شعرية المكان في شعر د. محمود الحليبي ..!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فجر عبد الله
    ناقدة وإعلامية
    • 02-11-2008
    • 661

    شعرية المكان في شعر د. محمود الحليبي ..!

    شعرية المكان في شعر د. محمود الحليبي

    بداية سيكون الانطلاق من مقطوعته الشعرية " وله "
    ثم أساير الأمكنة في بعض قصائده

    يطالعنا الشاعر د. محمود الحليبي بمقطوعة شعرية ذات هندسة خارجية وهندسة داخلية - كما أغلب مقطوعاته - .. أما الخارجية فهي أن هذه المقطوعة تتألف من بضعة أبيات .. إطار خارجي على أوزان معينة وضمن بحر المتقارب .. والتي يبوح من خلالها الشاعر بمكنون روحه وخلجات نفسه .. !
    وهذه المقطوعة مكثّفة الدلالة والرمزية و تبرهن لنا بدلائل ملموسة على أن المهارة والاحترافية الشعرية ليست في الكمّ بل في الكيف .. إذ يمكن لمقطوعة شعرية أن تفوق قصيدة مطولة أو حتى معلقة لما فيها من بنية شعرية ولغوية قوية ودلالة رمزية وتراكيب أسلوبية وتخييل شاعري رائع .. أما الهندسة الداخلية فسأتطرق إليها فيما بعد عن شعرية المكان ..!

    هذه المقطوعة الموسومة ب " وله " ملأى بقشعريرة الشعر التي تسري في شرايين القافية بتدفق عذب ..و ترسم تقاسيم عشق تنفّس الحزن عبر أمكنة وأزمنة هذه المقطوعة الشعرية .. فتتمطى تلكم الزمكانية ما بين مسافات البعد والوله ..
    الوله .. وما أدراك ما الوله .. ! عنوان اختاره الشاعر د. محمود الحليبي لهذه الأبيات الوارفة .. والوله في منظومة القواميس هو : ( الحيرة من شدة الحب حتى ذهاب العقل )
    ونجد أنه عنوان يتكوّن من كلمة واحدة كما فعل الشاعر هذا في قصائد أخرى مثل : " ميس " ، " لا تقلقي .. " ، اكرهيني " ، " تفاحة " ، " برد " ، وكذلك " روح " .. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على مدى عنصر التكثيف والرمزية في شعر شاعرنا الفاضل د. محمود الحليبي

    بدأ الشاعرهذه المقطوعة بفرحته العارمة حين تهشّ عليه حبيبته بوعد .. هذه الفرحة التي تلفّ الشاعر في وشاح دفيء ويرتشفها حتى الثمالة تجعله يغيب .. - ليكون غياب الروح لا الجسد - يغيب كمن يفقد الوعي ليعيش بكيان اللاوعي .. والغياب هنا جاء كأنه هروب من مكان محاصر إلى مكان تخيلي مفتوح على آفاق الممكن .. يرتحل من مكانه إلى مكان آخر يحقق له لذة الوصال الروحي .. لم يخبرنا الشاعر بنوع الوعد الذي تهش ّبه الحبيبة عليه لكن من مضمون القصيدة وخصوصا من آخر بيت فيها ندرك أنه الوعد باللقاء .. وهنا بطل القصيدة تتملّكه الفرحة فينفصل عن الزمان والمكان .. ويرتحل ممتطيا صهوة الأخيلة .. إلى مكان وزمان اللقاء .. انفصل عن الزمان الواقعي ليرحل إلى زمكان تخيّلي .. صهوة الأخيلة كأنها آلة الزمن التي تنقله من زمن إلى آخر في لمح البصر.. وحينها - وحين تملؤه الفرحة ويغيب - يشرب أوقاته المملوءة بهسهسات الهوى .. الأوقات المترعة والمذهلة هنا كؤوس يشرب من خلالها بطل القصيدة عذب حديث الهوى الخافت والخفيّ .. حديث هوى خفيّ لا يسمعه أحد سواه .. لا يتسرّب من أعماقه للخارج .. أعماقه وروحه هي غرفة معزولة لا ينتقل صوت - هسهسات - الهوى لخارجها .. حتى الصدى لا يتردد إلا بين جدران فؤاده .. وهنا نلاحظ مدى الرمزية الرائعة والصورة الشعرية المتقنة باحترافية بالغة التي رسمها لنا الشاعر ليخبرنا بسرية هذا الحديث ..

    وينتقل بنا بعدها إلى طرح سؤال .. سؤالٍ ليس مساءلة للقارئ بل هو سؤال يطرحه على الذات الشاعرة .. يسأل الشاعر ذاته بل روحه حدّ الجنون .. جنون أعيا عقله أن يعقل هذا الجنون أو أن يتحمل تبعات هذا السؤال .. ونجد الشاعر قد استعمل كلمة " أسائل روحي " ولم يقل أسائل نفسي .. لندرك اختياره الموفق في استعمال الكلمة في مكانها الصحيح ..الشاعر اختار بدقة أين يضع لبنة الكلمة لتشيّد مدينة العشق عنده أقصد مدينة القافية .. الروح هي حجر الزاوية في معظم أشعار الشاعر د. محمود الحليبي .. وهنا تتجلى شعريته في اختيار الكلمة المناسبة التي رصّها وقد أدت المهمة بإتقان ..

    حين يغيب ممتطيا صهوة الأخيلة كان يغيب بالروح ليقابل الروح ..ولهذا أخذت الروح حيزا زمكانيا في هذه المقطوعة .. ليسأل روحه بكل ما تعنيه الروح من السمو والرقي والبراءة من تهمة الجنون .. فحين استعمل حدّ الجنون لم يكن ليستعمل مثلا : أسائل نفسي .. كي يرتقي بالعقل من مرتبة الجنون المادي والحسي إلى مرتبة الرقي العقلي وأنه في كامل قواه العقلية والنفسية والروحية .. لكن العشق حين تملّكه صار لا يتحمل شساعة المكان الذي يفصله عن حبيبته .. ليضع لنا كأس السؤال الذي فاض بالأنين والحسرة وشذرة أمل على مائدة الحيرة

    أثمّةَ شيءٌ على الأرضِ يفدي
    مَسافةَ ما بينها والوَله ؟!

    يتساءل الشاعر بصوت مليء بالحيرة والتشتت وصراخ صامت يتقلّب على جمر ضلوعه ولا يكاد يسمعه أحدا .. كأن الصدى تشرّبته جدران اللاجواب ..

