الحكاية".(36)
        ومنهنا، يتميز زكريا تامر، وذلك في قصصه القصيرة جدا، بقدرته على التكثيف،والانتخاب اللغوي، والتركيز، والتضمين، وتحقيق الوحدة الموضوعية، واستعمالالجزئيات الموحية، والابتعاد عن الشرح الطويل، والاهتمام بالمفارقة، حيث: " يدرك القاص جيدا أن القصة القصيرة جدا لا تستغني عن المفارقة، إذ هي عندهأساس من الأسس التي لا غنى عنها أبدا، وتعتمد على مبدإ تفريغ الذروة، وخرقالمتوقع، ولكنها في الوقت ذاته ليست طرفة، وإذا كانت هذه القصة تضحكالمتلقين في بعض الأحيان، فإن هذا الضحك يكون في كثير من الأحيان مؤلما إلىحد البكاء، ويسعى إلى تعميق إحساسه بالناس والأشياء، ولعل إيجاد المفارقةأن يكون أكثر جدوى في طرح الأسئلة الكبيرة حول العولمة والهوية وحقيقةالشرف، ونسبية المفاهيم، والقدرة الخارقة التي يتمتع بها المهزومون الذينيجعلون العهر شرفا".(37)
        وإذاكان كثير من كتاب القصة القصيرة جدا يميلون إلى التنكير في تقديمالشخصيات، فإن زكريا تامر يميل إلى التعريف بشخوصه السردية، واستخدامالأسماء العلمية في قصصه القصيرة جدا، كأن يستخدم مثلا: دياب الأحمد، وعبدالحليم المر، وزهير صبري، وخالد الخلاب، وموفق النمس، وليلى المجهولةالكنية، ونور الدين الطحان...
        وتنمازقصصه القصيرة جدا كذلك بسحر العنوان، واللغة البديعة، والاعتناء بالتجديدوالتجاوز والاختيار. وقد اكتفى بعد أكثر من أربعين عاما من الكتابة بتسعمجموعات قصصية، وهي: صهيل الجواد الأبيض (1960م)، وربيع في الرماد (1963م)،والرعد (1970م)، ودمشق الحرائق (1973م)، والنمور في اليوم العاشر (الطبعةالرابعة 2000م)، ونداء نوح (1994م)، وسنضحك (1998م)، والحصرم (2000م)،وتكسير ركب (2002م).
        هذا،وقد قدم الدارس قراءات نقدية في مجموعة من المترجمات العالمية لكتابمتميزين في باب القصة القصيرة جدا. ومن الكتاب الذين ترجمت نصوصهم، نذكر: أنطوان تشيخوف في قصة: "متنكرون"، وإيفان تورغنيف في قصتي: "الكلب" و: "شحاذ"، وف. كريفين في قصة: "اختيار مهنة"، ول. غرونتس في قصة: "الطريق"،وإيلين بيلين في قصة: "أمل"، وناظم حكمت في قصة: "بواري المدافىء"، وعزيزنسين في قصة "عندما تستشرس الفئران"...
        كماقدم يوسف حطيني دراسة في مجموعة "همهمات ذاكرة" لأحمد جاسم الحسين،واستخلص الدارس مجموعة من الاستنتاجات والملاحظات الهامة، حيث توصل الباحثإلى أن هذه المجموعة القصصية تتمتع بوجود الحكائية أو القصصية، وذلك منخلال التتابع السردي سببا ومنطقا، واستعمال التكثيف، والميل إلى التركيز،واستخدام التشخيص والأنسنة، وذلك عبر استعمال الحوار والوصف والمناجاة،والاستفادة من تنويع البدايات والنهايات، واستغلال الطاقة الفعلية فيالجمل، والارتكان إلى خصب الدلالة وغنى المواضيع والمضامين، والانطلاق منالرؤية الإنسانية، والإكثار من اسمية العناوين، والتركيز على الرؤيةالسياسية والاجتماعية، وتشغيل لغة موحية رمزية بعيدة عن المباشرة والحرفيةالتقريرية، والإكثار من لغة الإدهاش والطرافة. ويستعمل أيضا مجموعة منالتقنيات كالترميز، والتناص، والاقتباس، والمفارقة، والإكثار من الثنائيات. و" مثلما تفيد القصة القصيرة والرواية من أنسنة الحيوانات والأشياء، فإنالقصة القصيرة جدا على يد أحمد جاسم الحسين تفيد أيضا من هذه الإمكاناتالدلالية، ولكنها حين تحضر لا تكون جزءا من نسيج السرد، كما يغلب أن يحدثفي الأنواع الأدبية الأخرى للنثر الحكائي، بل تشكل منطق السرد برمته،اعتمادا على التكثيف الذي لا يتيح التعامل مع الأجزاء الصغيرة إلا بوصفهاوحدات تامة مستقلة".(38)
        أمامجموعة عماد نداف القصصية: " جرائم شتوية" التي تندرج ضمن القصة القصيرةجدا، فتمتاز بعدة خصائص فكرية وفنية، ومن أهمها: الحس الإنساني المتدفق،والكثافة اللغوية والشعورية، والوحدة الموضوعية، وتبئير الحوافز، والميلإلى السرد الفعلي الحكائي السريع، واختيار تقنية الحذف، وتوظيف اللغةالشاعرية، وتشغيل الشعرية الحكائية، والاستفادة من مجموعة من الثنائياتالضدية، والارتكان إلى المفارقة، والتشديد على الجرأة. وتوجد تقنيات أخرىكالأنسنة والتشخيص، والاستفادة من تقنيات التلوين (الإكثار من الألوان)،والانفتاح على الفنون الأخرى كاللوحة التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي.
