على ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهات مع الاستاذ / نايف ذوابه في 10

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ريما ريماوي
    رد
    طفولة فيها ما فيها من عذاب واستعمار وقهر ...
    الأستاذ نايف المبدع والطفل النجيب.. أسعدني التعرف عليك أكثر.

    احترامي وتقديري.

    اترك تعليق:


  • نايف ذوابه
    رد
    شكرا يا أستاذة سليمى على التواجد..

    المزيد من سيرتي الذاتية في حلقات سبع بعنوان على أديم الذكريات ..

    وأيضا في زاوية الحياة إيقاع . .. توجد في منتديات أقلام ومنتديات واتا . ..

    أتمنى أن يكون فيها بعض ما يستحق العرض أمام أساتذة كبار وأستاذات كبريات ..

    في زاوية مواجهات مع الأستاذة الكريمة نجلاء نصير في العاشرة مساء بتوقيت القاهرة

    والثامنة بتوقيت غرينتش

    اترك تعليق:


  • سليمى السرايري
    رد
    وجدت هنا حياة غنية متشبّعة بالجمال

    شكرا للاستاذ نايف ذوابه
    وشكرا لزميلتي نجلاء نصير

    اترك تعليق:


  • نايف ذوابه
    رد
    http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?93735-قال-الأحمر-عشّوه-وبعد-العشا-مشّوه..!!


    قصة قصيرة .. قال الأحمر: عشوه وبعد العشا مشوه..


    http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?93521-أربعة-وثمانون-قهرًا-..

    أربعة وثمانون قهرا


    من أدب السجون ...

    اترك تعليق:


  • نايف ذوابه
    رد
    وتمضي سنوات قليلة لأواجه بحادث أليم ذهب ضحيته ابن عم لي، وكلنا في هذه العائلة المهيبة على قلة عددها رؤوس كبيرة؛ وحاملو هم أكبر من أن يُحتمل، وكان الحدث الجلل سنة 1966 إثر مظاهرات صاخبة طافت مدينة طولكرم انطلاقاً من ثانوية الفاضلية ... إذ كان المد القومي الناصري في الشغب على الملك حسين قد بلغ أوجه، فقد كان يتهم الملك الراحل بالعمالة والتواطؤ مع حلف بغداد الذي رعته بريطانيا، وكان عبد الناصر قد أخذ على عاتقه هزيمة حلف بغداد والإطاحة به... وقد شهدت الحدود الفلسطينية الإسرائيلية في هذه الفترة حوادث إطلاق نار متبادل بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأردني هيجت الشارع العام الذي كان متعاطفاً مع عبد الناصر، وإثر المظاهرة الآنفة الذكر سقط ابن عمي عبد الحليم ذوابه مضرجاً بدمائه شهيداً على أرض طولكرم بعد أن أطلق عليه جندي من جنود البادية النار من مكان بعيد، وقد كان محمولاً على أكتاف أصدقائه من الطلاب، وهو يهتف ضد العرش الهاشمي، ويندّد بتواطؤ الحكومة وعدم جديتها في مقاومة الاعتداء اليهودي على مدينة السموع الفلسطينية الحدودية...
    وانتقل خبر سقوطه من على الأكتاف وكان مشهداً رهيباً مروّعاً، وكان وقع الحادثة في نفوس الناس صاعقاً، وقد جرت له جنازة مهيبة أمّتها جموع غفيرة من نابلس وطولكرم وسائر قرى المنطقة .. كان ذلك حادثاً جللاً، وإني لأتذكر وقع الحادثة في نفسي حزناً وبكاء وألماً لم يكن ليخففه أو يهون عليّ فيه إلاّ ربت عمتي أم سمير على كتفي، ووضعي في حضنها الحنون، وقد كانت عمتي -رحمها الله- أما ثانية لي، وكان اعتزازها بي كبيراً وأثيراً نما في مقبل الأيام حين انتقلت للدراسة إلى الجامعة الأردنية... وهذه الحادثة تركت في نفسي حقداً على الظلم والطغيان، ولعلها كانت مدخلاً مبكراً في حياتي لدخول حياة النضال السياسي من أوسع الأبواب...
    وتمضي الأيام سريعة من نهاية 1966 ومنتصف عام 1967 في حزيران حين سقطت الضفة الغربية تحت أقدام الاحتلال اليهودي، وقد تحققت توقعات الأحزاب السياسية المعارضة، والتي كانت تتنبأ بسقوط الجزء الثاني من فلسطين بيد يهود سقوطاً مذلاً مريعاً، بل وكما ذكرت البيانات السياسية حينئذ كانت عملية تسليم واستلام... وسقطت قدس الأقداس، ولم يسقط على أسوارها سوى بضعة وعشرين شهيداً..!! وانسحب بقية الجيش راضياً من الغنيمة بالإياب بعد تلقيه تعليمات بالانسحاب المبكر وعدم المواجهة!!
    والحقيقة التي أود تسجيلها هنا أن الجيش الأردني ما كان ليستحق هذه الهزيمة وهو أشرف من أن يلصق به هذا العار، فهو -كما وصفه قائده البريطاني في الخمسينات- جيش من الرجال ولكنه بلا قيادة..!! وأعظم شهادة على إخلاص هذا الجيش وكفاءته معركة الكرامة التي قادها الجنرال مشهور حديثة الحجازي الصخري، وكانت معركة أبدى فيها سلاح المدفعية الأردني الذين لم يكن له غطاء جوي ضروباً فذة من الشجاعة ونال من الجيش الإسرائيلي المؤلل المدرع الذي كان يزحف آملاً أن يحتل مرتفعات السلط ليقضي على التواجد الفدائي الفلسطيني، ولم يكن يتوقع تدخل الجيش الأردني لكن الجنرال مشهور حديثة فاجأ القوات الإسرائيلية المتقدمة بالتدخل دون أن ينتظر موافقة أوامر القيادة العليا... وكانت معركة الكرامة أول معركة في تاريخ الجيش الإسرائيلي تطلب فيها الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار لما لاقاه جيشها من هزيمة مذلة في هذه معركة...
    وإثر هذه هزيمة حزيران المدوية التي أطلقوا عليها نكسة تخفيفاً لوقع الهزيمة المخزية نزحت العائلة إلى شرق الأردن... وبعد نزوح غير طويل إلى الضفة الشرقية من الأردن عدنا والأسرة متسللين تحت جنح الظلام من منطقة الأغوار إلى فلسطين... لقد أراد الوالد العودة بأي ثمن وتحت أي مخاطر بعد أن رأوا ما رأوا من ذل اللجوء وهوان اللاجئين حتى على بني جلدتهم.. ونجحت المحاولة دون أن تتنبه لنا الدوريات الإسرائيلية المتربصة بالحدود بعد أن اختفينا بين الحقول والمزارع في المنطقة مشياً على الأقدام من منطقة الكرامة على الحدود الأردنية بعد أن ألقت بنا حافلة يقودها تراكتور زراعي، ووصلنا إلى مدينة طوباس، وهناك اختفينا بين الأهالي، واستقللنا حافلة إلى عنبتا...
    ومما تطفح به الذاكرة من الذكريات النابضة بالحياة، وأنا في الصف السابع (الأول متوسط) أن البلدة شهدت مظاهرات في مناسبات كثيرة، وكنت أشارك أبناء مدرستي فيها، وكان طلاب المرحلة الثانوية يقودون المظاهرات، وكنا صغاراً حالمين نظن بجدوى المواجهة، والحماس كان يحملنا على مواجهة الدوريات الإسرائيلية والمواجهة المباشرة، ولم يكن الخوف يعرف إلى قلوبنا طريقاً، وكنا نبني السدود في مواجهة الدوريات الإسرائيلية لتقع في مواجهة مباشرة معنا حين تُفاجأ بالسد، وحين كانت تضيّق علينا الدوريات الخناق نصعد الجبال ونلتزمها ونستمر بقذف الحجارة، وفي إحدى المظاهرات التي قمنا بها على النحو المعتاد، ثم عدنا إلى المدرسة في اليوم التالي فإذا سلطات الاحتلال تقوم بوساطة الشرطة المحلية بإحضار مذكرة اعتقال لي وتسلمها للأسرة.. وفي اليوم التالي حضرت سيارة شرطة إسرائيلية إلى المدرسة، وقامت باعتقالي أنا وفتى آخر من صفي، وكنا نشترك معاً في النحافة وقصر القامة وضآلة الجسم، و ربما في المستوى الاقتصادي المتواضع للأسرتين، وحملتنا سيارة الشرطة وطوّفت بنا في البلدة، ومرت من أمام المقهى الذي عادة ما يجمع نخبة المثقفين في البلدة، والفتى الصغير وزميله لا يكادان يظهران لضآلة حجمهما وقصرهما، ولكن الناس ميزونا والتفتوا إلينا، وكانت العيون شاخصة نحونا ونحن في السيارة... نظرات ممزوجة بالإشفاق والإعجاب بهذين المناضلين الصغيرين...!!