    يتساءل .. أهناك شيء ما يوجد على الأرض يفدي المسافة ما بين حبيبته وما بين الوله ..؟ ! .. أهناك شيء أغلى وأعظم من كنوز الدنيا ليكون فدية يفدي بها المسافة التي تفصله عن حبيبته ؟ .. هذه المسافة جعلته يعيش حالة الوله التي فقدَ فيها صواب روحه لا صواب عقله .. ولهان حدّ الجنون الروحي .. الروح تريد الوصال مع تلكم الحبيبة التي هشّت عليه بوعد .. فهو يريد من يخلّصه وينقذه لا من الوله لكن من تلك المسافات التي تجثم على صدر أنفاس العشق عنده .. فهو مستعد أن يعطي كل ما هو على الأرض من كنوز بل و ما هو أعظم مما على الأرض مهما كان ثمنه ليقرّب المسافات ويتنفس الوعد عطر حقيقة المكان والزمان .. يتحول الوعد إلى حقيقة يعيشها وينعم بدفء عذوبتها..!

    ومن عبق المكان والزمان ننطلق لنبحر في شعرية المكان في شعر شاعر الحب والحكمة د. محمود الحليبي

    أخذت بعض قصائد الشاعر كأنموذج لرمزية شعرية المكان في شعره

    وهي كالتالي :

    قصيدة : الأسطورة
    قصيدة : عيدان مرّا .. ولما
    قصيدة : فنجان عشق
    قصيدة : الحب البدوي
    قصيدة : في الرمل حمى
    قصيدة : الفرس الهاربة
    قصيدة : في حضرة الذبول
    قصيدة : على عنقود عنب

    المكان.. لا أقصد به الفضاء الهندسي الجغرافي كما يفسره أبو الهندسة إقليدس .. ليكون فضاءً طوبغرافيا بل الفضاء المكاني الذي سنبحر في أعماقه هو المكان بوصفه فضاءً شعريا ، نفسيا ، ووجدانيا .. وكل ما تمثّله الشعرية في المكان كفضاء يستعمله الشاعر في شعره .. ما يهمني هو أن أتطرق للمكان ببعده الشعري والشعرية عند الشاعر .. ومن هذا المنطلق نبحر في ماهية المكان في شعرد. محمود الحليبي

    إذا تتبعنا شعر هذا الشاعر المبدع سنجد أن المكان عنده ليس مكانا جغرافيا ماديا ووجوديا بل هو مكان فني وشعري بالدرجة الأولى .. فجمالية المكان لا تؤسس على الجمالية المادية في الوصف بل ترتكز بالخصوص – في رأيي البسيط – على ما يحمله المكان من معانٍ نفسية وروحية ووجدانية .. فمثلا نجد الشاعر يستعمل مفردات للمكان في شعره مثل : ( البحر ، المقهى ، المدينة ، الشاطئ ، الحديقة ، العش ، الحقول ، الشوارع ، المشاوير ، الضفاف ، الصحراء ، البيداء ، الخيمة ، الجسر ... )
    كل هذه الأمكنة تحيلنا إلى شعرية باذخة لو تمعنا النظر فيها .. فحين يقول في قصيدة الأسطورة مثلا :

    سَتُخْبِرُكِ المَدِينَةُ عَـنْ حَنِينِـي
    لأرْضٍ لَمْ أَجِـدْ فِيهَـاسَمَايَـا

    وَتُنْبِئُكِ الشَّوَارِعُ عَـنْ خُطَايَـا
    وَعَنْ عَيْنيتُسَافِرُ في الزَّوَايَـا

    وَتُهْدِيكِ الحَدَائِقُ لَحْـنَشَوْقِـي
    فَكَـمْ أَهْدَيْـتُ مَغْنَاهَـا غِنَايَـا

    سَتَرْوينِـي مَقَاهِيهَـا فَأَصْغِـي
    فَـإِنَّ بِهَـا لِجِلْسَاتِـي حَكَايَـا

    نرى هنا مدى الشعرية التي تميّز بها المكان في شعر هذا الشاعر المبدع فقد جعل المدينة رسولا بينه وبين حبيبته تخبرها بعظم حنينه إليها .. المدينة أضفى عليها صفة الحركة والذاتية لتكون ذاتا تتنفس الوعي والإدراك لتنقل الأخبار للحبيبة .. لقد سكب في المدينة حسّا وجدانيا يتلمسه القارئ في عذوبة الكلمة ذات الدلالة الرمزية المتقنة ليجعله يندمج مع فضاء المكان وكأنه كائن تدب فيه الحياة ..
    وكذا مع باقي الأمكنة ( الشوارع : تنبئك الشوارع عن خطايا ، الزوايا : وعن عيني تسافر في الزوايا ، الشواطئ : سلي عني شواطئها ، المقاهي : سترويني مقاهيها فأصغي ... لجلساتي حكايا )
    حتى المقاهي أخرجها من حيز مكاني جامد ليسكب في قالبها اللامتحرك حركية ذات خفقة وجدانية فتتحول من مكان مغلق ومحاصر بحدود هندسية طبوغرافية إلى فضاء رحب يستطيع أن يحكي ويروي ما كان يفعله الشاعر – بطل القصيدة – وهو متواجد في حيّزها المكاني للحبيبة .. تروي المقاهي لمعشوقته حركاته وسكناته وماجرى في جلساته فيها ..
    إنه ينقل ذهن القارئ من رؤية ومفهوم المقاهي كفضاء جغرافي بحت صاخب وفيه من الثرثرة الكثيرومن الضجيج الأكثر إلى مكان رومانسي يتدفق أحاسيس ويعي ما جرى للشاعر فتتحوّل هذه المقاهي إلى رسول مابين الشاعر ومعشوقته .. فتنساب في الذاكرة صورة توقظ تضادا بين المفهومين .. مفهوم المقاهى كمكان جغرافي والمقاهي كمكان نفسي وجداني يتحرك بحركية الشعرية التي يضفيها الشاعرعلى الأمكنة في قصائده

    أمثلة أخرى في قصيدة : الحب البدوي
    لَوْ بَنَى الحُبُّ فِي القُلُوبِ دِيَـارًا
    لبنَى لِي عَلى فُؤَادِي مَدِينَهْ !