        وبعدذلك، ينتقل يوسف حطيني إلى مقاربة المجموعة القصصية للكاتب الفلسطيني محمدتوفيق السهلي: "من يسرق الأحلام؟"،(39) حيث استخدم فيها المبدع شكل القصةالقصيرة جدا، كما طعمها بالتكثيف، والمفارقة، واستخدام الجمل الفعلية،واستغلال التناص، واللعب في اللغة، وتشغيل الضمائر وتنويعها، والانطلاق منالتراث الشعبي. وباختصار، "فإن محمد توفيق السهلي يقدم لنا في قصصه القصيرةجدا عالما زاخرا بالرؤى النبيلة من خلال لغة حكائية كثيفة تحمل علىأجنحتها أرق الانتماء، وحلم العودة الذي لن ينجح الغاصبون في سرقته منالصدور".(40)
        وقدعرج الدارس أيضا على كتاب زميله الدكتور أحمد جاسم الحسين: "القصة القصيرةجدا"، وذلك بالتعريف، والتحليل، والنقد، والتقويم، والتوجيه. كما دخلالدارس في سجالات نقدية انطباعية وانفعالية، وذلك مع مجموعة من الكتابوالنقاد والدارسين، مثل: حسن حميد الذي كتب مقالا في جريدة الأسبوع الأدبيبعنوان: "النصوص القصيرة جدا... والرؤية القصيرة جدا"(41)، حيث استعمل هذاالكاتب الصحفي في نقده لغة القدح والردح، معتبرا المهرجان الأول للقصةالقصيرة جدا من المهرجانات التي أصابها الإخفاق الذريع. كما دخل يوسف حطينيفي سجال آخر مع الدكتور وليد السباعي الذي هاجم القصة القصيرة جدا انتقاصاوازدراء وتحطيما. ورد الدارس كذلك على الأستاذ غسان شمة الذي استعمل بدورهنقدا يقوم على الشتم والتجريح والسخرية.
        وبناءعلى ما سبق، يرى يوسف حطيني أن: "القصة القصيرة جدا لن يفيدها حماس يوسفحطيني أو أحمد جاسم الحسين ولن يضرها هجوم هذا الناقد أو غيره، لأنهامرهونة فقط بالنصوص الجيدة التي تستطيع أن ترفع من شأنها.
        ولسنافي عجلة من أمرنا لأن الزمن كفيل بغربلة كل ما هو تافه وسطحي، كما أنهكفيل باصطفاء كل ما هو نقي وإنساني وفني، حتى وإن كان قصة قصيرة جدا. هذاإذا نجت القصة القصيرة جدا من كتاب مثل صاحبنا الذي يستطيع أن يكتب خمس قصصفي " التوسة " الواحدة".(42)
        وفعلا،فقد تحققت نبوءة يوسف حطيني، فقد تعاظم اليوم شأن القصة القصيرة جداعربيا، وأصبحت لها مكانة كبيرة بين المبدعين والنقاد والباحثين والدارسين،وتكاثر عدد كتابها إلى أن ازدحمت بهم المواقع الرقمية والصحف الورقية بشكللافت للانتباه، وذلك يوما بعد يوم، إلى أن أصبح عصرنا هذا عصر القصةالقصيرة جدا بامتياز.
        تركيب واستنتاج:
        وهكذا،نخلص إلى أن الباحث الفلسطيني الدكتور يوسف حطيني يعتبر من المنظرينالأوائل للقصة القصيرة جدا في عالمنا العربي إلى جانب السوري أحمد جاسمالحسين، والعراقي جاسم خلف إلياس(43)، والمغربي جميل حمداوي(44)، ويعد كذلكمن المدافعين الغيورين على هذا الفن النبيل تنظيرا وتطبيقا. وقد استطاع فيكتابه هذا أن يحدد مجموعة من الأركان والشروط والتقنيات التي تنبني عليهاالقصة القصيرة جدا، مثل: الحكائية، والمفارقة، والوحدة، والتكثيف، وفعليةالجملة، وذلك باعتبارها عناصر ضرورية. وفي الوقت ذاته، تحدث عن عناصر مكملةلهذه الأركان كالتناص، والتشخيص، والإيقاع، والتلوين، والتحكم فيالعنوان...