    وفي المركز الأمني اليهودي في مدينة طولكرم عرضونا على محقق اسمه (يونا) ولكم كانت دهشة المحقق الممتلئ جثة والقصير قامة حين رآنا فتيين صغيرين لا يكادان يظهرن من على وجه الأرض...!! والمطلوب منه أن يحقق معنا، ويكتب محضر تحقيق فينا...!! فبادرني بالسؤال:
    هل قذفت الدوريات الإسرائيلية بالحجارة؟
    - لا ..
    - هل شاركت في بناء السدود في وجه الدوريات الإسرائيلية؟
    - لا..
    - وأخذ يصيح ويرغي ويزبد ويذكر فلاناً وعلاناً ممن اعتقلتهم الشرطة، واعترفوا علينا وأنا أنفي التهم بثبات.. وهنا صرخ في وجهي بكلمات نابية وقال: طولك طول (...) وتبني السدود في طريق الدوريات الإسرائيلية وتقذفها بالحجارة.. واستمر في وعيده وتهديده، ثم طلب مني أن أستدير إلى الحائط.. ومضت الجولة الأولى وقبيل العصر أعطاني مذكرة بمراجعة المركز لأحضر أنا ووالدي للتحقيق، ولم يحتجزوني لأنني دون السن القانونية...
    وعدت غير مرة والتحقيق نفس التحقيق، ولم أعترف وظللت صامداً.. طبعاً كان هناك تدريب وتأكيد من الوالد على الصمود وعدم الاعتراف.. وانتهت محاضر التحقيق... وفي يوم من الأيام لم أبلّغ فيه بالحضور إلى المحكمة، ولم أكن مستعداً للذهاب إلى المركز الأمني فإذا سيارة الشرطة تأتي إلى المدرسة، وطلبتني من مدير المدرسة، وأخبرني الشرطي بالصعود إلى السيارة؛ لأن اليوم هو موعد المثول أمام المحكمة العسكرية، وفعلاً ذهبت معهم، ولحقني أبي إلى المركز الأمني، ومثلت أنا وبقية زملائي أمام القاضي العسكري، ونادى اسمي فوقفت، وبدأ القاضي يسألني:
    هل أنت مذنب؟
    - لا..
    - وأعاد عليّ السؤال، وكان خلفي والدي ورجل أمن عربي يمثل السلطة الإسرائيلية، فقال رجل الأمن العربي: اعترفْ أنك مذنب بينما كان يردّ والدي بالنحنحة والإحم من خلفي(إحم إحم) يريد أن يقول لي: لا تسمع له .. ويتكرر السؤال من القاضي وعرض لائحة الاتهام والطلب مني بالاعتراف، و رجل الأمن خلفي يطلب مني الاعتراف، بينما كان والدي يردد(إحم إحم إحم) ...!!
    وانتهت المحكمة بإصراري على عدم الاعتراف بما في لائحة الاتهام وعدم الاعتراف بأني مذنب، وكانت النتيجة إعلان براءتي مما أُسند إليّ، ويخرج الفتى مبتهجاً بصموده، رافعاً رأسه بنتيجة هذه التجربة لطفل لمّا يتجاوز الثانية عشرة من عمره أمام محكمة عسكرية إسرائيلية...!!

    ويعود الفتى أدراجه إلى بيته وقلبه الجسور يتراقص من الفرح بالبراءة، وتكاد تُسمع دقات قلبه من الانفعال، وأول من لاقاني إثر نزولي من الحافلة كان عمي الحاج علي الذي أراد أن يفسد عليّ الفرحة حتى لا أتمادى وأعود ثانية إلى التظاهر والمشاركة في بناء السدود، ولكن كنت أعلم علم اليقين أنه كان سعيداً بجسارة ابن أخيه، وأن قلبه كان يتراقص من الفرح بهذا الفتى الجسور محط افتخاره، وقد كان فعلاً موضع احترامه وتقديره على الأيام ..

    اترك تعليق:


  • نايف ذوابه
    رد
    ثرثرة على ضفاف الذاكرة .. على أديم الذكريات

    في قرية وادعة جميلة تنام هادئة في حِضن سفحي جبل أنيق، وتمتد سهلاً على الساحل الفلسطيني مدّ النظر تتعانق فيها أشجار الزيتون وبيّارات البرتقال، وتصحو على وقع أقدام الفلاحين مع تسابيح الفجر... وُلدت وترعرعت ودرجت ... في عنبتا، تلك القرية الجميلة الأخّاذة بكل ما فيها من سحر الجمال وأناقة المباني ونظافة الحارات والشوارع والساحات... جميلة بأهلها الفلاحين البسطاء وأبنائها المثقفين المتعلمين؛ فأبناء عنبتا ساهموا في تعليم القرى المحيطة والبعيدة في منطقة طولكرم ونابلس، والناس يعترفون بفضلهم ويذكرون ذلك لهم... وقد لمست ذلك كثيراً أثناء تطوافي و سياحتي في بلاد الاغتراب؛ فكلما التقيت بأخٍ من قرى هاتين المدينتين اللتين تربضان شمالي فلسطين ذكروا لي أسماء المعلمين المرموقين من أبناء عنبتا... الذين علموهم وعرفوا لهم أيادي بيضاء في قراهم.. ويشهدون لهم بكفاءتهم وإخلاصهم ...
    وإن أنس فلا أنسى أن عنبتا مسقط رأس الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الذي استشهد في معركة الشجرة وهو صاحب الأبيات المشهورة:



    سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
    فإما حياةٌ تسرُّ الصــديــــقَ وإما ممات يغيـــظ العــــدا
    وما العيشُ إنْ لــمْ أعشْ مهيبَ الجنابِ حرامَ الحمى
    ونفسُ الشريف لها غايتان ورودُ المنايا ونيلُ المنـــى
    لعمرك هذا مماتُ الرجـالِ فمنْ رام مـوتاً شريفاً فــذا

    في شهر نيسان ولدت، وما أدراك ما شهر نيسان في بلادي... شهر الربيع والجمال، حين يشيع الدفء وتبدأ الشمس تسطع بأشعتها الذهبية تعانق الحياة بحرارة الحبيب الذي طال به الغياب واستبد به الشوق، وتبدأ الحياة والنشاط يسريان في العروق ... وتكون الأرض خضرة فوّاحة بأريج أزهار الربيع.. والربيع الفتان يكسو الوهاد والسفوح والسهول الممتدة من بيارات بلادنا، فضلاً عن حدائق البيوت التي لا يخلو بيت منها من بضع شجرات من البرتقال والليمون واللوز والتين وكروم العنب ...

    لك الله يا عنبتا!! يا مهد الطفولة الشقيّة والصبا الفتّان...!! كم أحبك وكم أهيم في كل ساعة من ساعات الصبا فيك، ويا لأحلام الطفولة الوردية و وشوشات العصافير تحكي قصص الكفاح في صباحاتك الندية...





    لا أظن أن أمي قد خفي على قلبها أن ما يحتضنه رحمها كان طفلا ذكرًا؛ والنساء يعرفن ذلك من شغب ذلك الجنين وحركته غير العادية في الأحشاء؛ يبدو لي أنها كانت سعيدة بحملها على الرغم من ألم الوحام ومشاق الحمل في قرية صغيرة يعيش أهلها من كدّ أسرة كل من فيها يعمل، يسرح مع إشراقة كل شمس ويعود قبل الظهيرة والشمس ما زالت حانية رقيقة .. من المؤكد أنها كانت تنتظر وليدها بفارغ الصبر لتباهي به الجارات ولتزداد لدى رفيق دربها وعمرها مكانة وتمكّنًا .. كذا نحن في وطن يعتبر الأولاد عزوة وقوة في المجتمع ..
    لم تخبرني أمي كيف جاءها المخاض وأين، ولكن ما أنا متأكد منه أو أكاد أنها ولدتني كباقي الأمهات الفلاحات بعد أن جاءها المخاض إما وهي تحصد القمح و تجمعه، أو حين كانت تصعد شجرة من الأشجار تقطف ما عليها من ثمار .. هكذا كان يأتي أمهاتنا المخاض؛ فلا تعي إلا وطفلها يشق طريقه إلى الحياة يصرخ بملء الرغبة للخروج من ظلام الرحم إلى نور الدنيا .. فتتلقفه يداها وتزيل ما على وجهه من أغشية ليتنفس عبق الحرية وتطبع على جبينه قبلة السعادة والرضا والشكر لله وهي في غمرة الألم، وتقوم بيدها مستعينة بحجر صوان حاد بقطع الحبل السري الذي كان يربطها بوليدها وتتأكد من خروج ما يسمى "بالخلاصة" من رحمها..
    هكذا خرجت إلى الدنيا، وألقت عليّ والدتي بعبء هذا الاسم الذي أرادت أن تباهي به الجارات فكنت كما ستقرؤونني في ثنايا هذه المذكرات .. كانت محطات امتزجت فيها مواقف أملاها الإباء وحرية الإنسان وكرامة المسلم أن أكونها فخضبت حياتي بالألم ومستكن القهر من مجالدة الظلم والاستبداد في ديار غابت عنها شمس الحرية والكرامة ولما تعد ..