    وفي قصيدة : في الرمل حمى
    أَمْشِي وَفِي الرَّمْـلِ حُمَّـى وَالطَّرِيـقُ يَـدٌ
    شَـلاَّءُ تَرْسُـفُ فِــي قَـيْـدٍ وَإِغْـمَـاءِ

    وكذلك قصيدة : الفرس الهاربة

    كيفَ المسافاتُ انتهتْ بسُهولةٍ
    وقَطعْتِ كُلّ حَولجِزي وَسُدُودي؟

    إني لأجلك قد حرست مدينتي
    وبثثت فيها أعيني وحشودي

    ونصبت فيها من ضلوعي فرقة
    ترعاك ؛ أنى رحت كان جنودي

    وزرعت بالقلق الطويل شوارعي
    ورصفتها بحشاشتي وخدودي

    في الأبيات الأخيرة من قصيدة الفرس الهاربة نجد تكثيفا رائعا لشعرية المكان والذي يعكس عبر مرآة الذات الشاعرة مدى الحيرة والقلق والخوف و الجزع الذي يصاحبها من بداية القصيدة إلى مشارف نهايتها .. إذ تتحوّل الأمكنة ( المدينة ، الشوارع ، السدود ، الأرصفة ، الضلوع ) إلى محرقة للشاعر ترهقه حدّ الشعور بالاحتضارعند هروب معشوقته - الفرس - .. الشاعر قد رسم بألوان الطيف شعرية الأمكنة التي حرص وأصرّ وجاهد وتعب على أن تكون أمكنة يتدفق فيها .. الدفء ، الطمأنينة ، الأمن والأمان على ذات المعشوقة التي هربت – الفرس – لكن مفهوم الأمكنة لدى ذات المعشوقة مضاد ومغاير لمفهوم الذات العاشقة - الشاعر- فهي هرولت وهربت لأنها رأت – رؤية ذهنية ووجدانية – أن الأمكنة بدون خيّالها ورفيقها باردة وموحشة ولا أمان فيها وذلك حين شعرت أن الشاعر - فارسها وخيّالها - قد تخلى عنها حين أطلق عنانها وهما يسيران جنبا إلى جنب .. " ثم إن نفسي حدثتني - اتكاء على طول عهدي بها وعهدها بي - أن أسايرها بلا عنان ؛فخليتها " ( المقدمة التي أرفقها الشاعر مع القصيدة )

    لقد تغيّر مفهوم المكان من مجرد شارع وسدود وأرصفة ليصبح قطعة فنية شعرية يتلمسها القارئ في عذوبة الكلمات الدالة على الرمزية المتقنة فيتفاعل القارئ مع المكان ويدرك مدى قدرة الشاعر على استنطاق هذه الأمكنة وتحويلها من مكان طبوغرافي إلى فضاء رحب نفسي ووجداني

    وفي الختام يهمس المكان بهذه الأبيات

    أَسْكُنُ الأَفْيَـاءَ فِـي حَـيِّ الـرُّؤَى
    وَأُغَنِّـي حِيـنَ يَغْزُونِـي التَّعَـبْ

    تَجِدِينِي مِثْلَ ( بُلْبُولِ الحَسَا )
    أَتَغَنَّـى فَـوْقَ عُنْقُـودِ العِنَـبْ !

  • عبد الرحيم محمود
    عضو الملتقى
    • 19-06-2007
    • 7086

    #2
    الأخت فجر الغالية
    الشاعر الحليبي زميل ترافقنا معه في موقع أدبي ، قرأت ما بالنص سيدتي الكريمة ، ولم أشأ أن أمر مرورا ، فمصطلح قشعريرة الشعر ، والهندسة الداخلية والخارجية ، استوقفتي طويلا ولم أستطع تحديد ما تعنيه ، فالشعر لا يحتاج لهندسة ، والشاعر ليس بناء حجارة ، والشاعر يخلق عالما من الشعور تجسده كلماته التي يمتلكها قاموسه ، والشاعر الحليبي كمعظم شعراء زاملوه مثل عمر هزاع ، وخالد البار ، والبهكلي وغيرهم له قاموس معين لا يريم عنه ، وهنا أيضا لا أرى أن العنوان مناسبا للنص ، فأين هي شعرية المكان وما معناها سيدتي الفاضلة .
    أنا أعرف تماما مقدرة الشاعر الحليبي ، ولا أرى في النصوص التي جعلتها موضع نصك أثرا للأمكنة وتأثيرها واستيحاء الشاعر منها صورا ، أو وصف ، أو تفاعلا ما كما أرى في شعر البهكلي والفيفي وكافة شعراء جازان ، أنا لا أنكر مقدرتك الكتابية والأسلوبية ، ولكن علينا أن نتساءل بعد قراءتنا لنص ما وقراءتنا للنقد عليه : ماذا أضاف النقد للنص من إضاءات ؟؟
    أترك الإجابة لك سيدتي .
    نثرت حروفي بياض الورق
    فذاب فؤادي وفيك احترق
    فأنت الحنان وأنت الأمان
    وأنت السعادة فوق الشفق​

    تعليق

    • عبدالرحيم التدلاوي
      أديب وكاتب
      • 18-09-2010
      • 8473

      #3
      استمتعت بقراءة المقاربة، و زاوية النظر او الاختيار كانت موفقة، فالمكان يظل باردا بدون انسان و بدون احلامه، هواجسه، ذكرياته و مشاعره..
      اتابع قراءاتك العميقة و المتنوعة، و ادعو لك بالنجاح و السداد .
      مودتي