        بيدأن ما يلاحظ على الدكتور يوسف حطيني أنه لم يطرح في هذا الكتاب القيممنهجية جديدة أو تقنية ثقافية نقدية لمقاربة القصة القصيرة جدا، مادامتجنسا أدبيا حديثا له قواعده الثابتة والعرضية. فقد قارب هذه القصة الجديدةفي ضوء منهج فني تاريخي وانطباعي، ولم يتبن منهجا مستقلا يتلاءم مع هذاالجنس الأدبي. لذلك، اقترح أن تكون المقاربة الميكروسردية في المستقبلالقريب نموذجا نقديا بديلا، وتقنية ثقافية منهجية في مقاربة القصة القصيرةجدا: بنية ودلالة ووظيفة.(45)
        *******
        الهوامش:
        1- د. يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، مطبعة اليازجي، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2004.
        2- د. أحمد جاسم الحسين: القصة القصيرة جدا، دارالفكر، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1997م.
        3- د. يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، ص: 7- 8. 4
        4- د. يوسف حطيني: نفس المرجع، ص: 9.
        5- د. يوسف حطيني: المرجع نفسه، ص: 12.
        6- د. يوسف حطيني: المرجع نفسه، ص: 5.
        7- د. يوسف حطيني: المرجع نفسه، ص: 12.
        8- د. يوسف حطيني: المرجع نفسه، ص: 23.
        9- د. يوسف حطيني: المرجع نفسه، ص: 26- 27.
        10- ابتسام شاكوش: بعض من تخيلنا، بسمة للدعاية والكومبيوتر، اللاذقية، الحفة، 1998م، ص: 39.
        11- عماد النداف: جرائم شتوية، قصص قصيرة جدا، دار الكنوز الأدبية، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص: 16.
        12- حياة أبو فضل: حياة، قصص قصيرة وقصص قصيرة جدا، شركة رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، لبنان.
        13- عبير كامل إسماعيل: للثلج لون آخر، قصص، دار الشموس، دمشق، الطبعة الأولى سنة 2001م، ص: 8.
        14- محمود علي السعيد: القصبة. قصص قصيرة جدا، النادي الثقافي الفلسطيني، طبعة 1982م، د. ص.
        15- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 31.
        16- عدنان كنفاني: على هامش المزامير، مطبعة اليازجي، دمشق، طبعة 2001م، ص: 29.
        17- عبير كامل إسماعيل: للثلج لون آخر، ص: 81.
        18- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 33.
        19- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 33.
        20- طلعت سقيرق: الخيمة، دمشق، سورية، طبعة 1978م، ص: 58.
        21- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 3334- 35.
        22- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 35.
        23- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 35- 36.
        24- جمانة طه: عندما تتكلم الأبواب، قصص، اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، طبعة 1998م، ص: 79.
        25- محاسن الجندي: تساؤل، دار الباحث، سلمية، الطبعة الأولى سنة 1997م.
        26- ليلى العثمان: (قصص قصيرة جدا)، جريدة الأسبوع الأدبي، دمشق، العدد: 788، تاريخ 15- 12- 2001م.
        27- د. وسف حطيني: نفسه، ص: 40.
        28- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 33.
        29- هيمي المفتي: (قصة ألوان)، جريدة الأسبوع الأدبي، دمشق، العدد: 787، تاريخ08/12/2002م.
        30- سليم عباسي: البيت بيتك، مطبعة اليازجي، دمشق، سورية، طبعة 2001م.
        31- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 49.
        32- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 49.
        33- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 51- 52.
        34- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 58- 59.
        35- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 64-
        36- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 66.
        37- د. يوسف حطيني: نفسه، 72.
        38- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 76.
        39- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 81
        40- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 110.
        41- محمد توفيق السهلي: الحلم المسروق، قصص قصيرة جدا، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2001م.
        42- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 126.
        43- حسن حميد: (النصوص القصيرة جدا... والرؤية القصيرة جدا)، مجلة تشرين الأسبوعي، سورية، العدد: 175، بتاريخ: 21/08/2001م.
        44- د. يوسف حطيني: نفسه، ص: 150.
        45- د. جاسم خلف إلياس: شعرية القصة القصيرة جدا، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2010م.
        46- د. جميل حمداوي: القصة القصيرة جدا بالمغرب، منشورات مقاربات، آسفي،الطبعة الأولى سنة 2009م؛ و خصائص القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعوديحسن علي بطران (دراسات نقدية)، دار السمطي للنشر والإعلام، القاهرة، مصر،الطبعة الأولى 2009م.
        47- د. جميل حمداوي: (من أجل مقاربة جديدة لنقد القصة القصيرة جدا (المقاربة الميكروسردية))، موقع دروبDoroob، موقع رقمي،
        نقلا عن موقع التجديد العربي http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-12-46/27629-%D9%85%D9%82%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D8%A7-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%AD%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A.html


        و لنا أن نتفق أو نختلف في جانب من رؤيته للقصة القصيرة جدا ؛ حيث أن النماذج التي رفضها ، لم تخل من حكائية ، حتى و أن كانت تذهب إلي الشعرية ، أو تميل إلي ذلك ،.. فربما الذي أفسد الحالة هنا هو الميل إلي الوجداني الذي لا يقدم شيئا إلي الحكاية أو الحالة ، بل يخرج القارئ ، و يفسد الأمر فيما يتم طرحه !
        sigpic

        تعليق

        يعمل...
        X