    لعل أقدم ما أذكر من ذكريات الطفولة الغضّة تلك الحادثة التي كان فيها الطفل الصغير يقف إلى جوار أمه بينما كانت تنتظر الحافلة لتذهب إلى مدينة طولكرم إلى الطبابة(المركز الصحي)... وكان الصغير ملازماً لأمه ملازمة الظل... لم تستطع الأم أن تنفك من صغيرها المتعلق بها إلاّ أن تدفعه بشق الأنفس على الرغم مما يكلفها ذلك، فإنها حين دفعته كأنما دفعت بقلبها أو فلذة من كبدها، ولكن للضرورة أحكام!! وبينما هي استقلت الباص وتركته على الرصيف على أمل أن يقتنع بالعودة راضياً إلى بيته القريب من الشارع، أو يصادفه أحد أقربائه من البيوت المجاورة القريبة من الشارع العام فيأخذه راغماً... إذا الصغير العنيد يصر على اللحاق بقلب أمه، وظل يعدو خلف الحافلة ويستمر بالعدو ظناً منه أنه سيدركها، ويصطحبها في رحلة العمر ويركب الحافلة...!! ويعدو الطفل الذي لم يكن ليظهر من على الأرض؛ فقد كان ضئيل الحجم خفيف الحركة، والغريب أنه لم يلفت نظر أحد من المارة وهو يعدو، حتى قطع مسافة طويلة لا تقل عن كيلو متر ونصف أو أكثر، فيصادفه شيخ مسن، ويصطحبه إلى حقله في المنطقة المعروفة بالمنطار بين عنبتا وقرية بلعا، وهي منطقة عالية مشرفة على الساحل الفلسطيني يكاد الواقف على قمته أن يرى منها الساحل ومدنه التي تبعد نحو ثلاثين كيلو متراً عن المكان، وكانت تقيم في المنطار حامية للجيش الأردني ليشرف منها على مواقع العدو قبل عام 1967 ... وقد مشى الطفل مسافة طويلة حتى أشفق الشيخ عليه من شدة الإعياء، ولكن لا حيلة، وقد انعدمت الوسيلة، وسار برفقة الشيخ ماشيين، ومكث معه حتى انتصف النهار في حقله...

    الطفل الذي أجهده المشي أسلم عينيه للنوم تحت ظل شجرة، وظل ينتظر حتى انتهى الرجل من بعض شؤونه في العزق والنكش معتمداً على فأسه التي يحتفظ بها في كرمه.. ويعود الطفل بعيد الظهر بصحبة الشيخ، وكعادة الفلاحين لا يفتقدون أبناءهم إلا حين يحل موعد طعام أو يحل الظلام؛ لذلك لم يكن في الأمر مشكلة إلاّ حين عرف الأهل حقيقة ما حصل...!!
    هذه القصة تذكرتها وهي حية في ذاكرتي، ولعلها أقدم ما أتذكره من طفولتي اللافتة، وكان عمري نحو خمس سنوات أو أقل قليلاً، وما أن دخل الطفل المدرسة حتى كان لافتاً للأنظار أكثر؛ فقد كان تلميذاً نجيباً، وكان موضع افتخار والديه واعتزازهما، ولكن اعتزاز الوالدة بطفلها كان أكثر، أما الوالد فقد شغله السعي في طلب الرزق وتأمين لقمة العيش التي كانت عزيزة وصعبة في تلك الأيام شغله عن توفير الإرواء العاطفي والرعاية الوجدانية لصغيره... فمنحته الأم من حنانها و اهتمامها ما حقق الإشباع، ولم تكن -حفظها الله- تقبل أن تمضي مناسبة استلام شهادته دون أن تشتري الشوكلاته لتحلى المعلمين بمناسبة تفوّق صغيرها أملها وموضع افتخارها بين الجارات...!!



    أيام على البال وذكريات على بساطتها لكنها تحرك في النفس الأشجان وتقلّب عليها المواجع، وتهيج بعض الفرح والقلق على مستقبل أبنائنا الذين نخشى عليهم أن يخرجوا من البيت لقضاء حاجة من حوائجه فإذا تأخر أحدهم قليلاً حسبنا أن الدنيا قد قامت ولم تقعد بغيابهم لضعف إرادتهم وضعف خبرتهم في الحياة، و لافتقادهم حسن التصرف إذا ما ألم بهم شيء أو فاجأهم طارئ ...

    اترك تعليق:


  • على ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهات مع الاستاذ / نايف ذوابه في 10



    في العاشرة مساء بتوقيت القاهرة الثامنة بتوقيت جرينتش
    نلتقي على ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهات مع الأستاذ / نايف ذوابه

    كونوا معنا
يعمل...
X