      تعليق

      • فجر عبد الله
        ناقدة وإعلامية
        • 02-11-2008
        • 661

        #4
        الأخت فجر الغالية
        الشاعر الحليبي زميل ترافقنا معه في موقع أدبي ، قرأت ما بالنص سيدتي الكريمة ، ولم أشأ أن أمر مرورا ، فمصطلح قشعريرة الشعر ، والهندسة الداخلية والخارجية ، استوقفتي طويلا ولم أستطع تحديد ما تعنيه ، فالشعر لا يحتاج لهندسة ، والشاعر ليس بناء حجارة ، والشاعر يخلق عالما من الشعور تجسده كلماته التي يمتلكها قاموسه ، والشاعر الحليبي كمعظم شعراء زاملوه مثل عمر هزاع ، وخالد البار ، والبهكلي وغيرهم له قاموس معين لا يريم عنه ، وهنا أيضا لا أرى أن العنوان مناسبا للنص ، فأين هي شعرية المكان وما معناها سيدتي الفاضلة .
        أنا أعرف تماما مقدرة الشاعر الحليبي ، ولا أرى في النصوص التي جعلتها موضع نصك أثرا للأمكنة وتأثيرها واستيحاء الشاعر منها صورا ، أو وصف ، أو تفاعلا ما كما أرى في شعر البهكلي والفيفي وكافة شعراء جازان ، أنا لا أنكر مقدرتك الكتابية والأسلوبية ، ولكن علينا أن نتساءل بعد قراءتنا لنص ما وقراءتنا للنقد عليه : ماذا أضاف النقد للنص من إضاءات ؟؟
        أترك الإجابة لك سيدتي .
        حقيقة استوقفني الرد واعتلت الحيرة تقاسيم كلماتي .. كيف أرد على مدير لجنة النقد وهو يسأل ويشير إلى عدم المعرفة لمصطلح شعرية المكان ..
        أويفتى ومالك في المدينة ؟!!
        أوردت أستاذي الفاضل أسماء شعراء بارزين على الساحة الشعرية والأدبية .. وكلّ منهم قامة شعريةمتميزة أتظن أن التواجد لمجموعة من الشعراء في موقع ما هو دليل على تشابه شعرهم ؟؟!!
        لا أرى أن شعرهم متشابه .. الشعر كما البصمة الوراثية ( D N A ).. لكل شاعر منهجية وطريقة خاصة به في شعره .. حتى ولو كان هناك بعض التشابه الذي تقتضيه العناصر الشعرية .. من قافية وصورة شعرية وبلاغة ووو .. لكن يبقى أن كل شاعر له مسلك خاص يسلكه في شعره .. كل شاعر يرسم بالقافية قصيدته بألوان روحه وفكره ومعتقداته واقتناعاته وتصوراته ..
        أما قولك أن الشاعر ليس بناءً حين أدرجتُ مصطلح الهندسة ضمن القراءة
        طبعا الشاعر ليس بنّاءً .. هو أكثر وأكبر من أن يكون بنّاءً ..
        الشاعر مهندس .. وليس بناءً .. لأن الهندسة لا تعني البناء ( الطوب ، الزلط ، الإسمنت ، الحديد ) الهندسة هي فنّ ومعرفة الطرق لتنسيق الأشياء ووضعها في موضعها المناسب .. وكما تعرّف الهندسة علميا فهي :
        " أمالفظ هندسةفمشتق من الكلمةالفارسية ( هنذاز ) ومعناها حساب أو تقدير ، أي أن المهندس معناها المقدر أي الذييضع الأمور في موضعها ، وتغيرت الزال إلى سين ، لأنه فى كلام العرب لم توجد كلمةفيها زال بعد الدال "
        وأشير أستاذي الفاضل إلى أن الهندسة متشعبة .. هندسة تطبيقية ، هندسة فضائية – علم الفضاء - ، هندسة فزيائية وووو
        ويقال أن أفلاطون كتب على بابه " من لم يكن مهندسا فلا يدخل منزلنا " ولابن خلدون كلام طريف ورائع في الهندسة أرجو أن تعود لمقدمته أستاذي
        وعليه فإنني حين طرحت مصطلح الهندسة طرحته بصورة منسجمة مع هندسة القافية الشعرية وكذلك هندسة القصيدة من حيث ظاهرها وباطنها ..
        فالشاعر كما المهندس يعرف أين يضع الكلمة في مكانها الصحيح بزخرفتها وأبعادها المكانية والزمانية ..
        أما قشعريرة الشعر فهي كلمة من أسرة الشاعرية والشعرية .. أستخدمها كثيرا لروعتها .. وربما يكون هناك تساؤل أي روعة في هذا؟ .. وأقول : الروعة تأتي من ذبذبات الشعر حين تسري في روح القارئ المحب للشعر .. وروح الشاعر أيضا .. حين تتمخض القصيدة من رحم القريحة .. الشاعر تتملكه حالة من – الرعدة – والانسجام مع ولادة القصيدة حد القشعريرة .. وما الشعر إلا مشاعر وشعور
        وأنتم أعلم بهذا كونكم أستاذي شاعرا
        أما عن تأثير الشاعر في الأمكنة أو تأثير الأمكنة في الشاعر فأتساءل بدوري
        هل لا يشعر الشاعر بشعرية المكان حين يتحدث عنه في قصيدة ؟؟!!
        كيف لا يكون هناك علاقة ما بين الشاعر والمكان والإنسان ابن بيئته يتأقلم مع الأمكنة يتأثر بها وتؤثر فيه ويؤثر فيها.. هذا الإنسان العادي وكيف بالشاعر وهو أرقّ الناس إحساسا وأرهف حسا ولغته لغة المشاعر مع ما يحيط به ..
        أوليست المقدمة الطللية ميزة الشعر الجاهلي ؟
        أولم يتأثر الشاعر بالأمنكة ؟ وتحدث عنها في شعره بل بقي المكان بصمة في تاريخ الشعر الجاهلي .. وكذا في العصور التالية ..
        المكان حين يصوغه الشاعر في شعره يضفي عليه من الشعرية ما يجعله مكانا لا ينتمي لموازينه الطبوغرافية .. .. بل ينتمي للشعرية باعتبار الشاعر يضفي عليه شعريته ويتناغم معه وفق موازين وقوانين الشعر والمشاعر والشعور
        الشاعر أستاذي الفاضل أو الكاتب أو الأديب يتأثر ويؤثر في المكان المحيط به .. الشاعر يستنطق المكان ويلبسه حلة دلالية مكثفة من المشاعر وهذا في الشعر كما هو في السرد من قصة ورواية
        وهناك قراءات ودراسات نقدية عديدة عن المكان في الشعر والسرد وشعرية الأمكنة في الشعر العربي
        يقول الكاتب والأكاديمي المغربي رشيد يحياوي
        " لا تظهر صورة الذات إلا بواسطة صورة المكان. ولا تكتسب صورة المكان شعريتها إلالكونها تفصح عن صورة الذات. بهذا تتخلى الذات عن تقديم صورتها إلى تقديم المكانبوصفه المجسد لصورتها التخييلية."

        وأيضا أدرج هنا عنوان كتابين
        فلسفةالمكان في الشعرالعربي المعاصر: د. حبيب مؤنس
        دلالةالمدينة في الخطاب الشعري المعاصر
        ماذا أضاف النقد للنص من إضاءات ؟؟
        القراءة سلّطت الضوء على شعرية المكان في شعر الشاعر د. محمود الحليبي ..
        والنقد ليس استدراكا يضيف للنص الأدبي شيئا والنص الأدبي ليس ناقصا لينتظر النقد أن يضيف إليه .. بل هو – في رأيي – تسليط الضوء على النص الأدبي واكتشاف مكامن الروعة والدهشة والإبداع فيه
        الناقد ليس جزارا يشّرح النص الأدبي أكان قصيدة أم رواية أم قصة .. الناقد غواص كما أقول دائما والنص الأدبي بحر عميق .. وعلى الغواص أقصد الناقد أن يبحر في عمق النص الأدبي ويكتشف ويستكشف أماكن اللؤلؤ وأماكن الشعب المرجانية ويحمل ويظهر الآلئ للقارئ ..
        وكذلك الناقد ليس قاضيا يحكم بإعدام النص الأدبي أو يضعه بين قضبان الموازين النقدية ..النقد ليس إلا فنا يشيح الستار عن جمالية النص الأدبي ..
        وأعرض هنا قول د. محمد مندور في النقد إذ قال : " إن كلمة نقد مأخوذة من الفعل اليوناني crino ومعناها ( يُميز ) فكلمة النقد الأوروبية تعني تمييز العناصر المكونة للشيء الذي ننقده ، وليس تقييم الشيء والحكم علي جودته أو رداءته "
        ويقول بريس باران : " على النقد أن يتجاوز نفسه في مجال علم الجمال ، فلا يمكن التعبير عن الجمال إلا انطلاقا من النقد ذاته "
        ويقول رونيه أوبير : " أن الشعور بالجمال هو الإحساس به بنسج علاقة بين الشيء والوعي لإدراكه روحيا ، فالوعي يضفي على الشيء تطلعاته ليظهر جماله "
        وأتساءل أليس مفهوم المقهى مغايرا في قصيدة : الأسطورة للشاعر د. محمود الحليبي حين أضفى عليها لمسة شعرية وأخرجها من فضائها الجغرافي إلى فضاء أرحب هو فضاء الشعرية حين تحولت إلى رسول بين بطل القصيدة ومعشوقته ؟ !!

        شكرا أستاذي الفاضل عبد الرحيم محمود على مرورك الوارف
        تقديري نهر لا ينضب

        تعليق

        • فجر عبد الله
          ناقدة وإعلامية
          • 02-11-2008
          • 661

          #5
          أطرح هنا المقطوعة الشعرية والقصائد التي كانت محمور القراءة النقدية " شعرية المكان في شعر د. محمود الحليبي
          وذلك ليتسنى القارئ الاطلاع على الأمكنة في تلك القصائد الشعرية
          شكرا لمن أشار إليّ بهذه الملاحظة

          مقطوعة " وله "

          وحينَ تهشُّ عليَّ بوعدٍ
          أغيبُ على صَهوةِ الأخيلهْ

          وأشربُ أوقاتيَ المُتْرَعاتِ
          على هَسْهسَاتِ الهوى المُذْهِلهْ

          أسائلُ روحيَ حدَّ الجُنونِ
          وحدًّا تجَاوزتُ أن أعقِلَهْ :

          أثمّةَ شيءٌ على الأرضِ يفدي
          مَسافةَ ما بينها والوَله ؟!

          تعليق

          • فجر عبد الله
            ناقدة وإعلامية
            • 02-11-2008
            • 661

            #6
            قصيدة : الفارس الهاربة

            النداء غير الأخير إلى :

            الفَرَسِ الهَارِبَة !


            شعر د. محمود الحليبي

            كنتُ ممسكا بعنانها فرسًا بيضاء أصيلة ؛ أسايرها على قدميّ في الصحراء ؛ ثم إن نفسي حدثتني - اتكاء على طول عهدي بها وعهدها بي - أن أسايرها بلا عنان ؛ فخليتها ، فانطلقتْ شيئا فشيئا حتى طفقت تنهب الدرب بسرعة لم أعد أحتملها ؛ قفز قلبي من بين أضلاعي لهفة عليها ، أسرعتْ أكثر ؛ بل بدأت تتوارى !
            وفجأة رأيت طيفها يدلف إلى مسجد عتيق في وسط الصحراء ، غمرتني الفرحة .. هرولتُ إليه ؛ أبحث عنها أفتش بين أروقته عنها ، لم أجدها ، خرجتُ وأنفاسي تتقطع تعبا وحزنا ، وإذا بطفلة صغيرة شقراء تسبقني إلى فناء المسجد الخارجي .
            واستيقظتُ أردد مطلع هذه القصيدة بصوت أكلت حروفه الفاجعة واللوعة :

            لا شِعْرَ بعدكِ ! إن مَضَيْتِ ؛ فعُـودِي
            تَرجُوكِ جَـرّةُ مِرسمـي ومُـدودِي

            تَرجُوكِ نَحلـةُ خاطـرٍ يـا طالمـا
            لثمَـتْ بِجَنّتِـنَـا صُـنـوفَ وُرودِ

            تَرْجُوكِ ذاكرتي التـي نَسِيَـتْ دُنًـى
            وبقيـتِ وحـدَكِ تُثبتيـنَ وجُـودِي

            ترجـوكِ داليـةٌ زَرَعْـتِ بِمُهجَتـي
            يَشْكـو إليـكِ جَفافَهـا عُنـقُـودِ

            ليتَ التـي نظـرَتْ لكفِّـكِ حينمـا
            ودَّعتِني عَمِيتْ ، ومَاتَ حَسُـودِي !

            ليـتَ الـذي بينـي وبينـكِ مَيِّـتٌ
            سِقْطًا ، ونبـرأُ مِـنْ شَقَـاءِ وَلِيـدِ

            خَلّفْتِـه تِمْثـالَ عِـشْـقٍ دَمْـعُـهُ
            يفري صُخـورَ تَصَبُّـرِي وحَدِيـدِي

            وتَرَكْتِنـي أَجْثُـو حِيـالَ قَـوامـهِ
            مُسْتَغرِِقًـا فـي قــدِّهِ المَـمْـرُودِ

            أُصغـي إليـهِ يُميتُنـي بِسكُـونِـه
            ويعيدُنـي بِصُراخِـهِ المـشْـدُودِ !

            مَاذَا دَهَاكِ ؟ هَـل استفاقـتْ فِتنـةٌ
            كَانـتْ مخبَّـأةً بِـغَـدْرِ حَـقُـودِ ؟

            آذاكِ بـي ، ووَشَـى عَلـيَّ بِفِرْيَـةٍ
            حَتىّ غَـدَوْتُ كمُخْطِـئٍ مَطْـرُودِ ؟

            أنَا لا أُصَـدِّقُ مَـا يَـدُورُ بِقصَّتِـي
            الخطُّ خَطِّي ، والعقُـودُ عقُـودِي !

            تَقْتَاتُ - أسئلتي عليكِ - سعَادِتـي
            وَتَهُـدُّ بالهـمِّ الشديـدِ شَـديـدِي

            هلْ أنتِ مَنْ رَسَمَتْكِ في الرُّؤيا يَـدِي
            وصَحَوْتُ ؛ فامْتثَلَتْ تَضُمُّ نَشِيـدِي ؟

            هَلْ أنتِ مَنْ قَرأَتْـكِ رُوحِـيَ مَـرَّةً
            وحَسِبْتُ أنَّكِ مِنْ عُيـون قَصِيـدِي ؟

            هَلْ أنتِ مَنْ نزَلـتْ بِغُرفَـةِ خَافِقـي
            يَوْمًا ؛ فكانَ سَرِيرُهـا بِوَرِيـدِي ؟!

            هَلْ .. هلْ .. يكادُ تَساؤُلي يَجْتَاحُني
            يَغْتَـالُ ذِرْوةَ يَقْظََـتِـي ورُقُــودِي

            لا . لَسْـتِ أَنْـتِ إذَا بَقِيـتِ بَعِيـدةً
            تَرْنِيـنَ مِـنْ طَـرْفٍ إلـيَّ بَعِـيـدِ

            تَغْشَانِـيَ اللَّهفَـاتُ شَوْقًـا ظامئًـا
            وتلفُّنـي الغفَـواتُ غيـرَ سَعِيـدِ !

            الليـلُ فـي عينـيَّ ليـسَ بِمُنْجَـلٍ
            والصبـحُ ليـسَ يَجيئُنـي بجديـدِ

            ما كانَ قلبُكِ هكذا ؛ مـاذَا جـرَى ؟
            أيكـونُ مـا شيـدتُـه كجلـيـدِ !


            نفَثتْ عليهِ الشَّمْـسُ نفثتَهـا فمَـا
            تركَتْ سِـوَى مـاءٍ يسيـلُ بِبيـدِ !

            بالله ! فُكِّـي عُقْـدَةً ، بـلْ حَـرِّرِي
            عقـلاً تَثاقـلَ مـن قُيـودِ قُيـودِ

            بالله ! كيف غَدَتْ خُطـاكِ جَرِيئَـةً ؟
            حَمَلتْكِ حتـى جَاوَزَتْـكِ حُـدودِي ؟

            كيفَ المسافـاتُ انتهـتْ بسُهولـةٍ
            وقَطعْتِ كُلَّ حَواجِـزي وَسُـدُودِي ؟

            إني لأجلـكِ قـد حَرسْـتُ مَدِينتـي
            وبثثـتُ فيهـا أَعْيُنـي وَحُشُـودِي

            ونَصَبْتُ فيها مـن ضُلوعِـي فِرقـةً
            تَرْعَاكِ ؛ أَنَّى رُحْتِ كـانَ جنُـودي !

            وزَرَعْتُ بالقَلَقِ الطويـلِ شَوارعِـي
            ورصفتُها بحُشَاشَتـي وخُـدُودِي !

            العُشْبُ إن هطلتْ عليـكِ مشَاعِـري
            عِشْقي نَدِيًّـا ، والزُّهـورُ وعُـودِي

            والدربُ إن هَرْوَلْـتِ فـوقَ أَدِيمـهِ
            كبدي التي فُطِـرَتْ لأجـلِ كُبُـودِ !

            أنَـا نَخْلـةٌ حيـثُ التفـتِّ ظليلـةٌ
            أَحْنُـو عليـكِ بِتَمْرتِـي وجَريـدِي

            أنَـا غيـمـةٌ مشتـاقَـةٌ هَتَّـانـةٌ
            أَسقيكِ مـن مَـاءِ الحَيَـا المبـرُودِ

            ويدُ النسيمِ يَـدِي إذا مـرَّتْ علـى
            خصلاتِ شَعْركِ غَضّـةً ، وبَرِيـدِي

            يَحْكِي إليكِ شفيفَ إحساسي ، ومـا
            يهـذي بِخَاطِـرِ وَالــهٍ مَعْـمُـودِ

            وسنَا النَّهَارِ بيَـاضُ قلبـيَ نابضًـا
            تُغْرِيـكِ خَفْقـتُـه كـدَقّـةِ عُــود

            وَسِتَارُ ليلكِ طـرفُ عَيْنِـيَ سَارِحًـا
            لمـاّ أَهِـيـمُ ُبمُقلتـيْـكِ الـسُّـودِ

            أَنَّـى اتجهْـتِ سَتَلْتَقِيـنَ مَلامِحِـي
            ويَطُوفُ حَوَلَـكِ طارِفـي وتَليـدِي

            أنَّى استَرَحْتِ سَتَسْمَعِيـنَ قَصائِـدي
            ويُذِيبُ حِسَّكِ ( كامِلي ، ومَدِيـدِي )

            قُولي - بربكِ - كيفَ وَاراكِ النَّـوى
            ونَجَوْتِ مِـنْ قَلْـبٍ إليـكِ وَدُودِ ؟!

            كيفَ اختفيتِ ؟ أعنْ عُيونيَ ؟ فجأةً ؟
            وأنَا ، وأَشْواقِي إليـكِ : شُهُـودِي !



            أأظـنُّ أنّـكِ قَـدْ مَلَلْـتِ صَدَاقَتـي
            يا مَنْ كَرِهْـتِ مَلالَتـي وَصُـدُودِي


            يَا مَنْ تَعُـدُّ عَلَـيَّ أنفاسـي هَـوًى
            وتَـرَى قِيامِـيَ نبْضَهـا وَقُعُـودِي



            عُودِي . فديتُكِ بالخيـولِ جميعِهـا
            يا خيرَ مـا فـي عُدَّتـي وعَديـدِي



            عُودي . فِداكِ جَميعُهنَّ ! سَمِعْتِني ؟
            يا إِرْثَ مجـدِ عَشِيرتِـي وجُـدودِي



            عُودِي فمَا زَالَـتْ قُـدُورِيَ تَغْتَلِـي
            مَحْشُـوّةً بِطَـرائِـدِي وَصُـيـودِي

            لا زلتُ أنصبُ في الصبابةِ خيمتـي
            وأزيدُ من حَطَـبِ الهُيَـامِ وَقُـودِي

            سَتَرَيْنَنِي مُلقًى إذا مـا عُـدْتِ لـي
            وعلـى يَمِينـيَ قَهْوتِـي وثَرِيـدِي


            وتَرَيْنَنِـي أهـذي ؛ فـلا تَتَعَجّلِـي
            قَلَقًـا عَلـيَّ ؛ أَطَاحَنـي تَنْهِيـدِي !

            هِيَ مِنْكِ صَهْلةُ حُـرَّةٍ حنّـتْ إلـى
            خَيّالِهـا ؛ وأعـودُ عَـوْدَ حَمـيـدِ

            ستفيضُ رُوحيَ خُضْرةً ، وتمسّنـي
            كفُّ اللقاء ندًى ، ويُـورِقُ عُـودِي

            سَأَفِـزُّ أنهـضُ فَارِسًـا متوشحًـا
            برجُولتـي ومطامحـي وخُلـودِي !

            عُـودي سأغفـرُ للهُروبِ ؛ لأنّــهُ
            سَيذِيقُنِي بَعْدَ النُّـزُولِ صُعُـودِي !!

            تعليق

            • فجر عبد الله
              ناقدة وإعلامية
              • 02-11-2008
              • 661

              #7
              الحب البدوي !

              لَيْتَ نَـارِي تَظَـلُّ فِـيَّ كَمِينَـهْ
              تَحْتَوِيـنِـي وَلاَ أَرَاكِ حَزِيـنَـهْ


              وُلِدَ الحُبُّ فِـي فُـؤَادِي عَنِيفًـا
              فَاعْذُرِينِـي إِذَا فَقَـدْتُ السَّكِينَـهْ


              يَتَهَادَى بِمُهْجَتِـي مِثْـلَ مَـوْجٍ
              فَإِذَا ثَـارَ كُنْـتُ مِثْـلَ السَّفِينَـهْ


              لاَ تَخَالِي - أَرْجُوكِ لاَ - لاَ تَخَالِي
              مِنِّـي ذُرَيْـرَةً مِـنْ ضَغِينَـهْ


              عَلِمَ اللهُ مَا اشْتَكَى القَلْبُ بُغْضًـا
              قَطَعَ اللهُ لَـوْ شَكَـوْتُ وَتِينَـهْ !


              كُلُّ مَا فِـيَّ أَنَّنِـي فِـي هُيَامِـي
              جَبَـلٌ أَوْدَعَ المِـيَـاهَ حُـزُونَـهْ


              يَغْضَبُ الحُبُّ بَيْـنَ جَنْبَـيَّ حُبًّـا
              وَيُوَارِي تَحْـتَ الجَفَـاءِ حَنِينَـهْ


              وَيُغَنِّـي عُصْفُـورُ قَلْبِـيَ لَحْنًـا
              وَهْوَ يُخْفِي مَـعَ الغِنَـاءِ أَنِينَـهْ


              أَنَـا نَـارٌ كَمَـا رَأَيْـتِ وَنُـورٌ
              جَنَّةَ العِشْقِ خُضْتُهَا وَجُنُونَـهْ !


              قَدَرِي أَنْ أُعَايِـشَ الحُـبَّ سِـرًّا
              لَـذَّةُ الحُـبِّ أَنْ يَظَـلَّ دَفِينَـهْ !


              أَتْـرَعَ الـوُدُّ خَافِقِـي بِحَـنَـانٍ
              ذَاقَ مَنْ لاَمَسَ الشّغَـافَ مَعِينَـهْ


              لِـيَ مِنْـهُ خَوَاطِـرٌ مُـورِقَـاتٌ
              وَكُنُوزٌ خَلْفَ الضُّلُـوعِ ثَمِينَـهْ !


              سَكَـنَ الحُـبُّ شَاعِـرًا بَدَوِيًّـا
              فِي كِيَانِي وَبَـثَّ فِيـيَّ شُجُونَـهْ


              لَوْ بَنَى الحُبُّ فِي القُلُوبِ دِيَـارًا
              لَبَنَى لِي عَلَى فُـؤَادِي مَدِينَـهْ !!


              تعليق

              • فجر عبد الله
                ناقدة وإعلامية
                • 02-11-2008
                • 661

                #8

                أُسْطُورَةُ المِيعَاد !


                (( قالوا له : ستلتقيها مرة واحدة في مدينة الأحلام تحت شجرة سرْوٍ مُسِنّة يرسل البدر إليها خيوطه الفضية ؛ لتراها تستند إلى جذعها تترقب عيناها الجميلتان طلعتك ، وقالوا لها مثل ذلك ؛ إلا أن الشوق أسرع به إلى حيث قالوا له ولها ؛ فسبقها بليال كانت أحرَّ عليه من ليالي المحموم ، حتى اكتمل القمر وأرسل أشعته ؛ فلم تكشف له إلا عن شعور شجي بالفقد أفزعه وأوجعه ، وطال به الانتظار وضاقت به الأرض بما رحبت ، فرحل تاركا روحه هناك موزعة في أرجاء المدينة ؛ علها تصافح روحَها حين تجيء بعده ؛ فيصل إليه منها حسيس أنفاسها ونزيز وجدها ، ويصل إليها منه نثيث شوقه وحرُّ جوَاه ؛ فيبتردان لحظةَ اللقاء الأثيري في أجواء الأمل الشاردة .
                ثم جاءت تهرول تجرُّ أذيال الشوق العارم يحدو قدميها سوطُ القلق الغاشم ، بعد ليالٍ عشرٍ من ليلة رحيله ، جاءت إلى شجرة الميعاد لا لِتجدَه ؛ بل لتجدَ قطعة من قلبه لا زالت تحمل شيئا من خفقاته ؛ رِسَالةً شِعريةً علّقَها في غُصْنٍ من أغصانها ؛ ليخلّفه متدليا بأسىً ثقيل حارٍّ لا يخفِّفه منه إلا مسُّ بنَانها وندى حنانها ؛ لم يعد القمر بدرًا لتستعين بضوئه على قراءتها ؛ لكنَّ قبسًا من طرف الهلال كان يسقط على مساقط عينيها في الرسالة المشنوقة )) ؛ لتقرأ :


                تَسَلَّيْ بِـي وَعَنِّـيَ يَـا مُنَايَـا
                فَإِنَّ أَسَاكِ - يَا عُمْرِي - أَسَايَـا

                أَتَيْتُ وَمَا رَأَيْتُكِ ، خَابَ حَظِّـي !
                وَجِئْتِ وَقَدْ رَحَلْتُ ( فَآيَ آيَا ! )

                فَصَبْرًا ، وَاحْبِسِي دَمْعًا سَخِينًـا
                أَشَدَّ عَلَـيَّ مِـنْ وَقْـعِ المنَايَـا

                هُنَا رُوحِي .. هُنَـاكَ ؛ تَفَقَّدِيهَـا
                هَـوَاكِ أَحَالهَـا مِثْـلَ الشَّظَايَـا

                تَرَكْتُ مَلامِحِي فـي كُـلِّ شَـيءٍ
                جمَيِلٍ مَا عَـدَا أَحْلَـى الصَّبَايَـا

                فَكُنْتُ أَغُضُّ خَشْيَـةَ أَنْ تَغَـارِي
                وَخَوْفًا - قَبْلُ - مِنْ رَبِّ البَرَايَا !


                * ** * ** *


                سَتُخْبِرُكِ المَدِينَةُ عَـنْ حَنِينِـي
                لأرْضٍ لَمْ أَجِـدْ فِيهَـا سَمَايَـا

                وَتُنْبِئُكِ الشَّوَارِعُ عَـنْ خُطَايَـا
                وَعَنْ عَيْني تُسَافِرُ في الزَّوَايَـا

                وَتُهْدِيكِ الحَدَائِقُ لَحْـنَ شَوْقِـي
                فَكَـمْ أَهْدَيْـتُ مَغْنَاهَـا غِنَايَـا

                سَيَهْمِـسُ بِالـوِدَادِ إِلَيْـكِ وَرْدٌ
                طَبَعْتُ عَلَى كَمَائِمِـهِ التَّحَايَـا !

                سَتَرْتَاحِينَ حَيْثُ تَرَيْـنَ طَيْفِـي
                يُبَـرِّدُ فَيْئُـهُ حَــرَّ الحنَـايَـا

                سَتَرْوينِـي مَقَاهِيهَـا فَأَصْغِـي
                فَـإِنَّ بِهَـا لِجِلْسَاتِـي حَكَايَـا

                مَلأْتُ زَمَانَها بِمُنَـى انْتِظَـارِي
                وَكَمْ بَدَّلْتُ مِـنْ مَلَلِـي التَّكَايَـا

                وَكَمْ أَهْمَلْـتُ فِنْجَانِـي شُـرُودًا
                وَنَادِلَُهَـا تُحَـيِّـرهُ الخَبَـايَـا

                أَأُخْبِـرُهُ بِدَائِـيَ ؟ أَلْـفُ كَـلاَّ
                سَيُعْجِزُهُ - بِلاَ رَيْـبٍ - دَوَايَـا

                وَأَخْرُجُ . في عُيُونِيَ فَيْضُ سِرِّي
                تُكَفْكِفُـهُ عَلَـى خَجَـلٍ يَدَايَـا !


                * ** * ** *


                سَتَفْضَحُنِي النَّوَارِسُ كَمْ رَأَتْنِي
                أُذِيبُ بِزَفْرَتِـي لَلْبَحْـرِ نَايَـا

                سَلِي عَنِّي شَواطِئَهَا ؛ بِهَا لِي
                مَوَاعِيـدٌ أُسَائِلُهَـا هَنَـايَـا

                أُظَاهِرُهَا مَخَافَـةَ أَنْ أَرَانِـي
                وَحِيدًا تَسْتَبِـدُّ بِـيَ المرَايَـا

                وَكُنْتُ أَخُطُّ فَوْقَ الرَّمْلِ شِعْرِي
                وَيَطْوِي المَوْجُ صَفْحَتَهُ وَرَايَا

                شَمَمَتُ هَوَاهُ يَا وَعْدِي كَثِيـرًا
                وَبُحْتُ لَهُ بِمَا يَهْـذِِِي هَوَايَـا

                فَمُرِّيهَا ؛ لَعَلَّكِ حِيـنَ تَأْتِـيـ
                ـنَهَا يَحْنُو جَوَاكِ عَلَى جَوَايَا


                * ** * ** *


                سَتَحَكِيكِ المَدِينَـةُ كُـلَّ شَـيْءٍ
                شَرَحْتُ ، وَلَيْسَ لِي عَنْهَا خَفَايَا

                سَتُصْغِي رُوحُكِ الحيْرَى لِصَوْتِي
                فَقَـدْ وَزَّعْتُـهُ فِيهَـا هَـدَايَـا

                وَأَوْدَعْتُ الرِّسَالَةَ غُصْنٍ سَـرْوٍ
                بَكَى لمَاَّ رَبَطْتُ بِـهِ بُكَايَـا !!

                تَرَكْتُ إِلَيْكِ شِلْوًا مِـنْ فُـؤَادِي
                عَيِيتُ بِهِ ، وَأَوْهَى لي عُرَايَا !

                لِتَرْضَى مِنْكِ نَفْسٌ مَا الْتَقَتْنِـي
                وَتَنْعَـمَ مُقْلَـةٌ حُرِمَـتْ لِقَايَـا

                وَتُشْفَى مُهْجَتِي بِمَسَـاسِ رُوحٍ
                رُؤَاهَا خَالجَـتْ مِنِّـي رُؤَايَـا

                تعليق

                • ركاد حسن خليل
                  أديب وكاتب
                  • 18-05-2008
                  • 5145

                  #9
                  الأخت العزيزة الأستاذة فجر عبدالله
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  وقعت هنا على قراءة فاحصة وواعية وتصويرية لحركة الوحي الشعري لدى د. محمود الحليبي..
                  وجاءت هذه القراءة لتمنحنا فرصة التعرف على معالم الكلمة الشعرية في بناء القصيدة لدى شاعرنا.. المتأثرة كلّيًّا ببيئته التي نشأ وتربّى فيها.. والتي أصبحت بمثابة أيقونات ومفاتيح للغته الشعرية.
                  وهنا أتذكّر أستاذ الأدب العربي عندما كنت في المرحلة الثانوية.. عندما شرح لنا مقولة "الإنسان ابن بيئته".. عند قوله أولى بالشاعر عن سواه من الناس التأثر ببيئته وبالمكان الذي ترّبى وعاش فيه.. لتكون مصطلحاته وتراكيب كلماته نابعة من عمق المكان والزمان الذي يعيش.. بحيث تكون لغته الشعرية كذلك أكثر صدقًا وواقعية.. وتكون لغته الشعرية غريبة وغير مؤثرة.. ولن تجد من يفهمها أو يكترث لترجمتها ومعرفة مكنوناتها.. فيما لو اقترض الشاعر في كتابته لنصوصه عبارات أخرى من واقع آخر وبيئة مغايرة..
                  ولا أظن أن شاعرًا كهذا يمكن أن تكون ولادة النص الشعري لديه طبيعية ومقنعة فيما لو حاول ذلك.
                  المؤكد والطبيعي أن تكون القصيدة واللغة الشعرية أسرع وصولاً إلى الشغاف.. حين يكون الشاعر أكثر التصاقًا ببيئته وزمانه.. وهذا ما حاولت إيصاله لنا الأستاذة فجر عبدالله عن شاعرنا د. محمود الحليبي..
                  أستاذتي العزيزة فجر عبدالله.. أشكرك على أسلوبك وطريقة غوصك في أعماق الحروف الشعرية التي أتقن في نسجها وأحكم سيطرته على جمال بنائها شاعرنا د. محمود الحليبي.. فجاءت قراءتك هنا فاحصة ووارفة
                  تحياتي لك
                  تقديري ومحبتي
                  ركاد أبو الحسن

                  تعليق

                  يعمل...
                  X